الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (560) - سورة الزمر 5-9

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعال-: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}[الزمر:6-8]: هذه الآيات من سورة الزمر وهذه السورة يمكن أن نقول إنها سورة التوحيد فتوحيد الله -تبارك وتعالى- وإخلاص الدين له هو موضوعها الأساس بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة ببيان أن هذا القرآن منه -جل وعلا- فقال {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ }[الزمر:1-2]: الله منزل هذا الكتاب بالحق, وأن هذه الهدف والغاية له الدين الا لله الدين الخالص, ثم بدأ الله -تبارك وتعالى- يرد مقالة الكفار وشركهم فَقَالوَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى: هذه مقالة عامة المشركين أنهم اتخذتم آلهتهم لتكون قربى لهم عند الله -تبارك وتعالى- قال -جل وعلا-: {........ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}[الزمر:3] يكذبون ويكفرون والله -تبارك وتعالى- لم يجعل أحدا من عباده واسطة وزلفى تتخذ ويدعى من دون الله ويعبد من دون الله ليكون هذا قربانًا عند الله -تبارك وتعالى- بل الله لا يعبد إلا وحده -سبحانه وتعالى- وهذا الدين الذي لا يرتضي الله -تبارك وتعالى- ولا يرضى الله من أحد من خلقه إلا هو أن يسلم له, وأن يعبدوه وحده لا شريك له, ثم قال -جل وعلا-: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ........}[الزمر:4]: الله لا ولد له لأنه لا جزء له -سبحانه وتعالى- لا زوجة له, ولو كان له ولد لكان صنو أبيه وكان يكون شريك ند لله -تبارك وتعالى- والله هو الواحد الأحد {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}[الزمر:4], ثم بدأ الله -تبارك وتعالى- يصف نفسه -سبحانه وتعالى- وعرف عباده به -جل وعلا- فقال: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}[الزمر:5] فهذا هو الله -سبحانه وتعالى- الذي خلق هذا الخلق العظيم على هذا النحو هو الله, ثم قال: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ خلقكم أيها المخاطبون الناس من نفس واحدة وهذا من دليل عظمته وقدرته -سبحانه وتعالى- وانظر هذه الاعداد الهائلة من البشر جيلاً بعد جيل كل يرجعون إلى نفس واحدة وهو أبوهم آدم -عليه السلام- الذي خلقه الله -تبارك وتعالى- من طين هذه الارض خلقه في السماء وأسجد له ملائكته -سبحانه وتعالى- من نفس واحدة آدم, ثم خلق منها زوجها خلق من هذه النفس الواحدة آدم خلق منها زوجها وقد جاء في الحديث كيف كان ذلك وهو أن الله ألقى عليه النوم ثم أخذ ضلعا من أضلاعه وخلق له حواء وزوجه الله -تبارك وتعالى- إياها, قام من نومه فوجدها بجواره وهذا أيضًا من رحمة الله -تبارك وتعالى- أن يخلق للانسان زوجة منه شق منه وضلع منه لتتم الألفة والمحبة والمودة بين الرجل والمرأة, ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا جعل هنا بمعنى خلق وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ هذا أيضا من إنعامه وإفضاله -سبحانه وتعالى- للبشر أن جعل -سبحانه وتعالى- أنزل من عنده إما أنزل بأمره وإما أنزل من السماء في هذه الارض ثمانية أزواج من الأنعام أي أربعة أنواع وكل نوع