الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (559) - سورة الزمر 1-5

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}[الزمر:1-5]: هذه مقدمة سورة الزمر, وهي سورة مكية بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بالإشادة بكتابه الكريم المنزل من عنده - جل وعلا-فقال تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ تنزيل الكتاب تنزل هذا الكتاب ومجيئه إلى النبي محمد -صلوات الله وسلامه عليه- الكتاب هذا القرآن سمي كتابا كتب في السماء وأنزل إلى هذه الأرض على قلب النبي -صلوات الله وسلامه عليه- وكتب في الأرض أعظم كتاب كتب في الأرض جعله الله -تبارك وتعالى- ميسرًا بأيدي الناس جميعًا, ويسره - سبحانه وتعالى- للذكر فهذا الكتاب, الكتاب الذي ينبغي الذي لا ينبغي أن يسمي إلا هو هذا الكتاب الحقيقي كلام الله -تبارك وتعالى- تنزيل الكتاب هذا القرآن من الله رب السموات والأرض -سبحانه وتعالى- الله الذي يعلمه كل خلقه بهذا الاسم وهذا الوصف -سبحانه وتعالى- أنه الإله المعبود الذي لا إله إلا هو - سبحانه وتعالى-العزيز الغالب الذي لا يغلبه أحد -سبحانه وتعالى-, فكل خلقه في قبضته وتحت قهره وأمره -سبحانه وتعالى- الحكيم الذي يضع كل أمر في نصابه ما في أمر ألا وهو موضوع في نصابه فلا يأمر إلا بالحق والعدل - سبحانه وتعالى-ولا يفعل إلا هو مقتضى الحكمة -جل وعلا- تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم, وهذا إشادة بهذا القرآن وأنه منزل من عند الله -تبارك وتعالى- من الله - سبحانه وتعالى- الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.

 ثم قال -جل وعلا-: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ: أنا الله - سبحانه وتعالى- أنزلنا وهذا التأكيد إليك يا محمد الكتاب هذا الكتاب بالحق نزوله حق, وذلك أنه لدعوة الناس إلى طريق ربهم - سبحانه وتعالى-أمر عظيم جدًا تعريف الناس بإلههم وخالقهم ومولاهم ودعوتهم إلى سلوك الطريق المستقيم التي يسعدون بها, والتي يضلون إذا لم يسلكوها, فنزوله نازل بالحق نزوله حق من الله -تبارك وتعالى-, وكذلك مضمونه حق كل ما اشتمل هذا القرآن حق, وتم كلمة ربك صدقًا وعدلًا فكله صدق إخباره وأحكامه كلها عدل فالذي احتواه هذا القرآن واشتمله هذا القرآن وهو بيان كل شيء كله حق من الله -تبارك وتعالى-, غاية هذا القرآن هذه هي الغاية والدعوة التي يدعو إليها هذا الكتاب, وهذا المآل والنهاية فاعبد الله مخلصا له الدين أمر من الله -تبارك وتعالى- لرسوله, وبالتالي هو أمر للجميع أن يعبدوا الله -تبارك وتعالى- مخلصين له الدين فاعبد الله الذي لا إله إلا هو - سبحانه وتعالى- مخلصًا له الدين أي جاعلًا كل دينك له والدين هو بمعنى الخضوع والطاعة والإذعان والشرعة والمنهاج فاجعل كل دينك كله خضوعك لله -تبارك وتعالى-, وهو ما يشمله قول الله -تبارك وتعالى-: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:162], فاعبد الله مخلصا له الدين اخلص دينك لله -تبارك وتعالى- فاجعل عبادتك كلها له عبادتك حياتك ذبحك نذرك كل ما هو داخل في مفهوم العبادة يكون لله -تبارك وتعالى- هذا الذي من أجله نزل القرآن وهذه رسالته وهذا مضمونه, وهذا هو الحق الذي جاء به وهذا أشرف الأمور وأعلاها أن يقوم العبد بعبادة الله وحده لا شريك له لأنه لا يستحق العبادة إلا هو -جل وعلا- أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ: ألا الإعلامية اعلموا أيها المخاطبون جميعًا لله لا لغيره بالحصر الدين الخالص الدين الخالص الخضوع كله طاعة كلها العبادة كلها هذا كله بمعنى الدين الخالص له, ولا يشركه معه فيه غيره, فالدين إذا كان خالصا لله قبله فإن أي شرك في خضوع العبد فإنه لا يقبله الله -تبارك وتعالى- يستغنى الله -تبارك وتعالى- عنه لا يقبله فالشرك لا يقبله الله -تبارك وتعالى- سواء أن يجعل الله -تبارك وتعالى- مع الغير في نفس العبادة أو تجعل عبادة لله وعبادة لغيره لا يكون لا يقبل الله -تبارك وتعالى- من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه, أنا أغنى الشركاء يقول للرب -تبارك وتعالى- من عمل