الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (553) - سورة ص 1-10

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ }[ص:1-8] هذه الآيات الأولى من سورة (ص) بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة وهي من السور المكية التي نزلت على النبي -صلوات الله وسلامه عليه- عليه قبل هجرته قال -جل علا-: ص: وهذا حرف من حروف العربية, وشأنه فيه الشأن هذه الحروف المقطعة التي جاءت في أوائل السور {الم}[البقرة:1], {كهيعص}[مريم:1], و الر, و {حم}[فصلت:1], و ق, و ص ونحوها, وقد سبق القول في ما قاله أهل العلم بتفسير في معاني هذه الحروف, ثم أقسم الله -تبارك وتعالى- بالقرآن فقال: وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ: يقسم الله -جل علا- بهذا القرآن العظيم الذي سماه القرآن ذي الذكر كتاب الله -تبارك وتعالى- سمي قرآنًا؛ لأنه قرئ في السماء ويقرأ في الأرض, وهو أعظم كتاب قد قرئ كتاب الله -تبارك وتعالى- كلامه المنزل على عبده ورسوله محمد -صلوات الله وسلامه عليه- المتعبد بتلاوته المعجز الذي تحدث الله -تبارك وتعالى- به للأولين والآخرين أن يأتوا بسورة من مثل سوره وأخبر أنهم يعجزون, وقال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء:88] , وصف الله -تبارك وتعالى- هذا القرآن بأنه ذي الذكر ذي الذكر, الذكر العظيم فهو مذكور كتاب الله -تبارك وتعالى- مذكور في السماوات, مذكور في الأرض الذكر الشأن العظيم, والمنزلة الرفيعة, فهو قرآن ذو شأن عظيم ومنزلة عالية رفيعة, ثم هو الذي نزل بالذكر لأنه نزل مذكرا من الله -تبارك وتعالى- فهو ذكر حكيم يذكر الله -تبارك وتعالى- به عباده أولا بإلههم وربهم وخالقهم -سبحانه وتعالى- فيعرفهم به أعظم تعريف, فالله قد وصف نفسه في هذا القرآن وصف أعماله وصف -سبحانه وتعالى- صفاته ووصف -سبحانه وتعالى- عظيم صنعه وعظيم مخلوقاته -سبحانه وتعالى- مما يقع تحت حسنًا أبصارنا ومما لا نراه من أمور عظيمة ومن خلق عظيم أخبرنا الله -تبارك وتعالى- عنه -جل علا- كذلك هو يذكر الإنسان بمبدأه ومآله, والطريق إلى الله -تبارك وتعالى- ماذا يكون هذا المآل عنده المطيعين ماذا أعد الله -تبارك وتعالى- من الجنان والقصور والحور وماذا أعد للعصاة المكذبين من النكال والعذاب الأليم فهو قرآن مذكر يذكر هذه الأمور العظيمة والذي يكون على هدايته ونوره سبيل الفلاح والفوز, وعلى البعد عنه وعلى الإعراض عنه سبيل الخسار كل الخسار  {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}[ص:1]: يقسم الله -تبارك وتعالى- بهذا القرآن النازل بالذكر وهذا القرآن ذو الشأن العظيم والمنزلة العظيمة فهو {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ}[عبس:13-16], كون الله -تبارك وتعالى- ينزله على عباده - سبحانه وتعالى-في هذه الدنيا ليكون بصائر لهم وهداية وبينات ودعوة منه -سبحانه وتعالى- ورسالة كريمة منه - سبحانه وتعالى- إلى عباده شأن عظيم جدًا, ثم جاء هنا المقسم عليه الذي أقسم الله -تبارك وتعالى- عليه الصحيح أنه كل ما يذكره الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة هو الذي أقسم الله -تبارك وتعالى- بأن هذا حق, وأن هذا واقع وأنه منه - سبحانه وتعالى-, وأن الأمر كما قال -جل علا- {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}[ص:2]: أي مع نزول هذا القرآن للذكر ليذكرهم, وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ويعرفه طريق الرب -تبارك وتعالى- إلا أن الذين كفروا في عزة, عزة كاذبة كبر عن الحق لا يريدونه , وشقاق فيما بينهم اختلاف هائل جدًا فلم يتفقوا على رأي واحد في القرآن ولا في الرسول, فقد قالوا عن هذا القرآن مقالات