الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الأَلْبَابِ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ }[الزمر:17-22]؛ قول الله -تبارك وتعالى- وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا هؤلاء هم الذين وحدوا الله -تبارك وتعالى- وتركوا كل ما يعبد من دون الله -تبارك وتعالى- فهذا الطاغوت التي جاوز العبد به صفته فجعله إلها مع الله -تبارك وتعالى- هؤلاء تركوا كل ما يعبد من دون الله -تبارك وتعالى- وعبدوا وحده لا شريك له وأنابوا إلى الله وحده لا إله غيره -سبحانه وتعالى- في عابدتهم لهم البشرى من الله, الله يبشرهم -سبحانه وتعالى- يبشرهم بفضله وإحسانه وإنعامه عليهم في الدنيا والآخرة بجنته ورضوانه -جل وعلا- فبشر عباد بشر عبادي المؤمنين الذين ويخبرهم بهذه الأخبار السارة جزاءا ما لهم جزاء الجزاء الذي لهم عند الله -تبارك وتعالى- بإيمانهم, وتوحيدهم, وهؤلاء مدحهم الله -تبارك وتعالى- بكمال العقول فقال الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه هؤلاء الذين ميزوا بين الأقوال جنس القول كل قول يقال إنما يتبعون أحسن القول وأحسن الأقوال قول الله -تبارك وتعالى- لأنه أصدق الأقوال وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلًا لا أصدق من الله -تبارك وتعالى- ولا أعدل منه -سبحانه وتعالى- {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل:90], فلا قول أحسن من قوله -سبحانه وتعالى- وكذلك قول رسله قول رسله فإن الله هو معلمهم -سبحانه وتعالى- وهو هاديهم وهو ملهمهم -سبحانه وتعالى-, فهؤلاء الذين اتبعوا قول الله -تبارك وتعالى- أقوال الله -تبارك وتعالى- وقول رسول الله أحسن الأقوال الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وفقهم الله -تبارك وتعالى- هداية هنا توفيق وتمسك بالحق وأولئك أهل الألباب أهل العقول الذين ميزوا.
ثم قال -تبارك وتعالى- مقارن بين هذه عقد مقارنة بين هؤلاء وهؤلاء قال {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ}[الزمر:19] :هذا الذي حقت عليه كلمة العذاب بكفره لأنه كفر وأشرك بالله -تبارك وتعالى- فأصبحت كلمة العذاب عليه حق وكلمة العذاب هنا لا كلمة الله -سبحانه وتعالى- التي جعله الله التزام وكلمة الله لابد أن تكون واقعة لازمة أفمن حق عليه كلمة العذاب فهذا كيف يكون له مخرج أفأنت تنقذ من في النار أفأنت اختار النبي -صلى الله عليه وسلم- تنقذ من في النار هو في النار حقيقية هذا لا مجال لإخراجه, وهذا إذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يستطيع هذا أمر شخص حكم الله -تبارك وتعالى- عليه هذا الحكم وجعله من أهل النار لا مجال بكفره فهذا ما في فايدة لا فائدة منه فهذا لا فائدة منه فهؤلاء الله -تبارك وتعالى- انظر المثال هؤلاء يبشرون من الله -تبارك وتعالى- أهل التوحيد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب, والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى من الله فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم الألباب, ثم الآخرين أفمن حق عليه كلمة العذاب هذا الكافر المجرم هذا الذي أشرك بالله وعبد غير الله واتخذ هذا الطاغوت له ألها فهذا حقت عليه كلمة العذاب بأن أصبحت كلمة العذاب عليه حقا لازماٍ أفأنت تنقذ من في النار مهما صنع