الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين, سيدنا، ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}[غافر:61], {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[غافر:62], {كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[غافر:63], {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[غافر:64], {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر:65], {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر:66].
يُعَرِّفُ الله -تبارك وتعالى- عباده بذاته العَلِيَّة -سبحانه وتعالى-, وهو الذي دعا العباد إلى أنْ يعبدوه وحده لا شريك له، وأنْ يدعوه, {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60], ثم قال : {اللَّهُ}, وهو يدعوا العباد إلى دعائه -سبحانه وتعالى-, {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ........}[غافر:61], {اللَّيْلَ}, الذي يغطي الخلائق كلها، والذي كل حي في حاجة إليه, {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}, جعل الله -تبارك وتعالى- النهار, {مُبْصِرًا}, يكشف الأشياء؛ فيمتد البصر، وهذا لتكون الهمة والنشاط وطلب المعاش, {........إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}[غافر:61], هذا مِن إنعامه وإفضاله -سبحانه وتعالى- خَلْقُ الليل والنهار، وتسيير هذا في الحياة على هذا النحو, {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}[الفرقان:62], {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ........}[غافر:62], إشارة إلى الله -تبارك وتعالى- صنيع هذا الصنع العظيم مِن خَلْقِ الليل والنهار إنما هو فِعْلُ الله -تبارك وتعالى-, {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ}, المشار إليه, {اللَّهُ}, الذي يُعَرِّفُ العباد بَنَفْسِهِ -سبحانه وتعالى-, {رَبُّكُمْ}, خالقكم ومتولي شئونكم -سبحانه وتعالى-, {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ........}[غافر:62], كل شيء، كل ما سِوَى الله -تبارك وتعالى- هو مخلوق، والله خالقه هو المتولي خَلْقَهُ وحده -سبحانه وتعالى-, خَلْقهُ إيجاده مِن العدم، إخراجه مِن العدم إلى الوجود هذا فِعْلُ الله -تبارك وتعالى-, وكذلك إعطاء كل مخلوق خَلْقه، صورته هذا الله -تبارك وتعالى-, لا يوجد شيء مِن هذه السموات والأرض, الذرة الصغيرة، المجرة الكبيرة، الإنسان، الحيوان, الله هو الذي صوره -سبحانه وتعالى-, {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ........}[آل عمران:6], {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار:6], {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}[الانفطار:7], {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار:8], الله هو المصور, {........الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:50], كل مخلوق إلى معاشه وعمله, {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ........}[غافر:62], بالضرورة، ما دام أنه خالق كل شيء إذن لا إله إلا هو، لا إله حقًا إلا هو, الإله هو المعبود إذن ما دام أنَّ الله خالق كل شيء؛ إذن هو المعبود, هو الذي يجب أنْ يعبد وحده لا شريك له لأنَّ كل ما يُعْبَد مِن دونه لا بد أنْ يكون مخلوق أولًا؛ ثم هذا المخلوق لا يملك تصريف نفسه فضلًا عن أنْ يُصَرِّفَ غيره؛ فما يملك لِنَفْسِهِ هو أصلًا نفع ولا ضر, الشمس لا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا، والنجوم والأقمار عُبِدَت مِن دون الله لكنها لا تملك تصريف، إيجاد نفسها ما تملكه، وتصريف نفسها ما تملكه الله هو يصرفها -سبحانه وتعالى-, وكذلك البشر الذين عُبِدُوا مِن دون الله عيسى، أو العُزَيْر، أو مَن يسمون بالأولياء لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا فضلًا عن أنْ يملكوا لغيرهم, {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ........}[يونس:49], هذا كلام النبي, {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ}, فما عُبِدَ شيءٌ مِن غير الله -تبارك وتعالى- وهو يستحق العبادة, لا يوجد شيء يستحق العبادة؛ لا مَلَك مقرب، ولا نبي مُرْسَل ولا ولي مِن أولياء الله -تبارك وتعالى-, ولا مكان شريف، ولا مخلوق عظيم كالشمس, كل هذه المعبودات التي عُبِدَت مِن دون الله -تبارك وتعالى- لا يستحق العبادة إلا ربها وخالقها, {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[فصلت:37], فالشمس آية عظيمة في الخَلْقِ، ومنافعها لا تعد ولا تحصى، ولكنها لا تستحق العبادة، وإنما يستحق العبادة مِن صنعها، وسخرها للعباد؛ فهذا هو الذي يستحق العبادة -سبحانه وتعالى- فالله يقول : {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}, {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ........}[غافر:62], ليس لا إله موجودًا الآلهة الموجودة كثيرين ما مِن شيء إلا وعُبِدَ, لكن ما هم إله، سماه مَن يعبده إله، ولكنه ليس إله الإله في لغة العرب كل ما ُعِبَد؛ فكل ما عُبِدَ مِن دون الله كانوا يقولون مَن فعل هذا بآلهتنا يقول قوم إبراهيم : مِن فعل هذا بآلهتنا؛ فهذه آلهتهم، {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6], وقالوا : {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا........}[ص:5], الآلهة الذي تعبد نعبدها هذه نجعلها إلهًا واحدًا, {........إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص:5], فهذه سموها آلهة لكن تسمية هل هو إله على الحقيقة؟ لا يمكن أنْ يكون إله على الحقيقة؛ لأنَّ الإله على الحقيقة الذي يُعْبَد على الحقيقة لا بد أنْ يكون يستحق العبادة كيف يستحق العبادة؟ يستحق عابده أنْ يقف له، أنْ يركع له، أنْ يصلي له، أنْ يدعوا منه ما يستحق هذا هو ما يستطيع أنْ ينفع عبده بشيء؛ فإذن مَن يَعْبُد غير الله -تبارك وتعالى- عبادة باطلة، ووضعها في غير محلها وضعها في شمس، في قمر، في بشر في غير محلها وضعت هذه العبادة التي هي أشرف عملك، أشرف عمل الإنسان العبادة لأنها ثمرة القلب، وتقديس يخرج, هذا العابد يقدس معبوده، وينحني له، ويسجد له، ويطلب منه، والحال أنه لا يستحق كل هذا، ما يستحق كل هذا التقديس, الذي يستحق هذا هو الله رب العالمين -سبحانه وتعالى-؛ فالله هو الذي لا إله إلا هو, {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[غافر:62], كيف تقلب على رأسك لا تفقه هذا، ولا تفهم هذا, {تُؤْفَكُونَ}, تُقْلَبُونَ؛ فهذا الكافر منكوس, مقلوب، المُشْرِك بالله -تبارك وتعالى- لا عقل له, منكوس القلب، والعقل لما؟ كيف تدعوا غير الله -تبارك وتعالى- كيف تدعوا مِن دون الله إله لا ينفعك؟ لا يضرك، ما يفيدك شيء، هو لا يستطيع أنْ يفيد نفسه، ولا أنْ ينجي نفسه مِن عذاب الله إذا أراده، ما يملك لِنَفْسِهِ ذرة مِن الخير، ومِن النفع، ولا يملك في هذا الكون ذرة, {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ........}[سبأ:22], ما يشترك مع الله في مُلْكِهِ شيء, {........وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}[سبأ:22], {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ........}[سبأ:23], شفاعة هذه الذين تدعونهم مِن دون الله، وتعبدونهم ما يقبل الله -تبارك وتعالى- شفاعتهم إلا لمن أذن له بالشفاعة، إلا أنْ يقول له اشفع عند ذلك يشفع يقال : يا محمد ارفع رأسك، واشفع تشفع، وسل تعطي؛ فالله يأذن له أولا أنْ يشفع, {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}, مَن هو؟ مهما كان مَلَك، ولا رسول، ولا غيره ما يقدر يشفع عند الله -تبارك وتعالى- إلا إذا أذن له الله -تبارك وتعالى- وقال له : اشفع أَقْبَلُ شفاعتك اشفع؛ ثم يحدد له مَن يشفع فيهم يقول له : اشفع في هذا الصنف، أو في هذا الشخص، أو في هذا؛ فيحدد له هو الذي يشفع فيهم ما أنْ هو يقترح على الله -تبارك وتعالى- ويقول له : أنا جئتك اشفع في هؤلاء، لا, لا يستطيع هذا لا بد أنْ يشفع في مَن يحدهم الله -تبارك وتعالى- وإذا شفع في مَن يعلم أنْ الله -تبارك وتعالى- لا يقبل فيه رجاء وشفاعة ما يقبله الله -تبارك وتعالى- ويرده, كما قال -جلَّ وعَلا- : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة:113], {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ}, ما ينبغي له, {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى}, ولو كانوا أقرباء لهم، لو أبوه، ولا أخوه، ولا قريبه, {........مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة:113], إذا كان تبين له أنه مات على الكفر أنَّ قريبه هذا مات على الكفر فهذا ما ليس له؛ ثم قال الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[التوبة:115], فهذا الله -تبارك وتعالى- يقول لهؤلاء : {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}, أنى يُقْلَبُونَ عن الحق، ويتركون الإله الواحد الله -سبحانه وتعالى- خالق كل شيء يُتْرَك الرب, الإله الذي هو خلق كل شيء، وبيده كل شيء، ويُعْبَدُ من دونه ما لا يملك شيء لا يملك لعابده نفع ولا ضر بل لا يملك لِنَفْسِهِ هو نفعًا ولا ضرًا, {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[غافر:62], {فَأَنَّى}, كيف, {تُؤْفَكُونَ}, كيف تؤفكون هكذا، وتُقْلَبُونَ وتبقون على هذا الشرك بهذا الكذب، وعمل لا ينفع صاحبه قط، وإنما يضره، ولكن يظل سبحان الله على هذا يترك الرب الإله -سبحانه وتعالى- الذي يستحق العبادة، ويعبد مَن لا يستحق العبادة، قال -جلَّ وعَلا- :{كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[غافر:63], هذا السِّر، هذا هو سر هذا الإفك والكفر, {كَذَلِكَ}, كهذا يسير الكافر في الباطل، ويدعوا ما لا ينفعه، وما لا يضره، ويترك عبادة الرب, الإله الواحد -سبحانه وتعالى-, الذي بيده الخير كله، ولا يدفع الضر إلا هو، يترك الله الذي يستحق العبادة حقًا وصدقًا، ويعبد ما لا يستحق العبادة؛ لأنه جاحد بآيات الله -تبارك وتعالى-؛ لأنه مكذب لما كذب بآيات الله -تبارك وتعالى-, أعماه الله جعل له هذا العمى، وجعل له هذا؛ فجعله يسير فيما لا يفيده يبذل مهجة قلبه، وثمرة بدنه، وعمله، ويدفع أمواله، ويجد ويجتهد في إله ما ينفعه بشيء، ولا يستطيع يضره بشيء؛ فيكون سعيه كله إلى ضلال, {كَذَلِكَ يُؤْفَكُ}, يُقْلَبُ ويفهم الأمور بالمعكوس على غير صورتها, {........الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[غافر:63], قُدِّمَتْ لهم آيات الله -تبارك وتعالى- آيات الله المسموعة هذه مِن الرسل، وآياته المنظورة في الخَلْقِ، ولكنه جحدها، الجحد هو الإنكار, أي أنكرها ولم ينسبها لله -تبارك وتعالى- وأخفاها، وعميت عنده، ولم يظهرها، ولم يؤمن بها, {كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[غافر:63].
