الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الزمر:30-35], بعد أن أبطل الله -تبارك وتعالى- مقالات المشركين في شركهم, وضرب الأمثال في كل ذلك وأمر رسوله -صلوات الله وسلامه عليه- أن يعلن دينه, بعد هذا عند ذلك أخبارهم الله -تبارك وتعالى- بهذه الحقيقة وأوقفهم بما سيكون عليه الأمر بين يديه يوم القيامة -سبحانه وتعالى- فقال -جل وعلا- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ: الخطاب للنبي -صلوات الله وسلامه عليه-, وفي مقابله المشركين فالنبي دعوته أنه دعا إلى الله تبارك وتعالى دعا إلى توحيد الله -تبارك وتعالى- وعبادته وحده لا شريك له وهم قد دعوا إلى من دعوا اليه من الشرك والكفر والنهاية أن الجميع سيموت, وسيكون الحكم بين يدي الله -تبارك وتعالى-, ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ: ثم أنكم الرسول والأمة, وكذلك كل الرسل واممهم كلهم سيفصل الله تبارك وتعالى بين الرسل وبين أقوامهم يوم القيامة فلا نسألن الذين ارسل اليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون الرسلول الرسل سيسلم الامر لله تبارك وتعالى عندما يقول الله -تبارك وتعالى- {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:109] فيبدأ سؤال الله -تبارك وتعالى- لهم هل جاءهم يقول لقوم نوح ها جاءكم نوح فينكرون ويقولون ما جاءنا من نذير وكذلك كل أمة من الأمم ينكرون يظنون أن الإنكار نافعهم ثم يقوم الأشهاد تشهد عليهم أيديهم تشهد أرجهلم تشهد لاملائكة الله -تبارك وتعالى-, ويسقط في أيديهم.
ثم يعترف بعد ذلك بما كانوا عليه من الشرك والكفر, بين الله- تبارك وتعالى- الحكومة عنده كذلك قال -جل وعلا-: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ}[الزمر:32]: فمن أظلم لا أحد أظلم حتى هذا السؤال يراد به التقرير أنه هل هناك أظلم ممن يفعل هذه الأفعال كذب على الله الكذب على الله وهو أن يقول أني رسول من الله -تبارك وتعالى-, وهو ليس برسول, فالكذب على الله أعظم الذنوب وأكبرها وجاء هنا تفضظيعه بقول الله فمن اظلم ممن كذب على الله ليكون سؤال يراد به التقرير ليقال لا أظلم ليس هنا كظلم أكبر من هذا, وكذلك وكذب بالصدق إذ جاءه الذي يأتيه الصدق وجاءه من الله -تبارك وتعالى- يقول ليس هذا بصدق وليس هذا بحقيقة ويرده لا أحد اعظم منه فلا أحد أظلم من هذا, وبالتالي الذي قد ارتكب أشنع ظلمه وأكبره, فلينتظر عقوبة الله, قال جل وعلا- أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ: سؤال كذلك يراد به التقرير أليس في جهنم مكان ثواء بقاء وأخبر الله أنه بقاء لا نهاية له للكافرين فالذي كذب على الله كافر والذي رد ما جاءه من الله -تبارك وتعالى- الرد كافر, فهذا في حال الظلم والكفر في حال الإيمان.
