الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (561) - سورة الزمر 10-18

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }[الزمر:9], بعد أن ذكر الله -تبارك وتعالى- حال الإنسان الكافر مع الله -تبارك وتعالى-, وأنه يدعوه في وقت الضر, ثم إذا كشف الله -تبارك وتعالى- عنه الضر نسي دعاءه لله -تبارك وتعالى- ونسب الفضل والإحسان وأزاله هذا الضر إلى غير الله -تبارك وتعالى- قال -جل وعلا-: وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ: أي هذا الكافر العنيد ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ: أي بدعوته إلى هذا الشرك  والكفر كأن يفتخر بنفسه أو بأن الذي كشف عنه الضر هذه هي آلهته ومن يرجو منهم الخير غير الله -تبارك وتعالى- قال -جل وعلا-: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ هذا الإنسان الكافر أم هو أم هذا الإنسان المؤمن أحال هذا, وانظر حال هذا امن هو قانت آناء الليل ساجدًا وقائمًا قانت قائم مطيع متوفر مجموع بهمته, وقلبه ووجهته إلى الله -تبارك وتعالى- وهذا كله من معاني القنوت من معاني القنوت أمن هو قانت آناء الليل أحيايين الليل كلها في أوله في وسطه في آخره ساجدًا وقائمًا أن هذا حاله حال كونه ساجدًا لله وقائمًا يحذر الآخرة كل هذا قيامه بالصلاة وتحينه لأوقات الليل, أوقات هجود الناس وغفلتهم أما هو ذاكر لربه -سبحانه وتعالى- يحذر الآخرة يخاف الآخرة خائف من عقوبة الله -تبارك وتعالى- في الآخرة, ويرجو رحمة ربه فيما عند الله -تبارك وتعالى- من البر والإحسان من جنته ورضوانه -سبحانه وتعالى- قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ هل يستوي الذين يعلمون هو هذا المؤمن الخائف من ربه -تبارك وتعالى- الراجي فضله وإحسانه والقائم بهذه العبادة القانت القائم بالصلاة ساجدا وقائماً في أحايين الليل هذا هو الذي يعلم والذين لا يعلمون هذا الغافل الناسي الذي يدعو الله -تبارك وتعالى- في حال شدة, ثم إذا ذهبت الشدة انتهى دعوته لله -تبارك وتعالى- ونسب الفضل والإحسان لغيره قال -جل وعلا-: إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ إنما يتذكر تذكر هذا ويستحضر هذه المعاني وتفيده فيتوجه التوجه الصحيح أولوا الألباب أهل العقول العقل هو اللب, اللب داخل الإنسان وعقل الإنسان هو لبه داخله قلبه فهذا أولوا الألباب أهل العقول هم الذين يستفيدون ويتذكرون, أما ما لا لب له ما لا عقل له ما لا قلب له يفقه ويفهم فكيف يتذكر؟, ثم قال -جل وعلا-: قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ توجه بعد ذلك بعد بيان حال الكفار قال الله -تبارك وتعالى- وجه هنا يعني الخطاب لأهل الإيمان عن طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- قل لهم أي يا محمد يا عبادي الذين آمنوا عابد الله -تبارك وتعالى- عباد الرب -جل وعلا-: قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ: خافوه اتقوا ربكم خافوه اجعلوا وقاية بينكم وبين عذابه -سبحانه وتعالى- فتقوى الله أن تجعل بينك وبين عقوبته حاجز يمنعك, ولا حاجز لك من عقوبة الرب -تبارك وتعالى- إلا بطاعته, والإيمان به -سبحانه وتعالى- فهذا هو الذي من عقوبة الرب -تبارك وتعالى- أن تؤمن به, وأن تطيعه -جل وعلا- اتقوا ربكم خافوا الله -تبارك وتعالى- خوفا يحملكم على أن تجعلوا بينكم وبين عقوبته حماية لكم من عقوبته للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة هذه بشرى الله -تبارك وتعالى- للذين أحسنوا فعلوا الإحسان ولا يكون الإنسان محسنا إلا بالإيمان بربه -سبحانه وتعالى-, والاستقامة على أمره هذا هو الإحسان ليبلوكم أيكم أحسن عملا هذا هو المخلصين في عملهم لله -تبارك وتعالى- سائرين على صراطه المستقيم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة يجازيهم الله -تبارك وتعالى- على إحسانهم أولًا فيجعله في الدنيا حسنة وحسنة الدنيا هي الخير فيها الذي يعطيه الله -تبارك وتعالى- للمؤمن, وأعظم ما يعطيه الله -تبارك وتعالى- للمؤمن طمأنينة القلب ورضا النفس وثباته على الحق, ثم حسنة الدنيا مما يعطيه من أن يمن الله -تبارك وتعالى- عليه بصحة بعافية برزق واسع بغير ذلك من حسنة الدنيا كل ما هو من خير الدنيا يشمل هذه الحسنة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا.

