الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (551) - سورة الصافات 133-170

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }[الصافات:133-148]: يخبر الله -تبارك وتعالى- بأن عبده لوطا لمن المرسلين, وهو من هؤلاء الذين أنهم الله -تبارك وتعالى- عليهم قص الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة سورة الصافات من أنعم الله -تبارك وتعالى- عليهم من الرسل بأن أنجاهم, وأن جعل ذكرهم هو الخالد وكيف أن الله -تبارك وتعالى- أهلك مناوئيهم والمكذبين بهم, فلوط رسول أرسله الله -تبارك وتعالى- وأرسله الله -تبارك وتعالى- للقرى التي كانت في الأردن, وقد بين الله -تبارك وتعالى- بأنه منة الذين هو الوحيد الذي آمن لإبراهيم -عليه السلام- وخرج مهاجرًا من بلدته في أرولكادانين في العراق إلى بلاد الشام مع عمه إبراهيم -عليه السلام-, ثم إن الله -تبارك وتعالى- أرسل لوطا نبأه وأرسله وأرسل إلى القرى العامرة التي كانت في غور الأردن ليدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-, ولكن هؤلاء القوم كانوا قوم سوء وكانوا كما وصف الله -تبارك وتعالى- يأتون الفاحشة يأتون الذكران من العالمين ويقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر, وكفروا بالله -تبارك وتعالى- وكفروا برسالته وعتوا عن أمر الله -تبارك وتعالى-, فكان من شأنه قال -جل وعلا-: إِذْ نَجَّيْنَاهُ أي لوط وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ الذين كانوا مؤمنين, ولم يكن في هذه القرى كلها من المؤمنين إلا لوط وابنتاه كما في قول الله -تبارك وتعالى-: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الذاريات:35-36], {إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ}[الصافات:134-135], وهذه العجوز هي امرأته جعله الله -تبارك وتعالى- من الغابرين المتروكين للهلاك وأهلكها الله -تبارك وتعالى- مع قومها لأنها كانت امرأة سوء موافقة لقومها على فعلهم الخبيث ومشركة بالله -تبارك وتعالى-, فتركت مع من أمر الله -تبارك وتعالى- لوط أن يتركهم.

 قال -جل وعلا-: {ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ}[الصافات:136]: وقد وصف الله -تبارك وتعالى- تدميرهم بأنه أفك هذه القرى على رءوس أصحابها, أمر جبريل أن يحمل هذه القرى فحملها على طرف جناحه, ثم أفكها على رءوس أصحابها وأعقبها الله -تبارك وتعالى- بالمطر الخبيث الذي مازالت آثاره إلى اليوم, ثم خاطب الله -تبارك وتعالى- مشرك العرب فقال: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ ........ }[الصافات:137-138] وإنكم أيها المخاطبون لتمرون عليهم على ديار هذه على ديارهم لهؤلاء الكفار من الذين أرسل لهم لوطًا -عليه السلام- في غور الأردن في البحر الميت هذا مكان هلاكهم وهذا الأثر الباقي الذي جعله الله أثرًا باقيًا, {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}[الشعراء:173], وهذه آثاره وبقاياه لليوم, وإنكم لتمرون عليهم وكان العرب عندما قريش بالذات كانت لها تجارة إلى الشام فتمر في طريقها إلى الشام على قرى لوط, في غور الأردن {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ }[الصافات:137]: أي داخلين في الصباح في وقت الصباح, وَبِاللَّيْلِ وكذلك تمرون عليهم بالليل أَفَلا تَعْقِلُونَ, إلا كان عندكم عقل يعقل وتنظرون هذه مصارع الغابرين هذه انظر هؤلاء كفار اشترطتموهم في الكفر, وانظر ماذا صنع الله -تبارك وتعالى- بهم إلا يكون لكم عقول تردعكم؟ وأنه إن كفرتم وقع بكم وحل بكم من عذاب الله -تبارك وتعالى- ما حل بأولئك أفلا تعقلون بعد هذا ذكر الله -تبارك وتعالى- نبي أخر فقال {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}[الصافات:139]: يونس بن متى -عليه السلام- أخبر الله -تبارك وتعالى- بأنه من الرسل الذين أرسلهم الله -تبارك وتعالى- لقومهم, وقد أرسل في العراق في نينوى بالعراق {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}[الصافات:140]: أبق الاباق هو ترك العبد لسيده والهروب منه, ابق خرج والإباق هنا إباقه من الله -تبارك وتعالى- خرج عن أمر الله -تبارك وتعالى- خرج مغاضبًا, قيل في تفسيرها مغاضبا قومه بعد أن أغضبوه وأحنقوه وكفروا بالله -تبارك وتعالى- لم يصبر على آذاهم وكفرهم فخرج دون أن يأذن الله -تبارك وتعالى- له بالخروج.