قال -جل وعلا-: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ: والذي جاء بالصدق من ربه وصدق به صدق به أولًا كان مصدق بما جاءه من الصدق, وكذلك من أتاه هذا الصدق من الله -تبارك وتعالى- فصدق به أولئك هم المتقون أولئك بالإشارة لهم هم المتقون, الذين جعلوا وقاية وحماية لهم من عذاب الله -تبارك وتعالى- هم الخائفون من الله الراجعون إليه -جل وعلا- على ما ينطبق هذا بالنسبة للرسول, والكفار النبي هو الذي جاء بالصدق محمد -صلوات الله وسلامه عليه- هو الذي جاء بالصدق وصدق به, كان يقول أشهد أني رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أني رسول الله فقد جاء بالصدق من ربه -تبارك وتعالى-, وصدق به والمؤمنون الذين آمنوا بالرسول -صلوات الله وسلامه عليه- قد آمنوا بالصدق علموا أن هذا الصدق من الله -تبارك وتعالى-, وامنوا به, أما الكفار هؤلاء فانهم كذبوا بالصدق لما جاءهم, حال الكفار فإنهم كذبوا على الله فقالوا الملائكة بنات الله, والله له ولد, وهذه الأصنام تقربنا إلى الله زلفى, وسائر ما افتروه على الله -تبارك وتعالى- وافتروا عليه في التحليل والتحريم, فإنهم كل دينهم الذي اتخذوه وكانوا ينبسبونه إلى الله -تبارك وتعالى- فإذن هم كذبوا على الله, وكذلك كذبوا بالصدق لما جاءهم من الله- تبارك وتعالى-, وأن الله هو الإله الواحد الذي لا إله إلا هو, وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده دون ما سواه من هذه الأنداد, والألهة الباطلة هذه كذبوا بهذا وردوه, وكذبوا الحق الذي جاءهم من الله -تبارك وتعالى- وإذن فالنار مثواهم وأما النبي -صلوات الله وسلامه عليه- فإه جاء بالصدق وصدق به, ثم شرع الله -تبارك وتعالى- يبين لهؤلاء المتقين عنده -جل وعلا- فقال لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ: لهؤلاء المتقين ما يشاءون عند ربهم الذي يشاءونه ويريدونه وذلك في جنة الله كل ما تشتهي أنفسهم, وقوله عند ربهم هذا فيه بيان أن هذا مضمون لأنه عند ربهم -سبحانه وتعالى-, ثم إنه عظيم لأنه من ربهم العظيم, ثم انهم محبوبون ومكرمون في هذه الجنات لأنهم عند ربهم -سبحانه وتعالى- هذا النعيم أنهم لهم ما يشاءون عند ربهم هذا النعيم الذي لهم جزءا المحسنين جزءا في مقابل هذا عملهم الذي قاموا به وهوالإحسان لأنهم قاموا بالإحسان كما قال -جل وعلا-: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}[الرحمن:60]: المحسنين الذين أدوا العمل على خير وجوهه وأحسن صورة قال -جل وعلا-: لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ: أي هذا جزاء الله -تبارك وتعالى- لهم لا يفضحهم بذنوبهم الذي كانوا يعملونها, ويعطيهم أجرهم بالأعمال الحسنة التي كانوا يعملونها ولو كانت مثقال ذرة من الخير, لا يحجب الله -تبارك وتعالى- أجرها عنهم {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:40].
ثم قال -جل وعلا- انتقال {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[الزمر:36]: سؤال يراد به بكاف عبده أي يكفيه كل ما أهمه وكل ما يضره وهو عبده الذي اختاره الله -تبارك وتعالى- واخترا هذا العبد طريق الرب -تبارك وتعالى- كيف لا يكفيه وهو الإله الذي لا إله إلا هو هو رب العالمين -سبحانه وتعالى- هو مالك الملك من بيده التصريف كله, والأمر كله -سبحانه وتعالى- ألا يستطيع الرب -تبارك وتعالى- أن يكفي عبده ما أهمه وما أشغله وما يضره, وأن يحميه من كل سوء, أليس الله بكاف عبده عن كل عن كل أحد لا يحتاج مع الله -تبارك وتعالى- إلى غيره سبحانه وتعالى فهو الحسب, وهو الكافي -جل وعلا-, وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ يخوفون النبي الذين من دونه بالذين من دون الله -تبارك وتعالى- من آلهة باطلة أن تضره من كبراءهم وعظماءهم من شرور البشر مهما كانوا وهؤلاء كلهم دون الله -تبارك وتعالى-, فهم في قبضته وتحت أمره ومشيئته, وفي حسبه يخوف بمخلوق من المخلوقات التي هي في قهر الله -تبارك وتعالى-, وتحت