الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ }[الصافات:62-73], بعد أن ذكر الله -تبارك وتعالى- متاع أهل الجنة وأنهم {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ}[الصافات:43-47] هذا خمرهم خمر الجنة, ثم {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ}[الصافات:48] نساؤهم كل منها قاصر طرفها على زوجها عين عينا كأنهن بيض مكنون أي أنهن في خدورهن في قصورهن في خيامهم لا يبرحن إلى خارج هذه القصور, بل {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ}[الصافات:49] مثل البيض بيض الطائر الذي يحفظ في عشه لا يعرض لإخراج وإنما هو مكنون محفوظ فيه {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}[الصافات:50] أهل الجنة قال قائل منهم يقول لإخوانه {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ}[الصافات:51], {يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ}[الصافات:52]: أي بالبعث والنشور {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ}[الصافات:53] هذا كلام قرينه هذا من الشياطين الذي يريد أن يذله وأن يكفره بالله -تبارك وتعالى- فقال لإخوانه {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ}[الصافات:54]: اطلع هذا المؤمن من مكانه في الجنة إلى النار فرآه رأى قرينه {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ }[الصافات:55-56] لما يكن بيني وبين الكفر بالله -تبارك وتعالى- إلا مقاربة صغيرة فترة يسيرة وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي في أن ثبتني على الإيمان واليقين{........ لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}[الصافات:57] أي في العذاب معك, ثم يقول لإخوانه {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }[الصافات:58-59], ثم عقب الله -تبارك وتعالى- على هذا فقال {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[الصافات:60] إن هذا الذي فيه أهل الجنة في خمرهم ونساءهم ومتعهم وأصدقائهم وحديثهم وما هم فيه مما أكرمهم الله -تبارك وتعالى- به ونجاهم من النار هذا هو الفوز العظيم لا فوز أعظم من هذا, {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}[الصافات:61] هذا الذي هذا المقام وهذا النعيم هذا لمثله فليعمل العاملون أي إذا أراد يعمل العاملون لشيء فليعملوا لهذا النعيم ليصلوا إلى أمرك هذا, ولا يوجد شيء مثله إلا هو إلا هو هذا النعيم الذي يجب أن يعمل له العالمون {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}[الصافات:61], ثم قال -جل وعلا-: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ}[الصافات:62]: أذلك المشار إليه هذا نعيم أهل الجنة خير نزلا ضيافة وإعداد لاستقبال هؤلاء المؤمنين أم شجرة الزقوم التي تعد وتستقبل نزل لأهل الجحيم -عياذًا بالله-.
ثم وصف الله -تبارك وتعالى- هذه الشجرة فقال: {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ}[الصافات:63] فتنة لها عندما تظهر ثمارها فإنهم ينطلقون إليها من الجوع الذي يشرعون به في بطونهم ليأكلوا منها {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ}[الصافات:63] أنها شجرة {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}[الصافات:64] وحسبك بهذا خبثا أن سوء المنبت فإنها لا تنبت في أصل النار وأصل النار هو أشدها حرارة وأعظمها. فغذاؤها ونموها من أصل النار فكيف تكون ثمارها؟ {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات:64-65] خبث الأصل, وكذلك خبث الثمرة فشكلًا كذلك فشكلًا وموضوعًا من أشر الشرور, طلعها ثمارها وشكلها من خارجها كأنه رءوس الشياطين فَإِنَّهُمْ أي هؤلاء المعذبين {........ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الصافات:66] أي أنها مع أنها من الغصص الشديدة إلا أنهم يملئون البطون منها وقد قال -صلى الله عليه وسلم- واصفًا الزقوم فقال: يا عباد الله اتقوا الله فلو أن قطرة من الزقوم قطرة واحدة من عصارة ثمار هذه الشجرة قطرت على أهل الدنيا قطرت على الدنيا لأفسدت على الناس معايشهم, كانت تفسد معيشة أي الناس كلها لا تصلح الأرض كلها لا يمكن أن تقام فيها حياة بقطرة واحدة من الزقوم ثم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فكيف بمن هي طعامه وشرابه؟ وأن يكون طعامه وشاربه من هذا الزقوم صرفًا وقطرة واحدة تفسد على أهل الدنيا كلها معايشهم قال -جل وعلا-: {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ}[الصافات:66-67]: أي لا يكفي هذا في عذابهم, وإنما يأتيهم عذاب آخر من جنس آخر, وهو الشراب يشربون على هذا تغلي فيريدون أن يطفئونه فلا يطفئونه إلا بماء وصل حده في الحرارة شوب يشيبونه, أي شبت اللبن خلطته شبت اللبن بماء اللبن حطيت عليه ماء فهذا الزقوم يخلط عليه ويشرب عليه ليخلطه بهذا الماء الحار -سبحانه وتعالى-.