 {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}[الصافات:140] ركب في الفلك المشحون المملوء بشتى أنواع البضائع والناس, {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ}[الصافات:141]: أي لما تعرضت هذه الفلك هذه السفينة للغرق, وكان عند ركابها أنه لابد من تخفيف من حمولتها لينجو تخلص من البعض لينجو الباقين, فاختاروا القرعة لمن تقع عليه يلقونه في البحر قال -جل وعلا-: فَسَاهَمَ أي دخل في القرعة المفروضة الآن أصبحت على الجميع {........ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ}[الصافات:141]: أي من المغلوبين في هذه القرعة, فخرج سهمه ليلقى فطبعاً ألقي في البحر {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}[الصافات:142] هيأ الله -تبارك وتعالى- له حوت ابتلعه بمجرد أن ألقي في البحر وهو مليم أي ملوم سائل ما يلام عليه من اباقه وخروجه من قومه دون أن يأذن الله -تبارك وتعالى- له في ذلك أو هو مليم فاعل ما يلام عليه, قال -جل وعلا- {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}[الصافات:143], {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الصافات:144]: للبث في بطن الحوت, وذلك أنه قال لما أنه لما ألقي في بطن الحوت قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين  قام ذكر الله -تبارك وتعالى- شهد أنه لا إله إلا الله -سبحانه وتعالى- سبحانك تنزيها لك يا رب إني كنت من الظالمين فاعترف بذنبه ورجع إلى الله -تبارك وتعالى- وسبح الله -جل وعلا- فلولا ذلك لكان هذا الحوت بطن الحوت هو قبره ليوم القيامة لم يبعث إلا منه للبث في بطنه إلى يوم يبعثون, قال -جل وعلا- {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ}[الصافات:145] النبذ الإلقاء أمر الله -تبارك وتعالى- بالحوت أن يلقيه إلى الشاطئ بالعراء مكان عالي ليس فيه بناء وربما كان عاري كذلك من الأشجار التي تظل, فألقاه على ألقاه الحوت على الشاطئ على هذا النحو وهو سقيم مريض, وذلك أن من يكون في بطن الحوت فإن في بطن الحوت تهاويل عظيمة سجن عظيم فيه تهاويل عظيمة, فخرج يقال خرج منه الفرخ الذي ينتف ريشه ويخرج.

 ثم قال -جل وعلا-: {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ}[الصافات:146] كان الله -تبارك وتعالى- أنبت له شجرة من يقطين, اليقطين هي نوع من الدبا وهي تمتد ويكون أوراقها عريضة فيستظل بها, وقيل أن الله -تبارك وتعالى- اختار له هذه الشجرة وذلك أنه لا يقع عليها الذباب, الذباب يفر منها فتكون فيه ظل لها وفي إبعاد عن الذباب حتى لا يؤذيه في بدنه {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ}[الصافات:146], ثم قال -جل وعلا-: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}[الصافات:147] أرسله الله -تبارك وتعالى- إلى مائة ألف المدينة التي كان قد أرسل إليها فيها مائة ألف أو يزيدون أي لا ينقصون عن مائة ألف وإنما يزيدون, {فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[الصافات:148] وكانت قريته هي القرية الوحيدة التي استثنيت من أنه يأتيها العذاب, ثم يرفعه الله -تبارك وتعالى- كما قال -تبارك وتعالى- {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[يونس:98] وهم القرية الوحيدة التي كان عذابها قد حم فآمنوا فالله -تبارك وتعالى- كشف عنهم العذاب فأرسله الله -تبارك وتعالى- إلى هؤلاء والله يقول فآمنوا أي جميعهم فمتعناهم إلى حين بالبقاء في هذه الدنيا إلى حين, إلى حين موتهم أي أنهم عاشوا في أمن وفي سلام, وفي متع متعهم الله -تبارك وتعالى- بها من متع هذه الدنيا بعد هذا بعدما ذكر الله -تبارك وتعالى- من شأن عبده نوح -عليه السلام- {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ}[الصافات:75].