 ثم قال -جل وعلا-: وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ: هذا توجيه من الله -تبارك وتعالى- إن أرضه واسعة فمن ضيق عليه أن يقوم بدينه في أرض وأرهقه الكفار ولا يستطيع أن يؤدي ويقيم دين الله -تبارك وتعالى- في هذه الأرض فعليه أن يرحل منها إلى غيرها, ثم قال -جل وعلا-: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ: فالذين تشتد عليهم الحال ويهجرون ويؤذون ويصبرون على ما يكونون من البلاء فهؤلاء يوفيهم الله -تبارك وتعالى- أجرهم في الآخرة بغير حساب بغير عد؛ لا يعد لهم الله -تبارك وتعالى- الحسنات عدا كما يكون لك عمل مجموعة من الحسنات لا هذا يعطون حسنات بغير عد من الله -تبارك وتعالى- جزاء على صبرهم على ما نالهم في هذه الدنيا من الأذى, فيخبر -سبحانه وتعالى- أن هذا حال المؤمن هذا حال المؤمن له البشرى في هذه الدنيا, فإما أن يحسن الله -تبارك وتعالى- إليه ويعطيه حسنة في هذه الدنيا بتوسيع رزقه ومده وما يعطيه الله -تبارك وتعالى-, وهذه كون من الثواب المعجل له في هذه الدنيا كما قال الله في إبراهيم {........ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنِ الصَّالِحِينَ}[العنكبوت:27]: فيؤتي حسنة في هذه الدنيا, وأما إذا كان في شدة ومحنة وكرب وإخراج من الأهل والأموال كما كان حال المهاجرين فقراء المهاجرين من المستضعفين من المسلمين فهؤلاء أولًا أمرهم الله -تبارك وتعالى- بان يجعلوا دينهم هو الأساس فيهاجروا به, ثم إنهم الذي صبروا عليه في هذه الدنيا إذا ما نالوا حسنة هذه الدنيا الحسنة في هذه الدنيا فيوفيهم الله -تبارك وتعالى- أجرهم في الآخرة على صبرهم في هذه الدنيا, صبرهم على الإيمان وعلى البلاء الذي ابتلوا به في هذه الدنيا هناك أجر بغير حساب.

 ثم قال -جل وعلا-: توجيه خطاب إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزمر:11]: هذا بالنسبة إلي هذا بالنسبة إلى ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم-, وهذا كأنه إضراب عنهم إلى بيان ما هو هذا القدوة والأسوة هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أنزل عليه القران ما هو المأمور به من الله -تبارك وتعالى- قبلكم وقبل كل أحد, قل إني أمرت والذي يأمره هو الله -تبارك وتعالى- هذا أمر الله -تبارك وتعالى- لرسوله أن اعبد الله مخلصا له الدين العبادة بكل معانيها الذل والخضوع والطاعة والإنابة أعبد الله حال كوني مخلصا له الدين الإخلاص: أي لا أعبد غيره لا أعبد غيره -سبحانه وتعالى- بكل معاني العبادة وأعلى العبادة وأشرفه هو الدعاء كما قال النبي الدعاء هو العبادة, فالدعاء دعاء الله -تبارك وتعالى- لله دعاء له ألا يطلب إلا منه سواء كان بجلب الخير أو بدفع الضر كله إلا منه -سبحانه وتعالى-, ثم بعد ذلك فروع العبادة الكثيرة أقوال وأفعال وأعمال بدنية ومالية وقلبية كلها داخلة في معنى العبادة هذه كلها أن أجعلها لله -تبارك وتعالى- أن اعبد الله حال كوني مخلصا له الدين خضوعي وتسليمي له -سبحانه وتعالى-, كذلك والأمر من الله -تبارك وتعالى- لأن أكون أول المسلمين أولهم أسبقهم, وكذلك أسبقهم زمانًا فهو أول هذه الأمة وكذلك أسبقهم عملًا وحالًا فيكون هو المقدم في كل شيء -صلوات الله وسلامه عليه-, وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- هو مقدم المسلمين في كل شيء فلا يوجد  باب من أبواب الخير إلا والنبي في أعلاه -صلوات الله وسلامه عليه-  فغي الشجاعة في الإيمان في التوكل, في الصبر في اليقين في إنفاق المال في سبيل الله في الزهد عن هذه الدنيا في الجهاد؛ فهو مقدم المسلمين كلهم في الجهاد والنبي يقول والذي نفس محمد بيده ما ودت أن أتخلف عن سرية تقاتل في سبيل الله