الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (550) - سورة الصافات 97-132

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين,. وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}[الصافات:91-111]: يخبر -سبحانه وتعالى- عن عبده ورسوله إبراهيم -عليه السلام-, وأنه كان على خطى, وعلى مسيرة نوح الذي سبقه بالرسالة, وأن إبراهيم -ليه السلام- دعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له, وأخبرهم أن هذه الأصنام لا تنفعهم شيئا ولا تضرهم وأنه قد صنع حيلة ليتوصل إلى حطمها, فكذب عليهم كذبتين يقول النبي لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات, قال هذا في أحاديث الشفاعة {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات:89], وقوله: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ}[الأنبياء:63], فدخل بيت أصنامهم وقال لهم إني سقيم حتى يتركوه عندها وتركوه عندها وخرجوا, فالله يقول {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}[الصافات:93] بالفأس التي معه بيمينه بالقوة, فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ: أي أقبل قومه إليه يَزِفُّونَ {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ}[الصافات:95] ناقشهم في هذه لما قالوا من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ من فعل هذا بآلهتنا إنه من الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم, فأتوا به ويسألونه كيف يصنع هذا فقال: اسألوهم إن كانوا ينطقون وجاءت منهم يقظة وقتية جزئية لما قال لهم فاسألوهم إن كانوا ينطقون, رجعوا إلى أنفسهم كيف نعبد هذه الأصنام والأوثان التي لا تنطق ولا تستطيع أن تدفع عن نفسها, الله يقول: {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ}[الأنبياء:64], {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ}[الأنبياء:65] فقال لهم: ما تعبدون ما تنحتون ما تصنعونه بأيديكم وتنحتونه وتصورونه صورة بأيديكم من خشب أو من حجر أو من غيره أنتم تنحتونه ثم تعبدونه تجعلونه إلهًا له تقديس وله الحب وله الطاعة وله تشريع وتطلبون منه نفعكم وأن يدفع عنكم الضر, كيف يكون الإنسان هو أنت صانعه وأنت المتفضل عليه {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:95-96]: أتتركون الرب الإله الله -سبحانه وتعالى- الذي خلقكم وخلق ما تعملون, كل هذه المادة التي تصنعون منها أصنامكم الله خالقها, فالحجر أو الشجر أو المعدن الذي تصنعون منه هذه الآلهة الله خالقه -سبحانه وتعالى- وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ وكذلك الله -تبارك وتعالى- هو خالق أعمال العباد -سبحانه وتعالى- لا يستطيع أحد أن يخلق شيئا فالله -تبارك وتعالى- خالق كل شيء {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ}[الصافات:97] هذا رد الإجرام والكفر والإصرار والعناد مع انهيار حجتهم, لا حجة لهم أمام هذه الحجة, ولكن يبقى نصرهم لأصنامهم وآلهتهم وسيرهم الأعمى على ما كان عليه الآباء والأجداد دون النظر إلى أن ينصرفوا إلى هذا, ما قامت أدلته وبراهينه {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ}[الصافات:97], وفي الآية الأخرى {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ}[الأنبياء:68] يجب أن نقف مع آلهتنا ومع تراثنا تراث آبائنا وأجدادنا شنو هذا الذي أتى يغير نظامنا ويغير حياتنا {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا ........}[الصافات:97] بنيان ليملأ بالنار {........فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ}[الصافات:97] في هذه البنيان يملؤه بحطبهم ويلقون إبراهيم فيه -عليه السلام- اختاروا له أشر الميتات في الأرض وهي الحرق بالنار, وحرق بالنار حق بهذه الصورة بنيان عظيم يبنى يملأ بالحطب وغيره مما يشعل ويشعل فيه, ثم يؤتى بإبراهيم يقذف منجنيق ونحوه حتى يبقى في وسط النار, {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ}[الصافات:97], قال -جل وعلا-: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ}[الصافات:98] أراد قومه به كيدا أن يكيدوه على هذا النحو ويضمروا له الشر على هذا النحو ويدبروا له هذاالتدبير قال -جل وعلا-: {........ فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ}[الصافات:98]جعلناهم الأسفلين بأنهم لم ينالوا مرادهم منه وإنما أخبر الله -تبارك وتعالى- في آية أخرى بأنه قد أنجاه وقال أمر النار بأن تكون برداً على إبراهيم وأن تكون سلامًا له,  برد لا يؤذيه قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم, فلم تحرق إلا قيوده فقط التي قيدوه بها هي التي حرقتها وبقي ماكثا فيها حتى خمدت نارهم وخرج منها سليما معافى بكل شيء, والعجب كل العجب أن هؤلاء الظلمة الكفرة الآيات عيانًا بيانًا ولا يؤمنون هذا هو العجب, العجب أن يرى الكفار هذه آيات الله -تبارك وتعالى- تقوم على هذا النحو.