النبي -صلى الله عليه وسلم-, وقال وحذر وأنذر ما في فايدة هو أصبح في النار هو أصبح في النار أفأنت تنقذ من في النار لا مجال لإنقاذك لأن الله -تبارك وتعالى- يقول لرسوله إن هذا الذي أشرك بالله وكفر بالله -تبارك وتعالى- وسبق في علم الله -تبارك وتعالى- أنه يكون في النار بكفره وعصيانه لله لا مجال لإخراجه منها أفأنت تنقذ من في النار لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد هذه بشرى الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء المؤمنين انظر هذا التقابل بين هذا أهل التوحيد الله -تبارك وتعالى- والإيمان به, وأهل الكفر والمعصية لكن الذين اتقوا ربهم الذين خافوه -سبحانه وتعالى- كمثال هذا هؤلاء الذين قال الله -تبارك وتعالى- عنهم {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ .........}[الزمر:9] لكن الذين اتقوا ربهم خافوه وجعلوا بينهم وبين عقوبته -سبحانه وتعالى- حماية حموا أنفسهم من عذاب الله -تبارك وتعالى- بأن جعلوا وقاية لهم وذلك بالإيمان بالله -تبارك وتعالى- لا حماية لا تحمي نفسك من الله إلا بالله -سبحانه وتعالى- إلا بالإيمان به وخوفه وطاعته -سبحانه وتعالى-, لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف لكن غرف تلك الغرف غرف في هذه الأرض هذه المبنية من الطين والحجارة ومن غيرها من هذه المواد الأرضية لكن تلك غرف غير غرف الغرفة الواحدة بدل الخيمة الواحدة التي يكون فيها عشرات الغرف إنما تكون من لؤلؤة واحدة مجوفة, وتلك الغرف كذلك غرف من لبنة فضة ولبنة ذهب أو من الذهب الخالص أو من الفضة الخالصة, أي غرف لكن كالغرف, ثم غرف شفافة غرف شفافة تشف عما خلفها كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن في الجنة لغرف يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها فيرى ما في داخلها من كان في داخلها يرى ما في خارجها ومن كان في خارجها يرى من في داخلها قالوا لمن يا رسول الله قال لمن أفشى السلام وأطعم الطعام وألان الكلام وصلى بالليل والناس نيام لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية من فوق هذه الغرف كذلك غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار تجري من تحت هذه الغرف قصور تجري من تحتها الأنهار, الأنهار المتعددة انهار الماء واللبن والخمر والعسل, وعد الله هذه وعد الله, وكيف يسقط وعد الله إذا كان الله يعد -سبحانه وتعالى- يقول هذا وعدي وعد الله لا يخلف الله الميعاد لا يمكن الرب -تبارك وتعالى- أن يخلف ميعاده فيقول لن يكون هذا أول أجل أو أن الله -تبارك وتعالى- صرفه إلى غيره تعالى عن ذلك لا يخلف الله الميعاد, فالله لا أصدق حديثا منه سبحانه وتعالى فهذه من البشرى التي يبشر الله -تبارك وتعالى- بها عباده المؤمنين الموحدين وعد الله لا يخلف الله الميعاد هذه الآن أصبحت مقابلة بين أهل الإيمان وأهل الكفر انظر أهل الكفر, وما ينتظرهم عند الله -تبارك وتعالى- من العقوبة الذي يقول الله فيها {........ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ }[الزمر:15]فهؤلاء هم كافر خسر نفسه خسر أهله خسر كل شئ خسر نفسه بأن أوردها هذا المكان النار التي يكون طبقات منها فوق رأسه وطبقات تحته -عياذًا بالله- تبارك وتعالى - من ذلك وأما أهل الجنة فإن بشراهم عند الله -تبارك وتعالى-.