عملا أشرك فيه غير تركته وشركه, فإذا عبد الله -تبارك وتعالى- بعبادات وعبد غيره بعبادة أخرى فان الله -تبارك وتعالى- هذا مشرك لا يقبله الله -تبارك وتعالى- وإذا عمل شيء لله, ولكنه أشرك مع الله -تبارك وتعالى- غيره فالمقصد والوجهة والتوجه فإن الله -تبارك وتعالى- لا يقبله, ألا لله الدين الخالص اعلموا هذا أن الله -تبارك وتعالى- لا يقبل من العباد إلا أن يخلصوا دينهم لله -تبارك وتعالى- فيعبدوه وحده لا شريك له ولا يشركوا به شيئا ولا صغير ولا كبير لا يشركوا به أي شيء في العبادة تعطى لغير الله -تبارك وتعالى-, فإن الله يبطل ويحبط عمل هذا العالم كله إلا لله الدين الخالص مفهوم هذا إن دين لم يكن خالصا فإنه لا يكون لله ولا يقبله الله -تبارك وتعالى-, ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- حجة هؤلاء الظالمين الذين أشركوا بالله فقال -جل وعلا-: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى هذه مقالتهم قال - جل وعلا-: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ: والذين اتخذوا من دونه أولياء وهم هؤلاء المشركون اتخذوا من دونه غير الله -تبارك وتعالى- أولياء لهم يوالونهم ويعطونهم شيء من العبادة يحبونهم كحب الله كما قال -جل وعلا-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ }[البقرة:165-166]: فهؤلاء الذين اتخذوا من دونه أولياء سواء كانوا يحبونهم ويودونهم كما يحب الله -تبارك وتعالى-, أو يعبدونهم كما يعبدون الله يذبحون لله ويذبحون لهم يتقربون إلى الله ويقتربون إليهم يشجعوا لله سجود وحج وصوم, ولهؤلاء كذلك نفس الأمر نذر وغيره والذين اتخذوا من دونه أولياء يدعون يودونهم يحبونهم يجعلون لهم شيء من العبادة التي لا تجوز إلا لله -تبارك وتعالى- قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ما نعبدهم ما نعبد هؤلاء الأولياء إلا ليقربونا إلى الله زلفى, أي في ظنهم ومآلهم أن عبادتهم لهؤلاء إنما هي ليقربوهم إلى الله فهي درجة وأن في النهاية والمؤدى في النهاية إنما مقصدهم هو الله في النهاية هذا قاله من قاله العرب كانت هذا ظنها ظنهم أن الملائكة لا يعبدونهم لذاتهم ولكن لا يعبدونهم ليشفعوا لهم عند الله, فهم يظنون إن عبادة الملائكة يقولون هم بنات الله طبعا كذب وإفك ويقولون ما نعبد هؤلاء الملائكة إلا ليقربونا إلى الله, فهم يشفعون لنا عند الله -تبارك  وتعالى-, ففي ظنهم وظن من ظنهم الذين ينقلونه إلى من يخاطبونهم إننا لا نريد إلا الله ولكن لابد لنا من أن نتخذ طريق والوسيلة إليه وهؤلاء هم وسيلتنا وهم طريقتنا إلى الله -تبارك وتعالى- وكذلك كل من عبد له اله مع الله -تبارك وتعالى- فإنه يقول أنا أعبد هذا ليوصلني إلى الله -تبارك وتعالى- ويشفع لي عند الله -تبارك وتعالى-, كما قال -جل وعلا-: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ........}[يونس:18] فهؤلاء اتخذوا من دون الله أولياء وقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى, زلفى قربى من ربهم - سبحانه وتعالى-قال -جل وعلا- إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ هذا حكم الله -تبارك وتعالى- فيما هم فيه يختلفون هذا, وأنه -سبحانه وتعالى- لا يقبل أن يعبد غيره -سبحانه وتعالى- ولو كان هذا الغير ممن هو قريب إلى الله -تبارك وتعالى- كالملائكة فإنهم عباد من عباد الله -تبارك وتعالى- عباد مكرمون لكن الله لا يقبل أن يعبدوا - سبحانه وتعالى-, ولا كذلك أنبياءه ورسله فالله -تبارك وتعالى- لا يأمر أحدًا بالشرك, ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون, وكذلك لا ينبغي لأحد من أولياء الله -تبارك وتعالى- أن يدعوا الناس إلى عبادة نفسه ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتب والحكم والنبوة, ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ  ما يصير ولا يكون كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ........} [آل عمران:80]: أي لا هم الملائكة يأمرون الناس بأن يعبدوهم, ولا الأنبياء ما أمر أحدهم أحد بأن يعبده وإلا كان كافرًا مشركًا, وكذلك لا يأمر الله -تبارك وتعالى- عباده أن يتقربوا بشيء من التقرب أو يعبدوا بشيء من العبادة لأنبيائه, أو لرسله أو لا بل كل أمر الله -تبارك وتعالى- أن يعبد وحده لا شريك له قال - جل وعلا-: {........ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}[الزمر:3]: فحصر الله -تبارك وتعالى- أن هؤلاء إنما هم كذبة كفار ففي قولهم إن هؤلاء شفعاء عند الله أو يقربونا من الله كذابين من أين لهم هذا؟ من أين لهم أن الله -تبارك وتعالى- يقبل شفاعة هؤلاء؟ إذا عبدهم هؤلاء, والحال أنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون, وأن الله -تبارك وتعالى- لأي قبل شفاعة الشافع إلا أن يأذن له من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه, وأن الله -تبارك وتعالى- لم يأمر أحد أن يسجد لأحد -سبحانه وتعالى-, وأن يعبد أحد من دونه وأن يتقرب إلى أحد بأي صورة من صور التقرب إلا له -سبحانه وتعالى-, فهؤلاء كذابون إما مفترون في أصل الصفة التي يخلعونها على كقول مشركي العرب بأن الملائكة بنات الله كذبون الله أنهم بنات وإنهم أولاد الله -تبارك وتعالى- فهم كذابون في هذا وكذابون في هذا, {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }[الصافات:158], وكذلك كذابون في أنه ماذا دعوهم أنهم يشفع لهم عند الله يكذبون في هذا فأنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله -تبارك وتعالى- ولا يشفعون لكافر مشرك, ولا يرضون أن يعبدهم أحد ويوم القيامة يسألهم ربهم ويقول لهم {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}[سبأ:40] أهؤلاء المشركون أذلين كانوا إياكم, كانوا يعبدون الملائكة {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}[سبأ:41] فهؤلاء كذابون يقولون بأن الملائكة شفعاء عند الله وكذلك الذين عبدوا عيسى, وقالوا أنه ابن الله كذبة أن يقولون إلا كذبا قال الله في القرآن {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}[الكهف:4-5] فهو كذب في أصل الوصف في أصل وصفهم أن عيسى إنما هو ابن الله تعالى الله عن ذلك, ثم كذب بعد ذلك في ما صنعوه مع من اعتقدوا أنه ابن الله فكذبوا في أنه يخلق ويرزق ويحي ويميت وأنه يعبد مع أبيه -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا- فكذبوا في أصل الوصف, وكذبوا كذلك فيما ترتب على ذلك من عبادتهم لهذه وظنهم أن هذا نافعهم عند الله -تبارك وتعالى-, قال - جل وعلا-: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ: فالكذاب هذا كاذب وكفار شديد الكفر, وذلك أنه قد جاءهم الحق وبين لهم ولكنهم ردوه قيل لهم على ألسنة الرسل ما اتخذ الله من ولد هذا عيسى تكلم المرة تلو المرة من وقت ولادته وهو يقول للناس: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}[مريم:30]: منذ الولادة وهو يخبر بأنه عبد الله وفي كل حياته يخبر أنه عبد الله وهذا حاله يخبر بأنه عبد الله كان يأكل ويشرب ويقضي حاجته كما يقضي الناس حاجاتهم ويمرض وتجري عليه الأحداث في هذه الدنيا من الغم والهم والكرب والهروب من العدو كشأن سائر البشر, فقد عاش كما يعيش البشر عاش مطاردًا مهمومًا مغمومًا يطارده أعداءه وهو يخرج من مكان إلى مكان ويستتر منهم, فكيف يكون هذا بكل صفته وبكل كلامه إله ابن لله -تبارك وتعالى- خالق السماوات والأرض يدبر هذا الكون, وينظم حاله وشئونه فهم كذابون كل هذا الذي قالوه كذب ,كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا, قال لهم الرسل قال لهم الأنبياء النبي محمد -صلوات الله وسلامه عليه- أخبرهم بكل خبر أن الملائكة إنما هم عبيد الله -تبارك وتعالى- {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:26-28], ولكن كل هذا لم يسمع له الكفار وتركوه وأصموا أذانهم عنه أتاهم الخبر اليقين من الله -تبارك وتعالى- أن الله لا زوجة له لا ولد له لا ند له لا كفء له شريك له {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص:1-4], ولكنهم أصروا على العناد والكفر, فالمفتري للكذب والكفار الذي يأتيه الحق ويرده لا يهديه الله -تبارك وتعالى- لا يمكن أن يهديه الله -تبارك وتعالى- وهو على هذه الحال من الكذب.