ثم بعد ذلك لا يرجع عن كفرهم وعن عنادهم, وقال أي إبراهيم بعد {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الصافات:99] طرد من أبوه {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ........ }[مريم:46-47] خرج إبراهيم من اوركلدانيين في العراق ومتجها إلى بلاد الشام وقال إني ذاهب إلى ربي مهاجر إلى الله -تبارك وتعالى- سيهدين الطريق ويهدين إلى المكان الذي أعيش فيه بعيدًا عن هؤلاء الكفار المعاندين الذين لم يطيقوا حتى بقاءه في أوساطهم, أصبح وحده لم يؤمن به أحد من كل هؤلاء الناس, ولم يؤمن به إلا ابن أخيه فقط لوط -عليه السلام- كما قال -جل وعلا-: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[العنكبوت:26], {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}[الصافات:100]: أي ذرية من الصالحين خلف من هؤلاء القوم الذين كفروا هكذا عن بكرة أبيهم قال -جل وعلا - {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ}[الصافات:101]: هذا هو تعويض الرب -تبارك وتعالى- لإبراهيم قال فبشرناه بشرى والبشرى الإخبار بما يسر بغلام حليم وصف الله -تبارك وتعالى- بكر إبراهيم -عليه السلام- وهو إسماعيل أبو العرب بأنه غلام حليم فيه حلم والحلم هو سعة الصدر على المسيئ وطولة البال, ومقابلة السيئة بالحسنة وتلقي الأمر الشديد بصدر رحب وبهدوء بال وقد كان في حلمه أنظر الأمر الشديد, الشديد الذي هو الذبح قد أخبره أبوه بأن الله -تبارك وتعالى- يأمره أن يذبح إسماعيل, وقابل هذا الأمر الشديد بالهدوء وبالرضا وبالطمأنينة وقال لأبيه: {........ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات:102] لا حلم في البشر أكبر من هذا أن يكون الإنسان حليم على هذا النحو أن يخبر بأنه قد حكم عليه بالذبح, وأنه سيقدم ذبيحة للرب, ويقول أنا مستسلم لأمر الله -تبارك وتعالى- راض بأمر الله -تبارك وتعالى-, قال -جل وعلا -: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ: لما بلغ إسماعيل -عليه السلام- مع إبراهيم وقت السعي على المعاش, وهو وقت فترة بداية الشباب والقوة وأن يكون الإنسان كبيرًا ساعيًا في طلب المعاش قال يا بني قال أي إبراهيم -عليه السلام- بأمر الله -تبارك وتعالى- الذي أوحاه إليه في المنام قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ: ورؤى الأنبياء حق قال إني أرى في المنام وهذه رؤيا منامية ورؤيا المنامية للرسل حق أني أذبحك فانظر ماذا ترى فانظر ماذا ترى في هذا الأمر طبعا هذا أمر إلهي وانظر الذي تراه فيه ما هو وأراد الله -تبارك وتعالى- أن يبتلي طاعة إبراهيم وطاعة إسماعيل -عليهما السلام- قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ  يا أبت افعل ما ؤمر وكل هنا جاءت بالبناء للما لم يسمى فاعله وذلك أن الأمر الشديد افعل ما تؤمر والحال طبعا ما يؤمرك الله -تبارك وتعالى- به سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ: ستجدني أنت واجد إياي إن شاء الله وهنا يقول إن شاء الله وهذا يدل على كمال تسليمه وكمال قدرته, وأنه لا يريد أن يفتخر بشئ من عمله وإنما ترك هذا الأمر إلى مشيئة الله -تبارك وتعالى- من الصابرين على نفاذ هذا الحكم والأمر الإلهي.

