الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (573) - سورة غافر 10-16

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ}[غافر:10], {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}[غافر:11], {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}[غافر:12], {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ}[غافر:13], {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[غافر:14], {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ}[غافر:15], {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفي عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[غافر:16].

 بعد أنْ ذكر الله -تبارك وتعالى- دعاء حَمَلَة عرشه، والملائكة مِن حوله لعباد الله -تبارك وتعالى- المؤمنين هذا الدعاء العظيم، دعاء حَمَلَة العرش, {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[غافر:7], {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[غافر:8], {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[غافر:9], هذا الدعاء العظيم، الشريف مِن أشرف الملائكة وأعلاهم منزلة عند ربهم -سبحانه وتعالى-, وهم حَمَلَةُ عرشه، والذين حول عرش الله -تبارك وتعالى- هذا إيمانهم بالله -تبارك وتعالى-, وهذا دعاؤهم لعباد الله المؤمنين في هذه الأرض, انظر هذه المودة، وهذه الصلة، وهذه المحبة، وهذه الرغبة في الخير والدعاء لأهل الإيمان, الذين آمنوا بهذا الفضل العظيم أنْ يقهم الله -تبارك وتعالى- كل السيئات في الموقف, أنْ يدخلهم الجنة، أنْ يُلْحِقَ بهم أزواجهم وذرياتهم, هذا حال أهل الإيمان، وهذا دعاء حَمَلَةُ عرش الله -تبارك وتعالى- لهم, بعد ذلك ذَكَرَ الله -تبارك وتعالى- حال الكافرين في النار، وكيف يكونون؛ فقال : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ}[غافر:10], {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ........}[غافر:10], وهم في النار, {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ}, إذن هم يمقتون أنفسهم بمعنى أنهم يبغضونها ويسبون أنفسهم سبًا عظيمًا، وذلك أنهم يقولوا : {........لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك:10], يعترفون على أنفسهم بأنهم لم تكن لهم عقول، ولم يكن سمع يسمعوا به الحق، وبصر يبصروا به الحق، وقد ضاعت الفرصة مِن بين أيديهم، وأوردوا أنفسهم النار؛ فيمقت الكافر نَفْسَهُ، ويبغضها أنها حَمَلَتْهُ هذا، وأنه كان الإيمان في متناول يده في هذه الدنيا، ولم يقبل وإنما رفضه، ولم يكن له عقل يميز ويعي قول الله -تبارك وتعالى-, ويفكر في هذا المصير الذي سيؤول إليه؛ فينادون وهم في هذه الحال مِن مقت أنفسهم، مقت, {اللَّهِ}, -تبارك وتعالى- لكم, {أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ}, {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ........}[غافر:10], هنا ينادون بالبناء لما لم يُسَمَّ فاعله، الفاعل إما أنه المنادي لهم، والمبكت لهم، وهم في هذه الحالة الله -تبارك وتعالى-, كذلك الملائكة يبكتونهم, {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ........}[غافر:10], مقته المقت شدة الكراهية والبغض, أي أنْ الله -تبارك وتعالى- يبغضكم، وقد كرهكم كره هو أكبر مِن كرهكم وبغضكم ومقتكم لأنفسكم, {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ  لَمَقْتُ اللَّهِ}, لكم, {........أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ}[غافر:10], كيف! أنَّ الله أبغضهم؛ لأنهم دعوا إلى الإيمان، الإيمان التصديق، التصديق بالصدق، الإيمان تصديق بالصدق، الصدق مِن الله -تبارك وتعالى- الله حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق -صلوات الله والسلام عليه-, كل ما أخبر الله -تبارك وتعالى- به حق قامت أدلته، ولكنهم رفضوا هذا ولم يقبلوه, {إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ}, يكون موقفكم مقابل الإيمان هو الكفر، وهو الجحود، ورد كل هذه الأدلة, {قَالُوا رَبَّنَا}, فإذن هم الآن يبغضون أنفسهم ويمقتونها ويُخْبَرُونَ كذلك بكراهية الله -تبارك وتعالى- وبغضه لهم، ومعنى أنَّ الله -تبارك وتعالى- يمقتهم, الله ملك السماوات والأرض -سبحانه وتعالى-, رب العالمين -سبحانه وتعالى- فإذا أبلغوا بأنَّ الله يمقتهم إذن هم سيظلوا في هذا المقت، وفي هذه  العذاب أبدًا ما دام أنَّ الله -تبارك وتعالى- قد كرههم وأبعدهم، {قَالُوا}, أي الكفار, {........رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}[غافر:11], {رَبَّنَا}, يا ربنا, يدعون الله -تبارك وتعالى-, {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ}, اعترفوا هنا بأنَّ الله -تبارك وتعالى- هو ربهم، وهو قد أماتهم مرتين، المرة الأولى لم يكونوا شيئًا, كانوا موات, كان الخَلْق ميت؛ ثم إنَّ الله -تبارك وتعالى- أنشأنا مِن هذا الموات؛ ثم يموت الإنسان عند نهاية عمره الذي قدره الله -تبارك وتعالى- له في هذه الدنيا, ثم يحييه -سبحانه وتعالى- فأصبح في حياتين الحياة الأولى النشور، وحياة يوم القيامة، والموت موتان موت قبل الخَلْق هذا موت, ثم موت بعد نهاية الحياة, {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ}, مرتين, {وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا}, إننا الآن شهدنا بأنك أنت الله -سبحانه وتعالى- الذي تصرفت فينا هذا التصرف بالإحياء والموت، وهذا أعظم تصرف، وهذا اعتراف بربهم وإلههم ومولاهم -سبحانه وتعالى-, الذي صنع بهم هذا الصنيع؛ فالذي أحياهم وأماتهم هو الله -سبحانه وتعالى-, {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا}, وذنوبهم كفرهم بالله -تبارك وتعالى- فقد كانوا يجحدون البعث، ويقولون لا بعث، ولا نشور، ويجحدون أنَّ الله -تبارك وتعالى- هو المتصرف فيهم إحياءً وإماتة، ويجحدون أنْ يكون لهم حساب أمام الله -تبارك وتعالى-, {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا}, {بِذُنُوبِنَا}, نسبوا كل الذنوب إليهم لم يُفَصِّلُوهَا, {........فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}[غافر:11], سؤال يراد به الاسترحام واستعطاف الرب -سبحانه وتعالى- هل {إلى خُرُوجٍ}, لنا  مِن هذه النار, {مِنْ سَبِيلٍ}, هل هناك مِن سبيل، أي سبيل لنخرج مما نحن فيه الآن، ولا يجابون، وهذا الاسترحام لا يقبل؛ فليس هناك سبيل للخروج قَطّ؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- قد حَكَمَ وحكمه سابق -سبحانه وتعالى- بأنه مَن آتاه يوم القيامة مجرمًا, {........فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا}[طه:74], وأنه لن يُخْرِجَ مِن هذه النار مَن دخلها كافرًا بالله -تبارك وتعالى-, مَن مات على الكفر؛ فلا  مجال لأنْ يُغَيِّرَ الله -تبارك وتعالى- قوله فيه، وأمره فيه بأنْ تدركه رحمة الله -تبارك وتعالى-, {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ........}[النساء:116], {........فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}[غافر:11], لا جواب على هذا لا خروج، لا خروج لهم، ويقال لهم : {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ........}[غافر:12], {ذَلِكُمْ}, ما أنتم فيه مِن النكال والعذاب والبقاء, هذا البقاء السرمدي, {بِأَنَّهُ}, الحال والشأن, {إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ}, إذا دعي الله على ألسنة الرسل، والدعاء الذين دعوكم إلى الله -تبارك وتعالى-, {وَحْدَهُ}, ألا تعبدوا إلا الله, {وَحْدَهُ}, -جلَّ وعَلا-, {كَفَرْتُمْ}, جحدتم هذا ورددتموه, {وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا}, أما إذا أُشْرِكَ بالله -تبارك وتعالى-, ودُعِيَ إلى عبادة غير الله -تبارك وتعالى- آمنتم بهذا صدقتم بهذا الشرك والكفر, وسرتم هذا المسار, {........وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}[غافر:12], الحكم فيكم لله -سبحانه وتعالى-, {الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}, فيكم، والحكم في كل هذا الوجود إنما هو لله -تبارك وتعالى-, الحُكْم الكوني القَدَرَي، والحكُمْ القضائي حُكْمُهُ -سبحانه وتعالى- وقضاؤه في عباده -سبحانه وتعالى-, وكذلك حُكْمُهُ الشرعي الديني, الحُكْمُ له -سبحانه وتعالى- بكل أنواع الحُكْم؛ فالحُكْم لله, {الْعَلِيِّ}, على خَلْقِهِ -سبحانه وتعالى- فهو : {الْعَلِيِّ}, الأعلى -سبحانه وتعالى-, {الْكَبِيرِ}, فالله -سبحانه وتعالى- هو : {الْكَبِيرِ}, هو أكبر مِن كل مخلوقاته -سبحانه وتعالى- السموات السبع والأراضين في كف الرحمن كخردلة في يد أحدكم, {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67],  {........فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}[غافر:12], إذن هؤلاء قد أذنبوا الذنب الذي لا مغفرة له عند الله -تبارك وتعالى- فإنهم دعوا إلى الإيمان إلى توحيد الله -تبارك وتعالى- فكفروا كانوا إذا دُعُوا إلى توحيد الله -تبارك وتعالى- اشمأزت قلوبهم مِن هذا، وإذا كان الشرك استأنسوا بهذا وقبلوه وساروا فيه, {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}[غافر:12], الله, {الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}, -سبحانه وتعالى-, {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ........}[غافر:13], {هُوَ}, -سبحانه وتعالى-, {الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ}, آياته كلها، آياته المسموعة، المنزلة مِن عنده -سبحانه وتعالى- قرآنه، كتابه المنزل مِن عنده، وكذلك آياته في الخَلْقِ؛ فكل هذا الخَلْق مِن آياته رَفْعُ السماء، وما فيها مِن آياته -سبحانه وتعالى-, السحاب المسخر بين السماء، والأرض مِن آيات الله -تبارك وتعالى-, الأرض وما فيها بسطها، جبالها، أنهارها، وِدْيَانهَا الخلق الذي عليها كله مِن آيات الله -تبارك وتعالى-, {إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ}[الجاثية:3], {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[الجاثية:4], {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[الجاثية:5], {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}[الجاثية:6], هذه آيات الله -تبارك وتعالى- يرينا الله -تبارك وتعالى-, آياته يطلعنا على هذه الآيات، ويأمرنا أنْ ننظر فيها -سبحانه وتعالى- آياته في الخَلْقِ؛ ثم آياته في التصريف، آياته -سبحانه وتعالى- في التصريف, انظر عنايته -سبحانه وتعالى- بعباده المؤمنين آية مِن آيات الله -تبارك وتعالى-, يكونون ضعفاء، مستضعفون يظن الكفار أنهم سيزيلونهم، سيبيدونهم؛ فيكون النهاية أنَّ الله -تبارك وتعالى- ينجيهم، والكفار في قوتهم وعلو شأنهم يزيلهم الله -تبارك وتعالى- ويهلكهم, آية مِن آيات الله -تبارك وتعالى-, آيات الله -تبارك وتعالى- في هذا التصريف، في تصريف الخَلْقِ في عنايته للمؤمنين، وعقوبته للكافرين آيات مِن آيات الله -تبارك وتعالى-, {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ........}[فصلت:53], الله -تبارك وتعالى- جعل نَصْر النبي -صلى الله عليه وسلم- في بدر آية، قال : {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ........}[آل عمران:13], وقال : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى........}[الأنفال:41], ثم قال مبُيَنِّ أنَّ هذا كان في يوم بدر، يوم الفرقان, {يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}, {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأنفال:42], فنصر الله -تبارك وتعالى- لجنده ورسله آية مِن آيات الله -تبارك وتعالى-, وهزيمة الله -تبارك وتعالى- للكافرين، وإزالتهم مِن الأرض آية مِن آيات الله -عز وجل-, فهذه آيات الله تَتْرَا وتتابع في هذه الأرض كلها  مخبرة بأنَّ الله -تبارك وتعالى- هو رب العالمين -سبحانه وتعالى,- وأنه خالقهم وهو المتصرف فيهم -سبحانه وتعالى-, {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا........}[غافر:13], رِزْقُ البشر مِن السماء هذا المطر الذي به الحياة, {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}, فإنَّ إنزال المطر مِن السماء، الله الذي ينزله -سبحانه وتعالى- ليس غيره، وهذا بشهادة كل ذي عقل، وكل ذي لُبّ يعلم أنَّ هذا صًنْع الله, وأنه لا يستطيع أنْ يصنع هذا غيره -سبحانه وتعالى-, ثم هذا المطر النازل مِن السماء، والذي وزعه الله -تبارك وتعالى- على هذه الأرض هو سبب الحياة، سبب الحياة الأساسي, لولاه لما بقي حي على هذه الأرض مِن نبات، أو حيوان، أو إنسان, {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ}[غافر:13], {وَمَا يَتَذَكَّرُ}, لا يتذكر, {إِلَّا مَنْ يُنِيبُ}, يرجع إلى الله -تبارك وتعالى- أما الشارد البعيد، المعرض عن الله -تبارك وتعالى- فأنى له أنْ يتذكر؛ فكيف يتذكر! فلا يتذكر بهذا، وهو استحضار هذه المعاني، معرفة آيات الله -تبارك وتعالى- والعلم بها، والنظر في هذا، والتفكر في هذه الآيات، هذه لا يحصل التذكر, إِلَّا مَن كان, يُنِيبُ إلى الله -تبارك وتعالى- صاحب الإنابة والرجوع إلى الله -جلَّ وعَلا-.

