الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (548) - سورة الصافات 38-62

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الأَلِيمِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[الصافات:35-60]: يخبر الله -سبحانه وتعالى- عن هؤلاء المكذبين بالبعث القائلين لرسولهم -صلى الله عليه وسلم- أنه شاعر مجنون أن الله -تبارك وتعالى- سيلقيهم العذاب هم والذين أضلوهم من الجن, وأخبرنا -سبحانه وتعالى- عن مقالتهم بعضهم لبعض هؤلاء المجرمون, وهم في النار الإنس الذين ضلوا, والجن الذين أضلوهم قال -جل وعلا-: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}[الصافات:27] قالوا: أي الإنس لهم {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}[الصافات:28] فيرد عليهم أولئك فيقولون بل كنتم قالوا{قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ }[الصافات:29-31] أصبح قول ربنا علينا حقا في أن نذوق وإياكم النار كما قال الله -تبارك وتعالى- لإبليس: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ }[ص:84-85] , قالوا {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ }[الصافات:31] هذا عملنا هذا عملنا وشغلنا وهذا الذي أخذوه على أنفسهم, والذي أقسم إبليس بالله إنه لا بد أن يفعله قال:  {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص:82-83] قالوا {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ}[الصافات:32].

 قال -جل وعلا-: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}[الصافات:33] هم والذين أضلوهم مشتركون في العذاب {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}[الصافات:34] إنا كهذا الفعل نفعل بالمجرمين يعني الضال, ومن أضله والضلال بعضهم مع بعض في النار -عياذًا بالله- {لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص:85], {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}[الصافات:34] ثم بين الله -تبارك وتعالى- إجرامهم وكيف أنهم تركوا الإله الواحد الذي لا إله إلا هو رب السماوات والأرض واتخذوا هذه الآلهة البائسة يدعونها من دون الله قال: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}[الصافات:35] عن الرب الإله -سبحانه وتعالى- {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}[الصافات:36]: سؤال مستعظمينه مستكبرينه كيف نترك ألهتنا التي نقدسها ونعبدها؟ وكان يعبدها آباؤنا لشاعر مجنون أي أن النبي محمد -صلوات الله وسلامه عليه- قال -جل وعلا-: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ}[الصافات:37]: فهو رسول من الله -تبارك وتعالى- جاء يصدق المرسلين فيما قالوا فيه يعني الله -تبارك وتعالى- فإن كل الرسل دعوتهم واحدة إلى عبادة الله وحده لا شريك له , ثم قال -جل وعلا-{إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الأَلِيمِ}[الصافات:38] إنكم أيها المكذبون لذائقون العذاب الأليم مقاسوه {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[الصافات:39]: أي لا يجزيكم الله -تبارك وتعالى- إلا بأعمالكم هذا عملكم وهو يستحق  كفركم بالله -تبارك وتعالى- ترككم عبادة الله الواحد الذي لا إله إلا  هو وعبادتكم هذه لآلهة التي لا تنفع ولا تضر التي لا يدعو إلى عبادتها, أي عقل ولا أي فهم ولا أي فكر إنه يدعو إليها ليس إلا الاستكبار والعناد والضلال والطمس, وأن تساق هذا السوق إلى عبادة ما ينفعكم ولا يضركم , ثم قال -جل وعلا-: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}[الصافات:40]: أي استثناء هنا إلا عباد الله المخلصين عباد الله الذين الله -تبارك وتعالى- أستخلصهم وخلصهم من أن يعبدون غيره -سبحانه وتعالى- نفس المقالة كما قال الله -تبارك وتعالى- لإبليس: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}[الحجر:42], فالذي يتبعك من الغاوين أنت وإياه في النار, ولكن عباد الله الذي خلصهم وعبدوه وحده لا شريك له وحماهم من هذا الشيطان, فهؤلاء لهم شأن أخر إلا عباد الله المخلصين الذين خلصهم الله -تبارك وتعالى- من هذا الشرك والكفر إليه -سبحانه وتعالى-, وأولئك: إشارة بهم لهم رزق معلوم رزق من الله -تبارك وتعالى- طعام وشراب, ولباس ومتاع رزق لكنهم معلوم, معلوم عند الله -تبارك وتعالى- قد أعلمنا الله -تبارك وتعالى- به, وقد أخبر به وهو رزق الجنة رزق معلوم ما هذا الرزق قال: {فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}[الصافات:42-43]: هذا رزقهم المعلوم الذي معلوم حق وأعلم الله -تبارك وتعالى- به عباده, وأخبرهم به -سبحانه وتعالى-, فواكه من كل الأصناف والأشباه من كل فاكهة زوجين يقول الله -تبارك وتعالى-, وهذه الفواكه هذا الطعام الثمار التي يتفكه بها لأنها تدخل السرور والفرح والبهجة على القلب بجمالها برائحتها الطيبة, بطعومها المختلفة كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا: فهي فواكه هذا طعام بتفكه به الإنسان وذلك من تنوعه وتلونه, ومن بهجته التي تدخل السرور على القلب, ومن روائحه الذكية رائحة هذه غير رائحة هذا غير رائحة هذا فواكه وهم مكرمون, والحال أنهم مكرمون مكرمون إكرام من الله -تبارك وتعالى- ذي الجلال والإكرام وإكرام الله -تبارك وتعالى- يكرمهم ملائكة تكرمهم فتسلم عليهم كما قال -تبارك وتعالى-: {........ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ}[الرعد:23], {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد:24]: فالكل هنا هم في محل التكريم, وهو محل النفاسة والعناية والإتحاف من الرب -سبحانه وتعالى-, ومن ملائكته الذين يحفونهم ويبشرونهم ويسرونهم بما يسرونهم به ويكونون في استقبالهم وفي العناية بهم والرفادة بهم, {........ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ }[الصافات:42-43] جنات بساتين النعيم الذي يتنعم فيها من يدخلها بكل أنواع النعيم, بكل أنواع النعيم هواءها ماؤها ثمارها دورها قصورها نساؤها لباسها حبورها, كل أنواع  النعيم مما يخطر بالبال ومما لا يخطر بالبال, أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