 قال -جل وعلا -: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}[الصافات:103]: لما أسلما إبراهيم وإسماعيل لأمر الله -تبارك وتعالى- وذلك أن هذا الحدث كان في مكة؛ فإن في قصة إبراهيم أن إبراهيم -عليه السلام- سكن في مدينة الخليل وسماها باسمه في فلسطين, ثم إنه بعد ذلك تزوج بسريته التي أهدتها له زوجه سارة فأنجب منها إسماعيل كان هذا أول إنجاب له إسماعيل -عليه السلام-, ثم أمره الله -تبارك وتعالى- أن يأخذ هاجر المصرية وابنها إسماعيل -عليه السلام-, ويسكنهم في مكان البيت في مكة وأنه أسكنهما, ثم كان يذهب إليهما من فلسطين بين الفينة والأخرى ليطالع حياتهما ثم لما شب أمر الله -تبارك وتعالى- إبراهيم -عليه السلام- بأن يذبح ابنه في هذه الرؤيا, قال -جل وعلا-: {فَلَمَّا أَسْلَمَا ........}[الصافات:103]: التل هو الحمل أي وكافأه جبين على الأرض ليذبحه من رقبته قال -جل وعلا-: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ}[الصافات:104] ناديناه في التو واللحظة أنزل الله -تبارك وتعالى- عليه رسوله جبريل ومعه كبش من السماء {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات:105]: وتصديق الرؤيا هو أنه عمل بها أخذها أنها صدق وعمل بها وصدقها صدقه وتطبيقها على هذا الأمر, وهذا الذي يريده الله -تبارك وتعالى- منه ويحدث لإبراهيم حصل من هذه الفضيلة أولًا الاستسلام لأمر لله -تبارك وتعالى- والإذعان له والإسلام له, والانقياد لأمره -سبحانه وتعالى-, ثم وكذلك لإسماعيل هذه الفضيلة العظيمة في أن الله -تبارك وتعالى- يأمرهم بهذا الأمر الشديد ويسلمان له -سبحانه وتعالى- فتكون الجائزة الكبرى والمنزلة العظمى لهم عند الله -تبارك وتعالى- ثم لا يقع وينفذ هذا الأمر بالذبح لأنه حصل مراد الرب -تبارك وتعالى- في بيان طاعة إبراهيم وإسلامه لله -تبارك وتعالى- وتنفيذه لأمر الله, وكذلك طاعة إسماعيل -عليه السلام-, {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات:105]: إنا كهذا الجزاء نجزي المحسنين فقد أمر, أمر شديد ولم يرد الله -تبارك وتعالى- إنفاذه وإنما أراد أن يظهر طاعتهما له -سبحانه وتعالى-, وقد ظهر هذا ظهرت طاعتهم لله -تبارك وتعالى- لم يبق بعد ذلك في الذبح, فلو كان هذا بعد ذلك سنة في التقرب إلى الله -تبارك وتعالى- لكن الله لم يرده وإنما أراد ابتلاء طاعة إبراهيم وطاعة إسماعيل عليهما السلام وقد كان, ثم انظر ما لهما عند الله -تبارك وتعالى- من  استجابتهما لأمر الله -تبارك وتعالى- وتنفيذهما لهذا الأمر الشديد كل شدة, إنا كذلك بهذه المجازاة نجزي المحسنين فإبراهيم كان من المحسنين وإسماعيل قد كان من المحسنين إبراهيم قد كان من المحسنين في سماعه لأمر ربه -تبارك وتعالى- وتنفيذه له وكذلك إسماعيل -عليه السلام-, {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ}[الصافات:106]: أن يؤمر إبراهيم بأن يذبح ابنه, وأن يؤمر إسماعيل بأن يصبر على هذا الأمر لهو البلاء الاختبار المبين البين الواضح, الاختبار الشديد, الشديد البين الواضح الذي لا بلاء مثله أن هذا لهو البلاء المبين.