ذكر وأنثى, فمن الضأن اثنين الكبش والشاة, ومن الماعز اثنين التيس والعنز, ومن الإبل اثنين فحل الإبل والناقة, ومن البقر اثنين الثور والبقرة, فهذا أيضًا من إنعامه وإفضاله -سبحانه وتعالى- على العباد أن أنزل لهم هذه الثمانية أزواج والزوج هو الفرد الذي له نظير من جنسه ثمانية أزواج كما قال -تبارك وتعالى- في الآية الأخرى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ }[الأنعام:143-144] ثمانية أزواج ثم قال -جل وعلا-: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ أي أن أيضًا هذا من صنعه وفعله -سبحانه وتعالى- يخلقكم أيها الناس في بطون أمهاتكم في الأرحام خلقًا من بعد خلق خلق, ثم يتحول هذا الخلق إلى خلق آخر شكل آخر يبدأ الأمر بهذه النطفة, ثم تكون علقة, ثم تكون مضغة, ثم تتخلق هذه المضغة بعد ذلك, ثم تتشكل بعد ذلك عظام, ثم بعد ذلك تكسى باللحم, ثم يكون طفل مكتمل النمو, ثم بعد ذلك يشب هذا الطفل يبدأ رضيعا, ثم يشب شيئا فشيئا حتى يبلغ أشده خلقا من بعد خلق أي في بطون أمهاتكم في ظلمات ثلاث في ظلمات ثلاث, قيل هذه الظلمات الثلاث ثلاث جدر الجدار الاول جدار المشيمة التي يغلف الجنين, ثم الجدار الثاني بعد جدار المشيمة الرحم الذي يكون فيه, ثم بعد ذلك جدار البطن وفي هذه وراء هذه الجدر يخلق الله -تبارك وتعالى- هذا الخلق لا يطلع عليه أحد من الناس وإنما الله -تبارك وتعالى- هو الذي يخلقه في داخل هذه الظلمة, وقيل ظلمات ثلاث كذلك هونفس المشيمة وهو الكيش هذا الذي يكون أيضا مصنوع من ثلاثة رقائق لا ينفذ منها الضوء مع رقته فهذا من عظيم صنع الله -تبارك وتعالى- يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث فاعل هذا هو الله هذا الذي يستحق العبادة -سبحانه وتعالى- وليس ما تعبدون من دونه في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم ذلكم الإشارة إلى الرب الاله -سبحانه وتعالى- خالق هذه الخلق على هذا النحو الذي بدأ خلقكم من آدم وجعل منه زوجه والذي أنزل لكم هذه الأنعام التي تأكلون منها من لحومها وتشربون من ألبانها وتركبون ظهورها ولكم المنافع العظيمة فيها كل المنافع سواء المنافع في الحمل أو في الجر والمنافع في الجلود والأصواف والأوبار والأشعار, منافع عظيمة جدًا من هذه الأنعام يقوم عليها حياة الانسان لولا هذا لما وجد وبقي الإنسان على هذه الأرض ثم انظروا خلقكم أيها الناس الله يوجه خلق أيها الناس خلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث.

 ثم قال ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ: صانع هذا خالق هذا هو الله ربكم الذي لا رب لكم سواه ربكم خالقكم متولي شئونكم مالككم -سبحانه وتعالى- له الملك كله الملك كله له -سبحانه وتعالى- له ملك كل الأشياء كل ما سواه يملكه -سبحانه وتعالى- يملك ذاته لأنه هو الذي اوجدها على هذا النحو, فهو الذي أوجدها أنت يملكك الله -تبارك وتعالى- لأنه هو الذي خلقكم, وأوجدك وكذلك كل ما حولك كل هذا يملكه الله -تبارك وتعالى- له الملك كله الملك ذاتًا والملك تصريفًا فلا يتصرف شيء ولا يتحول شيء في ملكه الا بمشيئته وإذنه وأمره -سبحانه وتعالى فَأَنَّى تُصْرَفُونَ: له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون لا إله إلا هو أن ما دام