الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (570) - سورة الزمر 70-75

 الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آلة وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الزمر:68-75] الآيات الأخيرة من سورة الزمر سورة التوحيد يخبر -سبحانه وتعالى- أنه يوم القيامة سينفخ في الصور وجاءت التعبير بالماضي لتحقق الوقوع, ونفخ في الصور أي سينفخ في الصور لم يأتي النفخ بعد سيكون ولكن يعبر الله -تبارك وتعالى -عن ذلك بصيغة الماضي؛ لتحقق الوقوع, قرن إسرافيل فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله, ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى: هذه النفخة الثانية فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا: بغير شمس وقمر ونجوم وإنما بنور الله -تبارك وتعالى- بنور ربها الأرض وَوُضِعَ الْكِتَابُ كتاب الأعمال وجئ بالنبيين والشهداء, {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ .........}[النساء:41]: كل أمة يأتي بها شهيد نبيها يشهد عليه {........ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا }[النساء42:41] والشهداء الذين يشهدون من ملائكة الله -تبارك وتعالى-, ومن كل من يستشهد هم الله -تبارك وتعالى- ليشهدوا للمؤمن أو على الكافر وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ بين الخلائق كلها بالحق وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ لا يظلم الله -تبارك وتعالى- أحدا من خلقه فالكافر لا يحمل إثم غيره ولا يحمل إلا إثم نفسه فقط والمؤمن لا يبخسه الله -تبارك وتعالى- من أجره مثقال ذرة وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ: أخذت جزاءها وافيًا فأهل العذاب سيأخذون جزاءهم وافيا وإن لموفوهم نصيبهم غير منقوص هاد دول في العذاب سيأخذ كل واحد جزاء وافي كذلك المؤمن يأخذ جزاءه وافيا عند الله -تبارك وتعالى- لا ينقصه الله -تبارك وتعالى- من أجره شيء هو الله -سبحانه وتعالى- يعلم بما يفعلون بما يفعله عباده كل ما فعله عباده هو يفعله عباده فالله -تبارك وتعالى- عليم به أشد العلم خبير به ولو كان هذا الفعل خطرات القلوب وساوس النفوس, {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق:16], {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:284]: إن الله عليم بذات الصدور فكل ما عمله الخلق فالله -تبارك وتعالى -عليم به ولو كان هذا العمل عمل القلب الذي لم يظهر على الجوارح قط ما ظهر على الوجه ولا ظهر في اليد ولا ظهر فعلا ولا أخرجه الإنسان من صدره, فالله عليم به -سبحانه وتعالى-.

ثم قال -جل وعلا-: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا: السوق هو الجمع والحشر والضرب يساقون أمامهم وأخبر الله -تبارك وتعالى- بأن هذا السوق يكون فيه زجر وضرب {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}[الأنفال:50], وأن هذا السوق فيه دز ودع {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}[الطور:13], {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ}[الطور:14]: أي يدزون فيها دز وكما قال -تبارك وتعالى-: {........ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ}[الرحمن:41]: أي يؤخذ بناصية الكافر يشد من ناصية وكذلك يشد بقدمه وكذلك يحشر على وجهه -سبحانه وتعالى- الذين يحشرون يوم القيامة على وجوههم أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ: فسوق الكفار إلى جهنم بكل أنواع الإهانات سوق على وجوههم, وسوق دز وسحب ودع إلى جهنم وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا: زمرا زمرة الزمرة والزمرة هي الجماعة وجماعة بأشكالها كل شكل مع شكله, {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ}[الصافات:22], {مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات:23] فهؤلاء -عياذا بالله- يأخذون أشكالهم