 قال -جل وعلا-: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}[الصافات:107] فدينا إسماعيل -عليه السلام- بذبح من الله, وهذا الذبح كبش أنزل له من الجنة عظيم وصف الله -تبارك وتعالى- هذا الكبش بأنه عظيم أنه لا شك أن عظمته إنما هي في نفاسته وفي كرامته, وفي إنزاله على هذه الصورة ليكون فداءا لإسماعيل -عليه السلام-, ثم قال -جل وعلا-: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الصافات:108] وتركنا على إبراهيم -عليه السلام- في من يأتي بعده من الأمم, {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الصافات:109] يبقى كل أهل الإيمان يسلمون على إبراهيم أبو الأنبياء ويذكرون مواقفه العظيمة وصبره العظيم وتنفيذه لأمر الله -تبارك وتعالى- كما أمره الله -تبارك وتعالى- وتوفيته ولذلك جعله الله -تبارك وتعالى- منارا وأمة {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل:120]: شاكرًا لأنعمه أصبح منارة وفرد يحتذي به إمام يحتذى به -عليه السلام-وبقيت -عليه سلام- الله -تبارك وتعالى- الذي يقال علي ألسنة كل المؤمنين بعده, {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات:109-110] كذلك كهذا الجزاء يجزي الله -تبارك وتعالى- عباده المحسنين القائمين بالإحسان والإحسان أداء أمر الله -تبارك وتعالى- على أحسن صورة أنه من عبادنا المؤمنين أنه أي إبراهيم-عليه السلام- من عبادنا المؤمنين وهذا الوصف تكرر هنا بعد ما وصف الله -تبارك وتعالى- به نفس الوصف لنوح ليكون مسمى الإيمان, والذي هو أشرف الأسماء يدخل فيها الرسل والأنبياء, ويدخل فيها عموم أهل الإيمان إنه من عبادنا المؤمنين , ثم قال -جل وعلا-: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ}[الصافات:112]: بشرناه بعد ذلك بإسحق, وهذا يولد له من زوجته سارة -عليها السلام- نبيا كذلك ينبئه الله -تبارك وتعالى- ومن الصالحين فهذه كذلك عطية من الله -تبارك وتعالى- أن أعطاه ولدا آخر من زوجته سارة, وأن جعل هذا الولد نبيا من الصالحين وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ: وباركنا علي إبراهيم وعلى إسحق بركة بكل معانيها زيادة في الخير زيادة في الخير والنماء فيه مما أعطاه الله -تبارك وتعالى- في الدنيا والآخرة وبارك به كذلك على إسحاق من الذرية الطيبة, ومن أهل الإيمان منهم وكثرة الرسل وكثرة الأنبياء فبركات عظيمة جعلها الله -تبارك وتعالى- على إبراهيم وعلى ابنه إسحق, ثم قال -جل وعلا-: {........ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}[الصافات:113]: من ذرية إبراهيم وإسحاق محسن قائم بالإحسان عبادة الرب -تبارك وتعالى- والإيمان به كالأنبياء والمرسلين الكثيرين الذين كانوا من نسله كيعقوب وما تناسل منه من الأنبياء الصالحين والذرية المؤمنة كذلك وظالم لنفسه مبين كذلك من ذريتهما ظالم لنفسه مبين, كالذين كفروا من بني إسرائيل, والذين لعنوا كما قال -تبارك وتعالى- {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }[المائدة:78-88], ومنهم طائفة اليهود الذين كانوا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إنهم كفروا بالله -تبارك وتعالى- في عمرهم لم يؤمن بالنبي إلا أقل من عشرة من اليهود, وبقوا على عنادهم وكفرهم وهم من هذه الذرية, هؤلاء الأنبياء الصالحين فمن ذريتهما محسن من أهل الإيمان من الرسل من الرسل والأنبياء فمن الرسل موسى -عليه السلام-, وعيسى -عليه السلام-, والأنبياء من بني إسرائيل, وكذلك طبعًا إلى عيسى -عليه السلام- والأنبياء الذين قبله من بني إسرائيل ومنهم الذين كفروا وعاندوا هؤلاء الرسل وظالم لنفسه مبين, بعد أن ذكر الله -تبارك وتعالى- إبراهيم هذه سلسلة هذه السلسلة وقد قال -تبارك وتعالى- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}[الصافات:72]: هذه سنة الله -تبارك وتعالى- انظر مآل الكفار, ومآل أهل الإيمان.