 {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[الصافات:44]: سرر جمع سرير متقابلين أي أنهم أهل الجنة متحابون ويجلسون على سرر في مجالسهم متقابلين يقابل بعضهم بعضًا وهذا إقبال بعضهم على بعض ليسلم بعضهم بعضًا ويستأنس يعضهم بحديث بعض, فليس بينهم تدابر لا في المجالس ولا في يعني غير المجالس يتدابرون بمعنى أنه متصاخطين فيهم غيبة وفيهم نميمة وفيهم حقد لبعضهم بل إن الله -تبارك وتعالى- طهر قلوبهم في بعضهم لبعض من كل شيء كما أخبر -سبحانه وتعالى- أنهم إخوانا على سرر متقابلين ما الأخوة الكاملة فيهم, وأنه لا حزنى ولا مشاحتة ولا تشاحن بين اثنين منهم, {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[الحجر:47] قال على سرر متقابلين في مجالسهم {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ}[الصافات:45]: أصل الخمر من معين الخمر بكأس كئوس الخمر كئوس الشراب يطاف عليهم تطوف عليهم الطواف هو الدوران, أن تدور عليهم كئوس الخمر هي الخمر معين الخمر, والذي يطوف عليهم بهذا هم كما قال -جل وعلا-{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا}[الإنسان:19], {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ }[الواقعة:17-18] بيضاء خمر بيضاء هذا لونها لذة للشاربين, أي إذا شربها فيلتذ بشرابها فهذا أول صفة من صفاتها أنها تخالف هذه الخمر الدنيوية من صفات كثيرة أولًا في اللون, ثم في الطعم فإن طعم خمر الدنيا طعم لاذع وشدة الخمورة , فهي كريهة الرائحة, أما هذه ثم في شربها يتغصصها ولذلك لابد أن يكون هناك ما يسيغها به من هذه الأشياء الأخرى التي يأكلها ليسيغ بها الخمر, أما هذه لا هذه بيضاء لذة للشاربين, لا فيها غول الغول هو هذه المادة الكحول هذه المادة التي تغتال العقل وتغطيه.

