الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (568) - سورة الزمر 60-66

 الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله --تبارك وتعالى-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الزمر:60-66]: يخبر -سبحانه وتعالى- عن يوم القيامة قال -جل وعلا- وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ: الذين كذبوا على الله وهذه كل أصناف الكفار المشركين فإن كل شرك وكفر هو كذب على الله -سبحانه وتعالى- فالذي زعم أن هناك إله غير الله -تبارك وتعالى- من هذه الآلهة المعبودة كل هذه الآلهة المعبودة مختلقة مفتراة كذب على الله -تبارك وتعالى- ليست الملائكة آلهة, وليست الرسل آلهة وليست هذه الأصنام آلهة, وليس كل ما عبد من دون الله -تبارك وتعالى- إله فهذا كذب كل هذا افتراء الكذب كما قال -تبارك وتعالى-: {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}[الكهف:4-5]: فهذه مقالة كاذبة, فالذي قال إن عيسى ابن الله كذاب من أين له هذا الله ما اتخذ ولد -سبحانه وتعالى- لم يتخذ ولداً ولم الله هو الأحد الواحد الأحد -سبحانه وتعالى- ولذلك يوم القيامة لما يقال للنصارى ماذا كنتم تعبدون يقولون كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال مباشرة رد لهم كذبتم ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله فالذين كذبوا على الله -تبارك وتعالى- بأن قالوا لله ولد أو أن الله تزوج أو وجد له الملائكة اتخذوا لهم هذه الآلهة الباطلة المفتراة, شرعوا لأنفسهم ما لم يأذن به الله -تبارك وتعالى- كذب على الله -تبارك وتعالى- فكل من شرع تشريعًا باطلًا فأحل ما يشاء من عند نفسه وحرم ما شاء فهذا مفتري على الله -تبارك وتعالى- وكذاب على الله -تبارك  وتعالى- وأن نسب هذا تشريع الباطل إلى الله -تبارك وتعالى- فهو زيادة في الكذب فإن الله -تبارك وتعالى- لم يشرع لعباده -سبحانه وتعالى- إلا ما أنزله على ألسنة رسله {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ........}[الشورى:13] كذلك من هؤلاء الذين كذبوا على الله -تبارك وتعالى- قول هذا الذي يأتي يوم القيامة متحسرًا يقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين هذا من الكذب على الله -تبارك وتعالى- لذا إذن لما لم هذا {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[الزمر:59]: أنت اخترت الكذب واخترت رد الحق الذي جاءك من الله -تبارك وتعالى- فكل الذين كذبوا على الله -تبارك وتعالى- وافتروا عليه عاقبهم الله -تبارك وتعالى- أولا بسواد الوجوه وذلك من الغم والهم , والحزن {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ........}[يونس:26]: كأن قطعا من الليل المظلم جاءت وغطت على وجههم من سواد وجوههم -سبحانه وتعالى- {........ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا}[طه:102]: الزرقة هي شدة السواد فهذا شدة السواد -عياذا بالله- بهذا من كذبهم على الله -تبارك وتعالى- لما يواجه الأمر, ويكون في هذا الحشد العظيم المحشر الجامع لكل الخلق ويعلم أنهم قد كانوا مفترين كاذبين على الله -سبحانه وتعالى- الله الذي تتبدى لهم عظمته وكبرياءه, وأن الأمر كله له -سبحانه وتعالى- فعند ذلك تسود وجهوهم على ما قالوه من الكذب في حق الرب -تبارك وتعالى-, قال -جل وعلا-: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ: سؤال يراد به التقرير والجواب بلا في جهنم مثوى للكافرين لأن الله -تبارك وتعالى- جعلها مثواهم وجعلها مستقرهم ونهايتهم, أليس في جهنم هذا السجن الأكبر هذه البئر العظيمة التي قعرها سبعين خريفا لا يصل الحجر العظيم إذا ألقي من شفيرها, فلا يصل إلى قعرها في سبعين سنة سبعين خريف لا يصل إلى قعرها, فهذه جهنم الله يقول أليس في جهنم مثوى, مثوى مكان ثواء وبقاء للمتكبرين فهذا ذنبهم, وهذه حقيقة صفتهم أنهم تكبروا عن طاعة الله -تبارك وتعالى-.