قالوا شعر, قالوا سحر, قالوا كهانة, قالوا أساطير الأولين اكتتبوها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا, قالوا افترى كتاب مكذوب الذي كذبه النبي, قالوا لا كذبه غيره وأعطاه قال قد سرقه وأخذه من غيره, فهم في شقاق واختلاف هائل جدًا في شأن هذا القرآن وكذلك في شأن الرسول تارة يقولوا عنه مجنون, تارة يقولوا عنه ساحر, تارة يقولوا لا هذا رجل له مقصد وله أهداف أخرى غير هذه الظاهرة يريد أن يترأس ويريد أن يكون في عزة قال كيف يتبع رجلا منا ويتفضل علينا بهذا القرآن إلا {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:31]: لماذا لم ينزل على رجل من أهل الثراء والجاه وممن له الإتباع كالعصب والسهم والأبناء ولا غيرهم من كبار  القوم في الطائف وفي مكة , ففيهم كبر كما قال -تبارك وتعالى- {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[غافر:56], بل الذين كفروا في عزة ليست عزة حقيقية عزة في أنفسهم أنهم معتزين في أنفسهم ومفتخرين بما عندهم من الأموال والجاه والتمكن وهم في كبر عن سماع هذا الحق والإذعان بهذا القرآن والأخذ بهذا الذكر, شقاق فيما بينهم شقاق اختلاف عظيم كل يشاقق الآخر, ويقولون أقوال مختلفة وإن كانوا مجتمعين مع هذا على حرب النبي -صلوات الله وسلامه عليه-.

 قال -جل علا-: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ}[ص:3]: كثيرًا أهلكنا الرب -سبحانه وتعالى- إهلاك استئصال قبلهم قبل هؤلاء المكذبين من العرب من قرن وهم الفئة المجتمعة الأمة المجتمعة في وقت واحد مقترنين في وقت واحد فنادوا عندما حل بهم عذاب الرب -تبارك وتعالى- استصرخوا, ونادوا ما ينادون من أهلتهم نادوا الرب -تبارك وتعالى- استغاثوا به قال -جل علا-: {........ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ}[ص:3] ليس الوقت هنا وقت هروب ما في مهرب لما نزلت بهم عقوبة الله -تبارك وتعالى- فلم يجدوا مناصا مهربا يهربون إليه ولا ملجأ يلجأون إليه بل استأصلهم الله -تبارك وتعالى- كلهم ولم يبقي منهم كما استأصل قوم نوح أنزل بهم عذاب استئصال فلم يبق منهم أحدا إلا أهل الإيمان, وكذلك عاد وثمود فما أبقى ما أبقى أحدا منهم قيل إن في عاد رجل كان خارج كان مسافر خارجها فلحقه الحجر إلى مكانه قتله في مكانه, وهو بعيد عن المكان الذي نزل فيه العذاب, وقيل إن امرأة لوط خرجت في إثرهم لما رأت أن زوجها لوط قد خرج وخرجت ابنتاه في جنح الليل لأنه الله -تبارك وتعالى- أمره أن يخرج في جنح الليل وأنها لما أحست بخروجهم أنها أرادات أن تلحق بهم فلحقها العذاب, وأين العذاب ورائها لحقها وذلك أن حكم الله -تبارك وتعالى- نازل فيها فنادوا أي عندما نزل بهم العذاب قال -جل علا-: {........فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ}[ص:3] ليس في وقت نزول العذاب ليس هناك مهرب ولا ملجأ ممكن أن يلجأ إليه فار قال -جل علا-: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}[ص:4]: هذا تفصيل لقول الله -تبارك وتعالى- بين الذين كفروا في عزة وشقاق هذا عزتهم وشقاقهم وعجبوا أن جاء عجبوا أي الكفار أن جاء منذر منهم لماذالم يأتي وإنما جاء رجل منذر ينذرهم منهم, والحال إن هذا ليس حال عجب ما العجب في أن يختار الله -تبارك وتعالى- من القوم رجل منهم يعرفونه, وهو إنسان بشر مثلهم يستطيع أن يكلونه يأنسون به فيخبرهم بخبر الله -تبارك وتعالى-, ويدلهم على طريق الرب -جل علا- لكن عجبوا من هذا, قالوا الملك كيف يملك التفاهم معه مرآه يهلكهم وأن جاءهم في صورة رجل ما يعرفونه وما هذا الذي ما هذا الذي أتاهم فيلتبس عليهم الأمر كله ويختلط لكن هذه عقوله فعجبوا أن الله -تبارك وتعالى- يختار رسول من البشر ليأتي وينذرهم.