قط أي أتمنى ألا أتخلف عن سرية تقاتل سرية ليس جيش, وإنما قطعة من الجيش تخرج يكون النبي خارج معها -صلوات الله وسلامه عليه- طبعًا كل جيوش المسلمين كل حروبهم النبي خرج فيها -صلوات الله وسلامه عليه-, ولم يتخلف عن جيش قط -صلى الله عليه وسلم- ويقول ما أتخلف عن سرية ولكن في غلف المسلمين من لا أجد وظهر ما أحمله عليه ويشق عليهم أن يتخلفوا عني؛ ففي كل الأمور في كل الأمور هو اتقى العباد لله -تبارك وتعالى-, وأعلاهم منزلة وأقواهم في عبادة الرب -تبارك وتعالى- ففيه صوم في صلاته في قيامه في كل أعماله, قد كان أول المسلمين اسبقهم وأعلاهم منزلة وهو اتقاهم -صلوات الله وسلامه عليه- قل أنا أعلمكم بالله واتقاكم لله.

 {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الزمر:13]: هو مع ذلك هذا شعوره وهو حاله أخاف عذاب اليوم العظيم إن عصيت الله -تبارك وتعالى- فقد أمرت بطاعته, والذي يحمله النبي هو مخافة الله -تبارك وتعالى- إنه إن عصاه فهذا يعذب في يوم عظيم عذاب يوم القيامة, وقل لهم الله لا غيره -سبحانه وتعالى- اعبده الله؛ لا أعبد إلا الله ولا أعبد غيره جاعل ديني كله وخضوعي كله وعبادتي كلها لله -تبارك وتعالى- فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ: أنتم تريدون أن تعبدوا ما تشاءون من دونه, فهذا افعلوه لكن {........ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزمر:15]: وهذا الذي ذكر الله -تبارك وتعالى- ب رسوله قد بينه الله -تبارك وتعالى- في آيات أخرى بأن الله لا يرضى من عباده وقد أنذر كل رسله أنهم يعبدوه وحده لا شريك له.

 {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر:65], {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الزمر:66], وأخبره كذلك -سبحانه وتعالى- أنه بمخالفة الأمر ولو صغير يعاقب عليه ولو كان أمرًا صغيرًا, {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}[الإسراء:74], {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}[الإسراء:75]: فهنا يخبرهم الله -تبارك وتعالى- بأن هذا حاله التي أمر بها مع الله -تبارك وتعالى-, فإذا كان هذا حال النبي حال النبي والرسول الذي اختاره الله -تبارك وتعالى- ليعلن الناس فما بال غيره فما بال غيره لا شك أنه أن عصى الله -تبارك وتعالى-, وأشرك بالله وكفر بالله -تبارك وتعالى- فلا يتوقعن, ولا ينتظرن من الله -تبارك وتعالى- إلا العقوبة الشديدة فإن الله لا يرضى من رسوله الذي أرسله لا يرضى منه إلا هذا قال فاعبدوا ما شئتم من دونه أي أن هذا طريقي وهذا هو صراطي, وهذا الذي أدين الله -تبارك وتعالى- واعملوا به فاعبدوا ما شئتم من دونه ليس أمرا بالإباحة وأن يفعلوا وإنما هنا أمر بالتهديد وإنما هو يعني أمر لهم لكن ليعلموا ما يترتب على هذه الأمر, فاعبدوا ما شئتم من دونه لكن اعلموا هذا قل لهم إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أن من عبد الله -تبارك وتعالى- من اختار أن يعبد شيئا لغير الله -تبارك وتعالى- فليعلم أنه من الخاسرين والخسران يوم القيامة خسران لا خسران له لا مثيل له من أي خسارة في الدنيا, قل إن الخاسرين حقًا وصدقًا الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة إلا ذلك هو الخسران المبين خسروا أنفسهم لأنه ألقاها في النار, فلا هي مرتاحة نفسه لا مرتاحة بحياة تريحها ولا مرتاحة بموت تستريح منه بل هي معذبة عذابا مستمرًا -عياذًا بالله-, وبهذا خسر نفسه خسر نفسه أولًا بأن أوردها النار فتظل في هذا العذاب المستمر وأهليهم خسر أهله فان كانوا معه في النار فلا يفيدونه ويكون غمه وحزنه أشد وأن كانوا في الجنة فقد خسرهم كذلك قطعت الصلة بينهم وبينه, ولا يفيدونه