.ثم شأن إبراهيم -عليه السلام- قال: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}[الصافات:83] -عليه السلام-, ثم ما ذكر الله -تبارك وتعالى- مما من به على إبراهيم -عليه السلام-, ثم بعد ذلك ذكر الله موسى وهارون, ثم ذكر إلياس ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- عبده لوطا, ثم ذكر في الختام عبده يونس بن متى -عليه السلام-, ثم نتيجة في كل هؤلاء الرسل كانت نتيجة واحدة وهي اصطفاءهم واختيارهم وإنجاءهم وترك الذكرى الحسنة والسلام من عباد الله -تبارك وتعالى- عليهم, ثم إهلاك كل من كذب به كل من كذب بهؤلاء الرسل قد عاقبهم الله -تبارك وتعالى- إلا القوم الآخرين وهم قوم يونس هم الوحيدين الذين كانوا لما آمنوا قبل أن يأتيهم العذاب أنجاهم الله -تبارك وتعالى- منه, وجه الله -تبارك وتعالى-, بعد ذلك الخطاب إلى نبيه ليناقش هؤلاء الكفار في عقائدهم الباطلة المشركين العرب, قال {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ}[الصافات:149] استفتي هؤلاء في هذا الأمر ليست استفتاء طلب الفتية منهم انه يفتوه في أمر يجهله ولكن ليبين له حقيقة هذا المعتقد من أين أخذوا هذا المعتقد الذي يعتقدونه من سب الله -تبارك وتعالى- وشتمه, وادعاء أن الملائكة أن ملائكة الله -تبارك وتعالى- إنما اختار الله -تبارك وتعالى- أن يكونوا بناتا فاستفتهم في عقائدهم هذه ألربك البنات ولهم البنون هل اختار الله -تبارك وتعالى- لنفسه البنات ويختار لهم البنون الذكور {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ}[الصافات:150] أم أن الله -تبارك وتعالى- خلق الملائكة إناث, وأنهم شاهدوا على خلقهم وحكموا لهم بأنهم إناث بالمشاهدة والعلم, والحال أن الله -تبارك وتعالى- لم يجعل الملائكة ليسوا بناته وإنما هم عبيده -سبحانه وتعالى- قال بل عباد مكرمون.

 ثم إن الله -تبارك وتعالى- لأن السبب بينه وبين خلقه وجعلوا له من الجنة نسبا ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون لا نسب بين الله -تبارك وتعالى- وبين أحد , ما اتخذ الله من ولد وما كان له وما كان معه من إله, {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنعام:101], فهذه العقيدة التي اعتقدوها من أن الله -تبارك وتعالى- تزوج بالجن وولد له الملائكة, وأن الملائكة هؤلاء هم بنات اختار الله -تبارك وتعالى- ذلك وهم لأنفسهم لا يرضون أن يكون لهم ابن نرزقهم الله بهذا ويشمئزون من هذا غاية الاشمئزاز, {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}[النحل:58] فكيف يكون هذا؛ الله -تبارك وتعالى- اختص نفسه بالبنات وخصهم هو بالبنين وخصهم هم بالبنين, {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ}[الصافات:150] وهذا كل استهزاء بهم وبعقائدهم الباطلة اعتقدوها, وجعلوها أمر راسخ عقيدة عندهم منها من الصدق وأنها من اليقين الذي لا تزعزع عنده {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[الصافات:150-152] ألا أي فاعلموا الناس أنهم من أفكهم أنهم هؤلاء مشركوا العرب كفار العرب من إفكهم من كذبهم وباطلهم, وكلامهم هذا المقلوب من إفكهم ليقولون ولد الله أن الملائكة هم أولاد الله قال -جل وعلا-: { ........وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ}[الصافات:152-153].