 {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ}[الصافات:47]: أنه لا ينزف عنها بمعنى أنه لا يبعد عنها لأنه اكتفى ما شربه وأتخم وبلغ به الشراب هذا الحد كخمر الدنيا التي له حد في شربها, يشرب ممكن يشرب قارورة خمر في هذه الدنيا لكن يسكر وينتهي الأمر, أما هذا لا مهما شرب منها فإنه يشرب منها ملتذا بها ولا ينزف عنها بمعنى أنه يبعد عنها وتبعده يعني نفسه أنه خلاص تقف ولا تشتهيه, لا بل هو في التذاذ دائم بشربها, وفي الآية الأخرى ولا هم عنها ينزفون, ينزفون بمعنى أنهم يخرجون ما يشربونه فإن الشارب خمر في الدنيا إذا أكثر من الشراب يتقيأ بعد ذلك ما شربه, فهذا لا يتقيأ ما شربه لكثرة الشراب ولا يمل من كثرة الشراب فإنه لا ينزف عنها ولا يبعد عنها, فهمها شرب منها فهو في التذاذ وكذلك لا يحتاجه ليس هناك امتلاء للبطن ليخرجه منه, وهذا قمة الهدي خمر ويطاف عليهم بها لا تنقص عندهم ليس فيها الذي يغتاله العقل بل يبقي في لذة ونشوة ولا يضيع عقله معها, {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ [الصافات:48]: عند أهل الجنة قاصرات الطرف عين وهنا وصف الله -تبارك وتعالى- نساء أهل الجنة بأنهم قاصرات الطرف, الطرف العين طرفها مقصور على زوجها وذلك أنهن {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ}[الصافات:49]: مصون في قصرها في خيمتها في دارها مقصورة على زوجها وليست كما الشأن في أهل الشراب التي تأتيهم القينة فتطوف عليهم جميعا وهي في محل نظر الجميل واستمتاع الجميع بالنظر واللمس والتقبيل من هذا الحال المزري, والقذر الذي عليه استمتاع أهل الدنيا, لا بل الله -تبارك وتعالى- جعل متعة أهل الجنة تختلف عن هؤلاء في هذا, فإن هؤلاء عندهم أي في قصورهم وفي خيامهم وفي دورهم قاصرات الطرف حوريات طرفها مقصور فقط على زوجها لا ترى يعني حبا لها وأملا لها وسعادة لها إلا زوجها وعندهم عند كل منهم قاصرات الطرف عين, عين جمع عينها والعينان التي هي كبيرة العين وهذا جمال هذا هنا وصف الله -تبارك وتعالى- نساء الجنة بوصفين عظيمين أنها قاصرة الطرفأي على زوجها لا مطمع لها في غير هذا الزوج ولا مال لها في غيره, وهذا قمة الكمال لو كان فيه نساء الدنيا فإن قمة الكمال في امرأة في الدنيا أنها مقصورة على زوجها, ولا تتطلع إلى غيره وهذا هو عندها منتهى الإرادة ومنتهى اللذة والنشوة لذتها ونشوتها وحبها هو هذا فقط ولا تنظر إلى غيره, أما إذا كانت امرأة مهما كانت من أجمل النساء في الدنيا ولكنها تتطلع إلى غير الزوج تبقى هنا غصة في الحلق , فنساء أهل الجنة أولا قاصرات الطرف, ثم وصف الله -تبارك وتعالى- بأنهن عين كل منها عينان عين وهذا الجمال العيون هو قمة الجمال في المرأة.

 ثم قال -جل وعلا-: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ}[الصافات:49] هذا الوصف الآخر كأنهن في قصورهن وفي دورهن وفي خيامهن للمؤمن كأنهن بيض مكنون, البيض المكنون بيض الطائر في عشه فإنه يكنه من كل أحد إنه يمر عليه يخفيه ويخبئه ويكنه عن الجميع ويخفيه مثل ما يخبئ الطائر بيضه, بيض مكنون فهذه امرأة الجنة درة في صدفتها خيمتها هي درة فيها فقط ليست امرأة كنساء الدنيا هبهن جميلات, ولكنهن سافرات سائحات في الأسواق, ومختلطات بصنوف الرجال امرأة على هذا النحو قذرة حقيرة الاستمتاع بها لا شك أنه استمتاع قذر حقير لكن الله -تبارك وتعالى- يخبر بأن استمتاع أهل الجنة بزوجاتهم أعلى أنواع هذه الاستمتاع وهن أولا كل زوجة مقصورة على زوجها, ثم ليس قصرًا بقفل وإغلاق, وإنما بخلق وقلب مقصور وعين مقصورة هي على هذا الزوج لا ترى في الوجود عندها أفضل منه ولا أحسن منه ولا تتطلع إلى غيره ولا تنتظر أن يموت حتى تتزوج غيره أو أن يطلقها حتى تفارقه, أو أن هناك حبا لها غير هذا الحب لا بل هي مقصورة على هذا, ثم هن في بيوت المؤمن لا يبرحنه كأنهن بيض مكنون في أماكنهن كما في الحديث إن للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة خيمة هذه الخيمة غير القصر هي أقل من القصر من لؤلؤة واحدة طولها في السماء سبعون ميلا في السماء سبعون ميل في السماء الميل اللي هو 1700متر وكسور أو 1670 متر في السماء سبعون ميل في السماء للمؤمن فيها أهله في جنباتها لا يرى بعضهم بعضا هذا الخيمة فكيف بالقصور؟! فأهل الجنة عندهم زوجاتهم في قصورهم كما قال الله -تبارك وتعالى- في وصف الطبقة العليا من أهل الجنة قال: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ........}[الصافات:48] الطرف عِينٌ ما طرفها لا عين {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ}[الرحمن:58]: وصفهن بأنهم في خلقهن كأنهن الياقوت والمرجان كما قال النبي -صلوات الله وسلامه عليه- يرى مخ عظامها من من وراء اللحم والعظم فيرى مخ العظام فإنها مثل البلورة الشفافة وقال: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}[الرحمن:72]: هذا بالنسبة للطبقة الثانية من أهل الجنة, المتاع الثاني أي أنها هي في هذه الخيمة لا تتعداها فليست خارجة إلى سوق, وليست خارجة إلى عمل وإلى شغل وإنما هي مقصورة في الخيام, والخيام ليست خيام الخيش والقطن التي يصنعها الإنسان أو نحو ذلك ولكنها خيام لؤلؤ قال -جل وعلا-: كأنهن وصف الله -تبارك وتعالى- نساء أهل الجنة في قصرهن كل زوجات على زوجهن فقط, وليست متعرضات لابتذال عند غيرهم عند غيرهم من الأزواج قال {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ}[الصافات:49] في صفائهن أولا تشبيه في الصفاء صفاء الأجسام, وكذلك في أنهن مكنونات غير مبتذلات ومتبرجات وخارجات وداخلات.

