الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }[الزمر:47-52]: يخبر -سبحانه وتعالى- أنه لو كان لكل نفس من الذين ظلموا, وظلموا أنفسهم وظلموا وضعوا الأمور في غير محلها ظلم وضع الشيء في غير محله وأعظم الظلم الشرك؛ لأنه وضع العباد التي هي أشرف أعمال الإنسان؛ أشرف أعمال الإنسان هي العبادة يضعها في من لم يستحق في غير الله -تبارك وتعالى- فهذا الظلم العظيم إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ, هؤلاء الذين أشركوا بالله -تبارك وتعالى- وكفروا وجعلوا بدل من طاعة الله -تبارك وتعالى- جعلوا الطاعة للشيطان {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ........}[الزمر:47] إذا رأوا العذاب السيئ يوم القيامة من النار والحميم وصنوف الإهانات عند ذلك لو طلب من أحدهم لو كان له مثل الأرض ذهبا أن يفتدي يقدمه قال -جل وعلا-: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ: ظهر لهؤلاء الكفار من الله ما لم يكونا يحتسبون من ما يكونوا يظنونه أن يكون الأمر على هذا النحو كانوا يظنون في الدنيا بالله -تبارك وتعالى- ظن السيء لهم ظنون سيئة بالله أنه لن تكون هناك قيامة لن يكون هناك حساب ولا بعث ولا نشور فإذا الأمر مختلف ظنوا أنه لو كان ثم بعث ونشور فإن الله -تبارك وتعالى- سيكرمهم في الآخرة كما أكرمهم في الدنيا, كما قال قائلهم وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى وثاني الذي قالوا ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرًا منها منقلبا على هذا فرض هذا فالمكرم عندهم في الدنيا سيكون مكرَمًا في الآخرة فيظهر بعد ذلك إن الله أخذه بشدة وعمله بكفره وأنزل فيه عقوبته فظهر له من الأمر ما لم يكن يحتسب, وبدا لهم سيئات ما كسبوا ظهرت لهم سوء الحق للذي كسبوه لأنهم يعرفوا فظاعة الجرم لا يعرفون فظاعة جرمهم إلا بيوم القيامة ولذلك يلعنون أنفسهم ويسخطونها, ويقولون الإيمان كان في متناول اليد في الدنيا, ولكن تركناه ويظهر لهم عظيم نكرهم وجحودهم وشركهم بالله -تبارك وتعالى- قال -جل وعلا-: {........ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}[الزمر:48]: حاق بهم أهلكهم وأحاط بهم من كل مكان هذا العذاب الذي كانوا يستهزئون هذا الذي كانوا يستهزئون به النار والحساب والعقوبة كلها أهلكتهم وأصبحوا في داخل النار, ثم قال -جل وعلا-: فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا: هذا حال الإنسان أنه إذا مسه ضر الإنسان الكافر فإنه يتوجه إلى الله -تبارك وتعالى- بشكوى وبالدعاء دعانا أي ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا اخلفه الله -تبارك وتعالى- من بعد هذا الضر نعمة وعطاء نعمة منه عافية بعد المرض وغنى بعد الفقر ونجاة بعد تحقق الهلكة قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ أن الذي أعطيت هذا وخولناه, والذي خوله الله -تبارك وتعالى- إنما أخذته على علم على علم منه هو من هذا العبد الكافر أو على علم من الله أنه يستحق هذا قال -جل وعلا-: بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ: إنعام الله -تبارك وتعالى- على العبد في هذه الدنيا فتنة اختبار لينظر هل يشكر الله -تبارك وتعالى- على هذه النعمة أم لا {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر:49], قال -جل وعلا-: {قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الزمر:50]: قد قالها نفس المقالة هذه أنهم بحظهم ونصيبهم وإبداعهم قد نالوا ما نالوا من حظوظ هذه الدنيا, فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون: سؤال يراد به النظر والاعتبار والاتعاظ ما الذي أغنى عنهم عن هؤلاء السابقين ما كانوا يكسبون, والحال أنه لم يغني شيء فإنهم قد أتاهم عذاب الله -تبارك وتعالى- واستئصاله, فأصابهم سيئات ما كسبوا في هذه الدنيا أصابهم هذه السيئات عقوبة هذه السيئات إصابتهم في الدنيا, قال -جل وعلا-: {........ وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ من هؤلاء العرب المشركين سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ لم يفلتوا الله -تبارك وتعالى-, ثم قال -جل وعلا-: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ........}[الزمر:52] ما علموا هذا وهذا أمر مشاهد قد رأوه فإن الله فان بسط الرزق وتضييقه إنما هو بعطاء الله -تبارك وتعالى- ومنعه فالله هو الذي يبسط الرزق يوسعه على من يشاء ويضيقه على من يشاء وليس الرزق الذي يرزقه الإنسان أسباب محددة, بل إنه قد لا يبذل بعض الناس سببا, ثم يأتيه رزق عظيم جدًا وبعضهم يكون قد بذل كل الأسباب ولا يأتيه إلا القليل فهذا الأمر كله والله -تبارك وتعالى- هو الذي يبسط رزقه لمن يشاء -سبحانه وتعالى- وهو الذي يضيق رزقه -جل وعلا- على من يشاء فتنة وابتلاء واختبار منه -سبحانه وتعالى- لهؤلاء وهؤلاء أو لم يعلموا {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الزمر:52] يبسطه البسط هو التوسعة ويقدر يضيقه -سبحانه وتعالى- كذلك على من يشاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ: إن في ذلك في توسيع الرزق لبعض للخلق وفي تضييقه لبعض الخلق آيات أولا آيات على قدرة الله -تبارك وتعالى- وعلى تصريفه لشئون خلقه -جل وعلا- وإن الأمر بيده -جل وعلا- كذلك آيات اختبار لأن هذا الذي العبد الذي وقع عليه هذا الابتلاء بالتضييق يختبر هل يصبر على هذا والعبد الذي وسع عليه هل يشكر ربه -سبحانه وتعالى- لكن لا يستفيد بهذا إلا الذين يؤمنون هم الذين يعلمون أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي بيده مقاليد الأمر كله ومفاتيح الرزق بيد الله -تبارك وتعالى- وان الله -تبارك وتعالى- هو المتصرف في عباده -جل وعلا- فهؤلاء الذين يؤمنون هم الذين يستفيدون بهذه الآية وأما الكافر فإنه يعمى, فحال الغنى يبطل ويطغى ولا ينسب هذا الفضل إلى ربه -تبارك وتعالى- وفي حال الفقر يذل ويخزى يصيبه الإحباط واليأس من الرحمة ولا يرجع إلى ربه -تبارك وتعالى- لبعضهم لا في هذا ولا في هذا. ثم وجه الله -تبارك وتعالى- نداءه إلى عباده كلهم أن يعودوا إليه -سبحانه وتعالى- وانه يتقبلهم مهما سلف منهم من المعاصي, ولكن إن سلكوا طريق الله -تبارك وتعالى- قل أمر للنبي -صلوات الله وسلامه عليه- قل يا عبادي نادي عبادي الله -تبارك وتعالى- {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:53]: هذه الآية هي أرجى آية في كتاب الله -تبارك وتعالى- لما سئل ما أرجى آية في كتاب الله -تبارك وتعالى- قال كثير من أهل العلم القرآن والفهم له هذه أرجى آية في كتاب الله وذلك إن هذا نداء من الله -تبارك وتعالى- لكل عباده الذين أسرفوا على أنفسهم بكثرة المعاصي أيا كانت هذه المعاصي كفران بالله -تبارك وتعالى- سبا له شتما له استهزءا برسله رد للأمر صد عن سبيله قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ: ومعنى أسرفوا جاوزا كل الحدود الإسراف هو مجاوزة الحد والبعد عن طريق الاستقامة والعدل أسرفوا على أنفسهم وقول الله -تبارك وتعالى- على أسرفوا على أنفسهم أنه على أنفسهم وذلك أن العبد لا يكسب إلا على نفسه فان الله -تبارك وتعالى- لا تضره المعصية -جل وعلا-, لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ: القنوط اليأس وانقطاع الأمل والرجاء لا تقطعوا أملكم ورجاءكم في الله -تبارك وتعالى- ويصيبكم اليأس والإحباط وأنه ليس هناك فسحة مرة ثانية للقبول عند الله -تبارك وتعالى- لا تقنطوا من رحمة الله فإن رحمة الله -تبارك وتعالى- يمكن أن تنالكم وأن تدخلوها وأن تحوزوها إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا: هذا وصف لله -تبارك