الحمد لله ربِّ العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ}[غافر:69], {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}[غافر:70], {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ}[غافر:71], {فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ}[غافر:72],{ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ}[غافر:73], {مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ}[غافر:74], {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ}[غافر:75], {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}[غافر:76], {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}[غافر:77].
يُخْبِرُ -سبحانه وتعالى- عن المآل الذي سيؤول إليه هؤلاء المعاندين لآيات الله -تبارك وتعالى-, {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ........}[غافر:69], يريدون أنْ يدفعوا الحق مِن آيات الله -تبارك وتعالى- الآيات المنزلة مِن الله، وهي الحق منه -سبحانه وتعالى- بالباطل الذي يعتقدونه، قال -جلَّ وعَلا- : {أَنَّى يُصْرَفُونَ}, كيف يصرفون هكذا عن الحق مع وضوحه وبيان دلالاته, {أَنَّى يُصْرَفُونَ}, {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ}, الكتاب القرآن المنزل مِن الله -تبارك وتعالى-, {وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا}, الآيات المنزلة مِن الله -تبارك وتعالى-, وقد أكدت آيات عيانية، بيانية, {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا........}[غافر:70], تهددهم الله -عز وجل- قال : {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}, {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ}[غافر:71], سوف يعلمون أي أنَّ كبرهم هذا، وردهم للحق، ومحاولتهم دحضه بالباطل الذي عندهم، وردهم آيات الله -تبارك وتعالى- وتكذيبهم بآيات الرسل؛ فإنَّ الرسل دعوتهم دعوة واحدة، دعوة الرسل دعوة واحدة، وبالتالي كل دليل يُظْهِرُهُ الله -تبارك وتعالى- برهان على رسول إنما هو دليل للرسل جميعًا، وذلك أنه مِن الله -تبارك وتعالى-؛ فهؤلاء الله -تبارك وتعالى- يقول : {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}, {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ........}[غافر:71], عندما تكون يوم القيامة, {الأَغْلالُ}, وهي هذه القيود التي تقيدهم أطواق مِن حديد النار الذي يقيدهم, {وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ}, {فِي الْحَمِيمِ}, الماء المغلي الذي وصل حُمُوَّهُ, {........ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ}[غافر:72], تشتعل أجسادهم بالنار؛ فإنَّ النار {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}, فعندما تُسْجَرُ وتشتعل أجسادهم بالنار في يوم القيامة، وهم على هذه الحال في القيود، والسلاسل عند ذلك يعلمون أنَّ ما كانوا عليه إنما هو الباطل, {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ}[غافر:73], يقال لهم وهم في هذه الحالة مِن حالة العذاب والنكال, {........أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ}[غافر:73], {مِنْ دُونِ اللَّهِ}, أين آلهتكم التي كنتم تعبدونها مِن دون الله؟ أين الشمس لتغني عنكم؟ أين القمر؟ والشمس والقمر حجران حقيران في جهنم معهم، أين أصنامكم؟ وقد أصبحت هذه الأصنام أجزاء مِن النار, {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ........}[الأنبياء:98], وأما الذي ظنوه أنه الملائكة عبدوا الملائكة؛ فإنَّ الملائكة في رحمة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه بريئون مِن عبادة هؤلاء، والذين عبدوا عيسى بريئون، عيسى بريء منهم، يبرأ منهم؛ فيقال لهم : {........أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ}[غافر:73], {مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا........}[غافر:74], ما نحن نشاهدهم, {ضَلُّوا عَنَّا}, ثم يكذبون فيقولون : {بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا}, يظنون أنَّ كذبهم نافع لهم في هذا، أو : { بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا}, أي كل الذي دعوناه لم تكن له حقيقة نافعة؛ فجعلوهم لأنه لم تنفعهم، لم تنفعهم هذه العبادة ؛ فكأنهم لم يستفيدوا شيئًا مِن هذا, {بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا}, قال -جلَّ وعَلا- : {........كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ}[غافر:74], كهذا الضلال, {يُضِلُّ اللَّهُ}, -تبارك وتعالى-, {الْكَافِرِينَ}, فيضلون في الدنيا، وفي الآخرة كذلك يقسمون بالله, {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام:23], {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ........}[الأنعام:24], فعلى هذا الصورة مِن صور الضلال, {يُضِلُّ اللَّهُ}, -تبارك وتعالى- الكافرين, {ذَلِكُمْ}, هذا الذي أنتم فيه مِن العذاب والنكال, {بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}, تفرحوا بشرككم, بفسقكم, بفجوركم, بابتعادكم عن طريق الرب -سبحانه وتعالى-, {وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ}, مرح كما قال الله في شأن الكافر : {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق:13], {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}[الانشقاق:14], فهو في حالة مِن المرح و الاستئناس والرضا بما هو عليه مِن الكفر والضلال، والحال أنّ هذا حال لا شك أنه لو كانوا يعقلون لكان حال مقلق، وكان حال مخيف جدًا أنْ يكون معاندًا ومعارضًا للرب -تبارك وتعالى- في أرضه، وتحت سمائه, وفي آياته كيف يقر لهذا قرار مَن هو على هذا الحال, لكنهم كانوا في الدنيا يفرحون ويمرحون, {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا}, هذا الأمر الإلهي يقال لهم على هذا النحو : {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ}, وقد أخبر -سبحانه وتعالى- بأنَّ لجهنم سبعة أبواب، قال : {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}[الحجر:44], كل ناس سيدخلوا مِن الباب الذي أُعِدَّ لهم، وكل باب يفضي إلى دركة مِن الدركات -عياذًا بالله- {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا}, بئست البشرى لهم، بئست البشرى والإخبار لهم أنهم يدخلوا بلا خروج, أنه دخول بلا خروج, {خَالِدِينَ فِيهَا}, باقين فيها بقاءً لا ينقطع, {........فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}[غافر:76], بئس لإنشاء الذم, لا مثوى أذم وأشد كراهية، وأشد إيلامًا مِن هذا المثوى، المثوى مكان الثواء, مكان الإقامة، ومكان البقاء, {فَبِئْسَ مَثْوَى}, مقام وبقاء, {الْمُتَكَبِّرِينَ}, كنتم متكبرين على الحق في الدنيا, علمتم الحق، وَوُضِّحَ لكم، ولكنكم لم تقبلوه, {........فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}[غافر:76], النار -عياذًا بالله- نسأل الله -تبارك وتعالى- أنْ يجنبنا وإخواننا المؤمنين إياها؛ ثم قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله : {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ........}[غافر:77], إذا كان هذا هو المآل الذي سيؤول إليه المتكبرون ممن لم يرضوا هذه الرسالة، وممن دفعوها بكل ما دفعوها به رسالة الحق المنزلة على عبد الله ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه-, إذن {فَاصْبِرْ}, على ما النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه مِن الابتلاء مِن أذى هؤلاء الكفار، ومِن تكذيبهم, {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}, لك ولهم؛ فوعد الله -تبارك وتعالى- حق لا بد أنْ ينصره الله -تبارك وتعالى- الله ناصر رسوله كما وعد -سبحانه وتعالى- في الدنيا والآخرة, كما جاء في نفس السورة : {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}[غافر:51], {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}[غافر:77], وهنا بَيَّنَ الله -تبارك وتعالى- بأنه إما أنْ يصيب هؤلاء المكذبين للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بعض ما يعدهم الله -تبارك وتعالى- ويتهددهم به في العذاب الدنيوي، أو يتوفى النبي -صلوات الله والسلام عليه- ثم يعاقبهم الله -تبارك وتعالى- بعد وفاته؛ فالأمر إليه, {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ}, أي في حياتك, يعذب هؤلاء القوم، وأنت