الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (552) - سورة الصافات 170-182

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِين وَأَبْصِرْهُم فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }[الصافات:158-182]: هذه الآيات الأخيرة من سورة الصافات ذكر الله -تبارك وتعالى- من عقائد هؤلاء المشركين الضالين أنهم جعلوا بينه بين الرب - سبحان وتعالى- وبين الجنة نسبًا, قالوا بأن الله تزوج من الجن وولد له الملائكة وأن الملائكة بناته -تعالى الله تبارك وتعالى- عما يقولون علوًا كبيرًا سبحان ربك رب العزة عما يصفون قال -جل وعلا- {........ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}[الصافات:158] قد علمت الجنة أخبرهم الله -تبارك وتعالى- أنهم لمحضرون للعذاب عامتهم استثنى الله -تبارك وتعالى-, بعد ذلك قال: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}[الصافات:160], ثم سبح الله نفسه فقال: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الصافات:159]تنزيها لله -تبارك وتعالى- الله عما يصفون أن يكون الله يتزوج وأن يولد له أولاد -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}[الصافات:159-160]: أي من الجنة {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}[الصافات:160] منهم فإنهم لا يحضرون العذاب بل ينجيهم الله -تبارك وتعالى-, وهل يدخلون الجنة ينعموا فيها أو لا ينعمون فيه هنا ذكر لأقوال أهل العلم وليس في القرآن نص واضح أو صريح في أن مؤمني الجنة يدخلون الجنة, لكن هنا استثناهم الله -تبارك وتعالى- من العذاب قال: {........ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ }[الصافات:159-160].

 ثم وجه الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء المشركين إنذارًا وتهديدًا وبياناً لأنه ما الذي سيصنعونه؟ قال {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}[الصافات:161-163]: فإنكم أيها الضالون المكذبون وما تعبدون من دون الله من أصنامكم, وآلهتكم ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم لن تفتنون أحداً وتأخذونه إلا من كتب الله -تبارك وتعالى- عليه الجحيم ومضت مشيئة الله -تبارك وتعالى- في أن يكون معكم في النار إلا من هو صال الجحيم, ثم قال -جل وعلا-: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ}[الصافات:164-166]: هذا شأن ملائكة الرب -تبارك وتعالى-, وإنا الملائكة لنحن الصافون عند الله -تبارك وتعالى- تصف الملائكة في صلاتهم في عبادتهم للرب -تبارك وتعالى-, وإنا لنحن المسبحون لله -تبارك وتعالى- الملائكة تسبح يسحبون ربهم - سبحان وتعالى- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا, {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}[الأعراف:206], وقال {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ}[الأنبياء:20]: فهذا عمل الملائكة تسبيح وتحميد لله -تبارك وتعالى-, ودعاء وصلاة على عباد الله المؤمنين وقيام بالأمر الذي أناطه الله -تبارك وتعالى- بهم وكلفهم إياه وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون, ثم ذكر الله أيضًا جانبًا جديدًا من ضلال المشركين فقال: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}[الصافات:167-169] هذا من أيضًا من كذبهم, وضلالهم وأنهم كانوا يقسمون بالأقسام المغلظة أنهم لو جاءهم نذير من الله -تبارك وتعالى- ليكون أهدى من إحدى الأمم كما قال -تبارك وتعالى-: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ ........}[فاطر:42] أهدى من اليهود والنصارى , فيقول الله -تبارك وتعالى- هنا وإن كانوا ليقولون هؤلاء العرب لو أن عندنا ذكرا من الأولين ذكر من الأولين ذكر كما نزل الذكر على الأولين من اليهود والنصارى لكنا عباد الله المخلصين, أي لكنا أهدى من كل هؤلاء العباد وكنا عباد الله المخلصين الذين يخلصهم الله -تبارك وتعالى- ويكونون له مخلصين في عبادتهم لله -تبارك وتعالى-.

 قال -جل وعلا-: {فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}[الصافات:170] فكفروا به بهذا الذكر بهذا الرسول الذي أرسل إليهم بهذا الذي تمنوه وأرادوه, وأقسموا بالله أنه إن جاء ليؤمنن به ولا يسيرون في الطريق المستقيم, وليكونن أمة مهتدية إذا جاءهم ذكر من الله -تبارك وتعالى-, جاءهم الذكر من الله جاءهم القرآن الكريم جاءهم رسول الله محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- يعرفونه يعرفون صدقه وأمانته ومدخله ومخرجه يعرفونه تمامًا فيه عزهم فيه عز الدنيا فيه عز الآخرة, كل هذا لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم أفلا تعقلون لكنهم كفروا به قال -جل وعلا- فسوف يعلمون تهديد تعالى الله.