وتعالى- صفة الله -عز وجل- إنا بالتأكيد الله يغفر الذنوب جميعا ومعنى يغفرها يمحوها ويزيلها -سبحانه وتعالى- ويقيل صاحبها وقبله -جل وعلا- يغفر الذنوب جميعا أيا كانت هذه والذنوب جميعا أيا كانت هذه الذنوب شركاً كفراً صدًا عن سبيل الله مهما كان هذا الذنب إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ: إنه الله -سبحانه وتعالى- هو بالتأكيد الغفور كثير المغفرة الرحيم بعباده -سبحانه وتعالى- هذه الدعوة من الله -تبارك وتعالى- وهذا النداء من الرحيم من الله -تبارك وتعالى- إلى خلقه ألا يكون هناك يأس وقنوط من رحمته مع ما سلف من العبد مهما سلف منه من الذنوب بين الله -تبارك وتعالى- الطريق التي يقيل الله -تبارك وتعالى- عثرة هذا الإنسان ويغفر ذنبه ويقبله قال: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}[الزمر:54] أنيبوا الإنابة هي الرجوع ارجعوا إلى ربكم فالله يدعو كماليه -سبحانه وتعالى- وهو ربكم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له أسلموا استسلموا الإسلام هنا بمعنى الإذعان والانقياد والطاعة والخضوع استسلموا لله -تبارك وتعالى- بقلوبكم بأعمالكم أي بطاعتكم فبوجهتكم أعلنوا إسلامكم له -تبارك وتعالى- أسلم له بمعنى انقاد له وأذعن له وخضع له واسلموا له انقادوا له وأذعنوا له -سبحانه وتعالى- من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون, هذا تحذير من قبل أن يأتيكم العذاب إن ظللتم على طريقكم في المعصية عذاب سواء كان عذاب في الدنيا يحل بكم وانتم على شرككم وكفركم وعذاب الآخرة الذي ينتظر إذا مات الإنسان وأتى ربه -سبحانه وتعالى- بمعاصيه وكفره وشركه فهذا لم يعد هناك فسحة, ثم لا تنصرون لا ينصركم احد لا تنصرون على الله -تبارك وتعالى- ما أحد أن ينصركم بمعنى أن يخرجكم من عقوبته -سبحانه وتعالى-.
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ: وكل ما نزل من ربنا -سبحانه وتعالى- هو أمر حسن فاتبعوا كلام الله -تبارك وتعالى- لأن قول الله -تبارك وتعالى- وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا: ومن أحسن من الله لا قول أحسن من قول الله -تبارك وتعالى- ولا حديث أصدق وأحسن من حديث الله -تبارك وتعالى-, وأحسن هنا بمعنى الحسن وجاء هنا أحسن هنا الأفعل التفضيل هنا ليس على بابه وإذا كان على بابه تفضيل على بابه فيكون هناك الحسن والأحسن فالحسن كالعدل والأحسن الإحسان وما هو فوق العدل إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى فإذا أخذت بالأحسن أخذت بالمستحب الأفضل, فالانتصار من العدو الانتصار لنفسك بأخذ حقك له عدل وإما مقابلة الإساءة بالإحسان, فهذه فضل وإحسان {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }[فصلت:34-35], فيكون الأحسن هنا إذا كان على بابه بمعنى المستحب والأفضل تبع هذا لا تكتفي بالفريضة وإنما عليك بالنافلة ولا تكتفي بالعدل وإنما عليك كذلك بالإحسان بما هو زيادة عن العدل, {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}[الزمر:55]: إما عذاب الدنيا الذي يأتيكم بغتة كأن يفاجئك عقوبة الله -تبارك وتعالى- في الدنيا ومن مات فقد قامت قيامته وبدا العذاب من هنا {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}[محمد:27], فالملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم وهم هنا عندما يتوفونهم في هذه الدنيا أو العذاب بغتة عندما يموت الإنسان, ثم فاجأه العذاب بعد ذلك يرى العذاب أو بغتة عندما يبعث من القبر بعد ذلك, ثم يبهته العذاب ويفاجئه العذاب الذي لم يكن يحتسب ولم يكن يتوقع, وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ: ساهي لاهي كان في هذه الدنيا في لعبه ولهوه وثم فاجأه العذاب إما بالموت وإما بالبعث والنشور و يفاجئه العذاب الذي لم يكن يحتسب.
