الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (558) - سورة ص 66-88

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}[ص:65-78], بعد أن ذكر الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة ما أعده -سبحانه وتعالى -لأوليائه المؤمنين, وما أعده للكافرين وجه الله -تبارك وتعالى- هذا التوجيه هذا النداء وهذا التحذير إلى الناس جميعًا على لسان النبي محمد -صلوات الله وسلامه عليه- عليه أمره الله -تبارك وتعالى- أن يقول قل إنما أنا منذر أنا النبي -صلى الله عليه وسلم- منذر للعالمين مخوف للناس من عقوبة الرب -تبارك وتعالى- هذه المذكورة هنا الذي قال الله -تبارك وتعالى- هذا {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاق}[ص:55-75], {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ}[ص:58], {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ}[ص:59], {قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ }[ص:60-64] هذا إخبار الله -تبارك وتعالى- عن هذا المآل البئيس الذي سينتهي إليه أهل النار مكذبين الطاغين الذين طغوا وجاوزوا حدهم, وابتعدوا عن طريق ربهم -سبحانه وتعالى -, قال الله لرسوله قل إنما أن منذر أنا فقط أنذركم ما له سلطان ليجبرهم على الطاعة وما من إله يعلم هذا إلا الله الواحد القهار, لا إله في الوجود كله لا حق إلا الله كل ما ادعيت الألوهية غير الله فباطل, ما في إلا الله فمن عبد الملائكة الجن الإنس الشمس القمر أي ما عبد البشر أي ما عبد وللأسف أن البشر نزلوا في هذا الباب إلى أن عبدوا الجمادات التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر بأي شيء وصلوا أيضا في الدرك إلى أن عبدوا حيوانات في السلم الخسيس من سلم الحيوانات كالأفاعي والقرود في هذا الباب باب الألوهية لا حد له, فلا إله يستحق العبادة إلا الله في الكون كله لا يستحق ملك ولا يستحق رسل ولا أنبياء ولا غيرهم لا يستحقوا العبادة في كل الوجود إلا الله وما من إله إلا الله الواحد الذي لا مثيل له ولا ند له القهار الذي قهر كل شيء وأصبح كل شيء في قبضته وتحت أمره فلا يخرج شيء عن مشيئته وعن أمره الكوني القدري -سبحانه وتعالى -رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغالب الذي لا يغلبه أحد القهار الذي ذل له كل شئ وقهر كل شيء, ثم أيضاً قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ}[ص:67] قل هو هذا الدين هذا القرآن نبأ عظيم نبأ الخبر العظيم فهو أعظم الأخبار قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون أنتم أيها المخاطبون من العرب ومن غيرهم عنه عن هذا النبأ العظيم معرضون نبأ ينبئكم بربكم بمصيركم بأن فيه جنة هذه صفتها وفيه نار هذه صفتها, {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ}[ص:67-68] فهذا الإخبار الذي يتهددك هذا التهديد, ويقول لك ينتظرك هذا الوعيد الشديد نار تخلد فيها لا تخرج منها أبداً, ثم هناك جنة تنعم فيها ولا تخرج منها أبدًا أعظم نبأ هذا أي نبأ يخبرك ممكن أن يخبرك بشيء كهذا فلو أتى إنسان يبشرك ببشارة, أو ينذرك بإنذار مهما كان بأكبر جبار في الأرض سيفعل فيك وسيفعل ماذا هذا ماذا يساوي هذا بالنسبة للنبأ العظيم بالنسبة لما عند الله -تبارك وتعالى- لا شئ قل {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ }[ص:67-69] أي فكروا بعقولكم هل يمكن أن أتي بهذه الرسالة من عند نفسي, وقد كان الأمر أمر وجودكم في هذه الأرض كان خطابَا في أول الأمر في الملأ الأعلى عند الله -تبارك وتعالى- الملأ الجماعة الأعلى الذي في السماء عند الرب -تبارك وتعالى- ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون إذ يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين, قالوهم يا جماعة أنا فقط أنا يوحى إلي {إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}[ص:70] قيل لي أنذر, وأنا لم أشهد كلام الرب -سبحانه وتعالى -في الملأ الأعلى عندما أمرهم أنه سيخلق آدم سيخلق أبا هذه البشرية كلها فاسجدوا له ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون إن يوحى إلي إلا أنما نذير مبين.