بشيء لا يذرفون عليه دمعة فلا يذرفون دمعة عليه يتركونه خلاص قطعت الصلة بينه وبينهم, هذا هو الخسران البين الواضح الذي لا خسران مثله ممكن الإنسان في هذه الدنيا يخسر شيء من منافعها ومن خيارتها, يخسر شيء من ماله, يخسر شيء من أولاده يموت له عزيز, يخسر شيء من صحته ويبقى شيء لكن تبقى مهما كان هذا الخسران هو خسارة جزئية, ولكن أن يخسر الإنسان نفسه كلها فيوردها النار على هذا النحو, وتبقى معذبة ويحشر أهله ويخسر ماله ولا يبقى له شيء ويبقى فقط لا كسب نفسًا, ولا أهلًا, ولا مالًا, ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- بأن صفة هذا الخسران قال: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ: لهؤلاء الذين خسروا أنفسهم هؤلاء الذين دخلوا النار لهم من فوقهم ظلل من النار طبقات الظلة طبقة تظلهم أي أنها كسف فوق رءوسهم -عياذًا بالله- فالنار فوق نار فوق نار كسف من النار فوق كسف فوق كسف, ومن تحتهم ظلل كذلك طبقات أيضًا من النار من تحتهم -عياذًا بالله- فهو في وسط هذه النار في طبقات فوقه وطبقات منا تحته -عياذًا بالله-, وهو مع ذلك باق لا يموت يعذب بكل هذه النار والتي تأتيه من كل ما حوله ولاتي تكون طبقات على هذا النحو ويعني فراش كذلك طبقات على هذا النحو وهو باق فيه لا يموت فهذا أشر حال يمكن أن يتخيل ويتصور وهو واقع لا شك فيه.

 ثم قال -جل وعلا-: ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ: ذلك هذا الأمر الحق الكائن الذي لا شك فيه يخوف الله به عباده في هذه الدنيا قل لهم خافوه {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}[الزمر:16] يا أيها الناس يا عباد الله -تبارك وتعالى- لكل العباد كل الخلق وكل الخلق عباد الله فاتقونِ خافونِ؛ هذا تحذير من الله -تبارك وتعالى- الله يقول لهم هذا أمر كائن وموجود, ولابد أن يقع على النحو الذي يخبركم الله -تبارك وتعالى- والله يخوفكم به هنا في هذه الحياة إذ حذروه يحذركم منه ويخوفكم منه أنه كائن فاتقون لأن هذه عقوبة الرب هكذا يصنع الله -تبارك وتعالى- بأعدائه انظروا هذه صورة هذه صورة عقوبته -سبحانه وتعالى-, فليس العقوبة كما هو معهود عند الناس من عقوبة الدنيا إن الإنسان يحبس في السجن يضرب بعصا يعلق من رجل يحرق بشيء من النار كل هذه إذا ذكر كل ما يعذب به الإنسان في هذه الدنيا يبقى شيء تافه وقليل جدًا بالنسبة إلى ما هو يعني كائن في الآخرة من عقوبة الله -تبارك وتعالى- {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر:25-26], هذا حال هؤلاء الذين كفروا بالله -تبارك تعالى- وعبدوا من دون الله ما شاءوا غير الله قال فاعبدوا ما شئتم من دونه لكن انظروا ماذا سيترتب على عبادتك من غير الله -تبارك وتعالى-, ثم قال الله -عز وجل- في بيان أهل توحيد الله قال: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الزمر:17-18]: أي جعلوها بجنبهم ابتعدوا عنها الطاغوت من الطغيان, أي كل طاغي وطاغية والطاغوت لا شك انه كل ما عبد من دون الله -تبارك وتعالى-, ودعا الناس إلى عبادة نفسه وأمر بعبادة غير الله -تبارك وتعالى- فهذا طاغوت تجاوز حده كل ما تجاوز الإنسان به حده من صنم من حجر من شيء واتخذ إلى أن يعبد مع الله -تبارك وتعالى- فهذا من الطغيان فإن الله -تبارك وتعالى- جعل لأحد أن يعبد من دونه لا لملائكته ولا لأنبيائه ولا لرسله ولا لهذا الخلق سمواته أرضه شمسه قمره إنسان حجر, ما جعل الله -تبارك وتعالى- شئ من هذه الأشياء مستحق للعبادة فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يستحق وحده العبادة -سبحانه وتعالى- لا يعبد إلاهه ولا يدعى إلا هو -سبحانه وتعالى, فكل ما يعبد من دون الله -تبارك وتعالى -كل ما