الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (569) - سورة الزمر 67-69

 الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ -سبحانه وتعالى- عَمَّا يُشْرِكُونَ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ }[الزمر:62-70]: يخبر -سبحانه وتعالى- عن نفسه -جل وعلا- عن ذاته العلية أنه الله خالق كل شيء, الله هذا الاسم العلم على ذات الرب -تبارك وتعالى- والذي تتبعه كل أسماء الجلالة بعد ذلك, الله خالق كل شيء كل ما سواه كل ما سوى الله -تبارك وتعالى- فهو مخلوق لله الله هو الذي خلقه -سبحانه وتعالى- أبرزه من العدم وأعطاه صورته وهداه طريقه وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ: وهو المتوكل بكل شيء المتوكل به أي المتولي لكل شئونه, فكل شئون خلقه عرشه كرسيه ملائكته إنسه جنه كل خلق الله -تبارك وتعالى- هو الذي يتولى شئونه {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[فاطر:41] الملائكة الجن الإنس كلهم في قبضة الله -تبارك وتعالى- كل مخلوق خلقه الله -تبارك وتعالى- ثم هداه سبيله سبيله وهو الذي يصرفه -سبحانه وتعالى- وهو المتوكل بكل خلقه -سبحانه وتعالى- لم يدع الله -تبارك وتعالى- مخلوق ممن مخلوقاته ليتوكل به غيره, ما أرسل الله -تبارك وتعالى- ملكًا ولا رسولًا ولا أحدًا من خلقه يوكله بأحد وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا: بل الله -تبارك وتعالى-هو المتوكل بكل شئون خلقه -سبحانه وتعالى- إذن الله هذه صفته خلق كل هذا الخلق وهو الذي يملك زمامه ويملك تصريفه -سبحانه وتعالى- لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ: المقاليد المفاتيح كل مفاتيح خزائن السماوات والأرض بيده -سبحانه وتعالى- مفاتيح خزائنها وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ: كل من كفر بآيات الله خاسر هذا, هذا خرج بنفسه عن طاعة مولاه وعن ملك مولاه وعن الرب المرج -سبحانه وتعالى- وعن بيده ملكوت كل شيء -جل وعلا- قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ: سل هؤلاء المجرمين الجاهلين مَن غير الله -تبارك وتعالى-يستحق أن يعبد فلينظر فيما يعبده كل العابدون دون الله -تبارك وتعالى-ماذا عبدوا؟ عبدوا الملائكة, الملائكة مطيعون لله -تبارك وتعالى-عباد من عباد الله -تبارك وتعالى-لا يعصون الله -تبارك وتعالى- ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وعبادتهم للملائكة لا تنفعهم, أول من يتبرأ منهم الملائكة يتبرؤون منهم ويوم يحشرهم جميعا, { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}[سبأ:40-41] تعبد الشمس تعبدوا القمر لا تنفعه عابدها شيء لا تملك له ضرًا ولا نفعًا {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[فصلت:37] يعبدون الرسل رسل الله -تبارك وتعالى- وأنبياءه رسل الله إنما جاءوا ليدعوا الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له ولا يمكن لأحد منهم أن يدعوا الناس إلى عبادة نفسه, {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }[آل عمران:79-80] فماذا يعبده ماذا يعبده العابدون من دون الله أحجار أوثان لا تنفع لا تملك لعابدها نفعًا ولا ضرًا, بل لا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا بل لا تملك أن ترد خطابا ممن يعبدها إليه من الذي يعبد ما الذي يعبد من دون الله والحال إن الله -سبحانه وتعالى- هو الإله وحده -سبحانه وتعالى- {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}[الزمر:64], ثم أخبر -سبحانه وتعالى- بأن الله لم يأمر أحدا إلا بعبادته وحده -سبحانه وتعالى- وأنه قد أوحى إلى كل أنبيائه ورسله أن من أشرك  مهما كان فإنه خاسر ولقد أوحي إليك يا محمد -صلى الله عليه وسلم- {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر:65] مقالة الله لكل رسله ولأنبياءه, وهذا والله يعلم -سبحانه وتعالى- أن رسله وأنبياؤه معصومون أن يشركوا به شيئا بل هم قد أقامهم الله -تبارك وتعالى- في طاعته ولا يعصونه -جل وعلا- ولكن هذا تعليم للجميع إذا كان هذا يخاطب به الرسل الذين هم صفوة الله ومن اختارهم الله -تبارك وتعالى- لرسالته يخاطبون بهذا الخطاب فليعلم أن غيرهم كذلك طريق الأولي وحبوط العمل هو ذهابه وعدم فائدة من وراءه أصل الحبط يقال الحبط هو داء يصيب الإبل في أجوافها تنتفخ وتنظر ينظرها