ثم أن لهم عليها لشوبا من حميم من ماء حار, وقد أخبر الله -تبارك وتعالى- بأن هذا الحميم الحار أنه ماء كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم يبقى يعذب بهذا, ثم يهرب من هذا الذي أصبح يغلي في بطنه من الزقوم, والحميم ليهرب إلى إلى النار مرة ثانية, ثم يهرب إلى النار, ثم يشعر بالجوع الشديد وبالعطش الشديد لا يجد إلا الزقوم الذي يأكل منه كما قال -تبارك وتعالى-: {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ}[الصافات:66-67], وقال -سبحانه وتعالى-: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ}[الواقعة:51], {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ}[الواقعة:52], {فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الواقعة:53], {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ}[الواقعة:54], {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}[الواقعة:55], {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ}[الواقعة:56], هذا نزلهم هذه ضيافتهم هذه هي الضيافة التي تقدم لهم, وهذا هو المكان الذي ينزلون فيه, ويكرمون فيه بهذا الإكرام الذي ليس بعده إهانة ويقال لهذا المشئوم الذي يكون في النار على هذا النحو المجرم الذي يكون ذق إنك أنت العزيز الكريم, ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم فيبقى بين يطوف بين هذا وهذا عذاب بعضه أشر وأشد من بعض كما قال -تبارك وتعالى- {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ }[الرحمن:43-44] يطوفون بينها طواف اللي هو السعي هنا يركض إلى هذه ويركض إلى هذه ويفر من الزقوم إلى النار, ومن النار إلى الزقوم ومن الزقوم إلى الحميم, وهكذا يظل راكبًا من عذاب إلى عذاب -عياذًا بالله- سبحانه وتعالى- من شر ذلك ومن أن نكون أهل ذلك.
{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ}[الصافات:68], قال -جل وعلا-: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ}[الصافات:69] وكأنك قائلًا يقول لما كان هذا العذاب شديد لهؤلاء المجرمين ألفوا وجدوا آباءهم ضالين أهل شرك وكفر {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ}[الصافات:70]: فهم هؤلاء على آثارهم على آثار آباءهم الضالين يهرعون يسرعون في الضلالة, ويسيرون على نهجهم كما سار آباؤهم على الضلالة دون أن يترووا ودون أن ينظروا في هذا الأمر الذي هم عليه بل قال -جل وعلا-: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ}[الصافات:71] فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين وكان ما كان من شأن الله -تبارك وتعالى- أن عاقبهم في هذه الدنيا وأزالهم عنها, ولكنهم لم يتعظوا بمصارع هؤلاء العابرين ولقد أرسلنا فيهم منذرين يؤكد الله -تبارك وتعالى- أنه أرسل في الأولين الذين قبلهم منذرين ينذرون هذه العقوبة لكن جاء الأبناء وساروا بعد ذلك على سير الآباء, وجاءت الأجيال التالية وسارت على مسيرة الأجيال التي سبقوها دون أن يرعوا ودون أن يتعظوا ودون أن ينظروا في أدلة الرسل قبلهم وفي ما صنعه الله -تبارك وتعالى- في آباءهم لم يرعوا لهذا وإنما أصروا على الضلالة واتخذوها مع ما بين الله -تبارك وتعالى- لهم من المثلات التي سبقتهم {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ}[الصافات:72]: رسل ينذرونهم يخوفنهم عقوبة الرب -تبارك وتعالى- قال -جل وعلا-: {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ}[الصافات:73]: انظر نظرة اعتبار واتعاظ بكيف كان عاقبة اللي هو النهاية للمنذرين الذين أنذرهم الله -تبارك وتعالى- على هؤلاء الرسل.