جاوز به العبد حده, واعتقد أنه يستحق العبادة فهذه طواغيت ورأس هؤلاء الطواغيت فهذه الأصنام هذه الأصنام التي عبدت من دون الله -تبارك وتعالى- هذه طواغيت وكل ما دعا فرد دعا الناس إلى عبادة نفسه هذا طاغوت قال للناس اعبدونِ, ثم قال فرعون {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات:24], أو قال لا أحل ولا أحرم ما أحله لكم هو الحلال ما أحرمه عليكم هو الحرام ما أريكم إلا ما أري كما كان يقول فرعون وما أهديكم إلا سبيل الرشاد وأن هذا هو الطريق, فهذا هذا الطغيان اذهب إلى فرعون أنه طغى, طغى بهذا بأن دعا الناس إلى عبادة نفسه وأن يشفع لهم هو الخير وأن ما يدلهم عليه هو الخير الذي لا خير سواه فالذين اجتبوا الطاغوت أي يعبدوها أن يعبدوا هذه الطاغوت, وأنابوا إلى الله رجعوا إليه والتجئوا إليه -سبحانه وتعالى-, وجعلوا عبادتهم له وحده لا لغيره لهم البشرى لهم البشرى من الله -تبارك وتعالى-, والبشرى هي الأخبار بما يسر لهم الخبر السار فبشر عباد فبشر عباد بشرهم أمر من الله -تبارك وتعالى- أن للرسول أن يبشر عباد الله -تبارك وتعالى- الذين عبدوه وحده لا شريك له واجتنبوا طريق الطاغوت.

 {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الزمر:18]: أي قول جنس القول فيتبعون أحسنه هذه من كمال عقولهم من كمال عقولهم أنهم كل قول إنما يتبعون أحسن القول جنس القول, ولا شك إن أحسن القول هو كلام الله -تبارك وتعالى-, فلا كلام أحسن من كلام الله -تبارك وتعالى-, اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ, ثم كلام رسوله -صلوات الله وسلامه عليه- هذا هو القول الحسن كان النبي لا يقول إلا حقًا, ولا يقول إلا صدقًا -صلوات الله وسلامه عليه- {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[النجم:3], {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:4], ثم كل قول يقال فهؤلاء الذين ها هم الله -تبارك وتعالى- إنما يتبعون أحسنه لهم عقول وافرة لهم الباب, فعند ذلك أي قول يقال فإنهم يتبعون أحسن القول؛ فلذلك هم متبعون لقول الله -تبارك وتعالى- لقول رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن هذا هو القول الحسن, {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الزمر:18]: أولئك هؤلاء أهل العقول الناضجة الطيبة الفاهمة هؤلاء الذين هداهم الله -تبارك وتعالى- إلى إتباع أحسن القول, وأولئك هم الذين يميزون فيما يقال لهم بين الحق بين الحق والباطل بين الصواب والخطأ بين ما ينفع وما لا ينفع ما ينفع وما يضر, وبالتالي من أجل هذا اتبعوا طريق الرب -تبارك وتعالى-؛ لأن كلام الله -تبارك وتعالى- هو أحسن الحديث, وكان النبي دائمًا يقول فإن أحسن الحديث كتاب الله, وخير الهدى هدى محمد -صلوات الله وسلامه عليه-, وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- فهذا هو هؤلاء اتبعوا طريق الرب -تبارك وتعالى-؛ لأن هذا أحسن الكلام فأولئك الذين هداهم الله إلى إتباع القول الحسن و هم أهل العقول وبشراهم جاءت من الله -تبارك وتعالى- بشرى كثيرة يبشرون بهذا القرآن بالبشارة العظيمة التي جاءت في هذا القرآن كما مضى بأنهم سيحييهم الله -تبارك وتعالى- الحياة الطيبة للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة فيبشرهم الله -تبارك وتعالى- بحسنة الدنيا, ثم يؤول إليه الأمر بعد ذلك من النعيم المقيم عند الله -تبارك وتعالى- والبشارات تأتيهم في أوقات كثيرة منها على السنة الرسل منها البشارة التي تأتيهم بها الملائكة عند الموت كمنا قال -تبارك وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}[فصلت:30-32].

نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.