الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (576) - سورة غافر 36-46

الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومِن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ}[غافر:36], {أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إلى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ}[غافر:37], {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:38], {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}[غافر:39], {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}[غافر:40]{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إلى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إلى النَّارِ}[غافر:41], {تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إلى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ}[غافر:42], {لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إلى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}[غافر:43], {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[غافر:44].

يُخْبِرُ -سبحانه وتعالى- عن شأن فرعون، وأنه كاد لقومه وكذب، قال -جلَّ وعَلا- : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ}[غافر:36], {أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إلى إِلَهِ مُوسَى........}[غافر:37], {وَقَالَ فِرْعَوْنُ}, بعد هذه المرافعة والبيان العظيم الذي قاله مؤمن آل فرعون في دعوته قومه إلى الله -تبارك وتعالى- حيث أنه لما عرض فرعون على وزرائه والملأ أنْ يقتل موسى، واستعاذ موسى بربه، وقام هذا الرجل المؤمن مِن آل فرعون، وقال ناصحًا لفرعون ولوزرائه وللملأ وآل فرعون : {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}[غافر:28]{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا........}[غافر:29], فقال فرعون مبينًا أنَّ القول قوله، وأنَّ الأمر له، قال : {........مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29] وعادوا المؤمن نصح قومه؛ فقال : {........يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ}[غافر:30], {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر:31], {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ}[غافر:32], {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[غافر:33], {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ}[غافر:34], بعد هذا البيان العظيم، والنصح البليغ مِن مؤمن آل فرعون, مِن هذا الرجل المؤمن، وهو مِن قوم فرعون لقومه جاء فرعون يُلَبِّسُ على القوم؛ فقال : {يَا هَامَانُ}, نادى وزيره, {ابْنِ لِي صَرْحًا}, الصرح هو القصر العظيم، وهذا الصرح القصر العظيم, المشرف, العالي أخبر -تبارك وتعالى- أنه صرح مِن الأَجُرّ، وهو الطوب اللَّبِن إذا أحمى عليه بالنار حتى يصبح طوبًا أحمر؛ ليكون أشد فى البناء وليصعد عليه، كما جاء في قول الله -تبارك وتعالى- : {........فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إلى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[القصص:38], {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ}[غافر:36], {الأَسْبَابَ}, وهي طرق السماء، قال : {أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ}, أي الطريق إلى السماوات العُلَا, {فَأَطَّلِعَ إلى إِلَهِ مُوسَى}, كما يزعم بأنَّ إلهه في السماء، وهذا مما استدل به أهل العلم، أهل السنة والجماعة على أنَّ الرسل جميعًا بينوا ربهم -سبحانه وتعالى- إنما هو خالق السموات والأرض رب العالمين، وأنه -سبحانه وتعالى- في السماء فوق عرشه -جلَّ وعَلا-؛ ففرعون قال هذه المقالة, قال على زعم موسى بأنَّ إلهه في السماء؛ فابني لي هذا الصرح العظيم حتى أطلع فأنظر إلى إله موسى حقاً ثَمّ إله كما يدعي موسى أم لا، قال : {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا}, كلمة فرعون, {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا}, في ادعائه أنَّ هناك إلهٌ في هذا الكون غيره فيما زعم أنه إله