  ثم قال -جل وعلا-: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}[الصافات:50]: وهم على هذه الحالة وهم جالسون على أسرتهم الموضونة من الذهب {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ}[الواقعة:15], {مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ}[الواقعة:16]: أي الجنة, هذا الرجال {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}[الصافات:50]: بعض أهل الجنة في يتكلم مع خلانه وأصدقائه وأحبائه في الجنة {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ}[الصافات:51] إني كان لي قرين قرين مقارن هذا من الجن موسوس له وسوس له {يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ}[الصافات:52]: أي يقول هذا القرين يوسوس لكن في الدنيا يقول أئنك لمن المصدقين؟ سؤال للاستبعاد والاستنكار, أي هل أنت تصدق هذا الكلام في أننا نبعث ويكون هناك مسئولية ويكون هناك جنة ويكون هناك نار كيف نخرج من قبورنا بعد أن نكون رميم أئنك لمن المصدقين{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ}[الصافات:53]: هذا كلام القرين من الجن الذي وسوس لهذا الإنسان يقول له أئذا متنا عندما نموت, وكنا ترابا بعد أن تفنى وتتحول لحومنا وشعورنا, وتصبح تراب وتختلط بالتراب وعظام على هذا النحو البالي الهش الفاني أَئِنَّا لَمَدِينُونَ أئنا بعد ذلك نبعث وندان نحاسب أمام الله -تبارك وتعالى- أَئِنَّا لَمَدِينُونَ فيقول أنا كان لي هذا قرين واحد يوسوس شيطاني كان يوسوس لي بهذا الوسواس أين ذهب؟ {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ}[الصافات:54]: هل أنتم مطلعون معي لنطلع لنرى أي مكان في النار قال -جل وعلا-: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}[الصافات:55]: فاطلع من مكانه في الجنة إلى النار البعيدة فرآه في سواء الجحيم أراه الله -تبارك وتعالى- إياه أراه في سواء الجحيم في وسط النار, سواء الشيء هو وسطه كما قال سواء السبيل يعين وسط الطريق, فرآه في سواء الجحيم رأي قرينه الذي كان يوسوس له بهذا الوسواس, وكذلك يصدق هذا كذلك أنه له قرين من الإنس وأنه كان يوسوس له هذا الوسواس, وكان يفعل معه فعل الشيطان كما هم شياطين الإنس يقول له يا رجال أأنت تصدق فيه يوم قيامة هذا أمر مستعبد, وهذا فكان هذا قرينه أي صديقه المقارن له في هذه الدنيا يوسوس له كذلك ويدعوه إلى الكفر بالله -تبارك وتعالى-, ويقول له لا يمكن أن يكون هناك بعث ولا نشور, ثم إنه يطلع قال فرآه في سواء الجحيم رأي قرينه هذا الذي كان يوسوس له ويدعوه إلى الكفر بالله -تبارك وتعالى-, وإلى التكذيب بيوم القيامة في سواء الجحيم في وسط النار فقامت بينهم هذه بعد ذلك هذه المحادثة قال أي المؤمن له {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ}[الصافات:56]: يقسم له بالله أنه يقول له إن كدت لتردين أي ما كان بيني وبين الانزلاق معك إلى الكفر الذي أنت فيه إلا قاربت هذا شيء قليل وكدت انزلق معك وأصدق بالذي كنت توسوس لي به {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}[الصافات:57]: لولا نعمة ربي علي بالتصديق والإيمان لكنت من المحضرين معك في العذاب من الذين يحضرون العذاب معك , طبعًا تبكيت لهذا الذي يعني لقرينه الذي في النار, ثم يعود بعد ذلك إلى إخوانه المؤمنين وهم جالسون في لهوهم وفي متعتهم وفي شرابهم وفي متاعهم فيقول لهم يا جماعة {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ}[الصافات:58] صحيح لأن الحال التي نحن فيها في الجنة ليس بعدها موت {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى ........ }[الصافات:58-59] التي متناها ونحن في الدنيا بعد حياة أولى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ وما نحن بمعذبين سنبقى في هذا النعيم المقيم الذي نحن فيه, ولا عذاب بعد ذلك, هذا أمر عظيم {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[الصافات:60] إن هذا الذي نحن فيه لهو الفوز, وهو حصول المطلوب الأكبر العظيم الذي لا أعظم منه, فانظر المآل الذي آل إليه عباد الله -تبارك وتعالى- المخلصين قال -جل وعلا- معقبًا على هذا بعد أن نقل لنا -سبحانه وتعالى- هذه الصورة وكأننا نشاهدها مع هؤلاء المؤمنين الذين يتكلم بعضهم مع بعض, ثم مع كلام هذا المؤمن لقرينه من الجن والإنس الذي يخاطبه على هذا النحو الله -تبارك وتعالى- نقل إلينا صورة حية كأننا نشاهدها.