 {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ}[ص:71] أي اذكر إذا قال ربك هذه التي الأمر والشأن شأن هذا الإنسان عندما كان في الملأ الأعلى وعندما أمر الله -تبارك وتعالى- الملائكة بأن يسجدوا لأدم وأبى إبليس, وكانت هذه الخصومة خصومة إبليس مع الرب -تبارك وتعالى- ورد الله -تبارك وتعالى- عليه وما كان من شأن بعد ذلك من نزول الإنسان في هذه الأرض وحصول ما يحصل منها فهذه بدايتكم, وهذا شأنكم الأول ما كان لي من علم بكل ما حصل في الملأ الأعلى, ثم نزولكم إلى هذا المكان نزول الإنسان إلى هذا المكان هذا من أين لي أن يكون حاضرا هذا وكنت عالمًا بهذا {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ}[ص:69]: أخبر الله -تبارك وتعالى- الملائكة وقال لهم إني خالق بشرًا من طين بشر الإنسان قيل سمي بشرًا لظهور بشرته بشرة هو ظاهر الجلد ظهورها من ليس عليه شعر أو ريش كما الشأن في كثير من مخلوقات الله يغطي بشرة هذه بشعر كسائر الحيوانات أو بوبر, أو بغيرها, أو بصوف إما هذا بشر من طين أصل الخلقة أصل خلقته يكون من طين وهو أبانا ادم عليه السلام يخبرهم -سبحانه وتعالى -بأنه سيسويه وينفخ فيه -سبحانه وتعالى -من روحه روح يخلقها الله -تبارك وتعالى- أو جبريل -عليه السلام- فإنه روح الله -تبارك وتعالى- وقد وصف الله -تبارك وتعالى- خلق عيسى بأنه كخلق آدم كما قال -تبارك وتعالى- {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران:59] فكذلك -عليه السلام- فإنه قد كان بنفخة ملك عندما أرسل الله -تبارك وتعالى- جبريل إلى مريم -عليها السلام-, ولما شاهدته بشرا عندها سوي في محرابها قالت {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا}[مريم:18-19] وكان من شأن هذا كما قال -تبارك وتعالى- {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}[التحريم:12] فنفخنا فيها من ورحنا أي من جبريل -عليه السلام- {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[الحجر:29] فجبريل هو روح الله فقعوا له أي بالمباشرة ساجدين اسجدوا له واخبر -سبحانه وتعالى –قال {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}[الحجر:30] فسجد الملائكة أي بأمر الله -تبارك وتعالى- كلهم أجمعون, وقد أكد الله -تبارك وتعالى- سجود الملائكة جميعهم بهذه المؤكدات الملائكة بالألف واللام التي تستغرق الجنس كله كل الملائكة فكل ما يدخل في مسمى الملائكة سجد وكلهم للتأكيد, وأجمعون لتأكيد التأكيد فهذه ثلاث مؤدات تبين أن جميع الملائكة يجدن لهاذ المخلوق الذي كرمه الله -تبارك وتعالى- هذا التكريم وسواه الله -تبارك وتعالى-, وأمر ملائكته أن تسجد له إذن لم يستثنى من هذا لا حملة عرش الله -تبارك وتعالى- ولا غيرهم من أي ملك بل جميع الملائكة سجدوا بأمر الله -تبارك وتعالى- ثم قال -جل وعلا-:{........ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[البقرة:34] إلا إبليس الذي امتنع, وقد أخبر -سبحانه وتعالى- في آية أخرى أن سبب امتناعه اخبر الله هنا أن سبب امتناعه الاستكبار استكبر أن رأى نفسه أنه خير من هذا الذي يسجد له وكان من الكافرين كافرين الجاحدين جحد أمر الله -تبارك وتعالى-, ولم يذعن لأمر الله -عز وجل-, وقد اخبر الله -تبارك وتعالى- في آية أخرى عن سبب استكباره في أنه كان الله قد خلقه من النار وأنه رأى نفسه أن عنصر النار المخلوق هو منها خير من عنصر الطين الذي خلق منه آدم فقال لله -تبارك وتعالى- {........ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف:12] إلا إبليس استكبر طلب الكبر وتكبر عن أمر الله -تبارك وتعالى- وكان من الكافرين قال أي الرب -تبارك وتعالى- {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ}[ص:75] قال أي الرب -سبحانه وتعالى -مناديا إبليس يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ما منعك ما الذي حملك على هذا أن تسجد لما خلقت بيدي وهو آدم, وهنا بيان أن هذا مخلوق مكرم, وأن الله -تبارك وتعالى- قد خلقه بيديه -سبحانه وتعالى -وفي هذا تكريم له عن سائر المخلوقات التي خلقت بالأمر إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون أما هذا فإن الله -تبارك وتعالى- قد سواه سواه بيديه -سبحانه وتعالى -, وهذا فيه تكريم لهذا ثم فيه الأمر الإلهي ما دام أنه الأمر الإلهي توجه أن تسجد لهذا, وأن يكون هناك هذا التعظيم لهذا المخلوق يجب أن يطيع أمر الله -تبارك وتعالى- ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين, وهذا حصل منه الاستكبار وحصل منه العلو عن آدم -عليه السلام- فعند ذلك قال هذا الملعون مفتون قال قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ أنا لنفسه خير منه خير من آدم الذي تأمرني بالسجود له خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ خلقتني من نار زعمًا وظنًا منه أن النار أفضل من الطين وخلقته من طين, إذن في قياس نفسه فإن الفاضل لا يسجد للمفضول, وهذا من ظلمة قلبه وعمى بصره وافتتانه فإن المطلوب من أمر الله -تبارك وتعالى- هو الإذعان له والملائكة خير من ذلك لكنهم أذعنوا واستجابوا لأمر الله -تبارك وتعالى- أمرهم الله بالسجود فسجدوا, فالمطلوب من كل مخلوق أن يذعن لأمر الله -تبارك وتعالى- وأن يستجيب لأمره -جل وعلا- وأما رد الأمر على هذا النحو إنما استكبار عن آدم ثم علو عن أمر الله -تبارك وتعالى-, ثم قياس باطل ثم اتهام بأن أمر الله -تبارك وتعالى- منافي للحكمة, وأنه منافي للقياس الصحيح لما يرى أنه هذا ليس بقياس صحيح وهذا أنه مناف للحكمة فقد استكبر عن أمر الله -تبارك وتعالى- عنه نعوذ بالله من الخذلان خذله الله -تبارك وتعالى- فكان منه هذا الذي كان {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[ص:76].

 قال -جل وعلا-: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ}[ص:77] من هذه المكان جنة الله -تبارك وتعالى- منها من رحمة الله -تبارك وتعالى- فإنك رجيم الرجيم المرجوم هذا فعيل بمعنى مفعول والرجم هو القذف رجيم مرجم بلعنة الله -تبارك وتعالى- إنه مطرود من رحمة الله -تبارك وتعالى- قال فاخرج منها فإنك رجيم فبعد أن كان في رحمة الله -تبارك وتعالى-, وفي طاعته وفي مكوثه وقيامه في الملأ الأعلى يعبد الله -تبارك وتعالى- لكنه باستكباره عن أمر الله -تبارك وتعالى- وعلوه طرده الله -تبارك وتعالى- من رحمته {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}[ص:78-79] وإن عليك أيها الملعون لعنتي لعنة الله -تبارك وتعالى- إلى يوم الدين وأنت في هذه اللعنة فلا تتداركه نعمة الله رحمة الله -تبارك وتعالى- بتوبة أو برجوع أو مستغفرة, أو بإقالة من هذا الذنب وإنما يظل في هذه اللعنة إلى يوم الدين هذا عقوبة الله -تبارك وتعالى- له باستكباره وعلوه عن أمر الله -تبارك وتعالى-, وأصل اللعنة في لغة لعرب هي الطرد والانتفاء العرب إذا كان في القبيلة من تكثر جرائره تكثر مشاكله ويعيرون به فإنهم قد يجدون في لعنه والانتفاء منه فيأتون في أسواق الناس أسواق العرب ومحلات اجتماعهم, ويقولون يا ناس ترى فلا ابن فلان هذا منا ولكننا لعناه طردناه, أي ينفون انتماءه للقبيلة ويخرجونه فيسمى لعين بني فلان أو طريد فيبقي ملعون مطرود منهم فهذا المعنى وذلك أن الله وهذا المعنى أخذ هنا المعنى الشرعي أنه طريد لعين أنه مطرود من رحمة الله -تبارك وتعالى- منتفي من هذه الرحمة, وخارج منها قال هذا المطرود الملعون وزيادة في إغالة في الشر {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[ص:79] إلا تحكم علي بموت إلى يوم يبعثون إلى يوم البعث يبقى على الحياة قال فانظرني إلى يوم يبعثون والأنظار هو الإمهال أمهلني لا تحكم علي بالموت إلى يوم يبعثون قال -جل وعلا- فإنك من المنظرين أجابه الله -تبارك وتعالى- لهذا, وقد أخذ على نفسه أن يعيش وأن يحيا هذه المدة كلها ليتفرغ لهذا الذي نذر نفسه له للإضلال {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}[ص:80-81] ويوم الوقت المعلوم هو يوم القيامة هو يوم معلوم عند الله -تبارك وتعالى- قد حدده الله -تبارك وتعالى-, وقد