أنه له الملك كله اذن لا يجوز أن تكون الألوهية لأحد إلا له لا إله الا هو, لا معبود إلا هو لا معبود يكون بحق وإلا فالآلهة التي اتخذت من دونه كثيرة فإن المشركين اتخذوا من دونه آلهة شتى لا يحصون عددا فهم من الكثرة بحيث أنه لو نظر الناظر في أحوال المشركين لما وجد شيئا من المخلوقات إلا وعبدها, ما في شيء من المخلوقات في السماوات ولا في الأرض إلا عبد, عبدت الملائكة, عبدت الشمس, عبد القمر, عبدت النجوم, عبدت الرياح, عبد قوس المطر هذا عبد من دون الله -تبارك وتعالى- عبدت الأشجار, عبدت الأحجار, عبدت الحيوانات حتى الحيوانات الدنيا من القرود ومن الأبقار ومن غيرها, عبدت من دون الله عبد البشر عبدت الأحجار, عبد الوهم الوهم والخيال يخلق الذهن ويفترض أمور وموجودات لا وجود لها يفترضها الذهن والخيال خيال الناس تختلق بعقولها أن هنا إله له صورة كذا وصورة كذا وصورة كذا, ثم يصورون هذه الصور ثم يعبدونها, والحال أنه لا وجود له ليس له وجود قط خارج الذهن وإنما وجوده فقط في الأذهان لا وجود في الأعيان ومع ذلك يعبد من دون الله فيفرضون وجود آلهة غير موجودة ليس لها وجود في هذا الوجود, ولكنهم يعبدونها من دون الله -تبارك وتعالى- ويسمونها آلهة والحال أنه لا إله إلا هو لا إله حقا إلا هو لا إله يستحق الألوهة إلا هذا الذي الله -سبحانه وتعالى- ذلكم الله ربكم له الملك الذي له هذا الملك والذي له هذا الخلق -سبحانه وتعالى- كيف كيف تصرفون الصرف هو التحول كيف تتحولون عن عبادة هذا الرب الواحد الذي قد تعلمون منه بعض هذه الصفات الى عبادة غيره, كيف يتحول إنسان الذي يؤمن بأن الله هوخالق السموات والأرض كما كانت العرب تعتقد هذا ومع ذلك تتحول وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[المؤمنون:88] فسيقولون الله {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}[المؤمنون:86], {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}[المؤمنون:87]: فكيف ينصرف ويصرف الشخص الذي يرى هذا الخلق يشهد بأن هذا الخلق لله -سبحانه وتعالى- بعد ذلك يتحول إلى عبادة غير الله -تبارك وتعالى- فأنى تصرفون؟ أي عن توحيده وعبادته وإخلاص الدين له والحال أنه -سبحانه وتعالى- وحده هو مالك الملك كله المتصرف فيه وحده -سبحانه وتعالى-.

ثم بعد هذا البيان وهذا الايضاح وقيام الحجة على هذا النحو وظهورها هذا الظهور بدأ يهددهم الله -تبارك وتعالى- ويبين سنته -سبحانه وتعالى- في الثواب والعقاب فقال: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[الزمر:7]: هذه سنته -سبحانه وتعالى- وطريقته في معاملة خلقه -جل وعلا- فقال: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ: اعلموا هذا إن تكفروا ولا بد ما في بعد الحق الا الضلال, فاذا تركوا هذا الحق الواضح تركوا عبادة الإله الذي لا إله إلا هو وانصروفوا إلى عبادة غيره كفروا لانهم يكونوا عرفوا الحق وجحدوه وتحولوا إلى غيره فقال إن تكفروا تردوا هذا الحق وتكفروه وتغطوه ولا تؤمنوا بالإله الواحد -سبحانه وتعالى-, وتعبدوه فإن الله غني عنكم لا يحتاجكم لعبادته -سبحانه وتعالى- فإن الله غني عن كل خلقه -سبحانه وتعالى- هوالغني بذاته -سبحانه وتعالى- لا تنفعه عبادة العابدين فإن الله غني عنكم مستغني عنكم مستغني