الراعي فكأنها سمينة سليمة ثم تسقط فجأة, {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الزمر:66]: بل الله, الله -سبحانه وتعالى- الرب خالق السماوات والأرض رب العالمين -سبحانه وتعالى- اعبده لا تعبد إلا هو -سبحانه وتعالى- أن وفقك وهداك إلى عبادته فان من وفق وهدي إلى عبادة الرب -تبارك وتعالى- فقد أنعم عليه بأعظم النعم أعظم نعمة هي التوفيق إلى عبادة الله -تبارك وتعالى-فمن اختاره الله -تبارك وتعالى- واصطفاه واجتباه وهداه طريقه وجعله عابدا له فقد أنعم عليه بأعظم النعم في الدنيا هذه أعظم نعمة المال والصحة والجاه, وكل نعم الدنيا لا تساويها نعمة عبادة الله -تبارك وتعالى- التوفيق لعبادة الله أعظم من نعم وأشرفها وأعلاها؛ ولذلك هي تستحق الشكر تستحق الشكر وكلما شكر الإنسان تجددت له نعمة تحتاج إلى شكران, والشكر لله -تبارك وتعالى-على الحقيقة إنما يكون بالقلب باعتراف القلب بهذه النعمة وباللسان لهج اللسان بالثناء على الله -تبارك وتعالى-, وبحمد الله -تبارك وتعالى- على هذه النعمة, ثم القيام بما تستحقه هذه النعمة فطاعة الله -تبارك وتعالى- وامتثال أمره هو من الشكر, ثم قال -جل وعلا-: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67]: وما قدروا الله هؤلاء الذين أشركوا به وكفروه -سبحانه وتعالى- وكفرا به هؤلاء ما قدروا الله حق قدره ما عظموا الله -تبارك وتعالى- حق تعظيمه ولعرفوا الله -تبارك وتعالى-حق معرفته وكان لله -تبارك وتعالى- قدر في قلوبهم كما ينبغي لله -تبارك وتعالى-, والحال أن الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة, هذه الأرض العظيمة بجبالها ومحيطاتها وسهولها وعزمها وسهلها وما هو موجود عليها كلها قبضته يوم القيامة, إنها في يمينه -تبارك وتعالى- والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه الطي هو الضم واللف مطويات بيمينه أن الله -تبارك وتعالى-يلف أطرافها بعضها فوق بعض حتى يكوى كما قال -جل وعلا- يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ يوم القيامة {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ........}[الأنبياء:104] كما تطوى الورقة تطوى الورقة ورقة الكتاب, طوى طرفها على بعضها البعض من طرفها حتى الطرف الآخر فشبه الله -تبارك وتعالى- طيه -جل وعلا- للسماوات يوم القيامة على هذا النحو {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ........}[الأنبياء:104] والسماوات مطويات بيمينه أي مجموعات ملفوفات مضمومات بعضها على بعض بيمين الله -تبارك وتعالى- ويقول ابن عباس وهذا في تفسير هذه الآية ما السماوات السبع والأرضين السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم والخردلة هذه بذرة الخردل الصغيرة من أصغر البذور في يد أحدكم فالله -تبارك وتعالى- هو هذا الرب العظيم الذي لا إله إلا هو الذي هذا هذه عظمته وهذه كبرياءه و-سبحانه وتعالى- والله أكبر من كل مخلوقاته وهذه المخلوقات حقيرة ضئيلة بالنسبة إلى عظمة الرب وجلاله وكبريائه -سبحانه وتعالى- وما قدروا الله حق قدره سبحانه تنزيها له وتعالى علوا عظيما -سبحانه وتعالى- عما يشركون هذه الآلهة لا مقارنة بين الله الذي لا إله إلا هو وبين ما يعبد من دونه فما يعبد من دونه بالنسبة إلى الله -تبارك وتعالى-صغير حقير, وأين هذا بالنسبة إلى الرب -تبارك وتعالى-سبحانه وتعالى- عما يشركون به من عبادة غيره -سبحانه وتعالى-, حديث ابن مسعود في الصحيحين أن حبر من أحبار اليهود جاء النبي -صلوات الله وسلامه عليه- فقال له أن نقرأ فيما أوحي إليهم أن الله -تبارك وتعالى-يأخذ الخلائق على إصبع والسماوات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع, ثم يحركهن فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول الحبر حتى بدت نواجذه تعجبًا وتصديقا وقرأ قول الله -تبارك وتعالى-, إذن هذه هي صفة الرب -تبارك وتعالى- والذي يشرك به هؤلاء المشركون ويعبد غيره هؤلاء العابدون الجاهلون, والحال أن هذه صفة ربنا -سبحانه وتعالى- العظيم الكبير, ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- العباد جميعا بما سيؤول إليه الحال يوم القيامة فقال -جل وعلا-: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:68]: نفخ بالبناء لما يسمى فاعله وفاعل هذا النفخ هو إسرافيل كما جاء في الحديث إن ملك