ثم قال -جل وعلا-: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}[الصافات:74]: إلا عباد الله المخلصين في تلك الأمم؛ فإن الله -تبارك وتعالى-أي قد أنجاها من العذاب قي الدنيا وردها -سبحانه وتعالى- إلى رحمته في الآخرة, ثم شرع الله -تبارك وتعالى- يبين طائفة من هذه الأمم بدءا بنوح عليه السلام فقال -جل وعلا-: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ}[الصافات:75] ولقد بالتأكيد نادنا نادى الرب -تبارك وتعالى- نادي الله -تبارك وتعالى- نوح فلنعم المجيبون نادى الله -تبارك وتعالى- لما قال لله -تبارك وتعالى- إني مغلوب فانتصر{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا }[نوح:5-18], ثم لما قالوا له لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين وتوعدوه بالقتل على هذا النحو وبلغ الأمر ما بلغ عند ذلك قال رب إني مغلوب فانتصر أنا غلبت فانتصر انتصر لي انتصر لدينك انتصر لرسولك الذي أرسلته إلى هؤلاء الناس وهؤلاء الناس خلاص أوقفوني عند الحد وقالوا لي لأن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين, {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ}[الصافات:75] أجبناه ونعم من يجيب الله -سبحانه وتعالى- فلنعم المجيبون أننا أجبناه وفي التو واللحظة, كما طالب منه نوح -عليه السلام-, وقد بشره الله -تبارك وتعالى- وقال له أولًا أنه {........ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ......... }[هود:36-37] {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود:40].
قال -جل وعلا-: {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}[الصافات:76] نجيناه نوح -عليه السلام- وأهله من المؤمنين أهله من نسبه وأهله كذلك أهله من أهل الإيمان كما قال الله -تبارك وتعالى-: {........ احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود:40], من الكرب العظيم الكرب الهم والغم العظيم وذلك بأنه كان غلبت الكفار عليه وتهديدهم له واستهزائهم به فقد عاش معهم في كرب عظيم من التهديد ومن الوعيد, ومن إغلاق باب دعوة عليه نهائيًا, ومن الاستمرار استمرار قومه على الكفر وعلى العناد {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ }[الصافات:76-77] انظر فضل الله -تبارك وتعالى- عليه أن نجاه ونجى أهله وخلصهم الله -تبارك وتعالى- من هذا الكرب الذي كانوا فيه ثم إن الله -تبارك وتعالى-, جعل ذريته هم الباقين من تناسل من ذريته وهم سام وحام ويافث أولاده الثلاثة هم الذين بعد ذلك تناسلوا في الأرض وجعل الله -تبارك وتعالى- كل الذرية بعد ذلك من نسل نوح -عليه السلام-؛ ولذلك كل الموجودين الآن يردعون في النهاية إلى نوح ولذلك يسمى آدم الثاني فآدم تناسل منه هذا النسل, ثم قطع الله -تبارك وتعالى- هذا النسل إلا من نوح -عليه السلام- الذي أصبح له ثلاث أولاد ثم تناسلت الشعوب كلها بعد ذلك من نسل نوح -عليه السلام- {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ}[الصافات:77] تركنا على نوح في الآخرين في الأمم الأخرى التي جاءت إلى يومنا هذا سلام على نوح في العالمين, ليذكر نوح إلا ويسلم عليه من كل أهل الإيمان في كل هذه الأمم التي جاءت بعدها تسلم عليه فهو رسول الله يقول نوح رسول الله نبي الله أول رسول إلى أهل الأرض, ثم يصلون ويسلمون -عليه السلام- سلام على نوح في العالمين, في الأمم كلها التي جاءت بعد ذلك {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات:80] إنا كذلك كهذا الجزاء نجزي المحسنين فنوح كان من المحسنين دعا إلى الله -تبارك وتعالى- أمن بالله -تبارك وتعالى- وانظر كيف كافئه الله -تبارك وتعالى- في الدنيا وكافئه في الآخرة {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ }[الصافات:80] إنه نوح -عليه السلام- من عبادنا المؤمنين, وهذا تشريف لمسمى الإيمان الذي دخل فيه نوح الذي أدخله الله -تبارك وتعالى- في هذا المسمى من عبادنا المؤمنين بالله -تبارك وتعالى- علمًا أن هذا المسمى يدخل فيه كل من آمن بالله -تبارك وتعالى-, وهذا تشريف أن يكون كل عبد مؤمن داخل في المسمى الذي يدخل فيه المرسلون والأنبياء أجمعون فكلهم مؤمنين بالله -تبارك وتعالى- أنه من عبادنا المؤمنين.