{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ}[الزمر:20] والنبي يقول في الغرف إن أهل الجنة لا يتراءون الغرف فوقهم غرف الطبقة التي فوقهم كما تتراءون النجم الغابرة في الأفق البعيد, أبعد نجم في الأفق نراه أهل هذه الطبقة يرون الطبقة التي فوقهم قال النبي من بعد ما بين الطبقيتين من بعد ما بين هذه الطبقة والطبقة العليا أو الدرجة هذه والدرجة التي بعدها , هذا أمر عظيم نسأل الله -تبارك وتعالى- ألا يحرمنا من ذلك وإخواننا المؤمنين, ثم شرع الله -تبارك وتعالى- في بيان بعض عظام قدرته -سبحانه وتعالى- وخلقه فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الأَلْبَابِ}[الزمر:21] انظر هذه الآية من آيات الله -تبارك وتعالى- وما تحمل من آيات كثيرة ومن مواعظ عظيمة جدا لكل ذي لب وذي عقل أولا إنزال المطر من السماء ألم ترى قد علمت أن الله أنزل من السماء ماءا من السماء من العلو ماء هو ماء المطر فسلكه ينابيع في الأرض سلكه السلك هو إدخاله أدخله الله -تبارك وتعالى- في هذه الأرض, ثم إذا به يخرج ينبوع الينبوع هو انفجار الماء على سطح هذه الأرض من يخرج من سفح جبل من باطن يخرج من شق من الشقوق فينبع ينزل الماء يسكن في هذه الأرض, ثم يخرج ينابيع منها دورة عظيمة جدا فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم إن هذا المطر النازل من السماء يخرج الله -تبارك وتعالى- به زرع مختلفا ألوانه كل درجات اللون كل درجات الألوان من الأحمر القاني إلى الأبيض الناصع ودرجات الألوان المختلفة سواء كانت الألوان في الأوراق في الأزهار في الثمار مختلف هذه في سيقان نفس هذه النباتات فيخرج به زرعا مختلفا ألوانه, ثم يهيج فتراه مصفرا ً يهيج هذا النبت والزرع فتراه مصفراً لما تضربه الشمس يصفر, ثم يجعله حطاما, ثم يجعل الله -تبارك وتعالى- هذا الزرع بعد هذا حطام أنه خلاص بعد أن تصفر ويصبح هشيم يتحطم هذا الهشيم وبعد ذلك تذروه الرياح كل مسار, قال -جل وعلا-: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الأَلْبَابِ: ذكرى لأمور عظيمة أولا قدرة الله -تبارك وتعالى- على إنزال هذا المطر من السماء وعلى كذلك جعله يسير في طرق في داخل الأرض, ثم يخرج بعد ذلك منها, ثم ماء المطر هذا عندما يخرج هذا الزرع الزهور المختلفة الأشكال والألوان, ثم بعد ذلك سرعان ما يتبدد هذا وينتهي له دورة حياة فصل الربعي, ثم إذا جاء فصل الصيف وضربت الشمس هذا الزرع إذا به يتبدد وينتهي فأولا قدرة الرب -تبارك وتعالى- على الخلق وعلى الحياة قدرته على الموت فان هذا كان حي, ثم مات تذكير للعباد بأن حياتهم في هذه الأرض إنما هي دورة من هذه الدورات فالإنسان يعيش فترة ينمو وينشأ, ثم بعد ذلك يصل حده من الكبر ثم يعود إدراجه في هذا حتى يتحطم وينتهي بعد ذلك؛ وبالتالي ينبغي للإنسان أن يتعظ ويعتبر فإن كنت ما أنت مخلد ولا باقي, ثم إن هذه الحياة الدنيا هي كهذه كفترة من فترات الربيع والله -تبارك وتعالى- جعل هذا الذي نراه أمامنا مثل لما يكون من قرب نهاية هذه الدنيا فقال {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا}[الكهف:45] على كل شيء مقتدرا على الأحياء والإماتة فهو يحييكم أيها البشير وهو يميتكم -سبحانه وتعالى- فالدينا بالنسبة للإنسان الإنسان في هذه الدنيا كأنه دورة من دورات الربيع زهرة نبتت وأزهرت ثم ذبلت وانتهت وماتت هذا الإنسان هذا حياة الإنسان, قي هذه الدنيا والدنيا كلها كذلك بكليتها على هذا النحو إنما هي تبدأ هكذا ثم تتزخرف, ثم تتزين ثم تتحطم بعد ذلك فهذه في النهاية {........ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ........}[يونس:24] فهذه تذكرة هذه في إنزال الماء من السماء وإحياء الله -تبارك وتعالي- به الأرض وجعلها بهذه البهجة والزينة ثم بعد ذلك إماتتها وإنهاؤها هذه في ذكرى لأولى الألباب لكن لأهل العقول الذين يميزون أما الذي لا يميز يظن أولا أنه باق في هذا الحياة بقاء سرمدي لا نهاية ولا يتعظ بهذا, ولا يتعظ بأنه أحيي وأميت وأنه بعد هذا الموت في سؤال وأن فيه رب سيحاسبه كل هذا؛ لا يتعظ به أن في ذلك لذكرى لكن لأولي الألباب لأهل العقول فقط إنما ما لا لب له ولا عقل فإنه لا يستفيد بهذا.