العالمين، وقال : {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}, قال -جلَّ وعَلا- {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ}, {وَكَذَلِكَ}, كهذا الضلال المبين, {زُيِّنَ}, جُمِّلَ وحُسِّنَ في عينه، في نظره, {سُوءُ عَمَلِهِ}, فهذا مِن أسوأ الأعمال؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- لا يُنَالُ ولا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار -سبحانه وتعالى- إنه خالق السماوات والأرض, رب العالمين -سبحانه وتعالى-, وإنَّ الشياطين مهما بلغوا؛ شياطين الإنس والجن مهما بلغوا مِن قوتهم وقدرتهم وعلمهم لا ينالوا الرب -تبارك وتعالى-؛ فإنه محتجب بعظمته وكبريائه عن خَلْقِهِ -سبحانه وتعالى- حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهي إليه بصره مِن خَلْقِهِ, -تبارك وتعالى- ذي العرش، والعرش سقف المخلوقات فوق هذه السموات, والله -تبارك وتعالى- جعل السماء سقفًا محفوظًا مِن كل شيطان مارد، قال : {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ}[الصافات:7], سواءً كان هذا الشيطان مِن الإنس، أو مِن الجن، أو مِن غيرهم؛ فالسماء محفوظة، والله -تبارك وتعالى- هو الرب, العظيم -سبحانه وتعالى-, القاهر فوق عباده؛ فكون فرعون الحقير يريد أنْ يبني قصرًا مِن اللَّبِن، وأنه يصعد عليه؛ فينظر إلى إله موسى, انظر سخافة عقله، وقلة فهمه، وأنَّ هذا الأمر الذي هو فيه مِن الضلال المبين هذا مزين له يخبر -سبحانه وتعالى- أنه مزين له، ومُجَمَّلٌ في نظره، وأنه إله الناس كلهم، وأنه لا إله في هذا الكون إلا هو، وأنه لا ثمة إله آخر زُيِّنَ هذا الضلال المبين  في عينه, {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ}, في ادعائه هذه الربوبية والألوهية، وأنه لا إله إلا هو، تعالى الله عما يقول علوًا كبيرًا, {وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ}, صُدَّ بالبناء لما لم يُسَمَّ فاعله، صده شيطانه وغروره وكبرياؤه, {وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ}, السبيل الحقيقي، سبيل الله -تبارك وتعالى-, طريق الله -تبارك وتعالى- وسار فرعون في طريق الشيطان؛ ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ}[غافر:37], هذا كيد، وإنما أراد به أنْ يُلَبِّسَ على قومه، وأنَّ يقول للقوم قد بنيت هذا القصر العظيم، وقد صعدت ولم أرَ هذا الإله الذي  يدعيه موسى -عليه السلام-، قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ}, الكيد هو المكر ومحاولة التلبيس على الناس بإيهامهم بأنه يسعى في الحق، والحال أنه يسير في الباطل، وهو يعلم أنه مبطل, {........وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ}[غافر:37], في هلاك كل الذي يكيده في هلاك؛ لأنه في النهاية سَيُقْهَر ويُهْزَم ويُظْهِرُ الله -تبارك وتعالى- الحق ويبطل الباطل, {........وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ}[غافر:37].

قال -جلَّ وعَلا- لما ضل سعي فرعون، وظهر كذبه على هذا النحو, بدأ مؤمن آل فرعون يجهر بدعوته، ويُبَيِّنُ أنه مؤمن حقيقة، ويدعوا قومه بكل صراحة ووضوح إلى الله -تبارك وتعالى-, {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:38] هنا أظهر حقيقة معتقده، وإيمانه، وأنَّ الذي يدعوا إليه إنما هو, {سَبِيلَ الرَّشَادِ}, سبيل الرشاد حقيقة, لا سبيل فرعون الذي سمى طريقه طريق الرشاد، والحال أنَّ طريق فرعون, {........وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}[هود:97], فإنَّ فرعون قال : {........مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29], وهو كاذب لا شك في هذا، وأما طريق الرشاد هو ما دعا إليه هذا المؤمن, {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ}, أي مِن آل فرعون, {يَا قَوْمِ}, نادى قومه, {........اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:38], {أَهْدِكُمْ}, أرشدكم وأسلك بكم في طريق الرشاد على الحقيقة طريق الله -تبارك وتعالى-, وليس أهدكم هداية توفيق, إنما هداية التوفيق بيد الله -تبارك وتعالى-, وإنما أُبَيِّنُ لكم أقودكم إلى هذا الطريق، طريق الرب -سبحانه وتعالى- طريق الرشد، وضده طريق الغي, {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}[غافر:39], هذا مِن المواعظ العظيمة, يعظ هذا المؤمن قومه, {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ........}[غافر:39], هذه الحياة التي نعيشها في هذه الدنيا, {مَتَاعٌ}, المتاع هو ما يلتذ به الإنسان فترة قصيرة؛ ثم ينتهي كما يتمتع بأَكْلَة، أو بنومة، أو بقضاء وَطَر، هذا متاع وسرعان ما ينتهي ويضمحل، وأما الآخرة؛ فإنها نعيم مقيم ليست متعة يتمتع بها الإنسان، وتنقضي وتنتهي، وإنما هذه نعيم مقيم مِن كل أنواع النعيم فيما حوله مِن الجنة, جارية حسناء، ونهر مطرد، ظل ممدود، بهجة وسرور مِن كل قد جُمِعَتْ أسباب السرور، والحبور كلها مجتمعة، وهي مقيمة، ولا تنتهي ولا تنقضي أما الدنيا؛ فإن لها مدة قليلة؛ ثم تنقضي، {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ........}[غافر:39], وقتٌ قليل يقضيه الإنسان في متعته؛ ثم بعد ذلك ينتهي وينقضي, {........وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}[غافر:39], {........الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}[غافر:39], دار القرار الاستقرار في الجنة، أو النار, {هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}, القرار الذي يَقِرّ ولا يزول، ولا ينتهي، وهذا يكون في الجنة والنار؛ فأهل الجنة خالدون في نعيمهم خلودًا لا ينقطع، وأهل النار -عياذاً بالله تبارك وتعالى- منهم، مِن حالهم خالدون كذلك في النار خلوداً لا ينتهي, {........وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}[غافر:39], ثم بَيَّنَ لهم، قال : {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا........}[غافر:40], هذه هي موازين الرب -تبارك وتعالى- لحساب عباده في الآخرة, {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً}, السيئة العمل الذي  يسوء صاحبه سمي سيئة؛ لأنه يسوء صاحبه عندما يلقى جزاؤه, {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا}, أي بسيئة, بعقوبة سيئة؛ فالنار أسوأ عقوبة، وقد جعلها الله -تبارك وتعالى- للسيئة الكبرى الكفر والشرك والعناد, {........وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}[غافر:40], {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا}, العمل الصالح، والعمل الصالح هو العمل الذي شرعه الله -تبارك وتعالى- لعباده وارتضاه لهم، ويثيبهم الله -تبارك وتعالى- عليه, {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}, فلا يضيع الله -تبارك وتعالى- أجره, {وَهُوَ مُؤْمِنٌ}, والحال أنه لا بد أنْ يكون مؤمن؛ فيعمل العمل الصالح كَبِرّ الوالدين، وصِدْق الحديث، والرحمة بالفقير، والمسكين, هذه الأمور قد يفعلها غير المؤمن مِن المشرك والكافر ولكنه لا يثاب عليها، لا يثاب على أي عمل صالح إلا إذا كان مؤمنًا صلاةً، صيام، زكاةً، حجًا، برَّ والدين، صِدْقَ حديث، صلةَ أرحام, أي أمر مِن أمور الخير، والأعمال الصالحة, «الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله, وأدناها إماطة الأذى عن الطريق», كل شُعَب الإيمان هذه أعمال صالحة مَن عمل هذه الأعمال الصالحة, {وَهُوَ مُؤْمِنٌ}, مؤمن بالله -تبارك وتعالى-, مؤمن بالآخرة، مؤمن بثوابه، مؤمن بعقوبته, {فَأُوْلَئِكَ}, بالإشارة لهم بالبعيد تعظيمًا لشأنهم، ورفعة لهم, {يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ}, يوم القيامة, {........يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}[غافر:40], أي بغير عَدّ, لا توجد أمور معدودة لهم ينالونها، وإنما رزقهم فيها, {بِغَيْرِ حِسَابٍ}, لا نفاد له، ولا نهاية له، ولا يحسب عليهم ما يأكلون، وما يشربون، وما يتمتعون به، وإنما يعيشون في متاع دائم دون أنْ يكون هناك عددٌ محدودٌ لهم يتمتعون فيه, أيام محدودة، أو رزق محدود، لا، بل {بِغَيْرِ حِسَابٍ}, فشتان بين هذا وهذا, هذه دار القرار, شتان بين حال المؤمن، وحال الكافر، وبين مَن آثر الدنيا على الآخرة، والحال أنه تمتع بمتاع قليل؛ ثم مأواه بعد ذلك النار -عياذًا بالله.