قال -جلَّ وعَلا- : { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[غافر:14], رتب الله -تبارك وتعالى- على هذا بأمره ودعائه على عباده المؤمنين أنْ يدعوا الله, {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}, قال : {فَادْعُوا اللَّهَ}, إذن بعد هذا، بعد أنَّ هذا هو المآل والمصير الذي سيصير إليه أهل الإيمان والتوحيد، وكذلك أهل الكفر والعناد؛ إذن فَادْعُوا اللَّهَ}, أيها العباد, {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}, ادعوه، والدعاء طلب، واستعطاف، وهو العبادة كما قال النبي : «الدعاء هو العبادة», أشرف مفردات العبادة وأعلاها شأنًا هو الدعاء، وذلك أنه إظهار لفقر العبد نحو إلهه ومولاه -سبحانه وتعالى-, وكذلك إشعار بأنَّ الله هو الرب، القوي، القادر، الغني -سبحانه وتعالى, العزيز، الحكيم الذي بيده الأمر كله، وإليه يُرْجَعُ الأمر كله؛ فدعاء العبد لربه -سبحانه وتعالى- معناه بأنه مؤمن بأنَّ الله -تبارك وتعالى- ربه يملك له النفع، وكذلك يملك أنْ يدفع عنه الضر؛ فالدعاء هو العبادة إذن, {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ........}[غافر:14], أي اجعلوا إخلاص دينكم كله لله -تبارك وتعالى-, {الدِّينَ}, الخضوع حال كونكم, {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}, أي لا تعبدون إلا هو -سبحانه وتعالى- فالدين الطريقة والمنهج, أي اجعلوا طريقكم وصراطكم ومنهجكم هو صراط الله -تبارك وتعالى- مخلصين له في هذا لا تشركوا مع الله -تبارك وتعالى- إله غيره، معبود غيره، مطاع غيره، سيد غيره؛ فالله هو السيد -سبحانه وتعالى-, {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.......}[غافر:14], فليكن دينكم كله لله، كما قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله : {........فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزمر:2], {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ........}[الزمر:3], {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزمر:11], {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزمر:15], {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:162], {لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:163], فهذا إخلاص الدين لله -تبارك وتعالى-, {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، أي ولو كره الكافرون هذا؛ فاثبتوا أنتم على عبادتكم, وإخلاص دينكم لله -تبارك وتعالى-, {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}, والحال أنَّ الكافرون يكرهون؛ فإنَّ الكافر يشرق ويغضب ويكره أنْ يجد مؤمنًا على الحق والدين يعبد الله -تبارك وتعالى-, ما يطيق هذا، الكافر لا يطيق أنَّ مخلصًا عبادته لله -تبارك وتعالى-, فلو كره الكافرون، ولو كانوا يكرهون هذا؛ فاثبتوا أنتم على الدين الحق, {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[غافر:14], هذا منكم واثبتوا عليه حتى تلقوا الله -تبارك وتعالى- الله.

{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ........}[غافر:15], وصف لله -تبارك وتعالى- أنه {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ}, فهو العلي الأعلى فوق خَلْقِهِ -سبحانه وتعالى- رفعة مكانة، ورفعة مكان؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- فوق عباده -سبحانه وتعالى-, فوق سماواته، فوق عرشه، والعرش سقف المخلوقات؛ فلا أرفع مِن الله -تبارك وتعالى- فالله {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ}, في أسمائه وصفاته -سبحانه وتعالى-, {ذُو الْعَرْشِ}, صاحب العرش، والعرش لا يقدر قدره إلا الله -تبارك وتعالى-, العرش فوق السموات العلي، فوق كل السموات, {........يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ}[غافر:15], أنَّ مِن صفته -سبحانه وتعالى- أنه : {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ}, {الرُّوحَ}, الوحي الذي يوحيه الله -تبارك وتعالى- للرسل، والله -تبارك وتعالى- سمى هذا الوحي بالروح؛ لأنه يحي الموتى, الكافر ميت بكفره، ببعده عن الله -تبارك وتعالى-, مبتوت الصلة ما يعرف ربه، ولا إلهه، ولا مولاه، ولماذا خُلِقَ؛ فهو ميت فيحييه الله -تبارك وتعالى- الوحى يحييه الله -تبارك وتعالى-, {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا........}[الشورى:52], {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا........}[الشورى:52], فالوحي المنزل على النبي -صلوات الله والسلام عليه- روح، والله سمى النازل به كذلك روح، روح الله جبريل، كما قال -تبارك وتعالى- : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:193], {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}[الشعراء:194], {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء:195], وقال : {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:122], {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ}, هذا الوحي النازل مِن عنده -سبحانه وتعالى-, الذي يحي الله -تبارك وتعالى- به موتى القلوب, {عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}, مِن أنبيائه ورسله؛ فَمَن شاء الله -تبارك وتعالى- أنْ يختاره لهذا، {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ........}[الحج:75], يصطفيهم يختارهم الله -سبحانه وتعالى-, هذا اصطفاء واختيار مِن الله -تبارك وتعالى-, {عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}, قال جلَّ وعَلا- : {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ}, أنَّ هذا الوحي النازل مِن الله -تبارك وتعالى- مِن غايته وهدفه أنْ ينذر العباد, {يَوْمَ التَّلاقِ}, يوم القيامة, سمي يوم التلاق؛ لأنه يوم تلاقي يتلاقى الناس كلهم مِن آدم -عليه السلام- إلى آخر نَسَمَة مِن بنيه كلهم يلتقون، {........ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}[هود:103], فيتلاقى الجميع، كل الناس يلتقون، ويكونون في صعيد واحد يُسْمِعُهُم الداعي، وينفذهم البصر، البصر يصل إلى آخرهم، وداعي واحد يُسْمِعُ الجميع، فهذا أول نوع مِن التلاقي، النوع الثاني تلاقي الإنسان مع عمله، كل إنسان يلقى عمله، عمله الذي خلفه وراؤه وتركه ونسيه مِن نسي يجده أمامه, {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا........}[آل عمران:30],  فكل إنسان يلقى عمله, كل العمل الذي عمله يجده أمامه؛ فالمؤمن يجد عمله الصالح لا ُتَغادَر منه حسنة صغيرة لو ذرة مِن الخير يجدها, {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا........}[آل عمران:30], فيلتقى الإنسان المؤمن بعمله، ويجازى به، وكذلك الكافر، كذلك يلتقي بعمله، كما قال الله -تبارك وتعالى-  في شأن الكافر : {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا}, وجدوا ما عملوه حاضرًا, {........وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف:49], وكذلك : {يَوْمَ التَّلاقِ}, يوم أنْ يلقى العباد ربهم -سبحانه وتعالى-, ويقومون بين يدي ربهم -سبحانه وتعالى- فهذا الذي فروا منه، وجحدوه أي وجدوه أمامهم، كما قال -تبارك وتعالى- : {........وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[النور:39], {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[النور:39], فما مِن أحد إلا سيسأله ربه : ألم يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مالًا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك؟ يقول النبي : «ما منكم إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب, أو ترجمان يحجب دونه فيقول له : ألم يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مالًا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك؟ فلينظرن أيمن منه لا يرى شيئًا، ولينظرن أشأم منه فلا يرى شيئًا, ولينظرن تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار, فاتقوا النار ولو بشق تمرة», فهذا يوم التلاق، قال -جلَّ وعَلا- {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ}, {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفي عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ........}[غافر:16], هذا التلاقي, التقوا بالله -تبارك وتعالى- وهم {بَارِزُونَ}, ظاهرون على وجه هذه الأرض, {لا يَخْفي عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ}, مِن أعمالهم وأسرارهم, ومكنونات صدورهم كلها منثورة، ظاهرة, {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}[الطارق:9], {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ}[الطارق:10], صندوق القلب هذا الذي كان يحوي ما يحوي، وقد يكون الإنسان يوجد عنده أسرار خزنها فيه وقفلها، لم يخبر بها أحد هذه كلها تُنْثَر، تنثر وتخرج, {........وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}[النساء:42], {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفي عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ........}[غافر:16], {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفي عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ........}[غافر:16], مِن شخوصهم، ولا مِن أسرارهم ومكنونات صدورهم, {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}, يقال لهم : {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}, ولا شك أنه قد تهاوى كل ما كانوا يعبدوه؛ فيقال : {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}, المُلْك كله اليوم في نظر كل العباد، وكل الذين جحدوا هذا مِن قبل أنهم يعلموا أنْ المُلْك اليوم إنما هو, {لِلَّهِ}, -سبحانه وتعالى-, {الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}.

نقف هنا -إنْ شاء الله-، ونكمل في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.