شاهد, {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ}, أي مِن العذاب والنكال, {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ}, قبل ذلك, {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}, فإنَّ مرجعهم إلى الله -تبارك وتعالى- ليحاسبهم على كفرهم وعنادهم، وقد أرى الله -تبارك وتعالى- النبي بعض هذا العذاب كما أراه عذاب الكبراء ممن كانوا يقفون في وجه هذه الدعوة، ويصدون عن دين الله -تبارك وتعالى-, ويؤذون النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-, أراه الله -تبارك وتعالى- عذابهم في بدر؛ فإنهم جُمِعُوا هؤلاء السبعون، سبعون مِن كبار قريش وصناديدها جُمِعُوا كلهم في قليب واحد، وأُلْقُوا فيه، وقال لهم النبي ناداهم بأسمائهم، قال لهم يا فلان، يا فلان، يا فلان هل رأيتم ما وعد ربكم حقا هذه نهايتكم، وتلك الذي دخلتم في عذاب الله -تبارك وتعالى- فإني وجدت ما وعدني ربي حقا؛ فهذا بعض هذا، وكذلك قبل هذا قد كفاه الله -تبارك وتعالى- سبعة مِن المستهزئين، قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله : {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}[الحجر:95], {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ........}[الحجر:96], كان هناك سبعة مِن كبار قريش يستهزئون بالنبي وبدعوته؛ فكفاه الله -تبارك وتعالى- إياهم قُتِلُوا جميعًا؛ فَبَشَّرَ الله -تبارك وتعالى- رسوله أولًا بأنَّ وعد الله -تبارك وتعالى- له بالنصر والتمكين وبلوغ هذا الدين ما سيبلغ حق, ثم عقوبة الله -تبارك وتعالى- في المعاندين حق، وأنها لا بد نازلة, {........فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}[غافر:77], فإنَّ مآلهم في النهاية ومرجعهم إلى الله -تبارك وتعالى- ليعاقبهم على الكفر والعناد, {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ}[غافر:78], {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا}, يخبر -سبحانه وتعالى- بأنه قد أرسل رسلًا مِن عنده إلى الناس قبل إرسال النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- فمحمد -صلى الله عليه وسلم- هو آخر الرسل, {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ........}[غافر:78], مِن هؤلاء الرسل مَن قَصَّ الله -تبارك وتعالى- أخبرهم على النبي كما جاء في القرآن ما قصه الله -تبارك وتعالى- مِن شأن نوح -عليه السلام-، ومِن شأن إبراهيم، ومِن شأن موسى، ومِن شأن هود، وصالح؛ فقد قَصَّ الله -تبارك وتعالى- قصصهم على النبي -صلوات الله والسلام عليه- وفي كل هذه القَصَص بيان هذه السُّنَة إنجاء الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء الرسل، ومَن معهم مِن المؤمنين، وإهلاك الله -تبارك وتعالى- للظالمين, {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ........}[غافر:78], في رسل آخرين لم يقص الله -تبارك وتعالى- قصصهم على النبي -صلوات الله والسلام عليه-, ثم قال -جلَّ وعَلا- {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}, كل هؤلاء الرسل الذين جاءوا ما كان لأحد منهم أنْ يأتي بآية مِن عنده يقهر بها الكفار ليؤمنوا بالله -تبارك وتعالى-, ما في آية الرسول إنما هو مبلغ مِن الله -تبارك وتعالى-, وينتظر حكم الله -تبارك وتعالى- فيه، وفي قومه؛ فما لرسول أنْ يأتي بآية من عنده ليقهر الكفار، أو ليرد كيدهم في نحورهم هذا الأمر إلى الله -تبارك وتعالى-, {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}, إلا أنْ يأذن الله -تبارك وتعالى-, وأنْ يشاء الله, {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ}, إذا جاء أمر الله -تبارك وتعالى- في هؤلاء المعاندين المكذبين, {قُضِيَ بِالْحَقِّ}, مثل ما نوح انتظر حتى جاء حُكْمُ الله، قال : {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[القمر:10], فاشتكى إلى الله -تبارك وتعالى- فعند ذلك جاء حكم الله -تبارك وتعالى- وأمره الله -عز وجل- أنْ يصنع السفين، أنْ يركب فيه هو و المؤمنين، وأهلك الله -تبارك وتعالى- الظالمين، وكذلك هذا عاد لما آذوه قومه وحصروه، وقالوا : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الأحقاف:22], {قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ.......