 ثم قال - جل وعلا-: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}[الزمر:4] لو أراد الله أن يخذ ولدا كما يدعي هؤلاء المجرمون لاصطفى مما يخلق ما يشاء فإنه لا يتزوج ولا يكون له أولاد ولا ينسى لأن الله هو الواحد القهار - سبحانه وتعالى- أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة, وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم؟ فالله - سبحانه وتعالى-في هذا الوجود لا ند له ولا نظير له ولا شبيه له, ولا يمكن أن يكون له ولد لأنه لو كان له ولد لكان له نظير الولد مثل أبيه ومن شابه أباه فما ظلم, فيكون الولد لابد إذا كان له ولد فيكون خالق رازق محيي مميت -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا- والله هو الواحد الأحد -سبحانه وتعالى-, {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ .......}[الزمر:4]: لكان اختار مما يخلق ما يشاء فيكون خلق من خلقه -سبحانه وتعالى- ولا يكون نسل من نسله -تعالى الله أن يكون له نسل, وأن يكون له زوجة -سبحانه وتعالى-{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ}[الزخرف:15]: لا جزء له - سبحانه وتعالى- لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه تنزيهًا له, السبحان هو التنزيه والإبعاد إبعادًا له - سبحانه وتعالى-عن هذا الوصف الكاذب الذي يصف به الكفار المجرمون هو الله, الله بهذا الاسم الإله الذي لا إله إلا هو الواحد الذي لا ثاني له ولا شبيه له ولا ند له, لو كان له شبيه يصير اثنين أكثر يصير ثلاثة, وهكذا فيكون ثلاثة أو أربعة إذا كان له شبيه أو نظير يكون الإله الواحد, وإنما يكون الهين أو ثلاثة {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ........}[النحل:51] إنما هو شأن والحال في الوجود كله لا يوجد إلا إله واحد - سبحانه وتعالى-هو الله الواحد القهار لكل ما سواه كل ما سوى الله -تبارك وتعالى-؛ فهو يقع تحت قهره تحت أمره الكوني القدري يفعل به ما يشاء - سبحانه وتعالى- فهو الذي خلق الخلق, وقهر السماوات والأرض وقهر كل خلقه -سبحانه وتعالى-, وأقامهم فيما أقامه فيه ولا يخرج لا صغير ولا كبير وعن أمره الكوني القدري -سبحانه وتعالى-, ما في شيء يخرج عن أمره, ولا يخرج عن مشيئته -سبحانه وتعالى-, فهو الله الواحد القهار خلق السماوات والأرض بالحق هذا من  قهره -سبحانه وتعالى-, وكذلك من إنعامه وإفضاله أنه خلق السماوات وهي سبع كما أخبر الله -تبارك وتعالى- ولا نعلم من أبعادها إلا قدر يسير {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[الذاريات:47] السماء الدنيا التي زينها الله -تبارك وتعالى- بهذه المصابيح لا نعرف لها بعدا تنتهي إليه فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ هذا أمر عظيم جدا {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}[الواقعة:75-76]: فهذه السموات التي لا يعرف الخلق لليوم أبعادها ثم لا تنتهي سعة ولا يعرفوا لها علما, إن هذه الأرض في السماء الأولى كحلقة في فلاة والسماء الأولى في الثانية كحلقة في فلاة, والسماوات السبع كلها في كرسي الرب -تبارك وتعالى- كحلقة في فلاة والكرسي في العرش كحلقة في فلاة أمر عظيم جدًا لأي قدر قدره ولا سعته إلا الذي خلقه -سبحانه وتعالى- خلق السموات والأرض بالحق هذا الخلق حق ما هو عبث وإنما خلقها بالحق, فخلقها وإيجادها حق وذلك ليعلم ويعرف ويعبد -سبحانه وتعالى- فهذه كل هذا الخلق دال عليه فعظمة هذا الخلق من عظمة خالقه -سبحانه وتعالى- فيعرف الرب أنه عظيم, وأنه قدير وأنه عليم بخلقه- سبحانه وتعالى- بخلقه قال -جل وعلا-{حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[الجاثية:1-5] فقد أقام الله -تبارك وتعالى- هذا الخلق ليعلم لتعلم عظمته كبرياؤه وقدرته -سبحانه وتعالى-, وليقوم الجميع بعبادته وحده -سبحانه وتعالى-لأنه الإله الخالق لكل هذا الخلق المستحق وحده -سبحانه وتعالى- بالعبادة.

