الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (575) - سورة غافر 25-35

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهديه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ}[غافر:23], {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}[غافر:24], {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}[غافر:25], {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:26], {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}[غافر:27], {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}[غافر:28].

يخبر -سبحانه وتعالى- أنه قد أرسل عبده ورسوله موسى، وقال : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا........}[غافر:23], آيات الله -تبارك وتعالى-, آيات الله هذه المعجزات التي أجراها الله -تبارك وتعالى- على يده مِن عصاه، ومِن يده, العصا واليد، وكذلك مِن الآيات التي أجراها الله -تبارك وتعالى- عقوبات لقوم فرعون على كفرهم, {وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ}, سُلْطَة له بحجته وبيانه، وأنه لا يرام, لم يستطع فرعون في طغيانه وجبروته أنْ يناله بسوء، وأنْ يقتله كما تمنى واشتهى, {وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ}, {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}[غافر:24], هؤلاء رؤساء الإجرام, {فِرْعَوْنَ}, المَلِك, اسم فرعون هو لقب يقال في كل مَن مَلَكَ القبط ككسرى في كل مَن مَلَك الفرس، وقيصر في كل مَن مَلَكَ الروم, {وَهَامَانَ}, وزيره, {وَقَارُونَ}, هذا مِن بني إسرائيل لكن زاد غناه حتى قال -تبارك وتعالى- : {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}, والذي تجبر كذلك على قومه بني إسرائيل، وكان مواليًا لفرعون، ويدٌ مع فرعون على قومه بني إسرائيل؛ {فَقَالُوا}, أي هؤلاء رؤساء الإجرام والكفر, {سَاحِرٌ كَذَّابٌ}, قالوا على موسى بأنه : {سَاحِرٌ}, نسبوا آيات الله -تبارك وتعالى- التي معه إلى السحر، ونسبوه إلى الكذب، قالوا : {كَذَّابٌ}, بصيغة المبالغة أنه كثير الكذب، وأنَّ ما قاله ليس بصدق، قال -جلَّ وعَلا- : {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا........}[غافر:25], لما جاء هؤلاء رؤساء الكفر والعناد, {جَاءَهُمْ}, موسى, {بِالْحَقِّ}, مِن أين؟ {مِنْ عِنْدِنَا}, مِن عند الله -تبارك وتعالى- كان ردهم على هذا الحق : {قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ}, فهذا ردهم لمكافحة الحق أنهم : {قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}, {أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}, الأبناء وهم الذكور, {الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}, وهم بني إسرائيل، اقتلوا ذكورهم, {وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ}, استحيوها اتركوها حيات, لا تقتلوا النساء، وهذا زيادة في النكال؛ لأنَّ المرأة لا تستطيع أنْ تدافع عن نفسها، وتكون كذلك عرضة للإذلال، وعرضة للامتهان؛ فيكون هذا زيادة في إذلال بني إسرائيل, {وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ}, اتركوا نساؤهم أحياء، واتركوا الأبناء الذين ممكن أنْ يتأتى منهم مقاومة، أو جهاد، أو مصارعة للكفر؛ فيقتلون الذكور، ويتركوا النساء أحياء الذي لا حول لهم في  هذا؛ فيكون هذا زيادة في  قهرهم وإذلالهم، قال -جلَّ وعَلا- {.......وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}[غافر:25], هذا مِن الكيد وهو المكر لإيصال هذا الضر بني إسرائيل، وهذا مِن كيدهم مِن تفكيرهم هذا السيء بأنْ يعملوا فيهم هذه الخطة عندهم التي تكسر شوكتهم وتذلهم، قال -تبارك وتعالى- : {كَيْدُ الْكَافِرِينَ}, ما هو {إِلَّا فِي ضَلالٍ}, نهايته ألا يؤدي بهم إلى ما أَمَّلُوهُ مِن بقاء عزتهم وقهرهم لهؤلاء, لا بد أنْ يكون كيد الكافر وسعيه في النهاية إلى ضلال؛ لأنه هو الذي سُيُغْلَب في  النهاية، وأمر الله -تبارك وتعالى- هو الذي سينتصر في النهاية، ومهما دبر الكافر مِن تدبير، وفكر ومكر؛ فإنَّ مكره سيكون عاقبته عليه، قال -جلَّ وعَلا- : {.......وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}[غافر:25], {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:26], {وَقَالَ فِرْعَوْنُ}, أي لملأه وحاشيته ووزرائه, {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى}, اتركوني أقتل موسى، وقوله : {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى}, وهو الحاكم, الفرد, الذي لا يقوم أمامه أحد، ولا يعارضه معارض، ويقول للناس : {........مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29], هذا دليل أولًا على السلطان الذي أعطاه الله -تبارك وتعالى- لموسى، وأنه مع جبروت فرعون، وتفرده بالأمر إلا أنه كذلك قد وقع  في قلبه الخوف مِن أنْ يقتل موسى، وهذا مِن السلطان الذي أعطاه الله -تبارك وتعالى- لموسى، وذلك أنَّ الله -تبارك وتعالى- لما أرسل موسى إلى فرعون, {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى}[طه:45], {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}[طه:46], فالله -تبارك وتعالى- قد كان مع موسى مؤيدًا له -سبحانه وتعالى-, وبسلطة الله -تبارك وتعالى- وقوته القوية، القاهرة لا شك أنه حمى عبده موسى، حماه يوم وُلِدَ لا حول له ولا قوة، وأخذته أمه وأرضعته وألقته في البحر, في تابوت في البحر, لكنَّ الله -تبارك وتعالى- أنشأه في  بيت فرعون، ولم تستطع سكين فرعون التي كانت تنال ما تنال أنْ تناله، وهو عنده في البيت؛ فهذا مِن السلطان الذي أعطاه الله -تبارك وتعالى- لموسى, {وَقَالَ فِرْعَوْنُ}, أي لحاشيته, {ذَرُونِي}, اتركوني, {أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ}, فإنه قد خُوِّفَ بأنَّ هذا إلهه الرب القوى، وأن هذا قد أجرى عليه أمور عظيمة جدًا، وأنه إنْ قتلناه قد يحصل لنا الإبادة والعقوبة مِن الله -تبارك وتعالى-, قال : {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ}, اتركه يدعوا ربه مستهينًا بإله موسى, إله العالمين -سبحانه وتعالى-, ثم حذرهم وهذا مِن مكر فرعون, {........إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:26], {إِنِّي أَخَافُ}, أتخوف, {أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ}, وعندهم دينهم دين فرعون، الطريقة المثلى؛ فهذه الطريقة المثلى في الحياة التي لا مثيل لها، وهو النظام الأمثل، وأنَّ هذا سيأتي ليغير نظام الدولة، ويزيل المترأسين عليها، ويترأس هو, {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ}, منهجكم وطريقتكم وأحكامكم في هذه الحياة, {........أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:26], {يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ}, أرض مصر, {الْفَسَادَ}, سمى فرعون ما دعا إليه موسى مِن توحيد الله -تبارك وتعالى- وعبادته، وترك ما يُعْبَد مِن دون الله -تبارك وتعالى-, وأمره فرعون أنْ يُخَلِّي بين بني إسرائيل، وبين الخروج مِن أرض مصر ليعبدوا الله -تبارك وتعالى- حيث يشاؤون في البرية, في  الصحراء, جعل هذا فسادًا أنه سَيُفْسِد؛ لأنه سينزع بني إسرائيل مِن الخدمة التي يخدمون بها المصريين ويخرجهم, سمى كل هذا فساد, {........إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:26] لما كان هذا قصد فرعون ونيته وقوله لقومه؛ فإنَّ موسى قابل هذا بأنْ استعاذ بالله -تبارك وتعالى-, قال -جلَّ وعَلا- : {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}[غافر:27], {وَقَالَ مُوسَى}, داعيًا ربه -سبحانه وتعالى-, ومجيبًا فرعون على دعوته هذه بالقتل, {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ}, {إِنِّي عُذْتُ}, العياذ هو اللِّوَذ والالتجاء إني ملتجئ وعائذ ولائذ لربي سبحانه وتعالى-, {بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ}, ربي، وهنا بيان أنه وليه وناصر وحاميه -سبحانه وتعالى- ومولاه, {وَرَبِّكُمْ}, خالقكم ومتولي شئونكم، ومَن أنتم في قبضته, {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ}, كفرعون وهامان وقارون هؤلاء المتكبرين, {........مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}[غافر:27], وتكبرهم تكبر على الله -تبارك وتعالى-, وتكبر على أنْ يسيروا في طريق الله -عز وجل-, يروا أنَّ صراط الله، وطريق الله -عز وجل- طريق مهينة كيف يسيرون في هذا، ويتركوا ما كان عليه آبائهم وأجدادهم, {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}[غافر:27], وهذا السبب في  كبره وعناده وبعده عن الحق أنه لا يؤمن بيوم الحساب, لا يؤمن بأنَّ هناك يوم يُبْعَث فيه، ويُحَاسَب بين يدي الله -تبارك وتعالى- بل أنه لا حساب، وأنه عند البعث سيكونون كذلك على الحالة التي هم عليها في الدنيا المَلِك مَلِك، والفقير فقير, {........مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}[غافر:27], {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}[غافر:28], هنا يُبَيِّنُ الله -تبارك وتعالى- دعوة رجل مؤمن مِن آل فرعون، مِن قومه، مِن بلاطه، ومِن آله أنه منهم؛ فهو مِن القِبْط، وهو قريب إلى فرعون قيل أنه رجل كان مِن بلاط فرعون، ومِن حاشيته, {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ}, مؤمن بالله -تبارك وتعالى-, إيمانه هنا بالله -تبارك وتعالى-, وإيمانه بأنَّ موسى إنما هو رسول حق مِن الله -تبارك وتعالى-, {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}, لكن, {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}, عن قومه, لم يُفْصِح عن إيمانه لقومه، وإنما أخفي هذا الإيمان، وفعله سرًا؛ لأنه يخشى عليهم مِن أنْ يقتلوه، يقول لهم : {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}, سؤال يسألهم هذا لينكر عليهم, {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا}, وذلك رد على مقالة فرعون : {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ}, قال : {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}, هذه جريمته، ما جريمة موسى؟ أنه يقول ربى الله, {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}, فهذه لا جريمة فيها، وإنما هذا اختياره أنه نسب هذا الخَلْق، وأنه عَبْدُ لله -سبحانه وتعالى-, رب السموات والأرض, {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}, وهذا الرجل, {قَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}, الدلالات، الواضحات, {مِنْ رَبِّكُمْ}, خالقكم وإلهكم ومولاكم -سبحانه وتعالى-, الذي لا إله غيره؛ {وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}, هذه عصاه، هذه يده، هذا أمر ليس بِسِحْر, {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ}, قال له فَقَدِّرُوا هو صادق، أو كاذب؛ فإذا كان كاذب فماذا عليكم مِن كذبه؟ {فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ}, أنَّ مغبة هذا الكذب على نَفْسِهِ لا تضرنا مقالته, {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}, لكن قَدِّرُوا إذا كان صادقًا؛ فإنَّ الذي يعدكم به مِن الهلاك والنكال مِن الله -تبارك وتعالى- لا شك أنه واقع بكم؛ فعلى فرض الكذب؛ فإنَّ كذبه سيظهر، وكذبه عليه هو, لا عليكم، ولا يضركم كذبه, {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}, لكن قَدِّرُوا الأمر الآخر أنه إنْ كان صادقًا وقتلتموه؛ فإنه سيصبكم بعض الذي يعدكم, {........إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}[غافر:28], كلام عام يقع تحت كل مسرف كذاب, {إِنَّ اللَّهَ}, خالق هذا الكون -سبحانه وتعالى-, {لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}, في ظاهره يكون على موسى على افتراض أنه كاذب؛ فالله لا يهديه؛ لأنَّ الذي يكذب على الله -تبارك وتعالى- لا يمكن أنْ يهديه الله -تبارك وتعالى-, وكذلك على فرعون, {........إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}[غافر:28], ففرعون مسرف قد جاوز الحد في  إجرامه، وكذاب فيما يقول مِن أنه إله القَبْط، وأنه إله الناس، ولكن المؤمن مِن آل فرعون قال هذا بصيغة عامة تشمل الجميع، وتبين أنَّ هذا قانون، أو قضية وميزان لله -تبارك وتعالى-, {........إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}[غافر:28], فالمسرف في معاصيه، ومجاوزة حده، والكذاب لا يمكن أنْ يهديه الله -تبارك وتعالى-.