 ثم أخبر - سبحان وتعالى- أن سنته الجارية في مع رسله أن ينصرهم, قال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ}[الصافات:171]: ولقد سبقت كلمتنا في الزمان وغلبت كلمة الله -تبارك وتعالى- هي العليا, وكلمة الذين كفروا السفلى وقد سبقت كلمة الله -تبارك وتعالى- هذه لعبادنا المرسلين أن الله -تبارك وتعالى- أخبرهم إنهم لهم المنصورون في الدنيا وفي الآخرة كما قال -جل وعلا-: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}[غافر:51]: فهم المنصورون في الدنيا والآخرة لابد أن يكتب الله -تبارك وتعالى- لهم النصر ما أرسلهم الله -تبارك وتعالى- إلا ليعزهم, ويعز دينه وينصرهم على من ناوأهم وغلبهم هذا نوح -عليه السلام- بدءا بنوح فإنه أوذي وحدث له ما حدث, ثم كانت النتيجة له ونصره الله -تبارك وتعالى- في نهاية المطاف, وهذا إبراهيم -عليه السلام- {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ}[الصافات:98] ونصره الله -تبارك وتعالى- على كل هؤلاء الذين أرادوا به كيدًا وأن يحرقوه بالنار, وأن ينصروا ألهتهم فبأخذهم الله -تبارك وتعالى- وأخذ ألهتهم حطمت آلهتهم ولم تغني عنهم شيئا, ثم بعد ذلك أرادوا أن يحرقوا إبراهيم فنجاه الله -تبارك وتعالى- من النار, وهذا موسى -عليه السلام- النبي انظر ما النهاية التي انتهى إليها أمره مع أمر الفرعون المتمكن في الأرض بكل القوى الذي يقول أنا ربكم الأعلى والذي استكبر هو وجنوده في الأرض وتعالى عن أمر الله -تبارك وتعالى- لكن الله أخزاه في نهاية المطاف, وأغرقه وأذله, وأذل قومه لما تركوا طريق الرب -تبارك وتعالى- ونصر الله -تبارك وتعالى- عبده موسى, ونصر القوم الذين كانوا يستضعفون, وهذا هود -عليه السلام-, وهذا صالح -عليه السلام- فهود نصرهم الله -تبارك وتعالى- في نهاية المطاف وكانوا يستهزئون بهم قومهم وقد نصر الله صالح نصر الله -تبارك وتعالى- عيسى -عليه السلام- دعا إلى الله -تبارك وتعالى- وتمالى عليه بنو إسرائيل وأرادوا قتله وصاحوا به بكل سبيل لكن الله -تبارك وتعالى- نصره في نهاية الأمر, رفعه الله -تبارك وتعالى- إلى السماء وألقى شبهه على غيره, فصلبوه به وهم يظنون أنهم قد صلبوا عدوهم وفعلوا ما فعلوا برسول الله لكن الله -تبارك وتعالى- أعزه ونصره, وجعل من بعده بعد ذلك نصرهم الله -تبارك وتعالى- على من ناوأهم وخالفهم, وهذا الأمر يقال لنبينا محمد -صلوات الله وسلامه عليه- تنزل عليه هذه الآية وهو في مكة والكفار يظنون أنهم هم المنصورون, وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لن يمر ما سيقف دينه وينتهي ويضمحل ويتلاشى, وأنه لا مجال لأن يكون له شأن وأنها مسألة وقت وينتهي الأمر لكن الله -تبارك وتعالى- أخبرهم بأن هذا النبي سينتصر دينه الذي سيبقى وهم الذين سيزلون, وقد كان قد كان الأمر كما اخبر الله -تبارك وتعالى- به عبده ورسوله فالله -تبارك وتعالى- يخبرهم هذه الآيات تنزل في مكة في وقت ضعف للمسلمين وقت ذلة لهم لكن الله يقول لرسوله, ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون ونبي الله -تبارك وتعالى- من المرسلين, بل هو خاتمهم وآخرهم وأفضلهم وأعلاهم منزلة -صلوات الله وسلامه عليه- فهم المنصورون.