علمه وأخفاه عن كل خلقه -سبحانه وتعالى- وتحديد الله له قبل أن يخلق السماوات والأرض -سبحانه وتعالى قال هذا الملعون هو إبليس {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }[ص:82-83]: أقسم بعزة الله -تبارك وتعالى- وعزة غلبة الله -تبارك وتعالى- فأقسم هذا الملعون كذلك بعزة الله قال لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين, أغوينهم الغواية والذهاب في الطريق الباطل مع ظن صاحبه أنه يسير في الطريق الصحيح فهذا قد غوى هو الذي يسير في طريق الضلالة وهو يظن أنه في طريق الهداية, والذي يفعل الشر, ويظن أنه يفعل الخير لأغوينهم أجمعين آدم, وذريته إلا عبادك منهم المخلصين إلا عبادك منهم المخلصين عبادك المنسوبين إليك المخلصين الذين يخلصهم الله -تبارك وتعالى- من غواية الشيطان ومن إضلاله, قال الله -تبارك وتعالى- ردا على كلام إبليس قال{قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ}[ص:84] أسمع والحق أقول الله -تبارك وتعالى- لا يقول إلا حقًا -سبحانه وتعالى-والله لا يقول الباطل -سبحانه وتعالى-, {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ}[ص:84] دائما قول الله -تبارك وتعالى- {لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص:85] هذا حكم الله -تبارك وتعالى- الذي هو حق وأحقه الله ولابد أن يكون لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ جهنم هذا السجن الواسع العريض الذي تلقى فيه كل هذه الجموع, ولا يمتلأ {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}[ق:30]: يخبر -سبحانه وتعالى- بأنه سيملؤها منك من إبليس ومن ذريته وممن تبعك منهم أجمعين, كل من تعبك منهم, فإن الله -تبارك وتعالى- سيجعلهم معك قال ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين من الجنة من الجن الكافر الذي هو من أولياء إبليس والناس أجمعين الذين يتبعون هذا الإبليس فهذا حكم الله -تبارك وتعالى- الذي حكم به.

 قال {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ}[ص:84] الله يقول {لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص:85] فهذا إخبار من الله -تبارك وتعالى- عن هذا والنبي يقول أنا ما كان لي من علم بكل هذا, هذا أمر قد حدث في السماء, وهذا هو شأنكم ومصيركم هذا بداية خلقكم منذ أن خلقكم الله -تبارك وتعالى- خلق آدم أباكم, ثم عندما كنتم في هذه الأرض, ثم هذه الخصومة التي وقعت وهذا قول إبليس فيكم وهذا قول الله -تبارك وتعالى- إذن أنا منذر وشوفوا عندما يقول النبي يقول الله -تبارك وتعالى- قل إنما أنا منذر وما من اله إلا الله الواحد القهار منذر هذا منذر مخبر بهذا الخبر هذا قول الله -تبارك وتعالى- وقول الله لا يسقط هذا كلام لابد أن يتحقق لأنه كلام الله -تبارك وتعالى- لأملأن جهنم منك وممن تعبك منهم أجمعين النبي يقول أنا جئت أنذر بهذا انظروا هذا وهذه نذارة, ثم قال -جل وعلا-: قل لهم بعد ذلك وهذا في آخر السورة {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ........}[ص:86]: هذه النذارة الكبرى والإتيان بهذا النبأ العظيم الذي هو أعظم الأنباء كلها لا نبأ في الأرض كلها أعظم من هذا النبأ, ولا خبر أفضل منه مهما بلغت بخبر أي خبر أي خبر ممكن تبلغ به غزو حرب فقر مرض وباء أي شيء ماذا يمكن تخبر بإخبار عظيمة بفوز بنجاح بجائزة بأي شيء مما يحلم به الناس كل هذا لا يساوي هذا النبأ العظيم النبأ العظيم الذي يترتب عليه إما سعادة ليست بعدها سعادة حياة دائمة في جنة الخلد, وإما شقاوة ليست بعدها شقاوة, حياة لا نهاية لها في العذاب والنكال {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ........}[ص:86]عندما أتيت بهذا وبلغت بهذا لا أسأل الناس أن يعطوني أجر على إخبارهم بهذا وعلى تعليمهم لهذا الدين {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}[ص:86], لست من الذين يتكلفون أمر ليس لهم ولا شك أن الذي يدعي أنه رسول ويأتي بهذا الإخبار يتكلف أكبر أمر فلو كان النبي كاذبًا حاشاه -صلوات الله وسلامه عليه- لكان قد تكلف شيئًا عظيمًا لماذا يكذب على الله  -تبارك وتعالى- يقول سيكون كذا وسيكون كذا وسيكون كذا من أين هذا وما أنا من المتكلفين الذي ادعي أمر لا شك أنه تحمله تحمل عظيم جدا ودخول في كذب, وافتراء لا طاقة لأحد به والنبي -صلوات الله وسلامه عليه- ما كان ليفعل ذلك النبي قبل أن تنزل عليه هذا الرسالة -صلوات الله وسلامه عليه- لم يكن على علم بشيء من ذلك, ولم يكن يتكلف أمرًا لا علم له به بل كان هو الصادق الأمين, وكان في حاله كما يقولوه, فالنبي في حاله حبب له الخلاء بعد زواجه من أم المؤمنين خديجة -رضي الله تعالى عنها- حبب إليه الخلاء, وكان يأخذ طعامه وشرابه ويمكث في غار حراء الليالي أسبوع أسبوعين, ثم يعود أدراجه ويجلس قليلا عند أهله ثم يتزود لمثلها, فالنبي لم يكن ما تكلف أمرًا, ولا تحمل شيئًا من أنه يترأس يريد الترأس على الناس يريد أن يفعل هذا ليبلغ هذا ما كان له شأن في هذا قط فكيف يقوم هذا النبي -صلوات الله وسلامه عليه-, ثم ينشئ هذا الأمر, ويقول للناس تعالوا أنا صرت رسول يأتيني وحي, ويأتيني كذا ويأتيني كذا وأنذركم بكذا ويفتري, هذه الأخبار ويتخيل جنة ويتخيل نار ويتخيل كذا لا يمكن هذا أمر لا يمكن تصوره قط عند أي عاقل في محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه- {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ........}[ص:86]: ما طلب اجر على هذه الرسالة وما أنا من المتكلفين هذه طبيعته بل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يتكلف قط شيئا لا يعلمه كيف أن هو إلا ذكر للعالمين إن هو هذا الذي أتيت به هذا القرآن المنزل, وهذه الرسالة تذكير للعالمين للناس أجمعين, وقد كان وقد كان فإن الله -تبارك وتعالى- أبلغ رسالة هذه الرسالة وهذا القرآن أبلغ لكل العالم على مدار العصور منذ النبي -صلوات الله وسلامه عليه- إلى قيام الساعة {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}[ص:87] وعندما ينزل هذا في ذلك الوقت لم يكن يتصور أن يكون الرسالة التي جاء بها النبي -صلوات الله وسلامه عليه- ستبلغ الآفاق وسيحملها من يحملها من كل الشعوب الأصفر والأحمر والأسود, ويقاتل فيها من يقاتل من كل الأمم, وتحمل هذه الهداية ما كان أحد يتصور هذا بتاتا بل كانوا يتصورون إن شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- شأن يسير, وأنه لن يتعدى أيام أو شهور أو سنوات, ثم ينتهي أمره وينتهي أثره ويذهب مع من ذهبوا من الشعراء ومن الكهان, ومن غيرهم قد كان هذا يظنون هذا, لكن الله يخبرهم {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}[ص:87].

 {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}[ص:88] والله لتعلمن نباه نبأ هذا الذكر نبأ هذا القرآن نبأ هذه الرسالة بعد حين وقت انتظرا وقت, ولم يمر إلا وقت قليل حتى أصبح النبي يكتب كتاباته -صلى الله عليه وسلم-  إلى كسر, وقيصر الروم من الله -تبارك وتعالى-, ويقول لكل واحد منهم وهم في ملكهم وسلطانهم أسلم تسلم وإن لم تسلم فإن عليك إثم ارثين, ويقول أسلم تسلم وأن لمتسلم فان ما عليك إثم الأكالين, ويدخل العرب كلها في دين الله -تبارك وتعالى-, ثم يوجه النبي جيوشه -صلوات الله وسلامه عليه- إلى فارس والروم بعد ذلك, ويقوم أصحابه فيفتحوا الدنيا شرقًا وغربًا, وتدخل شعوب وأمم هائلة جدًا في الإسلام, ويبقى هذا الإسلام أعظم دين يظهره الله -تبارك وتعالى- على كل الأبدان في كل الأوقات, ويظل ظاهرا على الدين كله الآن تقوم الساعة, ولا تقول الساعة حتى يكون كما أخبر النبي -صلوات الله وسلامه عليه- لا يبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار, ولم يترك الله بيت حجر ولا وبر إلا أدخله الإسلام بعزيز يعزه الله بالإسلام وبذل ذليل يذل الله به الشرك وأهله.

بهذا تنتهي هذه السورة العظيمة، أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما فيها من الذكر الحكيم.

أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب والحمد لله رب العالمين.