ولكن لا أحد يذرف دمعا على أحد كل يسب الآخر ويلعنه ويشتمه وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا فجأة بمجرد المجئ تفتح الأبواب مباشرة ليتساقطوا وليدعوا فيها -عياذا بالله- حتى إذا جاءوها حضروها فتحت أبوابها وقد أخبر -سبحانه وتعالى- أن للنار أبواب وأنها سبعة قال {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}[الحجر:44], وهل هذه الأبواب على حسب الدركات أو أنها محيطة بها من كل مكان لأن النار سجن وله حافة كالبئر فهل هي أبواب في جنباتها أم أبواب حسب دركاتها, كل يدخل من الباب الذي يوصله إلى الدرك الذي يكون فيه -عياذا بالله- لها سبعة أبواب وسواء كان هذا وهذا فداخلوها معذبون عذابًا لا ينقطع -عياذا بالله- وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا: خزنة النار هم الملائكة الذين يقومون على حفظها تأجيجها وحفظها وذهاب أهلها وقد أخبر الله -تبارك وتعالى- أنهم تسعة عشر قال: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}[المدثر:30]: تسعة عشر من الملائكة ولما استهزئ الكفار بهذا العدد ورأوا أنه عدد قليل وظنوا أنه يمكن لهم أن يتغلب عليهم كما قال جاهلهم أبو جهل أنا علي عشرة وعليكم التسعة فقال -جل وعلا-: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ملائكة, ملائكة غلاظ شداد كما قال الله -تبارك وتعالى -{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6] وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا خزنة النار يقولون لهؤلاء الداخلين إليها -عياذا بالله- مبكتين لهم أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا سؤال يراد به التبكيت والتقريع والتأنيب ألم يأتكم؟ سؤال منكم في الدنيا ما جاءكم رسل منكم وكون الرسل منهم يعرفونهم ويعرفون لغتهم {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ........}[إبراهيم:4] فهم رسل منهم يتلون عليكم آيات ربكم يقرؤون عليكم آيات ربكم خالقكم, وبالتالي تكون هذه الحجة قائمة وظاهرة رسل منكم أول شيء ممكن أن تتأكدوا من صدقهم وأمانتهم ثم أنهم يقرؤون عليكم آيات الله, الله يرسل لكم رسالته على هؤلاء الرسل ويبلغوكم هذا البرهان الساطع القائم. أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا: ويخوفونكم من هذا اليوم لقاء تلاقوا بيومكم هذا الذي لا أشد منه ولا أفظع منه, يحذركم هذه النار بهذه الصورة ما نقل الله -تبارك وتعالى- لكم على ألسنة الرسل صورة هذا اليوم وحقيقة هذا اليوم وحقيقة النار وحذركم رسلكم من هذا اليوم وينذرونكم لقاء يومكم هذا وهذا فيه أكبر واعظ وأكبر زاجر لم كان له عقل هذا رسول من القول وهذا يقرأ كلام الله -تبارك وتعالى- ويحذر هذا أعظم الشرور لا شر أعظم منه فكيف لم ترعون وكيف لم يتراجعوا وكيف لم تثوبوا إلى رشدكم وعقولكم, كيف أسلمتم أنفسكم حتى أتيتم إلى هذا المكان الفظيع الذي ذكركم به الرسل قَالُوا: أي هؤلاء المخذولون الكفار بَلَى: حقًا قد كان هذا بلى هذه نفي للنفي ونفي النفي إثبات لأن يقولوا ألم يأتكم رسل منك فقالوا بلي قد جاءنا رسل منا وقد حذرونا وأنذرونا هذا {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}[الزمر:71]: أي أصبحت كلمة العذاب, وكلمة العذاب وهو أن الله -تبارك وتعالى- لابد أن يعذب الكافر أصبحت حقا علينا على الكافرين لأننا كفرنا إنما كفرنا ورددنا مقالة الرسل ولم  نصدقها, وبالتالي أصبحت كلمة العذاب علينا حقا حقت كلمة العذاب وأصبحت كلمة الله -تبارك وتعالى- علينا بالعذاب حقا وذلك أن الله -تبارك وتعالى -قد قال -سبحانه وتعالى- بأن من أتاه مجرمًا من كفر وأتى يوم القيامة وهو كافر ولابد أن يعذب قالوا أصبحت كلمة العذاب التي قالها الله -تبارك وتعالى- في الكفار أصبحت حقا علينا أي لكفرهم فاعترفوا بذنبهم, اعترفوا بذنبهم وأن كلمة العذاب قد حقت عليهم قيل أي لهم ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين قيل لهم بعد هذا بعد أن اعترفوا على أنفسهم أنه قد جاءتهم الرسل بالحجة والبرهان وأنهم كفروا بذلك وأن أصبحت كلمة العذاب عليهم حقا بذلك قيل والقائل لعلهم الملائكة الذين قالوا لهم هذا ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ادخلوا بالأمر والزجر أبواب جهنم هذه أبوابها خالدين فيها ماكثين فيها مكث لا ينقطع, فالخلود هو المكث الطويل, وقد أخبر الله -تبارك وتعالى -بأن أهل النار يمكثون فيها ويبقون فيها بقاء لا ينقطع خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين مثوى مكان الثواء مكان الثواء اللي هو الإقامة والبقاء لا مكان أسوأ أذم وأشد إيلامًا وعذابًا من هذا المكان نار -عياذا بالله- فبئس هذه بئس لإنشاء الذنب يذمون هذا المكان أكبر الذنب, فبئس مثوى مكان الثواء والبقاء المتكبرين يقرعهم الملائكة بهذا وأن هذا السبب الذي أوصلهم إلى هذا أنهم كانوا متكبرين عن أمر الله -عز وجل- فقد استكبروا في الدنيا ورأوا أنهم أكبر من أن يطيعوا أمر الرب -تبارك وتعالى- وأن يطيعوا الرسول هذا هو ذنب وهذا هو داء الكفار قوم نوح الذين كفروا إلى آخر من يكفر فقوم نوح قالوا {........مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}[هود:27] فكان داؤهم الاستكبار عن أمر الله -تبارك وتعالى-, ونفس الذين كذبوا برسالة محمد -صلوات الله وسلامه عليه- آخر رسل نفس الأمر ما في صدروهم إلا كبر {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[غافر:56]:  كبر تعالي عن الحق رد الحق الذي جاءه من الله -تبارك وتعالى-, وأنهم رأوا أنفسهم أنهم أكبر وأعظم من أن يطيعوا هذا {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}[الصافات:36]: كيف نتبع مثل هذا ويرون في أنفسهم أنهم أعظم وأجل وأكبر من أن يتبعوا طريق الحق.

 {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}[الزمر:72]: بئس مثوى مكان للذين تكبروا عن أمر الله -تبارك وتعالى- وطاعته هذا القسم الأول القسم الأول, وقد بدا الله تبارك وتعال لان المقام مقام إنذار المقام مقام نذير فلذلك بدأ الله -تبارك وتعالى- بهذا القسم المعذب, ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك نعيم أهل الجنة نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعلنا وإخواننا المؤمنين منهم قال -جل وعلا-: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ولكنه سوق كريم من ملائكة رحمة الله -تبارك وتعالى- يسوقونهم يرشدونه إلى طريق الجنة ويقودونهم إلى طريق الرضوان وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ اتقوه خافوه التقوى الحماية الذين حموا أنفسهم من عذاب الله -تبارك وتعالى- وقوا أنفسهم من عذاب الله وهذا بطاعة الله -تبارك وتعالى- بالإيمان بالله -تبارك وتعالى- ومحبته ورجاءه والقيام بأمره -سبحانه وتعالى- فالذين اتقوا رهم الذين خافوا ربهم -سبحانه وتعالى- وجعلوا وقاية لهم من عذاب الله -تبارك وتعالى- إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا: بستان الله العظيم البستان الأكبر إلي عرضه كعرض السماوات والأرض {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133], وقال في الآية الأخرى {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ........}[الحديد:21], وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا: مجموعات حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا: حتى إذا أتوا الجنة وفتحت أبوابها الواو لأن هذا الفتح لا يكون إلا بعد أن يكون هناك شفاعة للدخول وليظهر الله -تبارك وتعالى- منزلة نبيه الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- فهو أول شافع وأول مشفع -صلوات الله وسلامه عليه- وأول من يشفع شفاعة عظمى لدخول الجنة كما جاء في أحاديثه الشفاعة إن الأمم إذا فزعوا لا يجدوا في النهاية من يشفع لهم عند الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة إلا النبي محمد -صلوات الله وسلامه عليه- فيسجد يقول النبي لما تأتيه الدعوة إلى الشفاعة أنا لها, فيسجد تحت عرش الله -تبارك وتعالى-, ويدعو الله -تبارك وتعالى- بمحامد يقول النبي لا أعملها الآن, ثم يقال يا محمد ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع فيقول أي رب أمتي أمتي فيقال ادخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن في الجنة وهم شركاء فيما سوى ذلك من الأبواب تأتيه, ويبدأ دخول الجنة وتبدأ الزمرة الأولى التي وجوهها وجه كل منهم كالبدر ليلة التمام كما قال النبي أول زمرة من أمتي يدخلون الجنة وجوههم كالبدر ليلة التمام, فهؤلاء هم أول طائفة تدخل الجنة من أمة محمد, وأمة محمد أول الأمم دخول الجنة نحن الآخرون يقول النبي نحن الآخرون الأولون يوم القيامة أول من  يدخل الجنة هم أتباع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- المسلون من هذه الأمة وأفاضلهم فأفاضلهم فأفاضلهم وهكذا أفضلهم هؤلاء السبعون الألف, ثم من بعدهم يقول النبي ثم يأتي زمرة بعدهم وجوههم كأضوأ نجم متلألأ في السماء أضوأ نجم في السماء يعد هؤلاء بعد الأول وهكذا, ثم بعد ذلك الفقراء قبل الأغنياء قد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقراء المسلمون يدخلون قبل الأغنياء بنصف يوم هم خمسمائة عام فيدخلون يدخل أهل الجنة تباعًا بشفاعة النبي -صلوات الله وسلامه عليه- وكما قال النبي وقفت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها الفقراء وأهل الجد محبوسون أهل الأموال محبوسون يحبسون نصف يوم حتى يدخل الأغنياء هذا كذلك من حكمة هذا التقسيم والأول فالأول يدخلون وكذلك تشويق أهل الجنة فيدخلونها على هذا النحو وليس حالهم كحال أهل النار, الذين إذا أتوها فتحت أبوابها مباشرة ودزوا فيها وادخلوا فيها -عياذا بالله- بالدعوة والدز أو بالجر والسحب بل أهل الجنة يدخلون مكرمين على هذا النحو زمرة إثر زمرة من أبواب الجنة الثمانية الجنة تفضل النار بأن أبواب ثمانية كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في سبيل الله نودي من أبواب الجنة الثمانية أي فلو هلم يا فلان هلم ادخل تعالى ادخل من هذا الباب وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصوم دعي من باب الريان فقال أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى- عنه يا رسول الله ما على من يدعى من أحد هذه الأبواب من ضرورة أفيدعى أحد من أبوابها كلها فقال نعم يا أبا بكر وأرجوا أن تكون منهم وقال أبو بكر ما على أحد من دعي هذه الأبواب من ضرورة من ضرر ما من ضرر يدخل من هذا الباب أو من هذا الباب كلهم داخل الجنة فا  دخل من باب الصدقة أو من باب الصلاة أو من باب الجهاد أو من باب الوالد والوالد أوسط أبواب الجنة كما قال النبي الوالد أوسط أبواب الجنة أوسطها أفضلها باب البر بالوالدين فإذن كل فقال ما على من يدعى من احد هذه الأبواب من ضرر فهل يدعى أحد ليدخل من أبوابها كلها تدعوه الملائكة فقال أي نعم وقال النبي -صلى الله وعليه وسلم- أرجو أن تكون منهم وقال هذه أربعة ما جمعهن أحد في يوم أن يصبح صائمًا, وأن يطعم مسكينًا, وأن يعود مريضًا, وأن يشيع جنازة فقال ما جمعهن أحد في يوم إلا دعي من أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وفتحت أبوابها لدخول أهل الجنة نسال الله -تبارك وتعالى– أن يجعلنا وإخوان المؤمنين من هؤلاء وفتحت أبواب الجنة لأصحابها لأهل الجنة

{وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}[الزمر:73]: هنا تسليم وخزنة الجنة على رأسهم رضوان ملائكة لم يذكر لهم عدد ويبدو أنهم أعداد عظيمة جدًا لأن الله -تبارك وتعالى- يقول: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ, {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد:24], وقال لهم خزنة الجنة من الملائكة سلام عليكم أيها العباد الطيبون وهم قادمون لرضوان الله -تبارك وتعالى- دخلوا جنته طبتم بكل معنى الطيبة كنتم طيبين الجنة دار الطيبين طبتم قلوبا كانت قلوبهم طيبة عملا أعمالهم طيبة صفة وخلقا أخلاقهم طيبة كلهم هؤلاء طبتم بكل معاني الطيبة فادخلوها خالدين فادخلوا هذه الجنة خالدين ماكثين فيها مكثا لا ينقطع إنكم يا أهل الجنة ماكثين, وهذه بشرى مجموعة من البشائر العظيمة يبشرونهم فيها فادخلوها خالدين وقالوا أي أهل الجنة عندما كرموا هذا التكريم وبشروا هذه البشارة من ملائكة الله -تبارك وتعالى -انظر الفرق طبعا هؤلاء ملائكة العذاب يدزونهم ويدعونهم ويقرعونهم عند الدخول ألم يأتكم رسل منك يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين قيل فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين هذا مقالة خزنة النار لمن يدخل النار, وأما أهل الجنة فإن المقال التي تقال لهم طبتم سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا أي أهل الجنة من المؤمنين وقالوا الحمد لله أول كلمة يقولونها يحمدون الله -تبارك وتعالى-, وذلك أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي أهلهم لهذا وهو الذي أنجاهم وهو الذي من عليهم -سبحانه وتعالى- بما من عليهم به من الإيمان والطاعن في الدنيا وقادهم -سبحانه وتعالى- وهداهم هذا الطريق حتى دخلوا الحمد لله كما يقول: {........ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[الأعراف:43], وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ: كان الله -تبارك وتعالى- قد وعدنا بالجنة ونحن في الدنيا نعمل بالصالحات وان من كان في هذا الطريق وسار على طريق الإيمان ومات فإنه له عند الله -تبارك وتعالى- هذا الوعد الذي صدقنا وعده بالجنة وبالخلود وبهذه المنزلة الحمد لله الذي صدقنا وعده فيحمدون الله -تبارك وتعالى- لأن الله -تبارك وتعالى- قد وعدهم الوعد الصادق وهذا تحقيق وهذا وعد الله -عز وجل- وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ: هنا الوراثة ملك ملكنا الأرض والأرض هنا أرض الجنة وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ: التبوأ التمكن واستحقاقهم فيها أن الله -تبارك وتعالى -قد جعلهم أحق بهذه الجنة وأنهم ينزلون فيها المنزل الذي يريدون نتبوأ من الجنة حيث نشاء نسير يمينا شمالا شرقا غربا ملك أصغر أهل الجنة ملكا من يقال له إما ترضى أن تكون لك مثل الأرض وعشرة أمثالها فعشر أمثال الأرض نتبوأ  من الجنة حيث نشاء قال -جل وعلا-: {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}[الزمر:74]: نعم هذا الأجر أجر الله -تبارك وتعالى- أن تكون الجنة اجر العاملين الذين عملوا بطاعة الله -تبارك وتعالى-.

 ثم قال -جل وعلا-: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ: لكل من يرى في هذا المشهد العظيم الملائكة ملائكة الله -عز وجل- حافين أي أنهم محيطون من كل الحواف حول عرض ربهم -سبحانه وتعالى- يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ: سبحان الله,. والحمد لله يسبحون حال كونهم حامدين الله -تبارك وتعالى-, وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ: قضي بين الخلائق بالحق وقيل في نهاية الأمر {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الزمر:75]: قيل بالبينات لما يسمى فاعله قال كل القائلين كل القائلين يقولون الحمد لله رب العالمين على هذا الثواب العميم الذي أثاب به عباده وكذلك العقوبة التي عاقب بها المجرمين فانه قد تحقق فضل الله -تبارك وتعالى- وإحسانه لأهل الإيمان وكذلك عدله وحكمه في أهل الكفران؛ فالحمد لله على كل أعماله -سبحانه وتعالى- وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

سورة عظيمة, نسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا فيها بالآيات والذكر الحكيم, اللهم صلي وسلم وبارك على عبده وروسله محمد, أستغفبر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.