ثم قال -جل وعلا-: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ}[الصافات:82]: الآخرون غير نوح وغير أهل الإيمان أغرقهم الله -تبارك وتعالى-؛ فهذا كانت عقوبة الله -تبارك وتعالى- لهم في الدنيا فانظر هذه سلسلة من هذه القصة الطويلة قصة الرسالات هذه حلقة من هذه الحلقات نفس الأمر, وهذه تسير بنفس السنن رسول الله -تبارك وتعالى- يدعو إلى الله -تبارك وتعالى- يؤذى بصنوف الأذى ثم يكون الله -تبارك وتعالى- يجعل العاقبة له والذين آمنوا معه, ثم يهلك الله -تبارك وتعالى- الظالمين, وهذه سنة الله -تبارك وتعالى- الجارية فالله -تبارك وتعالى- قال إلا عباد الله المخلصين وذكر الله -تبارك وتعالى- هؤلاء عباد الله المخلصين انظر صنيع الله -تبارك وتعالى- بهم, ثم أغرقنا الآخرين من سوى نوح -عليه السلام- وسوى الذين آمنوا من أهله, ثم شرع الله -تبارك وتعالى- في بيان حلقة أخرى من حلقات وسلسلة الرسالات قال -جل وعلا-: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}[الصافات:83]: تأكيد من الله -تبارك وتعالى- من شيعته من جماعته من جماعة أهل الإيمان إبراهيم -عليه السلام- فإنه على دربه وعلى طريقه على نفس الدرب على نفس الطريق على نفس الملة رسول الله -تبارك وتعالى- داعيًا إلى الله -تبارك وتعالى- إبراهيم أبو الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليه- قال -جل وعلا-: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الصافات:84]: مدح الله -تبارك وتعالى- إبراهيم هنا بأنه جاء ربه بقلب سليم, سليم من كل آفة السلامة عي البعد عن كل الآفات, وآفات القلوب آفات عظيمة الشرك بالله -تبارك وتعالى- أعظمها والكفر بالله -تبارك وتعالى- والشك ما في يتبع هذا الشك من الشبه, كذلك الميل عن الحق كذلك سلامته كذلك من أ ن يعصى أمر الله -تبارك وتعالى- فقد كان معطيا لأوامر الله -تبارك وتعالى- كل أمر أمره الله -تبارك وتعالى- به قد أطاعه وإن كان هذه أوامر شديدة يراد بها مطلق التعبد, وفيها أمر عظيم كما أمره الله -تبارك وتعالى- بذبح ابنه فنفذ الله أمر الله -تبارك وتعالى- وأسلم لله -جل وعلا- ولم يتوقف ولم يتلكأ, {........ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات:102], قال -جل وعلا-: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ........ }[الصافات:103-105] كل الأوامر التي أمره الله -تبارك وتعالى- بها وفاها ومدحه الله -تبارك وتعالى- في هذه التوفية, وقال إبراهيم الذي وفى وقال {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ........}[البقرة:124] فإبراهيم -عليه السلام- جاء ربه بقلب سليم من كل آفة سليم من كل آفة لا آفة في هذا القلب من كل آفات القلوب, وإنما كان سليما في كل تصوره في إيمانه في طاعته لله -تبارك وتعالى- في إسلامه له إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ}[الصافات:85] {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ}[الصافات:86]: كذبًا آلهة تجعلوا لكم آلهة دون الله غير الله تريدون إلها لكم غير الله, والحال أن الله -تبارك وتعالى- هو الإله وحده -سبحانه وتعالى- الذي لا إله إلا هو فلا يستحق الألوهة إلا هو لا يستحق مألوهًا معبودًا إلا هو لأن هو الخالق وحده الرازق وحده هو الذي يحيي هو الذي يميت هو الأمر بيده كله, ولذلك قال لقومه أفرأيتم ما كنتم أنتم وآباءكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلى رب العالمين {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[الشعراء:78-82] فهذا هو الذي يستحق أن يعبد الإله وحده -سبحانه وتعالى- فيقول إبراهيم أئفكًا كذبًا آلهة دون الله تريدون أن تعبدوا دون الله, والحال أنه ليس هناك اله مع الله -تبارك