ثم وعظهم، فقال : {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ........}[غافر:29,] {يَا قَوْمِ}, يا قومي, ينادي هذا المؤمن مِن آل فرعون قومه، ويقول لهم : {لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ}, اليوم لكم المُلْك في  الأرض, أنتم الذين تحكمون وبيدكم السلطان، وبيدكم القهر، وتفعلون ما تشاءوا، وتتصرفون فيما تحت أيديكم بما تشاءوا وأنتم {ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ}, ظاهرين فيها بأبنيتكم وزراعاتكم وعرباتكم وملأكم؛ فأنتم ظاهرين فيها، عاليين فيها، وغيركم إنما هم خَوَل تحت أيديكم مِن بني إسرائيل, {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ}, {ظَاهِرِينَ}, على مَن تحتكم في  الأرض, {فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا}, إذا جاءنا بأس الله، الله خالق هذه السماوات والأرض إذا جاءنا بأسه، البأس الشدة والعقوبة مَن ينصرنا مِن ذلك؟ سؤال يراد به تذكيرهم وإرجاعهم إلى عقولهم, إرجاعهم  إلى أنْ ينظروا في الأمر، وليعلموا أنَّ الله -تبارك وتعالى- إنْ أنزل بهم بأسه؛ فلا مرد له، وأنهم اليوم فقط ظاهرين في الأرض, لكن ممكن أنْ يحول الله -تبارك وتعالى- هذا إلى غيره، ويكون رد فرعون : {........قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29], تسلط وبيان أنَّ الأمر له وحده لا إلى أحد, {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى}, الذي أراه هو الذي أنشره فيكم، وهو الذي يجب أنْ تروه, لا ينبغي لأحدٍ أنْ يرى إلا ما أرى، وأنْ يسير إلا فيما آمر به، قال : {........مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29], لا أهديكم, أرشدكم وأبين لكم, {إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}, فهذا المتجبر, العاتي جعل قومه في قبضته, وفي قهره, وملك يمينه, وأنه يجب أنْ يروا ما يرى, وألا يكون لهم رأي مخالف لرأيه, ولا رؤيا مخالفة لرؤيته, وأنَّ رؤيته حق, وأنه لا يمكن أنْ يكون قد رأى باطلًا, أو انحرف عن الحق, {........مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29], ويرد عليه المؤمن مِن آل فرعون : {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ}[غافر:30], {........يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ}[غافر:30], {يَا قَوْمِ}, ناداهم, {إِنِّي}, هذا المؤمن, {........أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ}[غافر:30], يوم أسود تهلكون فيه كما هلكت الأحزاب مِن حولكم, {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ}[غافر:30], {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر:31], فَسَّر هؤلاء الأحزاب، وهي الجماعات المتحزبة والمتجمعة بالكفر، قوم فرعون؛ فقد تحزبوا على رسولهم نوح -عليه السلام- {مِثْلَ دَأْبِ}, دأبهم؛ عادتهم التي استمروا عليها؛ فالدأب هو العادة المستمرة, التي استمروا عليها، وقد استمر هؤلاء على الكفر، وساروا عليه, {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ}, في  تكذيبهم وعنادهم وردهم للحق, {وَعَادٍ}, قبيلة عاد, {وَثَمُودَ}, قبيلة ثمود, {وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ}, كذلك, {........وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر:31], إما أنْ يكون مِن كلام المؤمن وأنَّ الله لم يظلمهم عندما أهلكهم؛ فقد أهلكهم بكفرهم، أو مِن كلام الله -تبارك وتعالى- تعقيبًا على كلام هذا المؤمن أنَّ الله -تبارك وتعالى- لما أهلك هؤلاء الأحزاب إنما أهلكهم وهم يستحقون الإهلاك, {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر:31], {وَيَا قَوْمِ}, مرة بعد مرة يناديهم، وبهذا النداء القريب لهم أنهم مِن قومه، وأنه منهم؛ مِن جماعتهم, {.......إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ}[غافر:32], خوفهم بالعقوبة، عقوبة الله -تبارك وتعالى- التي يمكن أنْ تأتيهم في الدنيا مثل العقوبات السابقة، الأُمَم السابقة؛ ثم خوفهم مِن العقوبات التي تنتظرهم بعد الموت, يوم القيامة, {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ}[غافر:32], {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[غافر:33], {يَوْمَ التَّنَادِ}, التنادي, يوم كل ينادي الآخر، ولكن لا مَن يجيب، ولا َمن يطيع صاحبه؛ فكل في شأنه وحاله يوم القيامة، أو يوم نزول العذاب عندهم عندما يولون، قال : {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ}, عندما ينزل بكم العذاب, {مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ}, يعصمكم عندما ينزل بكم عذابه, {........وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[غافر:33], أو يوم القيامة عندما تفاجئون بالبعث والنشور؛ فتولون مدبرين, لكن لا عاصم لكم عند ذلك مِن عقوبة الله -تبارك وتعالى-, {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[غافر:33], ثم قال لهم : {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ}[غافر:34], {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ}, النبي، وهو نبي بني إسرائيل، والذي جاء صبيًا إلى أرض مصر بيع فيها عبدًا؛ ثم كان مِن قصته ما قَصَّهُ الله -تبارك وتعالى- علينا؛ ثم كانت له الحظوة بعد ذلك عند مَلِك مصر, عندما فَسَّرَ رؤيا الملك، وأنقذ الأمة، والشعب القبط كلهم مِن كارثة محققة في سبع سنوات عجاف ستأتي بعد سبع سنوات مِن الخصب، وصنع ما صنع، ودعا إلى الله -تبارك وتعالى- في مصر بحسب الإمكان، دعا وهو في  السجن إلى الله -تبارك وتعالى-, وقال : {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}[يوسف:39], {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[يوسف:40], فدعا إلى الله -تبارك وتعالى- وهو في السجن، ودعا بعد خروجه كذلك مِن السجن، وتمكينه في الأرض دعا إلى الله -تبارك وتعالى-, ولكن بقي القوم متوجسون مِن دعوته، وآثروا ماهم عليه مِن الدين والتراث على ما دعاهم عليه يوسف -عليه السلام-، قال : {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ}, نبي الله, {مِنْ قَبْلُ}, أي مِن قبل مجيء موسى -عليه السلام-, {بِالْبَيِّنَاتِ}, الدلالات، الواضحات على ما يدعوكم إليه مِن توحيد الله -تبارك وتعالى-, والإيمان به, {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ}, ما زلتم مكذبين، وأنتم تشكون فيما جاءكم به مِن الهُدَى والنور، وبقيتم على دينكم، وعلى شرككم وكفركم, {حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا}, {حَتَّى إِذَا هَلَكَ}, أي يوسف -عليه السلام- ومات, {قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا}, ظننتم أنه لن يأتي رسولٌ مِن بعد يوسف -عليه السلام- يدعوا إلى الله -تبارك وتعالى-, قال -جلَّ وعَلا- : {........كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ}[غافر:34], {كَذَلِكَ}, كهذا الضلال الذي أنتم فيه, {يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ}, في المعاصي والكفر والشرك, في شركهم وكفرهم ومعاصيهم وتعاليهم على الأمر, {مُرْتَابٌ}, شاك في أمر الله -تبارك وتعالى-, أي أنَّ ضلالكم على الحق إنما ضللتم بسبب إسرافكم في المعاصي، وفي الشِّرك، وريبتكم مِن الحق, {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}[غافر:35], جاءت هذه الآية لبيان لماذا كان هذه الظلمة لم يؤمنوا لرسول, علمًا هذا يوسف خبروه وعرفوا إخلاصه وفضله ودينه، ودعاهم إلى الله -تبارك وتعالى- فلم يهتدوا، وظنوا أنَّ هذا الأمر, هذا الدين ما سيأتي رسول يدعوا إلى الله -تبارك وتعالى- كما دعاهم يوسف، قال -جلَّ وعَلا- : {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ........}[غافر:35], هذه قضية عند الله -سبحانه وتعالى-, هذا أمر مستقر كل مَن يجادل, {فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ}, {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ}, الجدال تأتي الحجة مِن الله -تبارك وتعالى- فيدفعها ويجادل فيها, يدفع هذه الحجة، ويدلي بدلو آخر, {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ........}[غافر:35], فيدفعونها، ولا يريدونها, {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ}, أتاهم بدون أنْ يكون عندهم سلطان، عِلْم، برهان، له سلطة قاهرة على النَّفْسِ لتؤمن به، وإنما بالظن والتخمين, {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا}, كبر هذا, {مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ}, أنْ يمقتهم الله, يمقت هذا المكابر, المعاند, الذي يرد آيات الله -تبارك وتعالى- بالجدال بالباطل، وكذلك :  وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا}, في قلب كل مؤمن بغض ومقت وكره لمن يجادل في  آيات الله بغير سلطان, {........كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}[غافر:35], {كَذَلِكَ}, كهذا الطبع والبعد عن الحق، وعدم نفاذ الهدى إلى القلب, {يَطْبَعُ اللَّهُ}, الطبع الضرب، وإنه تقفل، ويختم عليها بالختم، ويوضع عليها الطابع الذي يقفل هذا القلب؛ فلا يفتتح للهداية, {........كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}[غافر:35], وذكر القلب؛ لأنه محل الفهم والفقه, {مُتَكَبِّرٍ}, عن الحق, {جَبَّارٍ}, ظالم شديد الظلم، عاتي؛ فهذا الذي هذه صفته الله -تبارك وتعالى- يطبع على قلبه؛ فلا تنفذ الهداية إليه؛ ولذلك لم يهتدوا بدعوة يوسف -عليه السلام-، وكذلك لم يهتدوا بدعوة موسى مع ظهور الآيات والحجج, البراهين الواضحات, لكنَّ هؤلاء لم يهتدِ منهم إلا هذا المؤمن الذي ذَكَّرَ قومه بما ذَكَّرَهُم به هنا.

لما وصل الأمر إلى هذا الحد جاء فرعون كأنه كما يقال : ينحني للعاصفة, وأنه جاءت الآيات والبراهين؛ فبدأ يخترع أمر جديد؛ ليصرف الناس عن الحق, {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ}[غافر:36], {أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا........}[غافر:37], قال -جلَّ وعَلا- : {........وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ}[غافر:37].

 ونعود إلى هذه الآيات -إنْ شاء الله- في  الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.