 ثم قال لهم اصطفى اختار الله -تبارك وتعالى- أن يكون له البنات على البنين {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[الصافات:154] مالكم ماذا دهاكم كيف تحكمون على الله -تبارك وتعالى- بهذا الحكم بأنه اختار أن يكون ملائكته بنات واختار لكم أنتم الذكور {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}[الصافات:154-155]: أي هل عندكم عقول تذكركم والذكرى استحضار هذا المعنى يتفكرون فيه كيف يكون هذا المعنى, وهذا القول الذي تقولونه ألا تعمدون فيه عقولكم لتستحضروا هذا المعنى وتنظروا في حقيقته {أَفَلا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ}[الصافات:155-156]: سؤال كذلك لتسخيفهم, ولبيان حقارتهم وعقولهم الهابطة الفارغة أم لكم سلطان مبين هل لكم سلطان كتاب هو السلطة بين واضح يؤمركم بهذا جاءكم كتاب من الله حجة منه عندكم سلطان منه -سبحانه وتعالى- يخبركم بأنه جعل ملائكته بنات {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ }[الصافات:157]: هاتوا هذا الكتاب الذي معكم ليشهد لكم بهذه العقائد السخيفة الباطلة التي تعتقدونها, ثم قال -جل وعلا-: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الصافات:158-159] بمعنى اعتقد هؤلاء المجرمون الكفار أن بينه بين الرب الإله -سبحانه وتعالى- الذي لا إله إلا هو وبين الجنة الجن نسبا, قالوا إن الله تزوج من الجن وولد له الملائكة قال -جل وعلا-: وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ قد علمت الجنة إنهم لمحضرون إلى العذاب فكيف يكون أنسباء الله -تبارك وتعالى-؟ والحال أنهم سيساقون متمردوهم وكفارهم وشياطينهم إلى النار حتمًا, سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ تنزيهًا لله -تبارك وتعالى- وإبعادًا له -جل وعلا- عن هذا الوصف الخبيث الإجرام الذي يصفه به هؤلاء, وأن الله -تبارك وتعالى- تزوج وولد له, ثم قال -جل وعلا-: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}[الصافات:160]: أي إلا عباد الله المخلصين من الجنة فإنهم كذلك لا يدخلون مدخلًا هؤلاء الكفار الذين يحشرون, فالجنة يحشرون إلى النار إلا عباد الله منهم المخلصين, ثم قال لهم الرب -تبارك وتعالى-: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}[الصافات:161-163] فإنكم أيها الكفار الملعونون وما تعبدون, والذي تعبدونه من دون الله ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم, كل من يوافقكم ويتبعكم وتفتنونه فيعتقد عقيدتكم هذه كل هؤلاء هم الذين سيصلوا الجحيم, أي أنتم وآلهتكم وكل من فتن بدعوتكم ووافقكم على اعتقادكم الخبيث هذا فإنهم كلهم محشورون صال الجحيم سيصلى نار الجحيم, وهذا من أعظم التقريع والتوبيخ لهم فإنكم أيها الكفار وما تعبدونه والذي تعبدونه ما أنتم عليه بفاتنين لن تفتنون أحد به وتدخلوا هذا الكفر به إلا من هو صال الجحيم لن يوافقكم ولن يسير معكم إلا واحد سيكون معكم في النار كما قال -تبارك وتعالى-: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}[الأنبياء:98], {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ}[الشعراء:94], {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ}[الشعراء:95] {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ}[الصافات:162], {إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}[الصافات:163], {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}[الصافات:164] وما من هؤلاء الملائكة الذين هم عباد الله -تبارك وتعالى- حقًا وصدقًا إلا له مقام معلوم, له مقام يقوم فيه معلوم قد علمه, وحدد له وأقيم فيه من الله -تبارك وتعالى- لا يتعداه, فملائكة في السماء الأولى, ملائكة في السماء الثانية, ملائكة في الثالثة في الرابعة إلى السابعة هذا جبريل -عليه السلام- رسول الله الأمين ومرسله الله -تبارك وتعالى- إلى الرسل له مقام معلوم وهو جبريل مقامه {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}[النجم:13], {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}[النجم:14], {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}[النجم:15]: سدرة المنتهي السدرة التي ينتهي إليها مقام جبريل -عليه السلام- هذا مقامه فكل ملك من ملائكة الله -تبارك وتعالى- له مقام معلوم مقام في عبادة الله -تبارك وتعالى-, وفي العمل الذي وكل به كل واحد في عمله الذي وكل به, {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ........}: وكله الله -تبارك وتعالى- بقبض الأرواح يفعل هذا كما ارمه الله -تبارك وتعالى- ملائكة في النار يعذبون أهل النار يقومون عليها هم هذا هم قائمون في هذا الأمر وموكلون بهذا الأمر, {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}[المدثر:30], {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}: فلهم مقامهم هنا ملائكة في الجنة هم خزنة الجنة قائمون فيها, {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ}[الرعد:23], {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد:24], هذا رضوان خازن الجنة هو خازن الجنة معه ملائكة يقومون بهذا الأمر يقومون بهذا الأمر, وكل ملك من هذه الملائكة لا تخطى عمله جعله الله -تبارك وتعالى- حافظ محصي فهو في مقامه أن كل نفس لما عليها حافظ ملائكة من حملة العرش هم من حملة العرش يقومون بأمر الله -تبارك وتعالى- هذا اسرافيل مقامه معلوم ملك عظيم من ملائكة الله -تبارك وتعالى- هذا منذ خلقه, وقد التقم القرن الصور وأصاخ السمع, وينتظر أمر الله -تبارك وتعالى- بنفخ الصور فعلى هذا من آلاف السنين يبقى علي هذا بعد هذا مئات الألوف هذا أمره له مقامه المعلوم الذي لا يتعداه.