وتعالى- {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الصافات:87]: ما ظنكم برب العالمين فيما يصنعه لكم وما يصنعه بكم أن تعبدوا إلها غيره, والحال أنه لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى-, وكذلك ما ظنكم برب العالمين ألا تعبدون وحده -جل وعلا- فهو رب العالمين رب كل هذه العوالم كل هذا الخلق كل ما سوى الله عالم, فكل هذا الخلق الله -تبارك وتعالى- ربه لا رب للعوالم وللعالمين سواه -سبحانه وتعالى- فما ظنكم برب العالمين ألا تعبدوه وحده لا شريك له وكذلك ما ظنكم برب العالمين إذا أشركتم وذهبتم إلى هذا الشرك الذي لا الذي هو فرية وكذب منكم, أن يصنع بكم قال -جل وعلا-: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات:88] وقد كان قومه من يعبد هذه النجوم ويرى أنها هي التي تصنع مقادير الناس على ظهر هذه الأرض فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ عندما كانوا في يوم من أيام عبادتهم خرج معهم, ثم وضع في نفسه كيف يحطب أصنامهم فقال إني سقيم أي ليتركوه في بيت أصنامهم سقيم مريض قال -جل وعلا- {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ}[الصافات:90] تولوا عنه تركوه عند أصنامهم مدبرين تاركين له في بيت أصنامهم لعله ينظرون أنه بقاءه أو مبيته عند أصنام يشفيه من مرضه على ما كانوا يعتقدونه, قال -جل وعلا-: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ}[الصافات:91] أي لما انفرد بأصنامهم وطبعا أصنامهم في بيت أصنامهم ويغلق عليها وتصان وتحفظ فراغ إلى آلهتهم, الروغان هو الإسراع في مراوغة وخفية إليهم فقال أي مستهزئا بهذه الأصنام ألا تأكلون؟ أي إذا قدمت لكم طعامًا ألا تأكلون {مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ}[الصافات:92]: أصنام من حجارة وأوثان وضعوها في مكان الصدارة ليعبدوها {مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ}[الصافات:92] يقول كل هذا استهزاءا بهم وسخرية بهم.
قال -جل وعلا-: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}[الصافات:93] أي أنه جال فيهم ضربًا باليمين ضربًا بيمينه بالفأس التي معه بيمينه يضربها بقوة وبشدة, والمعنى أنه حطمها ثم ذهب وشنق صنمهم بالفأس التي حطم بها هذه الأصنام قال -جل وعلا-: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ}[الصافات:94] أن قومه وقفوا بعد ذلك على هذه الجريمة المنكرة والحدث الأكبر {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ}[الصافات:94]: يسرعون وتأتي جماعة منهم أثر جماعة لما سمعوا بنبأ هذا النبأ العظيم هناك من حطم ألهتهم وحطم أصنامهم فلما أتوا إليه بحرقتهم وبغيظهم وبجماعتهم جماعة أثر جماعة قال لهم: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ}[الصافات:95]: سؤال يراد به الإنكار عليهم وتحقيرهم أتعبدون ما تنحتون إله تصنعه أنت بيدك تنحه من الحجر أو من غيره تنحته أنت, والنحت هو التصوير أي الحفر لإبراز الصورة.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:95]: أي نسوا الله -سبحانه وتعالى- الذي خلقكم وكذلك خلق ما تعملون, كل الذي تعملونه هذا الله هو خالقه فالله هو خالق أفعال العباد, وكذلك المادة هذه الذي انتم تصنعون منها هذه الأصنام حجر أو خشب أو غير ذلك إنما هو الله خالقها -سبحانه وتعالى-, فكيف أنشأتم منها إلها تبعدونه وتقدمون له أشرف الأعمال وهي العبادة, {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:96] فعند ذلك لم يراجع عقولهم ولم يدركوها وإنما ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم قال -جل وعلا-: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ}[الصافات:98].
نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.