}[الأحقاف:23], مجيء العذاب إلى الله -تبارك وتعالى- وليس إلي, {قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ}[الأحقاف:23], {تَجْهَلُونَ}, تستعجلون عذابكم، ونكالكم كذلك كان الشأن في صالح -عليه السلام-, وكذلك كان الشأن في صالح -عليه السلام-؛ فإنه كذلك تآمر به قومه، وفعلوا ما فعلوا، وانتظر أنْ يأتيهم حكم الله -تبارك وتعالى- في الوقت الذي يأتيهم فيه؛ فلما جاءه الأمر، قال لهم بعد أنْ عقروا الناقة، وعتوا عن أمر ربهم، {........وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف:77], فعند ذلك أخبره الله -تبارك وتعالى- بالموعد, {........فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}[هود:65], هذا وعد من الله -تبارك وتعالى-, {غَيْرُ مَكْذُوبٍ}, ولما جاء أمر الله قد كان، وكذلك كان الشأن مع موسى -عليه السلام-؛ فإنَّ موسى أظهر آيات الله -تبارك وتعالى- التي نزلت عليه، واستكبر قوم فرعون، وغلظت قلوبهم، ولم يؤمنوا لآية مِن الآيات, {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}[الأعراف:132], لن نؤمن لك، ودعا الله -تبارك وتعالى- أنْ يحكم الله -تبارك وتعالى- فيهم بحكمه الفاصل, {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ}[يونس:88], {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[يونس:89], ثم جاءهم أمر الله -تبارك وتعالى- بالغرق في الوقت الذي شاءه الله -تبارك وتعالى- وحكم فيه؛ فالأمر في الحُكْم بالنسبة ما بين الرسول، وبين قومه إلى الله -تبارك وتعالى- وليس إلى الرسول, {قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ........}[الأنعام:58], أمر الله -تبارك وتعالى- رسوله محمد أنْ يقول : {قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ........}[الأنعام:58], لو كان عندي العذاب الذي تستعجلون به, {لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}, كنت أتيت بهذا العذاب؛ فالأمر في الحكم إنما هو لله، قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله : {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ}, بالفصل والحكم, {........قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ}[غافر:78], في هذا الوقت سيخسر المبطل، والرسول على حق، ومعاندوه هم : {الْمُبْطِلُونَ}, معاندوا الرسل هم : {الْمُبْطِلُونَ}, هم الذين على الباطل؛ فعند ذلك لا شك أنَّ الخسارة ستكون لهؤلاء؛ فلا يظن المشركون الذين كذبوا النبي -صلوات الله والسلام عليه- أنَّ النتيجة لهم، لا، بل يعلموا أنَّ هذا حكم الله -تبارك وتعالى-, وأنه إذا جاء؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- ناصر رسوله محمد رسول الله -صلوات الله والسلام عليه- وهم الذين سيخسرون, {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ}, أي بالعذاب والنكال للكافرين, {قُضِيَ بِالْحَقِّ}, والله لا يقضي إلا بالحق -سبحانه وتعالى-, {وَخَسِرَ هُنَالِكَ}, في هذا الوقت؛ وقت نزول حكم الله -تبارك وتعالى-, {الْمُبْطِلُونَ}, تظهر خسارتهم.
ثم فاصل جديد شَرَعَ الله -تبارك وتعالى- لبيان إنعامه وإفضاله على خَلْقِهِ -سبحانه وتعالى- لعلهم يتعظون، ويعتبرون؛ فقال -جلَّ وعَلا- : {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}[غافر:79], اذكروا هذه النعمة أيها المخاطبون يا مَن تشركون بالله -تبارك وتعالى- مَن لا ينفعكم شيئًا، وتتركون الله -سبحانه وتعالى- المنعم, المتفضل عليكم بكل النعم لوجودكم، وكل النعم التي أنتم فيها إنما هي منه -سبحانه وتعالى- فهذا مِن إنعامه, {اللَّهُ}, وليس غيره -سبحانه وتعالى-, {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ}, {جَعَلَ}, خَلَقَ وصيرها على هذا النحو, {جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ}, بهيمة الأنعام، وهذه الأنعام هي هذه الأربعة الضأن والماعز والإبل والبقر ذكر وأنثى تتناسل هذا فعل الله -تبارك وتعالى-, {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا........}[غافر:79], منها تركبوا؛ فنركب الإبل، الإبل جعلها الله -تبارك وتعالى- محل للركوب, {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}, مِن هذه الأنعام الأصناف الأربعة يأكل الناس منها، وما قال تأكلونها، لو قال تأكلونها إذن تُفْنَى، ولكنه قال : {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ},فإن عطاء الله -تبارك وتعالى- ورزق الله للعباد أكبر من حاجتهم دائمًا ليست في الرزق لا ليس هو ما يسمى بالندرة النوعية, بل الوفرة النوعية ما يخلقه الله -تبارك وتعالى- لعباده، وما يرزق به العباد هو أكبر مِن احتياجاتهم تفضلًا منه، وإنعامًا منه -سبحانه وتعالى-, وبالتالي لا تأتي المجاعة والفقر إلا بفعل الإنسان الجاهل, إما بجهله بإفساد الحرث والنسل، وإما بظلمه بأنْ يأخذ الغِنَى رزق الضعيف، وقوت الضعيف، وإما بالإتلاف كما هو مشاهد الآن مِن إتلاف الأغنياء للفائض الذي عندهم, كم مِن ملايين الرؤوس مِن الأغنام والأبقار تُقْتَل وتُدْفَن وتباد حتى لا يرخص السعر، وكذلك كم مِن ملايين الملايين مِن المحاصيل يفنيها الخَلْق حتى يبقى الرأسماليون، وأصحاب الأموال قابضون على السعر، وكم مِن ملايين الملايين مِن أطنان الحليب تأخذ طريقها إلى المجاري حتى لا تأخذ طريقها إلى الفقراء؛ فالشاهد أنَّ الوفرة النسبية هي أساس الخَلْق والرزق، وليست الندرة النسبية كما يقولون؛ ولذلك قال -جلَّ وعَلا- هنا : {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}, {مِنْهَا},منها بعضًا، وليس نأكلها جميعًا, {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}[غافر:79], نأكل مِن لحمها، ونأكل مِن لبنها وزبدها, {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}, {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ}, كثيرة، منافع عظيمة مِن جلودها وأصوافها وأشعارها وأوبارها منافع عظيمة, {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ}, وجاءت {مَنَافِعُ}, تنكير لِعِظَم هذه المنافع التي في الأنعام, {وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ}, {وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا}, على هذه الأنعام, {حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ}, أي حاجة يريدها الإنسان يبلغها مِن المقصد البعيد، والسفر البعيد، وكذلك الاستمتاع والجمال في قنيتها، وفي الزينة التي فيها, {........وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}[غافر:80], {وَعَلَيْهَا}, على هذه الأنعام, {وَعَلَى الْفُلْكِ}, يحملكم الله -تبارك وتعالى-, {الْفُلْكِ}, السفن, {تُحْمَلُونَ}, فهل يُقَدِّرُ الخَلْق, يُقَدِّرُ المخاطبون إنعام الله -تبارك وتعالى- وإفضاله بأنْ خَلَقَ لهم بهيمة الأنعام، وفيها هذه المنافع العظيمة مِن الركوب، وأكل لحمها، والانتفاع بكثرة منافعها، قال -جلَّ وعَلا- : {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ}, يريكم الله -تبارك وتعالى-, {آيَاتِهِ}, في الخَلْقِ رؤية بصر؛ فالأنعام لو أفنى الإنسان عمره ليعرف حقيقة خلقها ومنافعها وفضائلها وليحصي نعم الله -تبارك وتعالى- فيها لم يبلغ ذلك, {وَيُرِيكُمْ}, أي الله -تبارك وتعالى-, {آيَاتِهِ}, في الخَلْقِ -سبحانه وتعالى-, {........فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ}[غافر:81] أي آية مِن آيات الله -تبارك وتعالى-, {تُنكِرُونَ}, والحال أنَّ كل هذه المخلوقات إنما هي منه -سبحانه وتعالى- وليس هناك مَن يدعي بأنه خَلَقَ شيئًا مِن ذلك ليس هناك إله مِن هذه الآلهة الباطلة, المدعاة أنه هو المتفضل، أو هو الخالق، أو هو المسدي لنعمة مِن هذه النعم, {........فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ}[غافر:81].
ثم وعظهم الله -تبارك وتعالى- : {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ........ }[غافر:82], {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ........}[غافر:82], هؤلاء المكذبون المعاندون؛ {فَيَنظُرُوا}, نظر عين, ولكنه ينظرون نظر اعتبار, ينظروا ليس فقط بمجرد رؤية العين، ولكن نظر اعتبار واتعاظ, {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}, انظروا هذه عاقبة المكذبين, {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}, قوم نوح وعاد وثمود، وقوم لوط، وقوم فرعون, {كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ}, في العدد أكثر منهم, لا شك أنَّ المخاطبين وكانوا من العرب لا شك أين أُمَّة مِن هذه الأمم السابقة كانت أكثر مِن هؤلاء المخاطبين, {كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً}, {وَأَشَدَّ قُوَّةً}, قوة بدنية كعاد، وقوة مالية، وقوة في التمكن والقيام بآثار والبناء والزراعة في هذه الأرض, قوة إنتاج، وقوة ظهور على هذه الأرض، وتسخير لها, {كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ}, تركهم للآثار في الأرض, هذه آثار الأقوام السابقين هذه آثار قوم ثمود وما خَلَّفُوهُ، وهذه آثار قوم فرعون، وهذه آثار عاد؛ فقد تركوا آثارهم خلفهم في الأرض, {وَآثَارًا فِي الأَرْضِ}, قال -جلَّ وعَلا- : {........فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[غافر:82], سؤال يراد به النظر والتقرير والتفكر، ما الذي أغنى عنهم ما كانوا يكسبون؟ {أَغْنَى عَنْهُمْ}, بمعنى أفادهم ونفعهم الذي كانوا يكسبونه مِن هذا الذي صنعوه في الدنيا البناء الشامخ، القوة الهائلة، البطش بالأعداء، الزراعات العظيمة، الصناعات الكثيرة، ماذا استفادوا مِن هذا في نهاية المطاف؟ والحال أنَّ الله -تبارك وتعالى- استأصلهم وأهلكهم، ونزل فيهم عقوبة الرب، وذهبوا به إلى الجحيم، فما الذي استفادوه؟ ما الذي استفادوه بكل هذا الظهور، والذي كان لهم في هذه الدنيا؟ {........فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[غافر:82], ما الذي أغنى عنهم الأمور التي كسبوها, قال -جلَّ وعَلا- : {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ........}[غافر:83] {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ}, هؤلاء المكذبون, {رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}, الدلالات الواضحات مِن الله -تبارك وتعالى-, {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}, العلوم التي كانت عندهم في الصناعات والزراعات والتجارات والحروب، وغيرها كانوا فرحانين بهذا؛ ولذلك لم يقبلوا دين الله -تبارك وتعالى-, وردوا رسالة الرسل، قال -جلَّ وعَلا- : {........وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}[غافر:83], {وَحَاقَ بِهِمْ}, أحاط بهم، وأهلكهم الذي {كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}, استهزائهم بالرسل، وبما جاء به الرسل بالعذاب؛ فكل أُمَّة مِن هذه الأُمَم قالت لرسولها ائتنا بهذا العذاب الذي تتوعدنا فيه، وتتهددنا فيه؛ فهذا الذي استهزئوا به, كما قال الله -تبارك وتعالى- في قوم عاد : {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا........}[الأحقاف:24], قال -جلَّ وعَلا- : {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ}, هذا العذاب الذي استعجلتم به، استعجلوا به تكذيب واستهزاء, {........رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الأحقاف:24], {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ........}[الأحقاف:25], {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}[غافر:83], {وَحَاقَ بِهِمْ}, أحاط بهم وأهلكهم, {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}, الذي كانوا يستهزئون به, {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ}[غافر:84], لما رأوا بأس الله وعذابه نزل عليهم؛ عند ذلك رجعوا إلى الله, {........قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ}[غافر:84], قال -جلَّ وعَلا- : {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا.......}[غافر:85], في هذا الوقت ما عاد ينفع الإيمان انتهي وقت الإيمان قبل نزول العذاب, {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ.......}[غافر:85], هذه سُنَّة الله طريقته وعادة الله -تبارك وتعالى- إنه الوعظ والبيان والإيضاح إلى قبل مجيء العذاب, أما اذا جاء العذاب انتهي الأمر, {.......سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}[غافر:85], {هُنَالِكَ}, عندما نزل العذاب وحل ظهرت خسارة الكافر، وظهر أنَّ الرسل هم الذين كسبوا في الدنيا، وكسبوا في الآخرة، نسأل الله -تبارك وتعالى- أنْ يجعلنا مِن أتباعهم، وبهذا تنتهي هذه السورة؛ سورة غافر، أو سورة المؤمن، والحمد لله رب العالمين.