الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (580) - سورة غافر 66-75

الحمد لله ربِّ العالمين، وأُصَلِّي وأُسَلِّم على عبد الله، ورسوله الأمين سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى  يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر:66], {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[غافر:67], {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[غافر:68] {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ}[غافر:69], يأمر الله -تبارك وتعالى- عبده ورسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أنْ يعلن دينه لله -تبارك وتعالى-, {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي........}[غافر:66], {قُلْ}, أي لهم للنبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- لهؤلاء المشركين, {إِنِّي نُهِيتُ}, والذي نهاه هو الله -تبارك وتعالى-, لا يُنْهَى النبي إلا مِن الله -تبارك وتعالى- ولا يؤمر إلا مِن الله, {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ........}[غافر:66], هذه الآلهة الباطلة الذين تعبدونهم مِن دون الله قد جاءني النهي مِن الله -تبارك وتعالى- أنْ أدعوها، وأمرت ألا أدعوا إلا هو -سبحانه وتعالى-, كما قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله : {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا}[الإسراء:22], وكذلك : {........وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}[الإسراء:39], {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا........}[الإسراء:23], {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر:65], {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزمر:11], {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}[الزمر:12], {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الزمر:13], {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي}[الزمر:14], {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزمر:15], الله -سبحانه وتعالى- أمر عبده ورسوله محمد، وهو الذي اصطفاه الله -تبارك وتعالى- واختاره للعالمين أنْ يعبد الله -تبارك وتعالى- مخلصًا له الدين, نهاه الله -تبارك وتعالى- أنْ يدعوا مِن دون الله إلهًا, {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ........}[غافر:66], {أَعْبُدَ}, هذه الآلهة الذين تدعونهم مِن دون الله, {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى}[النجم:19], {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى}[النجم:20], {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى}[النجم:21], الملائكة, {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}[النجم:22], {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم:23], {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ........}[غافر:66], ويا خيبة وخسارة عبادتهم غير الله -تبارك وتعالى-, وما يعبدونه مِن دون الله, {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي........}[غافر:66], عندما جاءتني البينات مِن ربي، جاءته هذه البينات, هذا الكتاب المنزل مِن الله -تبارك وتعالى- الذي بَيَّنَ الله -تبارك وتعالى- فيه التوحيد والشرك, حقيقة التوحيد، وحقيقة الشِّرك، وأنَّ التوحيد هو المنجي, عبادة الله وحده لا شريك له، وأما عبادة غير الله -تبارك وتعالى- فباطلة, {........لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر:66], {وَأُمِرْتُ}, أمر الله -تبارك وتعالى-, {........أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر:66], أسلم له أخضع، أنقاد, الإسلام هو التسليم, أُسَلِّم أمري كله لله -تبارك وتعالى-, وأنقاد له -سبحانه وتعالى- بالطاعة والإنابة, أنيب إليه، أنقاد إليه، أُسْلِم له؛ فما يأمرني به أطيعه ولا أعصاه -سبحانه وتعالى-, وذلك أنه رب العالمين, {........أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر:66], خالقهم جميعًا، وسيدهم والمتصرف فيهم كل العالمين عَاَلم الملائكة، عَالَم الجن كل هذه العوالم الله ربها -سبحانه وتعالى- وبالتالي هو الذي يستحق أنْ يُعْبَدَ وحده لا شريك له، وأنْ يُسْلَمَ له, {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ........}[غافر:67], رب العالمين هنا المشار إليه, {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ........}[غافر:67], {خَلَقَكُمْ}, أيها المخاطبين, {مِنْ تُرَابٍ}, وذلك أنهم جميعًا يرجعون إلى نَفْسٍ واحدة هو آدم، وآدم خَلَقَهُ الله -تبارك وتعالى- مِن تراب هذه الأرض، مِن طين هذه الأرض, خَلَقَهُ الله تبارك وتعالى تراب بماء، خَلَقَهُ الله -جلَّ وعَلا- في السماء؛ فَصَدَقَ أنَّ هؤلاء الخَلْق مخلوقين مِن تراب؛ لأنَّ أصل خلقتهم مِن تراب، وإنْ كانوا تناسلوا بعد ذلك ذَكَر وأنثى ,{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ........}[غافر:67], الأب, {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ}, كل واحد، كل بعد ذلك, كل أحد مِن الذَّكَر والأنثى خُلِقَ مِن نطفة وهي هذه ماء الرجل، وكذلك ماء المرأة إذا التقيا, {ثُمَّ}, بعد هذا, {مِنْ عَلَقَةٍ}, تكون هذه النطفة الأولى وهي مجموع ماء الرجل، وبويضة المرأة، أو حيوان الرجل المني هذا, بويضة الرجلة عند ذلك تنغرس وتعلق في الرحم, {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}, بعد تطور الإنسان في بطن أمه وخَلْقِه يخرج الله -تبارك وتعالى- هذا الإنسان طفل، طفل حي يكون طفلًا، وذلك أنه يعيش على أبويه؛ فيحتاج إلى العناية والحليب، ومَن يغذيه، ومَن يقوم به, {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ}, في الحياة بعد ذلك تطور مِن حال الطفولة إلى حال المراهقة, إلى حال الشباب, إلى أنْ يبلغ الإنسان أشده، أشده قوة البدن, يبلغ القوة البدنية المقدرة لهذا الإنسان، وهذه تكون في تمام الثلاثين تقريبًا, {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا}, بعد هذا يبدأ الانحدار في الخَلْقِ؛ فيكبر الإنسان ويهرم إلى أنْ يشيخ الشيخ أي كبير السن, {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفى}, في هذه الفترة منذ أنْ يكون بذرة علقت بالرحم ممكن تموت بعد هذا، ممكن يُتَوَفَّى عندما يبلغ وتُنْفَخُ فيه الروح يتوفاه الله -تبارك وتعالى- وفي بطن أُمِّه، يتوفاه بعد الولادة، يتوفاه قبل أن يصل إلى حد هذه الشيخوخة, {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفى}, في هذه الأثناء, {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفى مِنْ قَبْلُ}, قبل الشيخوخة, {وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى}, ليبلغ كل منكم أجل مسمى لكل نفس, {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ........}[الأنعام:2], {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا}, لكل نَفْس منفوسة كتب الله -تبارك وتعالى- لها أجل قبل أنْ يخلقها، وتُكْتَبُ كتابة ثانية عند نفخ الروح، كما جاء في الحديث : «إذا مر على النطفة إحدى وأربعون ليلة أتاها مَلَك الموكل بالأرحام؛ فقال: أي ربي ما رزقه؟ ما أجله، ما عمله؟ ذكر أم أنثى؟ شقى أو سعيد», فَيُكْتَبُ هذه كل هذا, يُكْتَبُ الأجل, الوقت الذي سيموت وينتهى فيه عمر هذا الإنسان، يُكْتَبُ عمله، يُكْتَبُ رزقه، ويُكْتَبُ كذلك خاتمته هو مِن أهل الشقاء، ولا مِن السعادة عند الله -تبارك وتعالى-, ثم قبل هذا يحدد جنسه في هذا الوقت في أربعين يوم يحدد جنسه بعد ذلك ذكر أو أنثى، قال -جلَّ وعَلا- : {وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى}, كل نَفْس تبلغ أجلها الذي سماه الله -تبارك وتعالى- لها, {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}, {وَلَعَلَّكُمْ}, بهذا البيان، وهذا الإيضاح مِن الله -تبارك وتعالى-, {تَعْقِلُونَ}, أنَّ الرب الذي خلقكم على هذا النحو كنتم عدم وخلق آبائكم مِن تراب، قَدَّر نسلكم على هذا النحو مِن الماء المهين إلى أنْ أصبحت طفل، أصبحت رجل، إما يبلغ بك العمر إلى الشيخوخة، وإما تموت قبل ذلك، وفي أجل مسمى، ألا يكون لك عقل بهذا الخطاب الإلهي، وأنك أولًا في قبضة الله -تبارك وتعالى-, وأنك خَلْق مِن خَلْقِهِ، وأنك لا تنفك عن قضائه وقدره المحتم فيك خلقًا وحياةً وموتًا بعد ذلك، أين تذهب؟ إذن يا أيها الإنسان أين تذهب؟ أين لك إله غير هذا الذي خلقك، وصنع بك هذا الصنيع؟ أين لك إله آخر؟! كيف تهرب، وتذهب إلى غيره تعبده؟! والحال أنَّ الله -تبارك وتعالى- هو الذي صنع هذا بك, أليس هذا مِن الضلال البعيد للكافر، الكافر مجرم، مجرم مجرم، قل مجرم إلى ما لا نهاية بالفعل، بالغ في الإجرام كيف يصرف عن ربه الذي خَلَقَهُ على هذا النحو, يصرف عنه، ويذهب عنه إلى إله آخر لا يملك له نفع، ولا ضر يعبده ويعطيه ثمرة قلبه، يعطيه أشرف عمله ينحني له، يسجد له، يطلب منه، ويترك إلهه ربه -سبحانه وتعالى- إلهه الحق، ومولاه الحق, الذي صنع به هذا الصنيع؛ فأي إجرام أكبر من هذا؟! أي إجرام أكبر مِن إجرام الكافر, الجاحد بالله -تبارك وتعالى- والمشرك بالله -تبارك وتعالى-, الله يقول : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[غافر:67], بعد هذا الحديث لعلك تعقل الله يفصل هذا التفصيل لعل هذا الإنسان المخاطب يصبح عنده عقل يعقل؛ فيعرف إلهه الحق ومولاه الذي يستحق العبادة, ثم : {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[غافر:68], {هُوَ}, الله -سبحانه وتعالى-, {الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}, هو وحده، وليس هناك غيره مَن يفعل هذا، والحياة والموت أعظم نقلة في حياة الإنسان؛ فإنه بالحياة ينتقل مِن عدم ما كان شيء؛ ثم أصبح موجود حي يسمع ويبصر ويفكر ويقوم ويتحرك؛ ثم الموت أعظم نقلة بعد ما كان سائر في هذه الأرض يسمع ويبصر ويفعل ويكسب إذا به جثة هامدة انتهى؛ فهذا الذي يصنع بك أعظم نقلة في مسيرتك, ينزعك مِن العدم، ويجعلك إنسان موجود؛ ثم ينزعك مِن الوجود ويجعلك عدم تُفْقَد، تلُقْىَ في حفرة مِن الحفر تأكلك الديدان بعد ذلك، وتضمحل وتذهب، أين أنت عن هذا الإله الذي يصنع بك هذا، أين أنت عنه؟ كيف تنصرف إلى غيره؟! تعبد غيره هو الذي يملكك هذا، يملك حياتك، يملك موتك, {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[غافر:68], لا يتأبى عليه, لا يستعصي على الله -تبارك وتعالى-, الذي يصنع هذا لا يستطيع، لا يتأبى عليه شيء, {فَإِذَا قَضَى أَمْرًا}, أمراً ما, أي أمر يقضيه -سبحانه وتعالى-, {........فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[غافر:68], بالأمر الإلهي, الله لا يحتاج إلى معالجة أنْ يعالج الأمر حتى يستخرجه، كما الشأن في الإنسان؛ فإنَّ الإنسان لا يَسْلَم له شيء إلا بمعالجة شديدة بتفكير وعناء وبحث وحفر وشغل حتى يعمل أى شيء لو أراد يصنع عشة، لو أراد يصنع له شيء لا بد مِن عناء، ومِن فكر، ومِن معالجة، ومِن حفظ، ومِن كل هذا؛ فالمخلوق لا يصنع صنعته لا يفعل شيء إلا بعناء ومشقة ومكابدة, {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق:6], {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}[البلد:4], يكابد كل شيء, أما الله لا، الله -سبحانه وتعالى- لا يكابد شيء، ولا يكرثه شيء، ولا يتعبه شيء؛ فخَلَقَ الخَلْق بدون تعب, {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}[ق:38], أدنى تعب، لا يوجد تعب على هذا الخَلْق الذي لا تبلغ عقولنا نهاية له، لا في العمق، ولا في البعد الآخر, لا في البعد الأفقي هذا، ولا في البعد العمق أنْ نحن نبلغ العمق ما نصل الآن, حاولنا نتعمق في أدنى الأشياء، وأصغر الأشياء، وهي الخلية الحية الصغيرة حاول البشر يتعمقوا يدخل في داخل الخلية الحية؛ فإذا بها مجرة مِن المجرات العظيمة الهائلة, أين موجوداتها؟ مما عرف الآن وفصله الإنسان, عرف يفصل الآن ألف ومائتين مِن الجينات، وكل جينة مِن هذه الجينات موكلة بأمر مِن الأمور, لها أمر تصنعه في الخَلْقِ هذا باب مِن باب النظر في العمق؛ فإذا كان هذا في العمق؛ في عمق الخلية الحية ما وصلنا إلى أبعاد الخلية الحية حتى نصل إلى نهايتها ومكوناتها، وكذلك في العمق الأفقي في الخَلْقِ ما نصل إلى نهاية لهذا الخَلْق؛ فهذا أمر عظيم؛ فالخالق الذي خَلَقَ هذا خالق عظيم -سبحانه وتعالى-, {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[غافر:68], {قَضَى أَمْرًا}, مِن أمور الخَلْق أي أمر؛ فلا يعالجه، ولا يتعبه، ولا يكرثه، ولا هناك مشقة عليه في إيجاده، وفي بنائه, لا, بل بالأمر الإلهي, {........يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[غافر:68], سبحان مَن هذه صفته -سبحانه وتعالى- الرب الجليل، العظيم الذي يجل ويعظم عن أنْ يحيط أحد علمًا به -سبحانه وتعالى-, هذه صفاته -سبحانه وتعالى- يعطيها, يُبَيِّنهَا لعباده -سبحانه وتعالى-, ولا يمكن أنْ يحيط أحد علمًا بصفاته -جلَّ وعَلا-؛ فهي أَجَلّ وأعظم مِن أنْ تعيها وتحيط بها العقول، وكيف يحيط الإنسان وأي موجود علمًا بهذا الرب الخالق -سبحانه وتعالى-, الذي يعجز المخلوق أنْ يحيط علماً بمخلوقاته, بل ببعض مخلوقاته، بل بذرة مِن مخلوقاته أنْ يحيط علمًا بها، هل استطاع البشر اليوم أن يحيطوا علمًا بالذرة, وأنْ يحيطوا علمًا بالخلية الحية؛ فيعلموا كل مكنوناتها لا يستطيعون؛ فسبحان الرب العظيم الذي جلَّ خَلْقُهُ -سبحانه وتعالى- أنْ يحيط أحد علمًا بذرة مِن ذرات خَلْقِهِ -جلَّ وعَلا-, وهو الرب -سبحانه وتعالى- الذي لا يكرثه هذا الخَلْق، ولا يتعبه، ولا يشق عليه, {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا........}[البقرة:255], {وَلا يَئُودُهُ}, لا يتعبه، لا يكرثه، لا يشق عليه, {حِفْظُهُمَا}, حفظ السموات والأرض على النحو الذي هما عليه بهذا النسق، بهذا التنظيم, لا يصطدم كوكب بكوكب آخر, {........كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[الأنبياء:33], بصرامة, كل حجر صغير تجده في السماء يسير في مداره دون أنْ يأتي هذا عليه أي نوع مِن الخلل؛ فسبحان الذي هذا خَلْقُهُ, {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ........ }[فاطر:41], لا يوجد أحد بعد الله -تبارك وتعالى- يستطيع أنْ يُمْسِكَ السموات والأرض, {........إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[فاطر:41], {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[غافر:68] بالمباشرة, بمجرد توجه الأمر الإلهي له, {فَيَكُونُ}.