 {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}[الزمر:5]: هذه صورة من صور خلقه - سبحانه وتعالى-ينقله لنا - سبحانه وتعالى-خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار يكوره يجعل هذا فوق هذا وهذا من أعظم الأدلة على إن هذه الأرض التي نحن عليها إنما هي شكلها شكل الكرة, وأن جريان الليل والنهار عليها إنه جريان على جريان ليل يسير على كرة فيسير كأنه يكور وذلك أن الليل إذا دار دورة كاملة فكأنه كرة واحدة, والليل والنهار كذلك إذا دار دورة كاملة على هذه الأرض فيكون كأنه دار دورة واحدة فكور تكوير يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل, وهذه الآية في إشارة إلى هذا الخلق العظيم الذي ما كان البشر ما كان الناس في وقت نزول هذا القرآن يعلمون هذا يعلمون إن الليل والنهار يجريان على كرة على أرضهم هذه التي هي بشكل هذه الكرة وهذا الأمر يخبر الله -تبارك وتعالى- العباد بهذه الصورة التي تشير إلى هذا المعنى ولا تقوله صريحًا لأنه لو قاله صريحًا على أن أرضكم هذه التي أنتم عليها أيها الناس إنما هي كرة معلقة في الفضاء لكان هذا داعي إلى التكذيب وإلى النفور من هذا الدين, وأن هذا أمر فوق العقول كيف تكون هذه الأرض التي نحن عليها بجبالها وبحارها ومحيطاته على هذا النحو, وبالخلق الذي عليها كرة وكيف يكون واقع الناس عليها فإن يكون هذا يكون كأنه أمر مكابرة للمحسوس فيرفضون بالمحسوس عند الناس, فيرفض الناس هذا الدين لكن الله -تبارك وتعالى- يشير إليه بهذه الإشارة, ويتكلم بهذه العبارة العظيمة التي تصور المعنى ولكنها لا تفزع من يخاطبون بهذه الحقيقة العلمية في هذا الوقت من وقت التنزيل وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى: تسخير التذليل, الشمس هذه العظيمة أمنا التي هي رأس مجموعتنا التي ندور عندها والتي منها جعل الله -تبارك وتعالى- منها استمداد هذه الحرارة والضوء التي بها حياة الأحياء على هذه الأرض تخسير تذليل, لولا أن الله ذلاها على هذا ما كانت هناك حيًا, ولا كان هناك قيام لأي حياة على هذه الأرض وسخر الشمس والقمر تسخير كذلك القمر التابع لنا على هذه الأرض ولنا فيه منافع عظيمة سواء منافع عظيمة في دوران هذا الماء مدا وجزءا في البحر على سطح هذه الأرض, وما لهذا للمد والمجزر من منفعة عظيمة هذه مغسلة البحر مغسلة وهذا الأرض, ثم ببهائه ثم بأنه بتقديره على هذا النحو في منازل على هذا النحو هذا أمر عظيم, فهذا التسخير فيه بأن نعلم به حساب تسخير فيه بما سخره الله -تبارك وتعالى- لنا من المنافع على هذه الأرض وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى كل أي من الليل والنهار والشمس والقمر يجري لأجل مسمى وقت محدد ينتهي عنده جريان هذا الوقت المحدد هو يوم القيامة عندما تجمع الشمس والقمر وعندما تنفجر هذه الأرض وتفجر بما فيها وتبعثر كل ما فيها يبعثر {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا }[الزلزلة:1] {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ }[الانفطار:1-5] {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ }[التكوير:1-11] {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ }[الحاقة:13-15], هذا الأجل المسمى هذا الأجل المسمى الذي سماه الله -تبارك وتعالى- وجعله اجل محدد ألا هو العزيز الغفار وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى الوقت حدده الله -تبارك وتعالى- وهو يوم القيامة النفخة الأولى في الصور ألا فاعلموا أيها الناس هو الله - سبحانه وتعالى-العزيز الغالب الذي لا يغلبه أحد -سبحانه وتعالى- الغفار لمن رجع وتاب إليه الذي يمحو ذنب من تاب ورجع ليه {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}[طه:82].

نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.