 ثم قال -جل وعلا-: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ}[الصافات:114]: يخبر الله -تبارك وتعالى- بمنته ونعمته على موسى النبي, وهو من ذرية إسرائيل واسحق وإبراهيم ولقد مننا على موسى وهارون أخوه, وقد طلب له موسى النبوة فنبأه الله -تبارك وتعالى- {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}[الصافات:76]: يخبر -سبحانه وتعالى- أنه نجاهما وهو موسى وهارون وقومهما وهم كل بني إسرائيل الذين كانوا في مصر من الكرب العظيم, الكرب الغم والهم والآلام الشديدة التي تحملوها في أرض مصر بعد أن سلط الفراعنة بقتل أبناءهم واستحياء نساءهم وتسخيرهم في الأعمال الشاقة وسومهم سوء العذا , كما قال فرعون إنا فوقهم قاهرون وقال الله -تبارك وتعالى- {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:4] وذكرهم الله -تبارك وتعالى- بهذا قال {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ........}[البقرة:49]: أي يجعلونكم السوم كالرعي سوء العذابأي أنهم جعلوهم قطيع يستعبدونهم أشد الاستعباد فقال -جل وعلا-: {وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ}[الصافات:115-116] نصرناهم موسى وهارون وقومهم فكانوا هم الغالبين على الفراعنة, فإن الله -تبارك وتعالى- في نهاية المطاف إن جاء موسى ومن معه من المؤمنين وأغرق قوم فرعون, ونصرناهم فكانوا هم الغالبين ثم وأتيناهم الكتاب المستبين أتيناهما موسى وهارون الكتاب المستبين, التوراة هذا الكتاب الذي أنزله الله -تبارك وتعالى- على موسى هو التوراة والمستبين البين الواضح الذي بين الله -تبارك وتعالى- فيه إحكام كل شيءئ كما قال -جل وعلا- في التوراة {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ........}[المائدة:44-45]: فبين الشرائع التي كتبها الله -تبارك وتعالى- فيها من شريعة القصاص قال إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور, فالله يقول وآتيناهما أي موسى وهارون الكتاب المستبين التوراة البينة الواضحة التي تبين حقائق الأمور وتفصل صراط الله -تبارك وتعالى- المستقيم, وهديناهم الصراط المستقيم هديناهما أرشدناهما ووفقتاهما إلى الصراط المستقيم هو صراط الله -تبارك وتعالى- الطريق القويم, {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ }[الصافات:119-120] ترك الله -تبارك وتعالى- عليهما أي بعد رحيلهما في الآخرين فيمن يأتي بعدهم من الأمم سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ كما هو صنيع أهل الإيمان على لسان عيسى, ثم أهل الإيمان على لسان محمد -صلوات الله وسلامه عليه- فإنهم لا يذكرون موسى إلا ويسلمون عليه ولا هارون وإلا ويسلمون عليه, ولقد امتلأ القرآن من ذكرهما ومن الثناء عليهما ومن بيان مواقفهما ولذلك يحبهم أهل الإيمان يؤمنون بهم ويسلمون عليهم {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات:119-121] كذلك الله -تبارك وتعالى- يخبر إن هذا فعله -سبحانه وتعالى- كذلك هذا الفعل الذي فعلناه بموسى وهارون نجزي المحسنين, جزاءنا لأهل الإحسان وموسى وهارون كان من أهل الإحسان {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}[الصافات:122]: أنهما موسى وهارون من عبادنا المؤمنين مرة ثالثة, ليكون وصف الإيمان وصف جامع يجمع الله -تبارك وتعالى- فيه بين الرسل وبين الأنبياء وبين المؤمنين أنهما من عبادنا المؤمنين.

ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- رسولا آخر من الرسل فقال -جل وعلا-: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}[الصافات:123-125] إلياس النبي من بني إسرائيل أيضًا يخبر الله -تبارك وتعالى- بأنه كان من المرسلين إذا قال لقومه وكانوا في لبنان ألا تتقون ألا تخافون الله -تبارك وتعالى- يدعوهم إلى أن يخافوا, الله -تبارك وتعالى- ربهم ويجعلوا وقاية بينه وبين عذاب الله, ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين الله لهم سموه بعل, ويدعونه من دون الله -تبارك وتعالى- قال أتدعون بعلًا هذا الإله الذي جعلتموه إله وليس بإله صنمهم وتذرون أحسن الخالقين تتركون أحسن الخالقين الله ربكم, تتركون الله ربكم الذي خلقكم ورب آباءكم الأولين وهو خالق وسيد آباءكم الأولين, فكيف تدعون هذا الصنم من دون الله الذي جعلتموه إلها وتذرون الله -تبارك وتعالى- أحسن الخالقين الذي أحسن كل شيء خلقه -سبحانه وتعالى- الله تنكرون الله ربكم ورب آباءكم الأولين قال -جل وعلا - {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}[الصافات:127] كذبوه قوم إلياس -عليه السلام- فإنهم لمحضرون إلى العذاب يؤكد الله -تبارك وتعالى- أنه سيحضرهم إلى العذاب فإنهم لمحضرون.

 ثم قال -جل وعلا-: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}[الصافات:128] استثناء عباد الله المخلصين الذين آمنوا من إلياس ومن آمن معه إلا عباد الله المخلصين فإنهم لا يحضرون إلى العذاب, وإنما ينجيهم الله -تبارك وتعالى-, ويدخلهم جنته ورضوانه- جلا وعلا-,  ثم قال -جل وعلا-: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}[الصافات:129-130]: تركنا على إلياس في الآخرين سلام على إل ياسين على إلياس وجاء بإل ياسين هنا بزيادة الألف والنون لكي ينضبط اسمه هنا مع ختام الآيات سلام على إل ياسين -عليه السلام-, هذا سلام من الله -تبارك وتعالى- عليه متروك تركه الله -تبارك وتعالى- عليه في كل من يأتي بعد ذلك يسلم على عبد الله ورسوله إلياس {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات:131]: إنا كذلك كهذا الجزاء الذي جازي الله -تبارك وتعالى- به رسوله إلياس نجزي كل المحسنين, فهو أمر واحد سياق واحد وسنة واحدة سنة الله -تبارك وتعالى- في الرسالات أنه من عبادنا المؤمنين أنه أي إلياس -عليه السلام- من عابدنا المؤمنين فأشركه الله -تبارك وتعالى- مع العباد المؤمنين ليكون مسمى الإيمان مسمى شريف يعلم المؤمن مسمى المؤمن أنه داخل مع أنبياء الله -تبارك وتعالى- ورسوله.

نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.