 {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}[الصافات:173]: وإن جنود الله -تبارك وتعالى- نسب الله -تبارك وتعالى- الجنود إليه جنود الإيمان إليه قال: لهم الغالبون هم الذين سيغلبون كما كان في كل سابقين وسيكون أيضا في هذه الأمة الجند الذين يكونون مع محمد -صلوات الله وسلامه عليه- مع رسول الله وعبد الله هم الذين سينتصرون وقد كان الأمر, فكل الذين ناوئوا النبي -صلوات الله وسلامه عليه- وكل الذين حاربوه انتصر النبي عليهم في نهاية المطاف -صلوات الله وسلامه عليه-, ثم قال -جل وعلا-: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينِ}[الصافات:174]: تركهم لا تؤاخذهم الآن, ولا تعاجلهم بسيئاتهم واتركهم الآن, إلى وقت {وَأَبْصِرْهُم فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ}[الصافات:175]: أبصر مآلهم وأبصر النتيجة التي سيؤولون إليها فإنهم سيبصرون رغمًا عنهم سيبصرون أن العزة والقوة إنما هي لله -تبارك وتعالى- أن جنود الله هم الذين سينتصرون وهم الذين سيذلون قال: {وَأَبْصِرْهُم فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ}[الصافات:175] إلا لم يبصروا هذا بأعينهم في الدنيا فيبصروه عند الموت وقد أبصر كبيرهم أبو جهل الذي كان أكبر قريش عنادا فرعون هذه الأمة ويقف في غزوة بدر بعد أن يضرب ويجرح ويلقى على الأرض يأتيه عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى- عنه الصحابي الجليل كانت أرجله ضعيفة مثل كأنها خشبة المغزل, ثم يأتي إليه ويصعد على صدره ويلحقه وهو في الجرحى فيه رمق فيقول له عبد الله أخزاك الله يا عدو الله فيقول, وماذا أخزاني أعلى رجل ضيعه قومه يقف عليه يقف على صدره ويقوله: لقد ارتقيت مرتقا صعبا يا رويع الغنم, فيخزيه الله يقول أخزاك الله رأيت الخزي بعينك كيف كان الأمر؟ ثم يشاهد بعينه هروب الكفار وقتلهم ومصيره على هذا النحو, ثم يلقى في القليب قليب بدر هو وكبراء هؤلاء المعاندون لهذه الرسالة من أمثال أمية بن خلف, غيره يقف النبي عليهم -صلى الله عليه وسلم- ويناديهم بأسماهم يا فلان يا فلان يا فلان هل رأيتم أو علمتم أنما وعد ربكم حقا؟ فإني قد رأيت ما وعدني ربي حقًا, فيقول له الصحابة يا رسول اله كيف تخاطب قومًا قد جيفوا فيقول ما أنتم بأسمع لما أقول منهم فالرب -تبارك وتعالى- يقول لرسوله فتولى عنهم حتى حين أتركهم قليلا إلى وقت قليل وأبصرهم فسوف يبصرون أبصرهم كيف سيكونوا مآلهم عندما ينزل بهم بأس الله -تبارك وتعالى- فسوف يبصرون ما يحل بهم من نكال الله -تبارك وتعالى-.

 ثم قال -جل وعلا-: متسهزءا بهم {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ}[الصافات:176]: بعذاب الله -تبارك وتعالى- يستعجلون عذاب الله -تبارك وتعالى- وعذابه شديد في الدنيا والآخرة إن عذابه اليم شديد هذا في الدنيا, وفي الآخرة أشد أنظر كيف أخذ الله -تبارك وتعالى- قوم نوح بالغرق وكيف أخذ قوم فرعون بالغرق وكيف أهلك هؤلاء بالريح لم تدع لهم شيئا وكيف أهلك هؤلاء بالصيحة, وصاعقة فأخذه في الدنيا أليم شديد, وأن عذابه في الآخرة فالعذاب الشديد مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ يقول الله في قوم نوح {........ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا}[نوح:25], ويقول الله -تبارك وتعالى- في قوم فرعون {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر:46], فيقول الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء المكذبين المعاندين {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ}[الصافات:176]: سؤال يراد به تحقيرهم وتسخيف عقولهم وبيان أنهم عتاة مجرمون ويستخفون بأمر الله -تبارك وتعالى- ووعيده {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ}[الصافات:176], عذاب الله هل يستعجل به إلا الجاهل المعاند المكابر الكافر {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ}[الصافات:177] قال إذا نزل هذا العذاب بساحتهم ساحتهم أرضهم الواسعة أفنيتهم بيوتهم في ساحة البلدة في وسطها, فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين سيكون هذا الصباح الذي يواجهون فيه عذاب الله -تبارك وتعالى- يكون صباح من أسوأ الصباح, فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ هنا بالمبني للمجهول الذين ينذرهم الله -تبارك وتعالى- ناس ينذرهم الله عندما يأتيهم عذابه يكون أسوأ صباحا عليهم وقد قال النبي -صلوات الله عليه وسلم- تلا هذه الآية وقالها عندما دخل إلى خيبر فقال: الله اكبر خربت خيبر, إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فإن النبي -صلوات الله وسلامه عليه- هو صاحب الجنود جنود الرب -تبارك وتعالى- جنود الله عز وجل هو قائد الجنود قائد جنود الرب ونبي الملحمة كما أنه نبي المرحمة, فلما نزل بجيشه وخرجت اليهود في صبيحة يومهم ما كانوا عندهم خبر بمجيئه فقالوا محمد والخميس محمد جاي والخميس, الخميس الجيش لأنه يخمس ميمنة وميسرة وقلب ومقدمة وساقة فيسمون العرب سموا الجيش الخميس, فقالوا محمد والخميس فقال النبي الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فيخبر - سبحان وتعالى- بأن عذاب الله -تبارك وتعالى- إذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين سيكون صباحهم من أسوأ الصباح صباح أسود كوجوههم فلينتظرون, وتولى عنهم حتى حين كرر الله -تبارك وتعالى- هذا أمره لرسوله بأن يتولى عنهم ليس هذا وقت محاسبتهم على إجرامهم وعلى كفرهم اتركهم الآن, {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ}[الصافات:178-179] تأكيد الأمر أيضا وأبصر ما سيكون من شأنك من شأن إعزازك ومن شأن نصرك فسوف يبصرون ما يحل بهم من العذاب والنكال.