عن عبادتكم, ولا يحتاج -سبحانه وتعالى- ليس فقير إلى شيء من خلقه -سبحانه وتعالى- لكنه لا يرضى لعباده الكفر من رحمته وبهم وعنايته بهم, ثم كذلك من عزته وقوته وجبروته -سبحانه وتعالى- لا يرضى لعباده الكفر لا يرضاه يسخطه وبالتالي يسخط على من يكفر به -سبحانه وتعالى- إذن لا بد أن يعاقبه ولا يرضى لعباده الكفر وان تشكروا يرضه له وإن تشكروا ربكم والشكر هنا في مقابل الكفر والشكر إنما هو الاعتراف بالفضل والإحسان والنعمة والقيام بحق هذه النعمة من اطاعة أمر الله -تبارك وتعالى-, ومن تصرف فيها على النحو الذي يريده الله -تبارك وتعالى-, وأن تشكروا الله الذي خلقكم خلق لكم الانعام خلق لكم هذا الوجود خلق لكم الشمس خلق لكم الليل والنهار فإن تشكروا رب -سبحانه وتعالى- على نعمائه يرضه لكم يرضى هذا منكم, وهذا هو الذي ومعنى أنه يرتضيه أنه يحبه -سبحانه وتعالى- ويثيب عليه -جل وعلا-, ثم قال ولا تزر وازرة وزر اخرى كل من يعصى فإنما يعصى على نفسه ولن يحمل أحد عن أحد ذنبه بل كل وازرة كل نفس تفعل الوزر فإنها لا تحمل وزرها لغيرها, ولا تزر وازرة وزر أخرى تزر تأخذ الوزر وتحمله, لن يحمل لن تحمل نفس ذنب نفس أخرى بل كل سيحمل وزره فقط وحده, ولا تزر وازرة وزر أخرى وقد أخبر-سبحانه وتعالى- أن هذا لا يكون حتى بين أقرب الأقربين ويعني أحب المحبين , وأن تدعو مثقال إلى حملها لا يحمل منه شيء ولوكان ذا قربى, فأي واحدة أي نفس مثقلة بالذنوب والمعاصي لو دعت أحب من كان عندها في الدنيا ابن يدعو أباه أو أبو يدعو ابنه أو زوجة تدعو زوجها أو أخ يدعو أخاه ما أحد سيحام عن الثاني شيئا من وزره قط ولا تزر وازرة وزر أخرى, ثم إلى ربكم خالقكم سيدكم متولي شئونكم مالككم مرجعكم مرجع الجميع في النهاية بعد البعث سيكون إلى الله -تبارك وتعالى- لفصل القضاء, فيخبركم أخبار اليقينة بما كنتم تعملون بالذي كنتم تعلمونه في هذه الدنيا وبالتالي سيجازى كل على عمله أهل الايمان بأعمالهم وأهل الشكران بأعمالهم؛ يخبر كل عامل بعمله وكل انسان يأخذ كتاب أعماله أخذ بيمنيه وأخذ بشماله أهل اليمين أهل الجنة يأخذون كتابهم كتاب صحائف اعمالعم بأيمانهم وأهل الشمال بشمالهم, فيخبر هذا الكتاب يقال له: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء:14], ثم يأتي الكفار في موقف من المواقف ينكرون هذا ويقولون ما عملنا شيء ولا نقبل شهادة أحد فينا قط فالله -تبارك وتعالى- يستشهد عليهم أنفسهم يستشهد على الكفار يجعل يده ورجله وجلده يشهد عليه, فيخبرهم الله -تبارك وتعالى- بما كانوا يعملون عن طريق هذه الطرق التي يخبر بها, ثم أخبر -سبحانه وتعالى- قال أنه عليم بذات الصدور أن الله يخفى عليه -سبحانه وتعالى- فلم يكن يخفى عليه -سبحانه وتعالى- شيء من أعمال خلقه -سبحانه وتعالى- لا مما أظهروا وأعلنوه ولا مما أخفوه, وأعظم ما يخفيه الانسان ما يكون سرا في صدره لا يخرجه قط, ذات الصدر ذات الصدر هو سره الدفين الذي لم يخبر به أحد قط فهو في الصدر فقط ما أخبر بهذا السر لا أخاه ولا زوجته ولا آبائه ولا إبنه, ولا أحد من ولا صديقه وإنما كان عنده سر يخفيه في ذات صدره لا يظهره فالله -تبارك وتعالى- بهذا السر الدفين عند الانسان يخبره به {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:284].