 {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}[ص:4], انظر مقالة هؤلاء المجرمون قال -جل علا- وقال الكافرون سماهم الله -تبارك وتعالى- باسمهم وصفهم الحقيقي الكافرون, وذلك أنه في قرارة أنفسهم يعلمون صدقه ويعلمون إن هذا لا يكذب محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا يشهدون له بالصدق, ولا يمكن أن يكون كاذبا عندهم لكن كفر لكن هذا كفر فقالوا هذا, والإشارة للقريب الذي يعلمونه وينظرونه ساحر كذاب ساحر يقول سحرنا سحر الإنسان يجلس الإنسان يقرأ عليه القران فيجعله يترك كل ما كان عليه آباءه وأجداده ويحلوه يحول الولد عن أبيه والمرأة عن زوجها والأخ عن أخيه ساحر يسحرهم, أو أنه لبس عليهم وصنع فيهم مثل ما يصنع الساحر عندما يلبس بأعماله وتعاويذه على المسحور كذاب فيما قال والكذب ليس برسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- لك من هذا إفكهم وهذا من كفرهم وقالوا هذا ساحر كذاب.

 {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ........}[ص:5] وماذا في هذا ليس الإله إلا واحدًا, لكن انظر جعلوا الصدق الذي أكبر الصدق وأعلاه وأشرفه جعلوه كذب, ونسبوا الرسول إلى الكذب بأنه قال هذا صدق الذي لا صدق مثله, وهو أنهم دعاهم إلى عبادة الإله الواحد - سبحانه وتعالى- الذي لا يستحق العبادة إلا هو رب السماوات والأرض لكنهم استعظموا هذا واستكبروه, وقالوا أجعل الآلهة إلها واحدا المعبودات كلها هذه لا نعبد إلا إلها واحدا وكل هذه المعبودات التي نعبدها تصبح باطلة ونتركها, والحال أن العرب كانت لهم آلاف الآلهة كان لكل قبيلة إله وفي كل بيت صنم وآلهة عامة يحتشدون لها الجميع وآلهة خاصة كل يخص وإذا خرجوا في سفرهم ولم يجدوا صنما يعبدونه كانوا يجمعون كومة من التراب ويجلبون عليها يأتوا بشاة يحلبون, ثم يطوفون بها أو يجمعون رجم من الحجار ويطوفون به, ويعبدونه شجرة من الأشجار علقوا في يوم الأيام قوم منهم سيوفهم عليها ثم حاربوا غيرهم فانتصروا قالوا هذه الشجرة فيها بركة خلاص يأتونها, وكل يعلق سيفه بها لينتصر على عدوه, وعبدوا من السماوات عبدوا الشمس وزعموا أن الملائكة بنات الله فعبدوهم, فكانت آلهتهم متعددة من كل شيء آلهة في السماوات عندهم وآلهة في الأرض وآلهة في كل مكان, ولا يتصورون أن تقوم بحاجاتهم إلا هذه الآلهة الكثيرة, يقول حاجاتنا كثيرة نريد المطر والزرع والزوجات ونريد المال, لا يكفي إله واحد لهذا فيعبدون لكل شيء من هذا يجعلون لكل شيء من هذا إلها يقصدونه, فاستعظموا الأمر أن يقول لهم النبي اعبدوا الله خالق السماوات والأرض رب العالمين - سبحانه وتعالى- يكفيكم الله حسبكم الله من كل شيء فإن الله -تبارك وتعالى- هو الذي بيده الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله وأن الخلق كلهم خلقه, فهو خالق كل شئ وهو مدبر كل شئ والنفع كله بيده والضر كذلك إذا ضر أحد هذا من عنده {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ........}[فاطر:2] فالأمر كله بيده فلا يعبد إلا هو ليس له صاحبة ليس له ولد ليس له ملائكة وعبيده, وليسوا بناته كما تدعون فما ذكروا بأن الله هو الإله الواحد الذي يستحق العبادة جعلوا هذا من أعظم الباطل, وجعلوا هذا هو الدليل على كذب كل ما يقوله الرسول بعد ذلك كل ما يقوله بعد ذلك من أن هناك بعث ونشور وجنة ونار كيف هذا وهم يرون أن القول بأنهم لا إله إلا الله, وأن الله الواحد هو الله وحده -سبحانه وتعالى- هذا أكبر الكذب الذي إذا قاله إنسان فتحمل كل أقواله بعد ذلك على الكذب, والحال أن هذا أعظم الصدق وأن هذا هو الذي يقوم عليه كل برهان فإنه لا إله حقا إلا الله -تبارك وتعالى-, وأن كل ما يعبد من دونه فباطل, لا الشمس أليست في نظر كل ذي نظر معبود مسخر مذلل ومن آياته هذا الخالق من آيات من خلقها {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[فصلت:37], ثم ما هذه الأحجار وما هي الأوثان لا تغني شيئا عن عابدها لا تنفعه بنافعة ولا تضره بضر ولا تسمع حديثه ولا ترد عليه إذا كلمها, فما تنفع أنت تخلقها فكيف هي كيف تكون هذه آلهة وهكذا كل ما يعبد من دون الله -تبارك وتعالى- حجرا شجرا إجراما في السماء كل هؤلاء إنما هم مخلوقات لا تنفع نفسها ولا تضرها إلا بإذن ومشيئة خالقها - سبحانه وتعالى-؛ فهم قالوا أجعل الآلهة إلها واحدا, قالوا هذا على وجه العجب والسخرية ,وإن هذا كذاب الفعل هذا دليل كذبه أنه جعل الإلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب إن هذا الذي يقوله هذا الرسول من أنه إلهكم إله واحد لا تعبدوا إلا هو لشئ عجاب شيء يتعجب منه المتعجبون شيء عجيب جدًا رأوا أن هذا شيء عجيب جدًا أ جعل الآلهة كلهم إله واحد معبود واحد لا يعبد إلا هو رب السماوات والأرض - سبحانه وتعالى-.

 ثم قال -جل علا-: {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6]: انظر هؤلاء الضلال الكفار المكذبين وحماستهم لدينهم الباطل وانطلق الملأ منهم انطلقوا في القول وانطلقوا في سيرهم وفي طريقهم, الملأ الجماعة العظيمة منهم الذي يملئون العين ويملئون المكان, كبراؤهم وسادتهم وانطلق الملأ منهم أن امشوا في طريقكم واصبروا على ألهتكم على عبادة آلهتكم معبوداتكم هذه التي تعبدونها إن هذا أذلي يدعون إليه النبي محمد -صلوات الله وسلامه عليه- لشئ يراد من وراء هذه الدعوة شيء آخر اتهموا النبي -صلى الله عليه وسلم- لابد أن يكون أراد أن يترأس عليهم أن يكون هو الرأس فيهم, والذي لا يقطعون أمرا أو أنا راد من وعي هذه دنيا يحوزها وهم كذبون فيكل هذا, وهم يعلمون بأن هذا النبي كان منتفي عن الغرض كل الغرض الدنيوي انتفاءا كاملًا فإنه لم يطلب أجرًا على دعوتهم -صلوات الله وسلامه عليه- ولم يكن طالبا لعلو في الأرض ولا طالب لأي حظ من الحظوظ الدنيوية -صلوات الله وسلامه عليه-, بل إنه في شأنه قد تحمل في سبيل هذه الدعوة ما تحمل من الأذى, ومن انصراف الناس عن تقديره واحترامه فإن الكفار كانوا يحترمونه قبل الرسالة, ويجعلون له مكانة ولكنه بعد الرسالة أصبح يستصغروه ويشتموه ويستهزئ به يقولون أهذا الذي بعث الله رسولا, وقد كان له شأن عندهم قل أن يقول هذه المقالة وله مكانة عندهم فهم يعلمون بيقين العلم أن النبي ليس له أي غرض دنيوي من هذه الأغراض الدنيوية, وهم كاذبون في كل ذلك لمكنهم قالوا وراء شيء قالوا اصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد, له أهداف أخرى غير هذه الدعوة المعلنة ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة هذا أيضًا عندهم من أدلة تكذيب النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا ما سمعنا بهذا الذي دعاه في الملة الآخرة في الأمم السابقة التي سبقتنا, ما