ثم قال -جل وعلا-: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الزمر:22] مقابلة كذلك بين المهتدي والضال أفمن شرح الله صدره للإسلام الشرح هي التوسعة وسع الله -تبارك وتعالى- صدره وجعله يتقبل هذا الإسلام وبمجرد ما قيل له والدين والإسلام قبله, وانفتح صدره له واستقبله مؤمنا بكلام الله -تبارك وتعالى- عمل به أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فهو على نور من ربه لأن كتاب الله تعليم الله -تبارك وتعالى- نور أضاء الله له عرفه بإلهه ومولاه عرفه بيوم القيامة عرفه بالطريق عرفه بالحق عرفه بالباطل, قال له هذا طريق الله قال له عدوك الشيطان لا تتبعه فكشفت له كل الحقائق فهذا نور الله -تبارك وتعالى- يكشف لهذا العبد كل هذه الحقائق فيعرف الأمور على حقيقتها يعرف الحق من الباطل الهدى من الضلال من يواليه, ومن يعاديه إن الله هو الذي يجب أن يوالي الله -تبارك وتعالى- يجب أن يعادي عدوه وهو الشيطان ها عدو لا تواليه فيبتعد عنه هذا الطريق خطأ خطر لا تمشي فيه امشي في هذا الطريق فهذا على نور من ربه شرح الله صدره للإسلام أولا هذه داية وهو أنه قبل هذا الإسلام وأخذه, ثم إنه على نور من ربه في سيره فهو سار في الطريق في الصراط المستقيم فهذا هل يكون مثل هذا قال -جل وعلا-: فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ: أي هل يكون هذا مثل قاسي القلب الذي قدم له هذا الدين والإيمان فكرهه وابغضه عنده قسوة قلب ظلمة, وشدة ما لأن لكلام الله -تبارك وتعالى- وإنما تركه وأهمله من قسوة قلبه ومن شدته ومن إغلاق -عياذًا بالله- فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ذكر بآيات الله -تبارك وتعالى- ذكر بالله وبعقوبة, ولكنه لم يتعظ بهذا, ولم يتحرك هذا القلب, ولم يخف الله -تبارك وتعالى- فهل يكون هذا الذي شرح الله صدره للإسلام, وهو أن يريد من ربه واتبع الحق يكون كهذا قاسي القلب الذي ذكر بآيات الله -تبارك وتعالى-, ولم يقبل هذه الآيات وبقي على عناده وعلى كفره وهذا جاء في المقابلة جاء هنا بصيغة التوعد والتهديد فويل له والويل صيغة تهديد له وقيل نار بجهنم يهدد الله -تبارك وتعالى- بها هؤلاء فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين, أولئك الإشارة لهم بالبعيد أبعدهم الله في ضلال عن الهدى والضال هو الذي ابتعد عن طريق الهدى مبين بين واضح لا شبهة فيه لا خلاص بكل ذي عقل يعمل أن هذا قد ضل عن الطريق الصحيح أولئك في ضلال مبين.
ثم قال -جل وعلا-: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[الزمر:23]: الله لا غيره -سبحانه وتعالى- الله بهذا الاسم العلم على ذات الرب -تبارك وتعالى- الذي تعلمه كل مخلوقاته بهذا الاسم الذي لم يتسم به غيره اسم الله الأعظم الله نزل أحسن الحديث نزل مرة بعد مرة لأن نزوله على النبي -صلوات الله وسلامه عليه- كان متتابعا في عشرين سنة من حياة النبي الرسالية -صلوات الله وسلامه عليه- الله نزل أحسن الحديث لا حديث أحسن منه لأنه حديث الرب -تبارك وتعالى-, ولا أكمل منه حديث عرف العباد بربهم وإلههم وخالقهم -سبحانه وتعالى- عرف العباد ببدايتهم ونشأتهم عرف العباد بمهمتهم ووجودهم لماذا كانوا موجودين على هذه الأرض عرفه العباد بحقائق هذا الكون كله ماذا حولهم من خلق الله -تبارك وتعالى- عرفهم الله بملائكته وسماواته وأرضه وعرشه وكرسيه عرفهم الله -تبارك وتعالى- بما مضى من الزمان, وبما سيأتي من الزمان عرفهم الله بنهاية هذا الكون أنه سينتهي, وأن هذه الأمر الذي يرونه ثابتا قائما منتظما مثل ساعة محكمة الضبط فشمسها وقمرها ونجومها ومداراتها كلها في فلك يسبحون بدقة, وإحكام أن هذا له نهاية تنتهي, وأن هذا الأمر الذي قد يكون