 {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}[الصافات:164] في قيامه بأمر الله -تبارك وتعالى- ينفز العمل الذي وكل به, وكذلك في قيامه بالعبادة المنوطة يقوم بهذه العبادة ويؤديها, {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}[الأعراف:206], ولا يتصرف منهم أحد بإختياره وبأمره من عند نفسه قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل يا جبريل ألا تزورن أكثر مما تزورونا فأنزل الله -تبارك وتعالى- قوله: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم:64] لا ينزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى غيره من الرسل إلا بأمر الله -تبارك وتعالى- في الوقت الذي يحدده الله -تبارك وتعالى-؛ فالله -تبارك وتعالى- هو الذي له الأمر كله فملائكة الله -تبارك وتعالى- قائمون في أمر الله -تبارك وتعالى- على النحو الذي يريده الله -تبارك وتعالى- منهم فكيف يكونون هذا باعتقادهم أنهم بناته, وأنهم يملكون كما كانوا يقولون لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكًا تملكه وما ملك وجعلوا له شركاء لله -تبارك وتعالى- وانه يشفعون عنده وان شفاعتهم هذه لازمة ومقبولة بالضرورة عند الله -تبارك وتعالى- فهذا حالهم حالهم أنهم عباد مكرمون ملتزمون بأمر الله -تبارك وتعالى-, {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء:27], {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء:28], {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:29], {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}[الصافات:165], {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ}[الصافات:166], وإنا الملائكة لنحن الصافون عند الله -تبارك وتعالى- يصفون صفوفًا يصلون لله -تبارك وتعالى- وأنا لنحن المسبحون لله -تبارك وتعالى-؛ فهذا من عمل الملائكة كذلك أنها تصف صفوفا للصلاة عند الله -تبارك وتعالى- وتسبح الله -تبارك وتعالى-, وقد قال صلى الله عليه وسلم إلا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها قالوا كيف يصفون يا رسول الله؟ فقال يتمون الصف الأول فالأول فيصفون صفوف يتم الصف الأول ثم الذي يليه, ثم الذي يليه, وقد جاء في البيت المعمور أنه يدخله في كل يوم سبعون ألف ملكًا يصلون فيه ثم لا يعودون إليه أبدًا هذه نوبتهم نوبة واحدة أي من العمر يصلون صلاة واحدة فيه فملائكة الله -تبارك وتعالى- ملائكة عظام وهم عبيده -سبحانه وتعالى-, وليسوا بناته كما ادعى واعتقد هؤلاء المشركون الكافرون, ثم قال -جل وعلا-: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ}[الصافات:167], {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ}[الصافات:168], {لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}[الصافات:169], {فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}[الصافات:170], وان كانوا هؤلاء العرب ليقولون لو أن عندنا ذكرًا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين؛ هذا كذلك من كذبهم وأمانيهم الباطلة التي إذا تحققت لا يصدقوها ولا يحققوها, وذلك أنهم كانوا يقسمون كل الأقسام اقسموا الله جهد إيمانه لئن جاءتهم لا يؤمنون بها فلا يؤمنون وكذلك قالوا أننا لو جاءنا نذير لكنا أهدى من هذه من إحدى الأمم من اليهود والنصارى فهؤلاء كانوا يقولون لو كان الله -تبارك وتعالى- يرسل لنا ذكر من عنده كذكر الذي أرسله على الأولين على اليهود والنصارى لكنا عباد الله المخلصين نكون مخلصين لله -تبارك وتعالى- قائمين بعبادة الله -تبارك وتعالى- خير من إحدى هذه الأمم السابقة, قال -جل وعلا- فَكَفَرُوا بِهِ: كفروا به بهذا الذكر الذي تمنوه وأرادوه واقسموا بالله جهد إيمانهم لئن جاءهم نذير ليقولن أهدى من إحدى الأمم فقد بالغوا في الأقسام وفي الحلف انه ان جاءهم نذير من الله بتارك وتعالى سيكونون اهدى من احدى الامم من اليهود والنصارى, وهنا قالوا لو جاءنا ذكر مثلما اتى الاولين لكنا عباد الله المخلصين لكن لما جاءهم الذكر, وجاءهم الرسول وجاءهم النذير قال -جل وعلا-: {فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}[الصافات:170]: تهديد يهددهم الله -تبارك وتعالى-, ويبين أنهم سوف يعلمون نتيجة هذا الكذب والإفك الذي قالوه كذبهم على الله -تبارك وتعالى- في الملائكة, وكذبهم أنه لوجاءهم ذكر ليكونن من عباد الله المخلصين, ثم كفروا بكل ذلك قال -جل وعلا-: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.

نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.