ثم قال لهم : {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إلى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إلى النَّارِ}[غافر:41], انظر هنا يصور الحالة التي هو فيها، حقيقةالحال، حقيقة دعوته، وحقيقة دعوتهم, {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إلى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إلى النَّارِ}[غافر:41], كيف يكون حالنا على هذا النحو, انظروا في حالي وحالكم, {مَا لِي أَدْعُوكُمْ إلى النَّجَاةِ}, فهذا أمري وشأني, {أَدْعُوكُمْ إلى النَّجَاةِ}, لتنجوا مِن عقوبة الله -تبارك وتعالى- والحال, {وَتَدْعُونَنِي إلى النَّارِ}, أما أنتم؛ فتدعونني إلى النار, {تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إلى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ}[غافر:42], فدعوة هذا المؤمن قومه, {إلى الْعَزِيزِ}, الرب, {الْعَزِيزِ}, الغالب الذي لا يغلبه أحد, {الْغَفَّارِ}, الذي يغفر الذنوب؛ فَمَن تاب وأناب إليه غفر ذنبه وقَبِلَهُ -سبحانه وتعالى-, وهذا هو طريق الرشاد، وهذا طريق النجاة، وأما هم فيدعونه إلى النار، وذلك بدعوته إلى الشِّرك والكفر والبقاء مع هؤلاء القوم المجرمين, الظالمين، والذين تَأَلَّهَ عليهم فرعون، وجعل نَفْسَهُ إلهًا عليهم هذا طريق النار, {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إلى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إلى النَّارِ}[غافر:41], {تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ........}[غافر:42], أكفر بالله جحودًا؛ فإنَّ فرعون وقومه كانوا جاحدين بالرب العظيم -سبحانه وتعالى-, وقد قال لهم : {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}, لا إله يُعْبَد في هذا الوجود إلا هو, {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}, ورأى أنَّ تشريعه هو التشريع، قال : {........مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29], فهذا طريق النار، طريق الكفر بالله -تبارك وتعالى-, {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إلى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إلى النَّارِ}[غافر:41], {تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إلى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ}[غافر:42], أما أنا فدعوتي لكم, {إلى الْعَزِيزِ}, الله -سبحانه وتعالى-, {الْعَزِيزِ}, الغالب الذي لا يغلبه أحد, {الْغَفَّارِ}, الذي يستر الذنب ويغفره، ويقبل توبة التائبين إليه, {لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ........}[غافر:43], {لا جَرَمَ}, حقًا لا شك ولا ريب, {أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}, أنَّ هذا الأمر الذي تدعونني أنتم إليه, {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ}, هذا الإله الباطل، وهو عبادة الفرعون، والسير في هذا الطريق ما له دعوة، لا دعوة له مستجابة، ولا أمر له في الدنيا، ولا في الآخرة، في الدنيا مبطل، وفي الآخرة يظهر للعالمين كذبه وباطله، ويقاد إلى النار, {لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ........}[غافر:43], مِن الكفر والشِّرك, {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ  وَأَنَّ مَرَدَّنَا إلى اللَّهِ}, مَرَدّ الجميع، وعاقبة الجميع في الرجوع إلى الله, {........وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}[غافر:43], المسرفون هم المجاوزون لحدودهم، الإسراف هو مجاوزة الحد؛ فالذين جاوزوا حدودهم؛ فكفروا بالله -تبارك وتعالى- وأشركوا به الكافر مسرف، مسرف على نَفْسِهِ، جاوز كل الحدود  في الجحود، والمشرك مسرف, كل مَن خرج عن طريق الله -تبارك وتعالى- جاوز حده، وذهب إلى طريق الإسراف وأسرف على نَفْسِهِ بكثرة المعاصي، وأتى بالمعصية التي تُوْرِثُهُ النار, {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ}, بالكفر والشرك، ومجاوزين الحدود  في المعاصي والعناد, {هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}, هم وليس غيرهم, {أَصْحَابُ النَّارِ}, أصحابها مُلَّاكُهَا المصاحبون لها، الملازمون لها الذين لا ينفكون عنها, {........وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}[غافر:43], ثم قال لهم : {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ........}[غافر:44], هذه كلمة وداعية كأنه يودعهم ويختم هذه المواعظ العظيمة التي وعظ بها قومه، والدعوة الكريمة إلى قومه يختمها بهذا، قال لهم : {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ........}[غافر:44], إنْ بقيتم على كفركم هذا سيأتي اليوم الذي ستذكرون فيه هذا تقولون : لقد دعانا هذا الرجل إلى الإيمان الصحيح، وإلى طريق النجاة، وقد خالفناه، وهذا الهلاك، وهذا الذي توعدنا به قد وقع, {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ........}[غافر:44], عندما يحل بكم العذاب، عندما تحل بكم نقمة الله -تبارك وتعالى- ستذكرون هذا، ستذكرون كلماتي, {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلى اللَّهِ}, أفوضه التفويض هو توكيل الله -تبارك وتعالى- بالأمر، وترك الأمر إليه -سبحانه وتعالى-, أي أمري وشأني أفوضه إلى الله -تبارك وتعالى-, وذلك أنه بعد أنْ أعلن دينه على هذا النحو، وأعلن دعوته، وجهر الفرعون بإيمانه، وبَيَّنَ أنَّ طريقه طريق الفرعون طريق الضلال، وأنَّ طريق الذي دعا إليه موسى هو طريق الحق سيتوقع مِن هؤلاء المجرمين البطش به، المكر به أنْ يناله الأذى منهم؛ فقال : {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلى اللَّهِ}, قد بَيَّنْتُ ما علي، وقلت ونصحت لكم تمام النصح، وأنا تراك أمرى، تفويض أمرى لله -تبارك وتعالى- يحكم فيما بيني وبينكم, {........وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[غافر:44], {إِنَّ اللَّهَ}, -سبحانه وتعالى-, {بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}, مبصر بعملي وعملكم؛ وبالتالي إذا كان الله -تبارك وتعالى- هو البصير بالعباد؛ فإذن كأنه لن يضيعني، ولن يكون سعيي إلى ضلال، بل أنا قد أسلمت أمري لله -تبارك وتعالى-؛ فمباشرة قال الله -تبارك وتعالى- : {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا........}[غافر:45], وقاه حماه، الوقاية هي الحِمْيَة والحصن, أي أنَّ الله -تبارك وتعالى- حماه مِن سيئات ما مكروا به، مكروا به ليقتلوه، ليسجنوه، ليبطشوا به؛ فالله -تبارك وتعالى- وقاه هذا المكر، وجاء هذا مجملًا هنا لم يُبَيِّنُ كيف صنع الله -تبارك وتعالى- به ذلك، والمهم أنَّ الله -تبارك وتعالى- أنجاه مِن مكرهم, {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا........}[غافر:45], قال -جلَّ وعَلا- : {........وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ}[غافر:45], حاق بهم قد أحاط بهم من كل جانب، ونزلت بهم عقوبة الرب -تبارك وتعالى-, {........وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ}[غافر:45], وقد أخبر -سبحانه وتعالى- بصورة هذا العذاب، وهو أنَّ الله -تبارك وتعالى- استدرجهم ليخرجوا خلف بني إسرائيل عندما تركوا مصر، وخرجوا خرج فرعون بجنوده, نادى في الجنود، وأمرهم أنْ يخرجوا كلهم خلفه، وقال : {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ}[الشعراء:54]{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ}[الشعراء:55], {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ}[الشعراء:56], وأنه خرج  في إثرهم ليعيدهم بالقوة مرة ثانية إلى أرض مصر؛ ثم إنَّ الله -تبارك وتعالى- شق البحر لبني إسرائيل؛ فخاضوا البحر يبسًا, طريقًا يابسًا يسيرون فيه إلى الشاطئ الآخر؛ ثم دخل فرعون وجنوده خلفهم؛ فأطبق الله -تبارك وتعالى- عليهم البحر؛ فأغرقهم جميعًا؛ ثم مِن الغرق إلى النار، قال -جلَّ وعَلا- : {........وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ}[غافر:45], {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا........}[غافر:46], بعد أنْ أهلكهم الله -تبارك وتعالى- بالغرق؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- جعل لهم فترة البرزخ فترة عذاب كذلك منذ الغرق إلى يوم القيامة, {النَّارُ}, التي يوعدون فيها, {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}, يعرضون عليها يرونها، يرون النار، ولعل هذا أرواحهم أنها تُعْرَضُ على النار, {غُدُوًّا وَعَشِيًّا}, غدوا  في الصباح, {وَعَشِيًّا}, في المساء، الغدو هو وقت الصباح مِن بعد وقت الفجر هذا وقت الغداة، والعشي مِن بعد الزوال، أو مِن بعد العصر هذا هو العشي؛ ففي البكور وفي المساء, في الغدو والعشي يعرضون على النار, {........وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر:46], وفي اليوم الذي تقوم فيه الساعة يقال :{........أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر:46], وذلك أنهم أئمة  في الكفر والعناد, ما مِن قوم مِن الذين كفروا أرسل الله -تبارك وتعالى- لهم مِن الآيات البينات ما أرسل إلى قوم فرعون، ولا مِن الأقوام الذين جحدوا وعاندوا آيات الله كقوم فرعون؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- أرسل لهم آيات عظيمة رأوها عيانًا بيانًا, عصا موسى، ويده السمراء، وانفلاق البحر، وقال : {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}[الأعراف:133], وكلما وقعت عليهم آية مِن هذه الآيات لم يرتدعوا، ولم يرجعوا إلى الله -تبارك وتعالى-, وآخر هذه الآيات انفلاق البحر، وكان ينبغي أنْ تكون هذه الآية واعظ لهم عندما يروا البحر المائع ينفلق، قال -تبارك وتعالى- : {........فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}[الشعراء:63], وأنهم كانوا يتهمون موسى بالسِّحْرِ، وهم خبروا السِّحْر وعرفوه وعلموه، وأنه مجرد تخييل وتزيين وسِحْر للعين لا سِحْر للأعيان؛ فإنَّ السِّحْر يسحر العيون، ولا يسحر الأعيان, لا يقلب الأعيان، لا يجعل الحجر ذهب، ولا الحبل حية، ولا العصا حية لا يقلب هذه، وإنما فقط يُخَيِّلُ للإنسان أنَّ هذا الحبل أصبح حية، وأنَّ هذه، وليست السِّحر في العيون؛ فهذا أمر شاهدوه وعرفوا حقيقة السِّحر، هذه آخر آية مِن آيات الله -تبارك وتعالى- يريهم إياها، وهي انفلاق البحر، ومع ذلك لا يؤمنون، ودخلوا بأرجلهم في هذا البحر الذي كان غرقهم وهلاكهم فيه, ما كان هناك مِن قوم أعتى على الله -تبارك وتعالى- وأشد كبرًا، وأشد عتوًا، وأشد ظلمة قلوب مِن قوم فرعون؛ لذلك الله -تبارك وتعالى- ادخر لهم أشد العذاب في الآخرة، قال : {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر:46], {أَشَدَّ الْعَذَابِ}, في النار؛ وذلك لهذا العناد الذي ليس بعده عناد.

 ثم بعد ذلك بدأ الله -تبارك وتعالى- يعطينا الصورة التي سيكون عليها الأمر حال هؤلاء الأقوام عند يوم القيامة عندما يكونون في النار؛ فقال -جل َّوعَلا- : {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ}[غافر:47], {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ}[غافر:48], سنعود -إنْ شاء الله- إلى هذه الصورة التي نقلها الله -تبارك وتعالى- عن حال هؤلاء المجرمين في يوم القيامة, موعد هذا الحلقة الآتية -إنْ شاء الله-.

أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.