في ملايين السنين من الخلف إن له نهاية وأصبحت قريبة وأنه سينتهي, وأن العباد سيقومون من قبورهم لربهم -سبحانه وتعالى- ليحاسبهم وأن هناك جنة وهناك نار ويعرف العباد طريق الرب -تبارك وتعالى- وين أين كتاب أين كتاب وحديث في الأحاديث يعرف العباد بهذا حسب كتاب مما يؤلفه الناس أن يعرف الناس بما يأكلون وما يشربون ما يلبسون ما يبنون يعرفهم بمرض من الأمراض يجتنبونه أي كتاب أو بنظرية من النظريات الخاطئة يسيرون فيها دهر طويل ثم يكتشفون أنها كذب لا حقيقة له أي كتاب أي كتاب كهذا الكتاب الله نزل أحسن الحديث لا حديث أفضل من هذا يحمل كل هذه البركات, وهذه الخيرات لا حديث أكمل وأحسن من هذا الله نزل أحسن الحديث موضوعًا, وكذلك في صياغة ففيه صياغته حلو عذب رائق لا يمله لا يمله السمع قط الله نزل أحسن الحديث موضوعاً وحكمًا وقصصًا وكذلك أسلوبًا كتابًا من عنده -سبحانه وتعالى- مكتوب متشابها متشابه في صياغته ما في شئ في قمة البلاغة وشئ في أوسطها وشئ في أدناها بل كله محكم كله في غاية الإحكام في أي موضوع يتكلم فيه هو في غاية الإحكام سواء كان في موضوع الإحكام العملية العبادات معاملات العقائد مسائل الإيمان؛ فهو متشابه من حيث الصياغة كله في قمة البيان والبلاغ, وكذلك متشابه يشبه بعضه بعضا إذا سمعت وعرفت كلام الله -تبارك وتعالى- ونمط هذا الكلام فإذا سمعت كلام من كلام الله لم تكن سمعته من قبل أتعرف إن هذا من القرآن فأي إنسان يسمع العربية ويعرف العربية بمجرد ما يسمع آيات من كتاب الله -تبارك وتعالى- لو سمع بعد ذلك آيات لم يكن قد سمعها لابد أن ينسبها إلى هذا لأنه يشبه بعضه بعضا؛ خلاص ما يمكن أن تقول إن هذا الكلام خارج عن هذا الكلام بل هو متشابه يشبه بعضه بعضا في هذه مثاني مثاني مثنى تثنى المعاني فيه تثنى تقال ثم تقال ثم تقال ثم تقال فتكرر في مواطن كثيرة وذلك لإظهار معانيها ولتأكيدها ولتلوينها فإذا ذكر الله -تبارك وتعالى- نفسه -سبحانه وتعالى- فإنه يذكر عن نفسه وعن صفاته بصور متعددة أولًا بالإخبار كقول الله -تبارك وتعالى- {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2], {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3], {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }[الإخلاص:1-4] , الله لا اله إلا هو الحي القيوم, أو إخبار عن أعماله وإخبار عن صفاته أو إخباره عن أعماله مع أهل الإيمان مع أهل الكفر أو إخبار عن مخلوقاته -سبحانه وتعالى-, وتراه يحدث عن هذه المخلوقات بصورة وأخرى بصورة كذلك حديثه عن جنته -سبحانه وتعالى- وعن ناره فإنه يحدث عن الجنة في مواطن كثر من القران بأساليب متعددة متنوعة مرة يصف ي نعيم أهل الجنة في طعامهم وشرابهم ولهوهم مرة في نساءهم مرة كذا في مرة في حديثهم وكذلك حديثه عن النار لم يجعله الله تبارك وتعلى في موضع واحد من القرآن, وإنما في مواضع متعددة ويصرف الحديث في المرة تلو المرة في مكان غير مكان وهكذا, {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا }[طه:99] تجد هذا المعنى يتكرر في مكان ويتكرر في مكان آخر ويتكرر في مكان آخر وهكذا, وكذلك أنزلناه قرآنًا عربيًا وصرفنا فيه من الوعيد طوعنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون, أو يحدث لهم ذكرا الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني يثنى يثنى في المعاني, وكذلك يثنى في القراءة فإن في قراءته يثنى كما نقرأ مثلا سورة الفاتحة نقراه في الركعة الأولى, وفي الركعة الثانية, وفي الركعة الثالثة, وفي الركعة الرابعة تقشعر {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[الزمر:23].
نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.