 ثم قال -جل وعلا-: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون}[الصافات:180]: سبح الله -تبارك وتعالى- نفسه نسب للنبي إليه قال سبحان ربك يا محمد رب العزة عما يصفون الله -تبارك وتعالى- هو رب العزة لأن العزة كله العزة كلها له - سبحان وتعالى- العزة هي الغلبة فلا غالب الا هو - سبحان وتعالى- ولا غالب لأحد إلا بأن يجعله الله -تبارك وتعالى- غالبا ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين, فالله كتب هذه العزة له هو صاحب العزة -سبحانه وتعالى- ولرسوله وللمؤمنين أن يجعلهم الله -تبارك وتعالى- من الغالبين سبحان ربك رب العزة الغلبة لا يغلبه أحد - سبحان وتعالى- عما يصفون عما يصفوا به هؤلاء المجرمون, وقد هنا سبق أنهم وصفوه بصفات كلها صفات السوء وصفوه بأنه يتزوج تعالى الله عن ذلك, وأنه تزوج بالجن, وصفوه بأنه يولد له, وقد ولد له الملائكة وأن الملائكة بناته - سبحان وتعالى-, وصفوه بأنه يشرك به -سبحانه وتعالى-, وأنه يعبد معه غيره - سبحان وتعالى- فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد - سبحان وتعالى- , فسبح الله -تبارك وتعالى- نفسه عما يصفه به هؤلاء الكفار المعاندون سبحان ربك رب العزة عما يصفون تنزيها لله -تبارك وتعالى- عن كل ما يصفه به أهل الشرك والكفر من أن له صاحبة وأن له ولد وأن له ند أو أنه -سبحانه وتعالى- لا يحيي هذه الأجساد بعد موتها فإنهم أنكروا هذا كل الإنكار, وقالوا لا يمكن ويستحيل عندهم أن يعيد الله -تبارك وتعالى- أجسادهم إلى الحياة مرة ثانية, فإنهم قد قالوا {........ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ}[الواقعة:47-48]: قالوا هذا استعظام على الله -تبارك وتعالى-, وأنه هذا ليس في مقدوره, ولا داخل تحت قدرته - سبحان وتعالى- أن يعيد أن يعيدنا إلى الحياة مرة ثانية, فسبحان الله عما يصفون, فقد وصفوا الله -تبارك وتعالى- بالعجز كذلك وصفهم إياه بأنه لا يبعثهم ليس بالعجز وحده فقط بل بالظلم وباللعب, بالظلم لأنه يسوي في النهاية بين المؤمن والكافر بين المحسن والمسيء بين من عبده - سبحان وتعالى-, ومن قام بالأمر الذي أمره به,و ومن جحد بذلك وكفر به وقد قال -جل وعلا-: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[القلم:35-36]: كيف يجعل الله -تبارك وتعالى- شان المسلم كشأن المجرم, وهذا نسبه إلى الله -تبارك وتعالى- كذلك لو لم يكن هناك بعث ولا نشور ولا حساب, فإن هذه الدنيا تكون أكذوبة كبيرة ولعبة عظيمة, وأن الخاسر فيها هم أهل الإيمان والكاسب فيها هم أهل الكفر والعصيان وأهل الفجور وأهل العدوان, فيكون أهل الظلم والعدوان ومن سلبوا الآخرين, وأخذوهم وفعلوا ما يشتهون هم أهل الفوز هم الذين فازوا وهم الذين كانوا على الحق لمبين وأما الذين صلوا وصاموا وعبدوا الله -تبارك وتعالى- ثم لم يكن لهم جزاء إذا كانوا هم الخاسرين ضيعوا أوقاتهم وضيعوا أعمارهم ولم ينالوا شيئاً من من جزاء عملهم, وهؤلاء قد نالوا ما نالوه في الدنيا ليكون الله -تبارك وتعالى- لا شك أن هذا نسبة هذا إلى الله -تبارك وتعالى- يكون نسبة لعب ونسبة ظلم تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا ولذلك قال -جل وعلا-: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }[الأنبياء:16-18]: ولكم الويل مما تتصفون ربكم - سبحان وتعالى- بهذه الصفة يستحيل أن يكون الله - سبحان وتعالى- على على هذا النحو إذن هؤلاء الذين وصفوا الرب -تبارك وتعالى- بما بكل أنواع نقص تعالى الله عن ذلك بالظلم بأنه يلعب ويلهو وأن هذه الدنيا ليست لها غاية وليس لها هدف, وإنما هي حياتنا فقط الدنيا وليس هناك بعث ولا نشور, نسبوا الله -تبارك وتعالى- بأنه يتزوج وأن يكون له أولاد, نسبوا أنه يشفع عنده بغير إذنه وأن ملائكته بناته تشفع عنده {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ}[الصافات:180], سبح الله -تبارك وتعالى- نفسه عن كل أوصاف الكفر والجهل التي وصفوا بها الرب - سبحان وتعالى-.