 ثم قال -جل وعلا-: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}[الصافات:61]: لمثل هذا المآل والمقام والفوز العظيم فليعمل العاملون من أراد أن يعمل لينال مطلوبه ليفوز لينال الخير كل الخير هذا الطريق, من يريد أن يعمل بالفعل هذا وذلك أن كل الناس تعمل وكل يطلب الخير لكن يعمل ربما يقضي جهده كله ليبني له بيت ليكون له أولاد يكون له زوجة, ما يكون من كل متع هذه الحياة لكن العمل ليكون له هذا المقام في جنة الله -تبارك وتعالى- هذه القصور, وهذه الدور وهذا الحور, وهذا النعيم المقيم, وهذا السرور, وهذا الحضور هذا لا يمكن مقارنته بما يعمل له العاملون فإن العاملين لهذه الدنيا يعملون لكن لأمور في النهاية أمور حقيرة صغيرة لا يمكن مقارنتها بهذا الفوز العظيم, فالذي يريد أن يعمل وأن يجد وأن يجتهد وأن يشتغل ليفوز بأعظم مطلوب هو أن يعمل لهذا المقام ليكون في الجنة على هذا النحو.

 ثم عقد الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك مقارنة بين ما فيه هؤلاء المنعمون من أهل الجنة وما فيه أهل النار -عياذًا بالله- فقال: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ}[الصافات:62]: أذلك هذا الذي حدث الله -تبارك وتعالى- عنه مما هو فيه أهل الإيمان خيرًا نزلا النزل ضيافة ما يقدم للضيف الإكرام الإتحاف المنزل الذي نزله هؤلاء في الجنة أم شجرة الزقوم هذا نزل أهل الجحيم -عياذا بالله- شجرة سماها الله -تبارك وتعالى- الزقوم, وهذهشجرة وصفها الله -تبارك وتعالى- هذه الشجرة فقال {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات:63-65]: فهذه هي شجرة الزقوم شجرة تخرج في أصل الجحيم في أرض النار السفلى, وتتفرع لكنها تتغذى بالنار وتخرج بالنار وثمارها هي نابعة من هذه النار فهذا موضوعًا وشكلا أيضًا مرعبة يقول الله -تبارك وتعالى- طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ثم يقول -جل وعلا-: {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ}[الصافات:66] لتفصيل هذا الأمر إن شاء الله نعود لنعيش مع هذه الآيات ومع وصف الرب -تبارك وتعالى- لعذاب أهل النار, والمقارنة التي عقدها الله -تبارك وتعالى- بني ما فيه الجنة, وأهل النار.

نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.