ثم قال -جل وعلا-: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[الزمر:61]: هذا المقابل في مقابل هؤلاء المتكبرين هناك إنجاء الله -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين ينجي من هذا الذل من هذه الذلة وسواد الوجه والعذاب والنكال ينجي الله -تبارك وتعالى- الذين اتقوا ينجيهم من هذا من كل هذا الذين اتقوا خافوه -سبحانه وتعالى-, وجعلوا وقاية لهم حماية لهم من عذاب الله -تبارك وتعالى-, وذلك بطاعة الله -تبارك وتعالى- بالإيمان بالله وطاعته وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم كذلك بفوزهم نجاة, وفوز بما عند الله -تبارك وتعالى- من الفوز العظيم جنة الله -تبارك وتعالى-, ورضوانه لا يمسهم السوء مجرد مس لا يصلهم هذا السوء ولا بأدنى بأدنى شيء هو المسيس, لا يمسهم السوء أي سوء السوء هذا السوء العظيم سوء هذا الموقف العظيم والعذاب الأليم, وهذا الذل الكبير, وهذا الخزي والندامة كل هذا لا يمسهم السوء, لا يمسهم السوء, ولا هم يحزنون على أي شيء الحزن على ما فات ما في أي حزن منهم على ما فات بل كل ما فاتهم مؤمن, وكل ما مقدمون عليه مؤمن كذلك فالله -تبارك وتعالى- يؤمنهم على ما هم قادمون عليه, وهم قادمون على جنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه, وكذلك كل ما خلفوه وراء ظهورهم قد أمنه الله -تبارك وتعالى- لهم لا يمسهم السوء, ولا هم يحزنون مجرد حزن على أي أمر من الأمور فهذا هؤلاء المبرؤون الذين هم في كنف الله -تبارك وتعالى- ورحمته ورضوانه وأما أهل في الكبر في مقابلهم هذا حالهم فهذا حال المتكبرين سواد وجوههم وجعلوا النار مثوى لهم -عياذا بالله-, وهذا حال المتقين نجاتهم من كل سوء وذهابهم إلى الفوز برضوان الله وجنته -سبحانه وتعالى-.

ثم قال -جل وعلا-: واصفًا نفسه -جل وعلا- معرفا العباد به قال: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:62] هذه الآية من اجمع الآيات في بيان صفة الله -تبارك وتعالى- الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل الله الله لفظ الجلالة علم على ذات الرب -تبارك وتعالى- كل العباد يعرفون أن خالق السماوات والأرض هو الله -سبحانه وتعالى- فخالق السماوات والأرض رب العالمين الله الذي تعلمه كل الأمم وكل الشعوب بهذا الاسم, الذي لم يتسمى به غيره -سبحانه وتعالى- اسم الله الأعظم علم عل ذات الرب -تبارك وتعالى- على خالق السماوات والأرض الله خالق كل شئ إيجادا وتصويرا الخلق بمعنى التقدير والخلق بمعنى الإخراج من العدم, فإن الله -تبارك وتعالى- أخرج مادة هذا الكون كله من العدم -سبحانه وتعالى- فهو منتجها ومخرجها من العدم -سبحانه وتعالى-, وهو مقدرها -سبحانه وتعالى- قدر هذه السماوات وهذه الأرض وهذه أقوات, وهذه وهذا بشر وهذا ملائكة وهذا جن كل هذا الخلق ما من شئ إلا والله خالقه سبحاه وتعالى والله وحده -سبحانه وتعالى- ولم يجعل لغيره -سبحانه وتعالى- من الخلق خلق شيء فلا يوجد غير الله -تبارك وتعالى- يخلق ذرة ولا أدنى من الذر يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هذه الآلهة لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ قل أدعو الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ومالهم فيهما من شرك شرك ملك مع الله -تبارك وتعالى- في ذرة من سر الأرض, وما له منهم من ظهير, وما له لله منهم من هذه الآلهة من ظهير من معين لم يعن منهم أحد الرب -تبارك وتعالى- في خلق شيء فالله خالق كل شيء من الذرة الصغيرة إلى المجرة الكبيرة إلى كل هذه العوالم الله خالقها -سبحانه وتعالى-, ثم هو المتوكل بكل شيء من هذه المخلوقات الله متوكل بها, ومعنى متوكل  به متصرف فيه