 ثم قال -جل وعلا-: {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ}[الصافات:181]: سلام منه - سبحان وتعالى- على المرسلين, وذلك أنهم وصفوا الله -تبارك وتعالى- بما يليق بما أوحاه الله -تبارك وتعالى- من وصفه فالقرآن فيه موضوعه الأساس بيان صفة الرب -تبارك وتعالى- صفاته إما كالوصف المباشر تقول {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة:255], وفي قوله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص:1-4], وأن ببيان مخترعاته ومصنوعاته - سبحان وتعالى- كفول الله -تبارك وتعالى- {حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ }[الجاثية:1-6] وأما بيان سنته -سبحانه وتعالى- وفعله وصنيعه الجميل في طاعته وكذلك في علوه -سبحانه وتعالى-, وصنيعه الجميل كذلك في أهل معصيته فأفعاله كلها خير - سبحان وتعالى-؛ فالرب -تبارك وتعالى- وصف نفسه وهذا الوصف جاء على ألسنة رسله إما بما أنزله عليهم من الوحي لفظًا ومعنى وإما بما أنزله عليه بالوحي الذي صاغوه بكلامهم فسنتة من الله كما أن القرآن من الله, وسلام على المرسلين سلام على المرسلين فيما اخبروا به عن الله -تبارك وتعالى-؛ فالإخبار الحق عن الله لا يؤخذ إلا من المرسلين؛ لأن وصفهم لله -تبارك وتعالى- سالم من كل عيب ومن كل نقص.

 {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الصافات:182]: الحمد لله بالألف واللام الاستغراقية, أي كل معاني الحمد لله وذلك أنه المحمود لذاته وأفعاله وصفاته - سبحان وتعالى- ولإنعامه وإفضاله فكل نعمة في الوجود منه - سبحان وتعالى- كل خير في الوجود إنما هو من إنعامه وإفضاله, وكل عمله حسن كل أعماله خير - سبحان وتعالى- فعقوبته للظالمين خير -جل وعلا- ما لا كل شيء من صنع الله -تبارك وتعالى- ومن عمل الله -تبارك وتعالى- خير فالله هو المحمود لذاته والمحمود لأفعاله وصفاته - سبحان وتعالى- والحمد لله الموصوف بأنه رب العالمين, والحمد لله رب كل هذه العوالم التي خلقها وما سواه الله عالم والله ربها هو خالقها هو مخرجها من العدم هو مسيرها - سبحان وتعالى-؛ ففي ختام السورة سبح الله -تبارك وتعالى- نفسه - سبحان وتعالى- عما يصفه به الكافرون وسلم على عباده المرسلين لسلامة وصفهم ربهم -سبحانه وتعالى- وحمد نفسه وأنه هو رب العالمين -جل وعلا-.

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ}[الصافات:180], {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ}[الصافات:181] {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الصافات:182].

نقف هنا,ونكمل الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم م نكل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده وروسله محمد-.