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ: أي الله -تبارك وتعالى- يحذر هذا التحذير ويبين هذا البيان حتى لا تقول نفس أن تقول نفس يوم القيامة يا حسرتا تأسف وتحسر من هذه النفس يقول الكافر يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله تفريط وهو أنه التضييع ضيع حق الله -تبارك وتعالى- على ما فرطت في جنب الله في حقه -سبحانه وتعالى- فقد فرط في حقوق الله -تبارك وتعالى- وأمر الله -تبارك وتعالى- فيتحسر على هذا الأمر قد أمره الله -تبارك وتعالى- بتوحيده فلن يوحد بالصلاة فلم يصلي بالصوم فلم يصم بالطاعة لم يطع وإنما جعل هذه المعصية فهذا فرط في حق الله -تبارك وتعالى- حق الله على لعباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا, {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}[الزمر:56]: وإن كنت تذكر هذا الإنسان ويعترف على نفسه أنه قد كان من الساخرين بالدين بالرسول مستهزئ بهذا بيوم القيامة بالبعث كنت من الساخرين بالدين كله وإنا في الدنيا كنت أسخر من هذا وأقول لا بعث ولا نشور ولا حساب ولا عقوبة ولا جنة ولا نار, قد كان يستهزئ بهذا.
{أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[الزمر:57]: هذا كذلك مما تحتج به هذه النفس الظالمة عندما تأتي يوم القيامة ويلقي بعد ذلك بالنوم باللوم على القدر وأن الله -تبارك وتعالى- لو كان هداه جعله من المهتدين لكنت من المتقين أو تقول تحسرا كذلك وتأسفا لو أن الله هداني لكنت من المتقين, وهذا التعليق الأمر هنا على القدر لا يفيد وذلك أن الله -تبارك وتعالى- قد اعذر لعباده ببيان طريق الحق وتفصيل هذا الأمر والعبد كان عليه أن يسعى إلى طريق الله -تبارك وتعالى- وأن يجاوز طريق الشيطان لكنه اتبع هواه وأخذ ذلك الطريق الآخر.
{أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الزمر:58]: أو تقول هذه النفس التي فاجأها العذاب ورأت ما لم تكن تحتسب ياليت كرة تمنى أن تكون له كرة الكرة الرجوع إلى الدنيا رجع مرة ثانية إلى الدنيا فأكون من المحسنين الإحسان وأهل الإحسان الذين آمنوا بالله -تبارك وتعالى- واتبعوا طريقه, فيجاب على كل تحسراته وتأسفاته هذه السابقة {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[الزمر:59]: يا أيها العبد قد جاءتك آياتي يقول الرب -تبارك وتعالى- قد جاءتك آياتي في الدنيا جاءته وصله رسالة الرب -تبارك وتعالى- آيات الله -تبارك وتعالى- المتلوة هذه المقروءة في كتاب الله فكذبت آيات الله صدق وهو كذبها قال إنها ليست بصدق كذبها نسب كلام الله -تبارك وتعالى- إلى الكذب فكذبت بها واستكبرت طلبت العلو والكبر أن يذعن لآيات الله -تبارك وتعالى- وأن تطيع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأنت من الكافرين وكنت في الدنيا من الكافرين علمت الحق وعرفت أن هذا صدق ولكنك كفرت به وجحدته فهذا الذي أوصلك إلى ما وصلت إليه وكنت من الكافرين. ثم قال -جل وعلا-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ}[الزمر:60] قبل أن نجاوز هذه الآية نجد أن الله -تبارك وتعالى- في هذا الدعاء {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:53] إن مغفرة هذه الذنوب إنما هي بالتوبة والرجوع إلى الله -تبارك وتعالى- وليس أن الله يغفر الذنوب جميعا يوم القيامة فيغفرها -سبحانه وتعالى- لمن يشاء لا بل إن الله -تبارك وتعالى- في الآخرة لا يغفر الشرك به والكفر به {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا}[طه:74], {وقال -تبارك وتعالى- {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ........}[النساء:48], فالذي يغفره الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة ويسامح به من شاء من عباده هو كل ذنب دون الشرك, وأما الشرك فان الله -تبارك وتعالى- لا يغفره الشرك والكفر الناقل عن الملة الذي يجعل هذا الإنسان مجرم كما قال -جل وعلا-: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا}[طه:74], فهذا لا تغفر ذنوبه فقال الله إن الله يغفر الذنوب جميعا أي بالتوبة, بالتوبة والإنابة إلى الله -تبارك وتعالى- بدليل قوله بعد ذلك وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له إذن لابد التوبة وطاعة لابد من توبة الإنابة إلى الله -تبارك وتعالى- الخروج عنه هذا الذنب, ثم طاعة وأنيبوا إلى ربكم واسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم هذه هيه الاستقامة على أمر الله ومن تاب وعمل صالحًا فإنه يتوب إلى الله متابا هذا المتاب الحقيقي, وقد أخذ أهل العلم من هذه الآيات شروط التوبة المقبولة الإقلاع عن الذنب لابد من الإقلاع عن الذنب وأنيبوا إلى ربكم لابد من العزم على عدم العودة لان من عزم أن يقلع عن الذنب الآن وعزم أن يرجع إليه أو كان في نيته أن يرجع إليه بعد ذلك فهذا لم ينب إلى الله -تبارك وتعالى- ولم يتجه إلى الله -تبارك وتعالى- ما دام انه في نيته أن يعود إلى هذا الذنب مرة ثانية, فلابد مفارقة الذنب وعزم على المفارقة الأبدية وأنه لن يعود إلى هذا الذنب الأمر الآخر لابد من الندم على هذا لأن هذا أصل التوبة أن يندم على أنه فعل هذا الفعل وأنه قد يؤاخذ به عند الله -تبارك وتعالى- فيبكي على خطيئته ويستغفر الله -تبارك وتعالى- من ذنبه فهذه أركان ثلاثة لابد أن تتحقق لمن يسبق يريد التوبة فهذه هي التوبة النصوح والتوبة الصادقة لابد من قيامها على هذه الأركان مفارقة للذنب عزم على عدم العودة مفارقة أبدية وليس مفارقة وتقية أنه يترك هذا الذنب ثم يعود إليه بعد ذلك ثم ندم على هذا الفعل واستغفار لله -تبارك وتعالى-, ثم هذا في حقوق العباد في حقوق الله -تبارك وتعالى- يبقى حق رابع وهو أن يرد حقوق العباد إليهم أو يستسمحهم فيها فلابد من استمساح العباد فيمن أكلت ماله واغتصبت أرضه أو سببته أو شتمته أو اعتديت عليه بصورة من صور الاعتداء كذلك من خروجك من الذنب أن ترد هذه المظالم إلى أهلها كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من كانت له عند أخيه مظلمة من عرض أو مال فليتحلل منه الآن قبل ألا يكون دينار أو درهم يتحلل منه» يقول له حللني أي استميحك عذرا لهذا أو خذ من مالي خذ من عرضي ما تشاء في مقابل ما ظنتك وأخذت به من حقك حتى يحللها قبل أن يكون دينارًا ولا درهم فهذه شروط التوبة المقبولة, ثم إن الله -تبارك وتعالى- قطع كل عذر يعتذر به من يأتي يوم القيامة بالشرك بالكفر وأنه لا يوفي هذا لا يفيده أن يقول يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله تحسره في هذا الوقت ولو بكى بكاءا يقطع قلبه فهولا يفيد {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[الزمر:57] هذا كذب فان الله -تبارك وتعالى- قد بين له الطريق ولذلك قال -جل وعلا-: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[الزمر:59] كذلك أن يتمنى العودة إلى هذه الدنيا فهذا لا يكون {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الزمر:58] كل هذه الأماني والتمنيات في هذا الوقت لا تفيد ثم يشرع الله -تبارك وتعالى- في بيان ما سيكون عليه حال هذا النادم يوم القيامة وهذا نأتيه إن شاء الله في الحلقة الآتية.
أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.