صرفه -سبحانه وتعالى-, أو بهذه الألهة الباطلة التي لا تنفع نفسها ولا تضر عن نفسها فضلًا عن أن تضر غيرها, وأن تنفع غيرها, قال -جل وعلا-: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ: هذا أعظم أن يضل الإنسان عن الرب الإله -سبحانه وتعالى- الذي بيده الملك كله فلا يخافه ولا يتخوفه ويظن أنه يخلي عبده ويتمسك ويجعل القوة والضر والفعل لهذه الآلهة الباطلة التي لا تنفع, ولا تضر فيخوف رسول الله بهذه الآلهة الباطلة أي ضل اكبر من هذا ومن يضلل الله عن الحق والهدى والنور فما له من هاد إذا كان الله أراد إضلال إنسان لا يمكن أن يجد هاديًا يهديه الطريق لأن الله هو الذي أضله فإذا كان الله هو الذي أضله -سبحانه وتعالى- فكيف تكون له باب ونافذة إلى الهداية فما له من هاد يهديه ويرشده إلى الطريق, وكذلك وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ لا يستطيع أن يضله أحد, لا إبليس ولا جنده, ولا من كان ممن يملك قوة الضلال فإنه لن يضل من أراد الله هدايته, وكذلك من أراد الله إضلاله فلا يمكن أن يهديه شئ, {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ}[الزمر:37]: هذا بيان هناك بالعقوبة, وأن الأمر لا يتعدى فقط الحياة الدنيا كما يظنه الكفار لا بل الله -تبارك وتعالى- هو العزيز الغالب الذي لا يغلبه أحد -سبحانه وتعالى-, وكذلك هو صاحب انتقام أي أنه من يرتكب الإجرام فإن الله لابد أن ينتقم منه, وأن يجازيه على إجرامه فهذا من صفة الرب -تبارك وتعالى- أنه عزيز غالب لا يغلبه أحد وبالتالي لا يفوته فائت بل يدركه لأنه في قبضته مهما كان {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}[الرحمن:33], {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:34], {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثية:21], أن يغبلونا يفوتونا ولا يصلهم عقوبة الرب -تبارك وتعالى- ساء ما يحكمون ولقد عملت الجنة إنهم لمحضرون الجنة بما فيهم من هذه القوى لكنهم محضرون للعذاب {........ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}[الكهف:47], {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا}[الكهف:48], فالله عزيز لا يفوته فائت, ولا يغلبه غالب -سبحانه وتعالى-, وهو ذو انتقاام كل من آتاه مجرما لابد أن يعاقبه أخبر بأن عقوبته حق؛ فعذاب الله -تبارك وتعالى- لابد أن يناله الكفار {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا}[طه:74].
ثم قال -جل وعلا-: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}[الزمر:38]: هذا كذلك بيان للصورة من صور ضلال المشركين ضلالهم البين الواضح وتناقضهم في عقيدتهم التناقض الصارخ, ولئن سالت هؤلاء المشركين المشركي العرب من خلق السماوات والأرض خلق ايجاد, وخلق تقرير وخلق بناء على هذا النحو ليقولن الله, ويعلم الله الذي في السماء -سبحانه وتعالى- كما خاطبهم الله {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}[الملك:16], {أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ}[الملك:17], وظنوا أه عاجز أن يعيد هذا الخلق مرة ثانية, ويحيي الأموات من تناقضهم الصارح في هذا قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ: أخبروني ما تدعون من دون الله هذه الألهة الذي تدعونها من دون الله, لو أراد الله أان يضرني بضر من عنده هل هن كاشفات ضره هل تستطيع هذه الألهة التي تعبدونها من الأصنام والأوثان وغيرها أن تكشف عني ضر أراده الله لي؟ أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته لو أن ربي سبحانه وتعالى الذي أنتم تشهدون بانه خالق السماوات والأرض أرادني برحمة أي اختار لي رحمة وأرادني أن تصل هذه الرحمة لي هل تستطيع هذه الألهة أن تحجب رحمة الله عني وتمنعها, والحال أن الله -تبارك وتعالى- أراد إيصالها لي, لا يوجد في الوجود كله من يستطيع أن يحجب رحمة الله -تبارك وتعالى- عن هذا العبد الذي أراد الله -تبارك وتعالى- أن يرحمه فقال -جل وعلا-: قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ: قل لهم حسبي الله كافيني الله لا أحتاج مع الله غيره فالله يكفيني من كل ما أهمني -سبحانه وتعالى-, ومن كل الأضرار التي تخوفونني بها فأنا ملتجئ إلى الله والله حسبي, عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ: من أراد أن يسلم أمره كله لله توكل وتسليم الأمر لله -تبارك وتعالى- واليقين إن ما شاء الله تعالى كان وتفويض الأمر إليه -سبحانه وتعالى-, فالله هو الذي يتوكل عليه المتوكلون يجعلوه وكيلًا لهم بمعنى أنه يتولى كل شئونهم -سبحانه وتعالى- لأنهم يعلمون أن الله هو الذي بيده كل شيء شيء وبالتالي يسلمون له أمورهم, والتوكل لا يكون توكلًا حقيقيًا إلا بأن يبذل العبد الأسباب التي أمره الله- تبارك وتعالى-, وكل عمل بحسبه؛ فالجنة غاية ولها أسباب لابد من أسبابها من الإيمان والعمل الصالح, ثم بعد ذلك بعد أن يفعل الإنسان هذه الأسباب بتوكل الإنسان على الله -تبارك وتعالى- جاعل عمله الذي عمل وجهاده الذي جاهد أنها موصلة إلى هذه الغاية, وكذلك في الرزق في النصر على الأعداء؛ فإن الإنسان مطلوب منه أن يبذل أسبابه الذي جعلها الله تبارك وتعالى أسباب لهذا العمل ثم بعد ذلك يسلم الأمر لله تبارك وتعالى, ثم بعد ذلك تسليم أمر الله تبارك وتعالى, وتسليم النتائج في أن يكون النصر حليف هذا المتوكل فلا يكون التوكل توكلًا صحيحًا على الله تبارك وتعالى إلا ببذل العبد للأسباب التي أمر الله تبارك وتعالى, وتسليم أمره واليقين بموعود الله تبارك وتعالى.
ثم اية فصال في النهاية بعد هذه الجولة الطويلة في هذه السورة سورة الزمر سورة التوحيد خطاب فصل في الأمر قال -جل وعلا-: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}[الزمر:39], {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ}[الزمر:40] قل لهم يا قوم وهم قومه أنه منهم النبي -صلوات الله وسلامه عليه- فهو عربي منهم يا قوم اعملوا على ما أنتم عليه من الشرك بالله والكفر به والصد عن سبيله, وترك هذا الدين واتهامه بما تتهمونني به, إني عامل أنا سأعمل على ما أنا عليه من الإيمان بالله -تبارك وتعالى-, والدعوة إليه والهداية هداية الخلق إلى الصراط المستقيم والثبات على هذا الأمر الذي أوحاه الله إليَّ, وثبتني عليه, لكن اعلموا هذا سوف تعلمون غدًا من ياتيه عذاب يخزيه وهذا قد يكون في الدنيا, ويحل عليه عذاب مقيم في الآخرة ستعلمون أينا أنا اوانتم الذي ستكون عاقبته على هذا النحو يأتيه عذاب يخزيه في الدنيا من الله تبارك وتعالى ويحل عليه في الآخرة عذاب مقيم, وهذا هو الكلام لقطع النقاش معهم ووضعهم أمام الأمر الذي سيكون, وأنه خلاص ما أصبح هناك دين غير دينكم, وأنتم سيروا في الدين الذي ارتضيتموه سأسير في الدين الذي رضيه الله تبارك وتعالى لي وهذا مثل قول الله -تبارك وتعالى-: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}[الكافرون:1] {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}[الكافرون:2], {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:3], {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ}[الكافرون:4], {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:5], {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون:6] فابقوا على ما أنتم عليه وستعلمون هنا قول الله ستعلمون من الذي تكون له العاقبة من الذي سيحل عليه العذاب في الدنيا العذاب المخزي في الدنيا, ويحل عليه العذاب المقيم, سمي العذاب مقيمًا؛ لأنه لا يرحل, عذاب سيظل قائمًا أبدًا, وهذا تهديد عظيم, ووعيد لهم لو كانوا يتقون فهذا يقطع القلب, والذي يقول ليعلم أنا الذي يقول لا شكانه يقوله إلا إذا كان متأكدًا لما يقول له, وأنه في منتهى الصدق, وهذا شأن النبي -صلوات الله وسلامه عليه- بالهدى, والنور الذي جاءه من الله تبارك وتعالى.
نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.