فهو المتصرف فيه -سبحانه وتعالى- بكل أنواع التصرف تصرف, وكل تصرف في المخلوق بحسبه فهذه السماوات والأرض الله يتصرف فيها -سبحانه وتعالى- بأنه هو الذي وضع كل جرم من هذه الأجرام في مكانه, السماوات في مكانها أوحى في كل سماء أمرها كما قال -تبارك وتعالى- {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[فصلت:9], {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}[فصلت:10], {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11], {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[فصلت:12], فكل سماء قد أوحى الله -تبارك وتعالى- فيها أمرها الذي تسير فيه {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}[الرحمن:5], {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:27], التصرف في المخلوق في الإنسان, {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى}[النجم:42], {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى }[النجم:43-55], فالله متوكل بخلقه متوكل بخلقه بكل شئونهم فالإنسان حياة وموتا مرضا شفاءًا  إطعامًا ورزقًا غنى فقرًا هداية ضلالًا  كل شيء لا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن إلا وهو بمشيئة الرب الإله خالقه وإلهه ومولاه -سبحانه وتعالى- فالله موكل بكل شيء {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:96]: كل ما يعتور هذا الإنسان من حال فهو من الله -تبارك وتعالى- الله خالقه -سبحانه وتعالى- {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ........}[الملك:1-2]: فهذا من التصريف في هذا المخلوق فالله يميته, ثم يحييه الإنسان الله -تبارك وتعالى- يتصرف فيه بكل أنواع التصرف.

 اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا: فهو الذي يأخذ الروح -سبحانه وتعالى- وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا: ينيم الإنسان هذه وفاته صغرى فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ: في النوم, وَيُرْسِلُ الأُخْرَى: من النوم هذا حي فتعود له روحه بعد النوم بعد فترة, أو ما يقوم, وكان النبي يقول: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا أحيانا بالاستيقاظ من النوم بعدما أماتنا بالنوم وإليه النشور -سبحانه وتعالى- فهذا تصريف المخلوق كله بيد الله -تبارك وتعالى- وأن المخلوق لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء سيده ومولاه وربه -سبحانه وتعالى- لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ: المقاليد المفاتح فمفاتيح السماوات والأرض مفاتيح خزائنها كلها بيد الله -تبارك وتعالى- كنوز السماوات والأرض هذه كلها بيد الله -تبارك وتعالى-, ما أحد يملك هذه الكنوز إلا الرب -تبارك وتعالى- يد الله -تبارك وتعالى- يقول النبي يد الله ملئ سحاء الليل والنهار ألم تروا ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنها لم تغض ما في يمينه -سبحانه وتعالى- فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يعطي الأرزاق ويدرها, هو الذي يعطي الأولاد هو الذي يعطيه, والذي يفجر ما يفجر من الخيرات, خيرات الأرض للناس هو الذي يخلق ما يخلق -سبحانه وتعالى- فالكل الخزائن الرحمة في السماوات وفي الأرض كلها بيدي الله -تبارك وتعالى- فالعطاء كله عطاؤه -سبحانه وتعالى-, وكذلك المنع له -جل وعلا-  هذه المفاتيح يفتحوها على من يشاء ويبسط منها على من يشاء ويغرقها على من يشاء كل الأمر له -سبحانه وتعالى- قال -جل وعلا-: {........ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[الزمر:63]: فالذين كفروا بآيات الله بآيات الله هذه المقروءة وآيات الله -تبارك وتعالى- هذه المنظورة أولئك هم الخاسرون هذا الخاسر؛ لأنه كفر بآيات الله آيات الله الله الذي له الخلق كله وله التصريف كله -سبحانه وتعالى- أنت الخاسر فالذي كفر بالله -تبارك وتعالى- بآيات الله هو الخاسر, وأن الكفر سيحاسبه الله -تبارك وتعالى- على هذا الكفر, وخسارته يا ويله من هذه الخسارة خسارة عمر خسارة نفس يخسر نفسه يوردها النار فالذين كفروا بآيات الله أولئك  هم الخاسرون لأنهم لم ينتموا إلى ربهم -سبحانه وتعالى- انتماء إيمان ودخول في ولايته -سبحانه وتعالى- وأخذ من عطاءه فهو الذي خسر أراد أن يخرج عن هذا الرب -سبحانه وتعالى- فعند ذلك يحرمه الله -تبارك وتعالى- من رحمته ويضعه في العقوبة التي يختارها الله -تبارك وتعالى- له هو الخسران فالكافر هو الخسران.

بعد هذا خطاب تأنيب وتوبيخ لهذا الذي يدعو إلى أن يعبد غير الله -تبارك وتعالى- {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}[الزمر:64]: قل لهم أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون, يا أيها المشرك الكافر الجاهل أنت تأمر من  يأمر الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- بأن يترك ما هو عليه من التوحيد وعبادة الرب -تبارك وتعالى- إلى أن يعبد هذه الأصنام هل هناك غير الله يستحق العبادة اللات والعزى {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى}[النجم:20], {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى}[النجم:21], {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}[النجم:22] {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم:23], يرغب عن الله  -تبارك وتعالى- ويذهب إلى إلهة غير الله -تبارك وتعالى- لتعبد هذا هذا فعل وقول ممن جهل الأمر جهل البعيد جدا الكافر جاهل جهل بعيد.

 ثم قال -جل وعلا-: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر:65] الله -سبحانه وتعالى- الذي هو خالق كل شيء وهو على كل وكيل جعل الحكم عنده -سبحانه وتعالى- إن من أشرك به فإنه حابط عمله, ولقد أوحي إليك يا محمد وهذا رسول الله وخاتم الرسل -صلوات الله وسلامه عليه- أشرفهم وأعلاهم منزلة عند الله -تبارك وتعالى- وأفضلهم بما فضله الله -تبارك وتعالى- به على سائر الأنبياء والمرسلين هذه مقالة الله -تبارك وتعالى- وهذا حكمه -سبحانه وتعالى- على الجميع أي من  يشرك يحبط عمله ويخسر ولو كان ما كان ملائكة الله -تبارك وتعالى- أنذروا كذلك بهذا وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:29]: فأن من يشرك بالله -تبارك وتعالى- سواء دعا الناس إلى عبادة نفسه أو هو وجه إلى عبادة غير الله -تبارك وتعالى- أشرك بالله في عبادته في صفاته خلع على مخلوق صفة من صفة الخالق -سبحانه وتعالى- وجعل هذا المخلوق في هذه الصفة مثل الخالق مساوي له أو ند  له, وكذلك جعل يعني أعطى حق الله -تبارك وتعالى- له وهو حق الله لمخلوق, وهذا شرك فالشرك في الحقوق شرك في الصفات فهذا لئن أشركت بأي صورة من صور الشرك ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين, والحبط هو الذهاب والخصام, والعرب تجعل الحبط تسمي الحبط داء يصيب الإبل تنتفخ في ظاهرها وتظهر عليها كأنها نوع من السمن, ولكنه داء يصيب أجواف الإبل ثم بعد ذلك تقع وتنهار وتموت, ليحبطن عملك يعني ليذهبن ويمضحلن وليهلكن ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بالشرك فمن اختار الشرك خسر وخسر كل شئ ألا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين فالشرك كله لا يرضاه الله -تبارك وتعالى- أولا لا يرضى لعباده لأي رضا أبد|ًا لم يأمر أحدا لم يأمر الله -تبارك وتعالى- أن يعبد غيره -سبحانه