 ثم أخبر الله -تبارك وتعالى- عن هذا الإنسان في حال كفره وعنده فقال -جل وعلا-: على لسان الكافر {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}[الزمر:8]: واذا مس هذا الانسان الكافر الجحود الماكر يمكر مع الله -تبارك وتعالى- مسه المس هو أقل المس وصله شيء من الضر ضر وضر هنا جاء بالتنكير؛ لبيان ولو كان شيء قليل دعا ربه منيبا إليه: دعا ربه دعاء طلب من الله -تبارك وتعالى- ربه إلهه ومولاه ومالكه وخالقه -سبحانه وتعالى- فالرب هو السيد المالك الذي بيده الملك كله -سبحانه وتعالى- دعا ربه منيبا اليه منيب راجع عن ما كان فيه من الشرك والكفر, وأخلص عبادته لله -تبارك وتعالى- ودعا الله -جل وعلا- المنيب راجع اليه -سبحانه وتعالى-, ثم إذا أزال الله -تبارك وتعالى- ما به من هذا الضر وأعطاه بعد ذلك نعمة كان فيه مرض فشفاه الله -تبارك وتعالى- فقر فأغناه الله -تبارك وتعالى- محنة مصيبة كشفها الله -تبارك وتعالى- عنه, واستجاب الله -تبارك وتعالى- لدعائه, ولكن نسي التجاؤه وفقره إلى الله إظهاره للفقر واللجوء إلى الله -تبارك وتعالى- وجعل لله اندادا في كشف هذا الضر عن الله -تبارك وتعالى- فبدأ يمدح نفسه أو يمدح غير الله -تبارك وتعالى- في ويثني عليه, ويبين أن خروج هذا الأمر منه, إما أنه كان بحذقه ومهارته أو بحظه ونصيبه, وإما مما ينسب فيه الفضل لغير الله -تبارك وتعالى- والحال أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي تفضل عليه وهو الذي كشف هذا الضر عنه -سبحانه وتعالى- لكن هذا الكافر أصبح يتوجه فنسي هذا الذي كان فيه من لجوءه وإخلاصه الدين لله -تبارك وتعالى- في وقت هذه المحنة, فإنه بهذا الضلال وبنسبته الفضل إلى غير الله -تبارك وتعالى- نشر ودعا إلى الشرك بالله -تبارك وتعالى- وإلى نسبة الفضل إلى غيره -جل وعلا- قال -جل وعلا-: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا: قليلا تمتع بما أنت فيه من هذا الكفر, وذلك أنه لما أصبح في هذه النعمة والتي نسبها إلى غير الله -تبارك وتعالى- فهذه النعمة تمتع فيها هي الكفر ماذا ستبقى في هذه النعمة التي خولك الله -تبارك وتعالى- اياه وجحدتها له مهما كان في وقت قليل سنوات مائة سنة ستعيش في هذا, فهو قليل كما قال -تبارك وتعالى-: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ }[الشعراء:205-207] قل تمتع بكفرك قليلا مدة هذه الحياة مدة حياتك إنك من أصحاب النار في النهاية وماذا يفيد هذا وماذا يفيد هذا إذا كان هو في النهاية -عياذا بالله -تبارك وتعالى- من أصحاب النار خلودا وبقاءا لا انقطاع فيه فإن من دخل النار كافرا فإنه بقاء فيها بقاءا سرمديًا لا ينقطع فماذا يفيده إن تمتع في هذه الدنيا بما تمتع بها, يقول النبي: يؤتى بأترف أهل الدنيا ولكنه من أهل النار فيغمس في النار غمسة, ثم يقول الله -تبارك وتعالى- له أي عبدي هل رأيت نعيمًا قط؟ هذا أنعم أهل الدنيا وأكثرها ترفًا وتنعمًا فيها فيقول لا وعزتك ما رأيت نعيمًا قط.

 ثم قال -جل وعلا-: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الزمر:9]: أي أحال هذا الكافر الذي كفربالله -تبارك وتعالى-, وكان حاله على هذا النحو يدعو في حال الضر, ثم لإإذا كشف هذا الضر نسي ما كان يدعو إليه وكفر بالله -تبارك وتعالى-, وجعل الفضل لغيره -جل وعلا- وعاش في هذا الكفر منعمًا بكفره, أحال هذا كحال من هو قانت اناء الليل قانت مطيع لله -تبارك وتعالى- واقف نفسه على طاعة الرب -تبارك وتعالى- فالقنوت هو السكون والتوجه إلى الله -تبارك وتعالى- والطاعة له -جل وعلا-  آناء الليل ساجدا وقائما آناء الليل اناءه أي أحيانًا في أول الليل في وسط الليل في آخر الليل قائم بالصلاة ساجدًا وقائمًا, بدأ بالسجود؛ لأنه أشرف أعمال الصلاة, وإما قائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه إنه في كل هذا في الليل الذي هو أشرف الأوقات في العبادة وقيامه في أشرف الأعمال وهو الصلاة وقيامه في هذا حال قيامه, وفي حال سجوده خائف من الله -تبارك وتعالى- يحذر الآخرة حذر وخائف من الآخرة ويرجو رحمة ربه يتمنى الرجاء هو طلب ما عند الله -تبارك وتعالى- من الرحمة قال -جل وعلا-: {........ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الزمر:9].

 

نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.