يسمى إسرافيل من حملة عرض الله -تبارك وتعالى- هو الذي وكله الله -تبارك وتعالى- بالصور للنفخ فيه والصور قرن عظيم لكن لا يعلم عظمة هذا القرن ومقداره إلا الله -تبارك وتعالى- لأن هذه النفخة التي تكون في الصور يترتب عليها أمور عظيمة جدًا من تغيير صورة هذا العالم المشاهد كله بسمواته وبأرضه من هذه النفخة هذا الصوت العظيم الذي يخرج من هذا الصور, كل من في السماوات والأرض يصعقون والصعق إما موت وإما فقدان للوعي, إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ: استثنى الله -تبارك وتعالى- من شاء الله ولم يأتي في القرآن أو في كلام النبي -صلوات الله عليه وسلم- الذين يستثنون من هذه فلا يصعقون مع منه يصعق من هذه النفخة الأولى في الصور إلا من شاء الله -تبارك وتعالى- إلا يحصل له هذه الصعقة ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ: فإذا الجميع قيام بظاهر الأرض بشر ينظرون ليس قياما فقط وإنما قيام مع حياة فيها نظر ينظرون أمامهم مكتملي الحياة تماما كما قال -جل وعلا-: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ}[النازعات:13-14] فإذا هم البشر والخلق بالساهرة وهذه النفخة هنا أخبر الله -تبارك وتعالى- بأنها تصعق من في السموات والأرض, وقد أخبر الله -تبارك وتعالى- بأنها يحمل بها الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ }[الحاقة:13-17] هذه هي الأحداث الكبرى أحداث يوم القيامة يذكر الله -تبارك وتعالى- بها عباده وأن مآل الخلق جميعًا سيكون إلى هذا المآل ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله هذه النفخة الأولى, ثم نفخ فيه أخرى هذه النفخة الثانية وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا: إشراق الضوء, أضاءت الأرض إشراقا كما تشرق الشمس على الأرض فتضيئها وأشرقت الأرض, لكن هنا ليس بشمس تخرج وإنما بنور ربها, فالشمس والقمر والنجوم وسائر هذه المضيئات إنما تكون بحال غير هذا الحال المعروف في الدنيا{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ }[التكوير:1-2] إذا الشمس كورت أي تكور يلف يعضها على بعض ويذهب ضوئها وإذا النجوم انكدرت أصبحت بلا ضوء أصبحت كردة بدل هذا الضوء اللامع الذي يشع منها تصير كدرة والكدرة نوع من العكر والسواد فهذه ليست {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ }[الانفطار:1-2], فكل هذه ما عهده الناس من إضاءة النجوم والشموس التي في السماء تكون بحال غير هذا الحال وإنما يكون ضوء أو نور الأرض التي عليها المحشر في هذا ونور السماوات إنما هو بنور الله -تبارك وتعالى- يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ: فلا الأرض هي الأرض المعهودة بسهول وجبال وأنهار وأشجار ومحيطات لا, وإنما هي صعيد واحد ليس فيها علم لأحد الناس تحشر على أرض بيضاء صعيد واحد مستوية ليس  فهيا علم لأحد ما فيها لا أحد أي علم من الأعلام كبيت كقصر كشجرة ما فيها, {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[إبراهيم:48], وَوُضِعَ الْكِتَابُ: كتاب الأعمال كتاب الأعمال يوضع ويوضع لكل إنسان, وقد أخبر الله -تبارك وتعالى- بان هذه الكتب تتطاير تأتي طائرة ويأتي كل إنسان كتابه وهو في موضعه فأخذ بيمينه وأخذ بشماله الذي يأخذ بيمينه هم أهل اليمين هم أهل الجنة يأتيهم كتابهم بيمينهم يجد لأن يده اليمنى هي التي تلقف هذا الكتاب, وأما الكافر فإنه يضربه كتباه من خلف ظهره فيأخذه بشماله أخذ بشماله كما قال -جل وعلا-: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ }[الانشقاق:7-14]: هذا كذلك من أوتى كتابه بشماله يأخذه بشماله من وراء ظهره وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبورا ويصلى سعيرا انه كان في أهله مسرورا في الدنيا أنه ظن أن لا يحور ظن أنه لا رجعة إلى الله -تبارك وتعالى-فهذه الرجعة يراها الآن بأم عينه رأي العين فوضع الكتاب كتاب أعمال والكتاب هنا للجنس جنس الكتب كل كتب الأعمال إنما توضع لكل إنسان يأخذ كتابه ويقال له اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم حسيبا هذا كتاب أعمالك فينظر الكافر في كتابه فيجد أن كل أعماله من شروره وكفره مسطرة عليه وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا: ما يترك لا شيء صغير من همزة غمزة لمزة ضحكة أي شيء كان قد كان إلا موجود ما في لفظ كما قال -جل وعلا-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }[ق:16-18], فكل قول لفظه الإنسان قد سجل وسطر في هذا الكتاب وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ: ليستشهد هم الله -تبارك وتعالى- على أقوامهم بالنبيين والشهداء الذين يشهدون والذين يشهدون كثيرون ملائكة الله -تبارك وتعالى- تشهد يشهد أعضاء الإنسان تشهد عليه الأرض التي عصى الله -تبارك وتعالى- فيها وأطاع الله -تبارك وتعالى- فيها تشهد له وتشهد عليه كل شاخص كل شاخص كلها شهود فتؤتى بالشهود ليشهدوا لك  أو عليك, يشهدوا للمؤمن أو يشهدوا على الكافر -عياذا بالله- وجئ بالنبيين والشهداء كما قال الله -تبارك وتعالى-: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ........}[المائدة:109-110], وهذه شهادة إشهاد الله -تبارك وتعالى- لعيسى على قومه هذا نموذج من نماذج الشهادة عيسى -عليه السلام- الذي عبد أكبر وأكثر إنسان عبد دون الله -تبارك وتعالى- فإن الذين ضلوا في عيسى أمم لبا يحصي عدهم إلا الله -تبارك وتعالى- ضلوا فيه من بعد أن رفعه الله -تبارك وتعالى-إلى السماء الوقت قليل وظلوا في ضلاله من ويظلون في ضلالهم إلى أن ينزل عيسى بن مريم في آخر الزمان فيكسر الصليب الذي يزعمون أنه صلب عليه وهو لم يصلب -عليه السلام- بل رفعه الله -تبارك وتعالى- إليه وأعزه الله -تبارك وتعالى- وينزل يوم القيامة ليبكت أصحابه كما قال النبي: «والذي نفس محمد بيده لينزلن فيكم عيسى بن مريم حكماً عدلاً مقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويؤذن للصلاة», فالله -تبارك وتعالى- هذه من شهادة يوم القيامة وجئ النبيين والشهداء يستشهدون فيقول له إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي فكل هذه خوارق العادات التي أجراها الله -تبارك وتعالى- على يديه من إبراء هؤلاء المرضى أو المعاقين بهذه الإعاقات الدائمة التي لا يمكن إخراجهم منها كالأكمه الذي يولد أعمى فيمسحه عيسى بن مريم كان يمسحه فيعود مبصرا كما كان, وإذ تخرج الموتى بإذني كل هذا بإذن الله -تبارك وتعالى- {........ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}[المائدة:110], {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}[المائدة:111] إلى أن يقول الله له بعد ذلك {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ .........}[المائدة:116] إلهين معبودين يعبد فيصلى له ويدعى من دون الله ويعتقد أنه خلق ويرزق ويحي ويميت وأنه كما يقول الظالمون هؤلاء إنه ابن الله ذاته, ذاته فذاته ذات الأب تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا وبالتالي صفاته, صفاته يحيي ويرزق ويميت ويدخل الجنة ويدين الأحياء والأموات أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله وأم عيسى كذلك تعبد من دون الله فيذبح لها وينذر لها وتدعى من دون الله وتسمى أم الإله{........ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ........}[المائدة:116-119] فهذه الشهادة الله -تبارك وتعالى-إشهاد الله -تبارك وتعالى- للأنبياء على أقوامهم ما من إلا ويأتي ليشهد على قومه وإذا جاء وقت ينكر فيه هؤلاء المشهود عليه من الكفار الذين كفروا بنبيهم فالله -تبارك وتعالى- يقيم شهداء عليهم من أنفسهم وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ: قضي بينهم بين الخلائق كلها يقضي الله -تبارك تعالى- بينهم بالحق لا يظلم لله -تبارك وتعالى- أحد ولا يحمل أحد ذنب آخر ولا يحمل عليه ذنب لم يقترف بل كل إنسان وما جنت يداه, {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[المدثر:38], وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى, فكل إنسان سيؤاخذه الله, الله -تبارك وتعالى- بذنبه وجرمه الذي عمله ولا يحمل عليه ذنوب الآخرين وإنما يقضي الله -تبارك وتعالى- بينهم بالحق {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}[الزمر:69]: كل الخلق لا يظلمون كل الخلق عند الله -تبارك وتعالى-لا يظلمون فالمؤمن لا يبخس شيء من عمله الذي وعده الله -تبارك وتعالى- بأن يأجره عليه {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ........}[النساء:40], {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}[الزمر:70].

نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.