وتعالى- ولا يأمر أي أحد بأن يتخذ ويدعو إلى عبادة غيره -سبحانه وتعالى- كما قال -تبارك وتعالى-: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:79-80], فالشرك فعل لا يقبل الله -تبارك وتعالى- من أحد أن يأتي يوم القيامة من جاء يوم القيامة بشرك فإن هذا لا يغفر ذنبه ليحبطن عملكم كل عمل مهما عمل الإنسان, الشرك خطيئة لا يصلح معها عمل ما في أي عمل مهما عمل الإنسان المشرك من العمل الصالح, ولكنه إذا جاء بالشرك فإنه يحبط عمله كله ولذلك أحبط الله -تبارك وتعالى- يعني عبادات النصارى والمشركين والعرب السابقين في الحديث الصحيح أن عائشة رضي الله عنها قالت: «يا رسول عبد الله بن جدعان كان يحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ويطعم الحاج أفلا ينفعه ذلك عند الله؟ فقال: لا انه لم يقل يوما رب اغفر خطيئي يوم الدين», وقال الله- تبارك وتعالى- في أعمال الكفار والمشركين: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:23], {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا}[الإسراء:22], وقال في الآيات الأخرى {........ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}[الإسراء:39]: فتلقى في جهنم ملومًا مدحورًا, {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر:65], وقد قال الله -تبارك وتعالى- في شأن الأنبياء السابقين {........وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:88], {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الزمر:66]: إضراب على ما قيل بل الله وحده -سبحانه وتعالى- فاعبد أعبده وحده وكن من الشاكرين وقوله بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ الحصر بل فاعبد الله لأن فاعبد الله ممكن أعبد الله, ولا ينفي أن يعبد غيره بل الله فاعبد الله وحده فاعبد الحصر هنا قدم هنا الله على قدم المعمول على العامل للحصر {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الزمر:66] كن من الشاكرين إذا هذا من توفيقه -سبحانه وتعالى- من توفيقه وعنايته -سبحانه وتعالى- بعبده أن يوفقه إلى عبادته وحده لا شريك له, فيجب على هذا على العبد أن يشكر الله -تبارك وتعالى- أن وفقه لهذا, وأن أعانه على هذا الأمر إياك وإياك نستعين فهو المستعان -سبحانه وتعالى- على هذا, ومنه الفضل ومنه النعمة, وهو الذي أمره سابق -سبحانه وتعالى- كما قال -جل وعلا-: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[الإنسان:30], {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[الإنسان:31] بل الله يعني وحده -سبحانه وتعالى-{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الزمر:66] لربكم -سبحانه وتعالى- أن هداك إلى عبادته نسب الله أن نكون أن هدانا الله -تبارك وتعالى- إلى الإيمان به وتوحيده -سبحانه وتعالى- وعبادته وحده لا شريك له, ثم قال -جل وعلا- مقارنا بين صفته -سبحانه وتعالى- وبين ما يعبد من دونه فقال {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67]: أي ما عظموا الله -تبارك وتعالى- حق تعظيمه ولا عرفوا مقدار الرب -تبارك وتعالى- ولا صفاته -سبحانه وتعالى- وما قدروا الله حق قدره عظموه كما ينبغي له التعظيم -سبحانه وتعالى- والحال أن من صفته الأرض جميعا هذه الأرض الواسعة الكبيرة بجبالها ومحيطاتها وناسها والأرض جميعا كلها قبضته يوم القيامة, يوم القيامة تكون في قبضته في يده -سبحانه وتعالى- والسماوات مطويات بيمينه: السموات السبع مطويات يطويها الله -تبارك وتعالى- {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:104] - سبحانه وتعالى- عما يشركون.

نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.