ثم تفضل مِن الله -تبارك وتعالى- لبيان صفة الرب -تبارك وتعالى- وإنعامه وإفضاله, {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[غافر:64], هذا هو الله -سبحانه وتعالى-, وهذا إنعامه وإفضاله على الخَلْقِ, {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا........}[غافر:64], الأرض ما ينفك عنها أحد مِن أهلها أين يذهب فيها والأرض هي ملاذه، هذه أمنا ما لنا طريقة نخرج نعيش في غيرها؛ فهو الذي جعل لكم الأرض أيها الناس المخاطبين, {قَرَارًا}, قرار مستقر، انظر ضع كوب الماء أمامك ضع كذا تجد أبدًا ساكن لا يتحرك قارة مستقرة, {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا........}[غافر:64], قارة مستقرة ليست تهتز وتضطرب، ولو تركها الله -تبارك وتعالى- وخلاها لاضطربت؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- أرساها بالجبال، وهذا فيه دليل للمخاطبين عند نزول القرآن ليعلموا أنَّ هذه الأرض ما هي تحتها شيء, كما قال -جلَّ وعَلا- : {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا}[النازعات:32], فلم يرسها إلا بالجبال التي جعلتها ثابتة, مما يدل على أنها في فضاء، في هواء، وقد رأى الناس الآن بعد هذا رأوا بأم أعينهم، رأوا أرضهم التي يسكنون عليها رأوها كأنها مثل ما يروا القمر، ومثل ما يروا الشمس, كرة معلقة في هذا الفضاء تسير, رأوا هذا رأى العين, بأعينهم الآن يرون هذه، يرون أرضهم وهي تسير على هذا النحو، ومع ذلك هي قارة، ساكنة تسير في مسارها، وفي مداراتها المتعددة مدار حول نفسها, دورة كاملة تدور حول نفسها في يوم وليلة أربعة وعشرين ساعة، وتدور دورة كاملة حول الشمس هذه مركز هذه المجموعة, أُمّ الأرض، وأُمّ مجموعتها تدور دورة كاملة تأخذ سَنَة شمسية قربًا، وبعدًا مِن الشمس، وميلًا لمحورها حتى تتكون أربعة فصول مِن الفصول عليها؛ فهذا الأرض التي جُعِلَتْ قارة، والحال أنها بهذه الحال؛ فهذا الرب من يستطيع أنْ يفعل هذا غيره؟ فالله يخبرنا عن نَفْسِهِ -سبحانه وتعالى-, ويقول : {اللَّهُ}, هو, {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً}, السماء التي فوقهم بناها، بناها بناء، وبنائها قوي ما هو هش، ولا متداعي بحيث إنه يسقط منها, لو سقطت علينا قطعة مِن قطع هذه السموات لما كانت لنا حياة, لكن الله -تبارك وتعالى- بناها، وجعلها سقف محفوظ لهذه الأرض، كما قال الله -تبارك وتعالى- : {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا........}[الأنبياء:32], وقال : {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}, بقوة, {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}, موسع الله -تبارك وتعالى- هذه السماء سعة لا تبلغها عقول المخاطبين، عقول البشر لا تبلغ سعة هذه السماء العظيمة, {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرأْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ........}[غافر:64], صوركم المخاطبين بني آدم, {فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}, الإنسان قد خَلَقَهُ الله -تبارك وتعالى- في أكمل صورة، أحسن صورة بالنسبة إلى سائر الحيوانات الذين يعيشون في هذه الأرض صورة الإنسان أكمل صورة مِن حيث اعتدال القامة، والسير على رجلين، وليس على أربع، وخلو جسده مِن الريش والشعر كالطيور والحيوان، وتكميل صورة الوجه, إنما صورة وجه الإنسان على هذا النحو, أكمل صورة وجه لكل هذه المخلوقات, انظر كل الوجوده بعد ذلك وجه الحيوان، وجه البقرة، الثور، الأسد، غيره صورة هذا الوجه بوجود العينين في رأسه في المكان المناسب، الأذنين بالحجم والمكان المناسب، تجميل الصورة بالرأس, بهذا الشعر, تكميل الله -تبارك وتعالى- الرجال باللحى، وحجب هذه اللحى عن النساء؛ فتكون المرأة في أكمل صورة، والرجل في أكمل صورة, هذا لا شك النظر في هذا، والبحث في هذا، والبحث في كل عضو بذاته, وانظر هذا العضو كيف كمله الله -تبارك وتعالى- هذه اليد يد الإنسان مِن أكمل وأعظم الآلات الموجودة في الأرض كلها؛ فلا أكمل مِن هذه اليد التي تقوى؛ فتحمل الأثقال، وتضرب بها, وترق فتكتب أدق الخطوط، وتتحرك في كل اتجاه وهي متناسبة طولًا مع جسم الإنسان تناسبًا عظيمًا, كذلك تناسب الأرجل, لا شك الإنسان في أحسن تقويم؛ فالله -تبارك وتعالى- يخبرنا بأنه هو الذي بنانا هذا البناء البديع, الجميل، وصورنا في هذه الصورة التي هي أكمل صورة، وأحسن صورة, {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين:4], {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار:6], {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}[الانفطار:7], معتدل اعتدال القامة، وقيامه على قدمين يسير عليهما، وكون يديه بجواره, انظر هذا بالنسبة إلى سائر المخلوقات الأخرى التي تمشي على أربع، والتي تزحف على بطنها؛ فشتان بين خَلْقِ الإنسان، وبين خَلْقِ هذه الموجودات الأخرى مِن الحيوان؛ فصانع هذا لنا وفاعل هذا هو الله -سبحانه وتعالى-, ربنا -سبحانه وتعالى-, {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ........}[غافر:64], الحمد لله رب العالمين, {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}, رزقكم فيما تأكلون وتلبسون, تأكلون وتشربون وتلبسون, {مِنَ الطَّيِّبَاتِ}, الطيبات, انظر إلى طعام الإنسان رزق عظيم مِن الطيبات, {فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إلى طَعَامِهِ}[عبس:24], {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا}[عبس:25], {ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا}[عبس:26], {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا}[عبس:27], {وَعِنَبًا وَقَضْبًا}[عبس:28], {وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا}[عبس:29], {وَحَدَائِقَ غُلْبًا}[عبس:30], {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}[عبس:31], انظر ما نأكله ممن هو طيب الطعم، طيب الرائحة، الرائحة الطيبة، جميل في الشكل, انظر شكل الفاكهة في أوان نضجها كيف تكون بألوانها المختلفة، وأشكالها المختلفة بهية للنظر مِن الطيبات؛ ثم المشتهيات مِن لحم طير، لحم الحيوان الطيب؛ فرزقكم مِن الطيبات طعامًا وشرابًا وكساءً كذلك مِن الطيبات؛ فهذه نِعَم الرب -تبارك وتعالى- وإفضاله على خَلْقِهِ -جلَّ وعَلا-, {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ}, {ذَلِكُمُ}, الذي صنع كل هذا هو : {اللَّهُ}, الله المعروف بهذا الاسم الله -تبارك وتعالى- الذي يعرفه كل خَلْقِهِ بهذا الاسم، ولم يتسمَ به غيره,{ رَبُّكُمْ}, خالقكم، سيدكم، مولاكم، متولي شئونكم -سبحانه وتعالى-, {........فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[غافر:64], تبارك؛ تعاظم خيره وبِرُّهُ وإحسانه -سبحانه وتعالى-, فهذه كلها بركاته خَلْق الأرض، خَلْق السماء، بناء الإنسان على هذا النحو, الرزق مِن الطيبات هذا كله صنيعه, {فَتَبَارَكَ اللَّهُ}, عَظُمَتْ بركاته -سبحانه وتعالى-, عَظُمَ خيره, عَمَّ فضله وإحسانه -سبحانه وتعالى-, {اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}, أنه رب العالمين هو ربهم، خالقهم تبارك أنه هذه عنايته بهم -سبحانه وتعالى-, هذه عنايته بهم, انظر عنايته يخلق لهم الليل، يخلق لهم النهار، يخلق لهم الطيبات، يخلق البشر في أحسن صورة، يُسَخِّرُ له كل هذه النعم, {........فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[غافر:64], {هُوَ الْحَيُّ}, {هُوَ}, الله -تبارك وتعالى-, {الْحَيُّ}, مِن صفاته -سبحانه وتعالى-, {الْحَيُّ}, حياة لا شك أنَّ حياة الله -تبارك وتعالى- تليق بذاته غير حياة الإنسان الحياة بالنسبة إلينا معروفة، الحياة بالنسبة لنا الخَلْق ضد الموت، وحياتنا هي مفتقرة إلى أسباب نقوم بها؛ فالبشر وكل الأحياء مِن الخَلْقِ لا يقومون إلا بأسباب لحياتهم، طعام لا بد أنْ يطعموه، شراب لا بد أنْ يشربوه، ومناخ وطقس لا بد أنْ يعيشوا فيه, في حرارة معينة، وفي أجواء معينة، وهواء لا بد أنْ يتنسموه لو حُبِسَ عنهم هذا الهواء دقائق محدودة اختنقوا وماتوا وانتهوا؛ فحياتنا حياة البشر بأسباب، وأما الله -تبارك وتعالى- فهو الحي بذاته -سبحانه وتعالى- لا يحيا، لا يطعم, ولا يشرب, {الْحَيُّ}, الذي لا يموت -سبحانه وتعالى-, {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ........}[الفرقان:58], وهو يُطْعِم ولا يُطْعَم -سبحانه وتعالى-, هو يُطْعِم عباده، ولا يُطْعَم -سبحانه وتعالى-, وقد بكت الله -تبارك وتعالى- النصارى في عبادتهم عيسى، وعبادتهم مريم، وجعلها إلهة يعبدونها، يتقربون إليها, يقولون هذه أُم الإله، أُم الرب، قال -جلَّ وعَلا- : {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[المائدة:75], {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ}, وهذا دليل على نقصهم واحتياجهم، وأنَّ حياتهم لا تقوم إلا بسبب الطعام؛ فهم محتاجون إليه لو قُطِعَ الطعام عن الإنسان مات، وإنْ كان عيسى، وإنْ كانت أمه؛ فإنه لا يحيا إلا بطعام وشراب؛ ثم إنه لا يكتفي فقط بأنه محتاج إلى الطعام وإلى الشراب، بل لابد وأنْ تدركه ضرورة الطعام؛ فمن يطعم في هذه الدنيا ويأكل ويشرب؛ فلا بد أنْ تدركه ضرورة هذا مِن البول والغائط، تعالى الله -تبارك وتعالى- عن ذلك؛ فالله في حياته -سبحانه وتعالى- مخالف لحياة الخَلْق, حياة الخَلْق حياة تقوم بأسباب، وتقوم حياة محدودة لها بداية، ولها نهاية تبتدئ بولادة وببعث، أو قبل الولادة ببعث هذه الروح، وتنتهي بحياة الموت, أما الله -تبارك وتعالى- فهو الأول بلا ابتداء، وهو الآخر بلا انتهاء, {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الحديد:3], فهو الحي الحياة التي تليق به -سبحانه وتعالى-, والتي تخالف حياة المخلوقين الذين لهم بدايات، ولهم نهايات, {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ........}[غافر:65], لا معبود يستحق العبادة إلا هو ,الإله هو المعبود، الإله -سبحانه وتعالى هو المعبود, {لا إِلَهَ}, حقًا, {إِلَّا هُوَ}, حقًا يستحق العبادة, {إِلَّا هُوَ}, لأنه هو المتصف بهذه الصفات, الذي خَلَقَ الليل، خَلَقَ النهار، خَلَقَ البشر، صورهم، هو الذي يُحْسِنُ إليهم هو الذي يرزقهم بهذه الطيبات؛ إذن هو الإله وحده -سبحانه وتعالى-, {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ........}[غافر:65], إذن, {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}, {فَادْعُوهُ}, أيها المخاطبون, {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}, {مُخْلِصِينَ}, حال كونكم عند دعائه, {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}, أي غير داعين إلا هو, أما إذا دعوتم معه غيره؛ فقد أشركتم به، وهذا لا تكونوا, {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}, والله لا يقبل إلا الدين الخالص, {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ........}[الزمر:3], الدين الذي يقبله الله -تبارك وتعالى- هو ما كان خالصًا له, أما ما كان في شركة يدعى الله، ويدعى معه غيره؛ فالله يتركه، كما في الحديث «أنا أغنى الشركاء عن الشرك, مَن عمل عملًا وأشرك فيه غيري تركته وشركه», أنا الرب -جلَّ وعَلا- أغنى الشركاء عن الشِّرك، الله ما محتاج شركة، ما محتاج أنَّ واحد يتفضل عليه يعبد، يعبد إله له، ويعبد الله -تبارك وتعالى- فيجعل الله -تبارك وتعالى- فضلا، أو يجعل الله مساوٍ لإلهه, الله غنى عن هذا، بل الله -تبارك وتعالى- لا يريد إلا عبد خالص له لا يعبد إلا هو, {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر:29], فهذا الذي فيه شركاء متشاكسون الله غني عنهم واحد يعبد له مجموعة مِن الآلهة؛ فالله غني عنهم, هذا لا يقبله الله -تبارك وتعالى-, لا يقبل الله إلا عبد يخلص دينه له؛ فلا يعبد إلا هو -سبحانه وتعالى-, {فَادْعُوهُ}, أيها العباد, {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}, غير داعين إلا هو، وغير عابدين إلا هو -سبحانه وتعالى-, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر:65], {الْحَمْدُ}, بالألف واللام الاستغراقية كل المحامد لله، لا حمد لغيره إلا بما يُنْسَبُ له -سبحانه وتعالى-, وذلك أنَّ هذا الغير ما بيده شيء، ما ينفع شيء لا ينفع نَفْسَهُ، لا ينفع غيره، وإنْ نفع غيره كان واسطة لهذه؛ فالله -سبحانه وتعالى- هو الذي أجرى هذا عليه فَمَن نفعك بنافعة مِن الخَلْق يبقى مِن الله, إذا كانت الشمس نفعتك بأنْ دفأتك, كانت السبب في حياتك لكن مِن الله -تبارك وتعالى- وإذا كان أبوك، أو قريب، أو غيره نفعك بشيء؛ فلا شك أنّ هذا نفعٌ مِن الله -تبارك وتعالى-؛ فالله هو الذي جعل الوالدين، وهو الذي خَلَقَ، وهو الذي سَوَّى، وهو الذي يسر كل جريان هذه النعم؛ فالله مجريها -سبحانه وتعالى-, فإذا كانت تصلك عن طريق الغير؛ فإنها أصلًا مِن الله -تبارك وتعالى-, وهو الذي جعل هذا الغير يُجْرِي هذه النعمة إليك؛ وبالتالي فإنَّ كل المحامد له, {........الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر:65], {الْحَمْدُ}, كله, {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}, رب كل هذه العوالم -سبحانه وتعالى- فإذن يحمد لإفضاله وإنعامه الإفضال كله منه، وإذا كان هناك مِن غيره وسيلة توصل شيء مِن النفع لغيرها؛ فهي مِن الله كذلك؛ فهذه لا تكون إلا مِن الله, {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر:65].
نقف هنا -إنْ شاء الله-، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.