سمعنا بهذا وإذا لم تسمعوا أنتم وآباءكم كنتم في جهل وعمى وآتاكم النور المبين فهل هذا يكون داعي لتكذيب, ثم الرسل السابقين قد دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأنه لا إله إلا الله خالق السماوات والأرض -سبحانه وتعالى-, لكنهم جعلوا جهلهم دليلًا جعلوا جهلهم بأنهم لم يسمعوا بأن هناك رسل دعوا إلى توحيد الله -تبارك وتعالى- قبلهم فإن هذا دليل علما أن العرب كانوا قبل أن يشركوا كانوا مؤمنين مسلمين لا يعبدون إلا الله -تبارك وتعالى- وهذه الكعبة في وسطهم شاهدة على أنها بنيت لعبادة الرب الواحد -سبحانه وتعالى- الذي لا إله إلا هو هذا إبراهيم أبوهم قد كان على ملة التوحيد والإيمان ولم يكن مشركًا, ولم يدعوا صنمًا ولم يستقسم بالأزلام, كما نسبوا إليه بل كان حنيفًا مؤمنًا موحدًا ولم يكن من المشركين لكنهم كان آباءهم الصالون قد كانوا قد سبقوا إلى هذا الشرك, فقالوا لا وعموا عن التوحيد فقالوا ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا اختلاق إن هذا هذه الرسالة التي جاء بها محمد إلا اختلاق اختلقها, والاختلاق انتحال الكذب أي أنه قد أوجب هذا الكذب, ولم يكن موجود وإنما أوجده واختلقه وأخرجه على هذا النحو كذبا الذي يقول أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا لماذا؟ ما معنى أن يختصه الله -تبارك وتعالى- بالرسالة من بيننا وفينا من هو أشرف منها وأعلى منه , أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ذكر القرآن القرآن هذا الذكر والله يقول ص والقرآن ذي الذكر من بيننا يختاره الله -تبارك وتعالى- من بينا لماذا اختاره الله -تبارك وتعالى-, ونحن في ظنهم أنهم أفضل منه, والحال أنهم كذبة فإن هذا النبي –صلوات الله وسلامه عليه- لقد كان قبل أن تنزل عليه هذه الرسالة هو أشرفهم وأفضلهم وأحسنهم سيرة ومسلكا -صلوات الله وسلامه عليه-, فقد كان بعيدًا عن كل مفاسد الجاهلية, كان صادقًا كان أمينًا -صلوات الله وسلامه عليه- كان مستقيمًا في أمره ولم يكن يغشى, ولم يكن فيه ظلم بل كان يتصف بكل صفات الكمال -صلوات الله وسلامه عليه- كما تقول له زوجه خديجة لما نزل عليه أول الوحي والله لا يخزيك الله أبدا فإنك لتصل الرحم وتحمى الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق أنت رجل لك أخلاق عظيمة ولا يمكن أن يخزي الله -تبارك وتعالى- مثلك, وأن ينزل الشيطان على مثلك فقد كان هذا خلق النبي -صلوات الله وسلامه عليه- رجل ذو في قمة الأخلاق -صلى الله عليه وسلم- فما الذي كان فيه يعيب حتى يقول هؤلاء المجرمون أؤنزل عليه الذكر من بيننا لكن كان الأمر عندهم والتفاضل عندهم بمستوى العالي من الإجرام والظلم وكثرة الأموال والأولاد, وهذه ليست في ذاتها فضيلة للإنسان, فإن كثرة المال وغيرها هذا أمر من عطاء الله -تبارك وتعالى-, إنما الفضل فيما يتخلق به الإنسان ويكتسبه بأخلاقه وصفاته إما بما يظلم به الآخرين وبما يتعالى به على الآخرين وبالكبر ليس هذا فضلًا ولكنهم جعلوا مثل هذا فضلا عندهم فقالوا أأنزل عليه الذكر من بيننا هذه هي كل خلاصة ما فيه أهل هذه الجاهلية والكفر الكفار في شأن النبي وفي شأن هذا الدين وهم كما قال الله في عزة وشقاق, عزة فارغة كذب كبر وشقاق بهذه الآراء المختلفة بهذه الآراء المختلفة التي قالوها في النبي محمد -صلوات الله وسلامه عليه-.