ثم قال -جل وعلا- {أَلَمْ تَرَ إلى   الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ}[غافر:69], بعد بيان الله -تبارك وتعالى- لعظمته وصفاته على هذا النحو يأتي من يجادل في آيات الله -تبارك وتعالى- ويرد آيات الله -تبارك وتعالى-, ويجحد بالرب -جلَّ وعَلا- يجحد به، يجحد بصفاته, يجادل في آلهته السخيفة التي يعبدها مِن دون الله -تبارك وتعالى- كيف يكون هذا؟! قال -جلَّ وعلا- : {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ}[غافر:69], كيف يصرفوا هؤلاء, كيف يصرف يتحول الذي يجادل في آيات الله بأنْ يدافع عن شركه، يدافع عن كفره، يدافع عن مروقه وخروجه عن دائرة الرب, يجادل في آيات الرب -تبارك وتعالى-, يجادل عن طاعته وحده لا شريك له، كيف يُصْرَف هذا مع هذا البيان والإيضاح, وقيام الدليل والبرهان، ومع ذلك هو يصرف وينصرف عن عبادة ربه الواحد -سبحانه وتعالى-, ويجادل في آيات الله، يريد أنْ يرد آيات الله -تبارك وتعالى- بالباطل الذي عنده, {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ}[غافر:69], {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا........}[غافر:70], هؤلاء الذين يجادلون في الكتاب، الذين يجادلون في آيات الله, {كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ}, {بِالْكِتَابِ}, كذبوا بكتاب الله -عز وجل-, المنزل مِن عنده -سبحانه وتعالى- كتاب منير، واضح، بَيِّن لكنهم كذبوا به، قالوا : ما هو صدق، قالوا ما فيه مِن كل ألوان الإجرام في الافتراء، قالوا : كهانة، {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفرقان:5]، قالوا : افتراه هو كذبه وأفكه، قالو ا: هذا سِحْر, قول بشر جاء به محمد يُفَرِّقُ به جماعتنا, يُفَرِّقُ به بين الرجل وزوجه، وبين الأخ وأخيه، والابن وأبيه، قالوا : هذا أشياء مسطرة مِن قديم والنبي جاء بها بأي طريق، وما زال يقول المجرمون اليوم مِن النصارى واليهود بأنَّ الرسول جاب هذا القرآن تعلمه مِن بعض القساوسة، وبعض اليهود الذين جلس عندهم؛ فتعلم منهم هذه الكلمات؛ فيجادل في آيات الله -تبارك وتعالى- بأنْ يرد آيات القرآن، ويجادل في آيات الله -تبارك وتعالى-  المصنوعة المنظورة؛ فيدفعها ويجحدها مِمَن يقول الآن مِن الكفار, أصناف الكفار لا حصر لهم إنَّ الكون هذا خُلِقَ وحده, انفجار عظيم كان هذا الانفجار بدون أنْ يكون هناك وراء هذا الانفجار أحد هو الذي الكون هذا فَجَّرَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ على هذا النحو, وكل جُرْم مِن هذه السماوات، وكتلة مِن هذه الكتل الملتهبة وضعت نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا في مدارها ومسارها، وكان مِن حظ الأرض أنَّ فيها ماء؛ فَوُجِدَ فيه تكثف هذا الماء الذي  كان أبخرة على ظهرها، ووجدت منه المحيطات، ودارت هذه الآلة وحدها بدون مدير، دارت هكذا، وخُلِقَ الخَلْق هكذا البشر والحيوان والنبات خُلِقُوا هكذا بدون موجد، وبدون خالق هذا أكبر إجرام بهؤلاء القائلين, المجادلين في آيات الله -تبارك وتعالى- أقول لو قلت فيهم مجرم، مجرم, مجرم وظللت تقول هذا القول إلى نهاية عمرك؛ فإنك لا تبلغ الوصف الحقيقي, لا يمكن تبلغ الوصف الحقيقي في هؤلاء, {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ}[غافر:69], {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا........}[غافر:70], مِن الآيات الواضحات، البَيِّنَات، والمعجزات الباهرات، قال -جلَّ وعَلا- : {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}, هنا يأتيهم التهديد الإلهي، قال : {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}, سوف يعلمون عاقبة إجرامهم هذا, عاقبة هذا الإجرام في رد آيات الله -تبارك وتعالى-, وفي التكذيب بها، وفي ردها, {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}, لكن متى؟ {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ}[غافر:71], {فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ}[غافر:72], {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}, أنهم كانوا مجرمين، مجرمين يلعنون أنفسهم ويمقتونها، وأنهم عرفوا الحق ولكن ردوه وكذبوه، وآمنوا بالزور والباطل، وتركوا الحق الواضح البين, {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ........}[غافر:71], {إِذِ}, عندما تكون, {الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}, {الأَغْلالُ}, أطواق, القيود التي تقيد أعناقهم، وقد أخبر -سبحانه وتعالى- بأنَّ الغِلّ يصل مِن الصدر, مِن الترقوة إلى الرقبة؛ فيكون كل هذا غل يملكه حتى لا يستطيع  لرأسه أي حركة, {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إلى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ}[يس:8], إلى النار يُقْمَحُ ويُدْفَعُ إلى النار على هذا النحو, {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ}[غافر:71], {السَّلاسِل}, جمع سلسلة, هذه سلاسل النار يسحبون بها -عياذاً بالله-, تسحبهم ملائكة العذاب, {فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ}[غافر:72], {فِي الْحَمِيمِ}, الماء الذي بلغ حده مِن الحرارة، وهذا الحميم أخبر الله -تبارك وتعالى- بأنه مِن الحرارة يشوي الوجوه عند تقريبها، كما قال -تبارك وتعالى- : {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}, فهو ماء ولكنه {كَالْمُهْلِ}, كالمعدن المذاب, {........يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}[الكهف:29], وقال : {........وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}[محمد:15], فيسحبون على هذا النحو في الحميم الماء الذي بلغت ماء العذاب، ماء جهنم، وليس ماء كماء الدنيا رقيق، وإنما ماء غليظ كالمعدن المذاب, {فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ}[غافر:72], {يُسْجَرُونَ}, تشتعل فيهم، تشتعل النار في أبدانهم، {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}, {........ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ}[غافر:72], يُشْعَلُونَ؛ فيشعل بالنار، والنار تشتعل به، وهو يشتعل بالنار بنار الآخرة -عياذًا بالله-, {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ}[غافر:73], {قِيلَ}, لهؤلاء المجرمين, {........أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ}[غافر:73], في هذا الحال، وهم على هذا الحال، وهذا الوقت، وهم في الأغلال، وهم يسحبون في الحميم، وتشعل النار بأجسادهم, {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}, يقال لهم : {........أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ}[غافر:73], {مِنْ دُونِ اللَّهِ}, أين آلهتكم التي كنتم تشركونها من دون الله؟ {........أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ}[غافر:73], {مِنْ دُونِ اللَّهِ}, تجعلون إله، قال : لكم آلهة تعبدونها غير الله -تبارك وتعالى-, وانظر الجواب : {........قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ}[غافر:74], {قَالُوا}, أي قال هؤلاء المفتونون، الكذابون، المجرمون, {ضَلُّوا عَنَّا}, لا ندرى أين ذهبوا؛ ثم يوغلون ويوغلون في الكفر، وكذلك في الكذب، ويظنوا الكذب نافعهم يقولوا : {بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا}, فَيُقْسِمُونَ بأنهم ما عبدوا، ولا دعوا إلا الله -تبارك وتعالى-؛ كما قال -جلَّ وعَلا- : {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام:23], {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ........}[الأنعام:24], فيقسمون بالله بأنهم لم يكونوا مشركين، ويتبرءوا مما كانوا يعبدونه, {........قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ}[غافر:74], قال -جلَّ وعَلا- : ........كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ}[غافر:74], كهذا الضلال في الدنيا والآخرة, {يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ}, ثم يقال لهم : {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ}[غافر:75], {ذَلِكُمْ}, هذا العذاب الذي أنتم فيه الآن, {بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}, فرح, {بِغَيْرِ الْحَقِّ}, فرح بالباطل، فرح بهذه الدنيا الغرارة التي غرتكم وألهتكم، وهذا الفرح لا يحبه الله -تبارك وتعالى-, {........لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}[القصص:76], بالدنيا وهي نعيم زائل، فرح بآلهتهم ومعبوداتهم الباطلة, يفرحون بها ويعبدونها، وهم يكونون في شوق إليها، واشمئزاز وضيق بعبادة غير الله -تبارك وتعالى-, {.......بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ}[غافر:75], المرح فعل اللاهي، اللاعب، الهازل, الذي ليس لا يرى أنه مكلف بشيء، والذي يعتقد يظن أنه له أنْ يعتقد ما شاء، وأنْ يأكل ما شاء، وأنْ يشرب ما شاء، ويلبس ما شاء، وأنه ليس مقيد بشيء؛ فالله -تبارك وتعال- يقول : هذا الذي صنعتموه في الدنيا على هذا النحو هو الذي أوردكم وجعلكم في النار على هذا النحو.

سنعود -إنْ شاء الله- إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.