 قال -جل علا-: {........ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}[ص:8]بل لما يذوقوا عذاب هذا هو الحق هذا هو الحق من الله -تبارك وتعالى- بل إضراب لكل هذا الذي قالوه من الكذب والحق أنهم في شك من ذكري في شك من ذكري من أن يذكروا ربهم وإلههم وخالقهم - سبحانه وتعالى-فهم يشكون في ربهم وإلههم وخالقهم -جل علا-, ويقولون يقدر يحيينا ويرجعنا مرة ثانية إلى هذه الحياة هل أنزل الله -تبارك وتعالى- هذا حقا فهم شاكون في ذكر الله -تبارك وتعالى- ذكره, والحال إن الله -تبارك وتعالى- وخالقهم ربهم بارئهم متولي شئونهم خالق هذا الكون كله ثم هم يؤمنون للأسى والأسف إن مشركي العرب يؤمنون بهذا, {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ........}[لقمان:25] ويؤمنون بأن الله {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ ........}[المؤمنون:88], {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}[المؤمنون:87] لكن هذه المعاني التي يؤمنون بها لا يذكرونها حتى الذكر, ولا تنقدح في أذهانهم فيتعظون منها ويعلمون بأن الذي يؤمنون بأنه إذا كان يؤمنون بأن الله هو خالق هذه السماوات والأرض, إذن كيف لا يكون له شرعة ودين, وكيف لا يسلم له - سبحانه وتعالى- في اختياره بمن يختاره لرسالته, وأنه الحكيم - سبحانه وتعالى- والله أعلم حيث يجعل رسالته وكيف يشك في إنه لابد أن يقيم الناس ليوم القيامة ليحاسبهم على أعمالهم كيف يكون الرب الخالق لهذا الخلق العظيم ويتركه ويخليه فيكون لعبا قال -جل علا- {........ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}[ص:8] لكن الحقيقة أنهم ما رأوا عذاب الله -تبارك وتعالى- ولو رأوا العذاب عند ذلك لا يشكون, ولا يقولون هذه المقالة, ولا يتكبرون هذا التكبر الذي هم فيه بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب, ما شافوا لا عذاب بعد وإذا شافوه وذاقوه عند ذلك لا تطول ألسنتهم بهذا الكذب والإفك الذي يقولونه.

 ثم قال -جل علا-: {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ}[ص:9] هم اعترضوا على الرسول قالوا لماذا أنزل عليه الذكر من بيننا الله - سبحانه وتعالى- هو الذي اختار هذا - سبحانه وتعالى- هل خزائن الله -تبارك وتعالى- جعلها الله عندك تعطي أنت من تشاء جعلك الله متصرفًا فيها أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الغالب -سبحانه وتعالى- الوهاب الذي يهب العطايا العظيمة - سبحانه وتعالى-فالله هو العزيز الغالب الذي لا يغلبه أحد -سبحانه وتعالى-, وهو الوهاب, وقد أراد أن يهب هذه الرسالة لنبيه محمد -صلوات الله وسلامه عليه-, وأن يختاره رسول إلى العالمين, هذا اختياره وهذه خزائن رحمته -سبحانه وتعالى- عندهم خزائن رحمته رحماته الدنيوية ورحماته الأخروية  كلها عنده -سبحانه وتعالى- الدينية والدنيوية كلا بيده -سبحانه وتعالى- يؤتيها الله من يشاء, وهؤلاء هل هم يملكون هذه الخزائن؟ {أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ}[ص:10] أم لهم ملك ما بين السماوات والأرض قال -جل علا-: فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ: أسباب السماوات يرتقوا فيها حتى ينازع الرب -تبارك وتعالى- ويقسموا رحمته كما يشاءون ويأخذوا منها ما يشاءون, والحال أنهم في قبضة الله -تبارك وتعالى- وتحت قهره -جل علا-.

نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.