الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (583) - سورة فصلت 6-9

لحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ}[فصلت:6], {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}[فصلت:7], {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[فصلت:8], {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[فصلت:9], {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}[فصلت:10], {ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11], {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[فصلت:12], {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}[فصلت:13].

 يأمر الله تبارك وتعالى- عبده ورسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- يقول له : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ........}[فصلت:6], {قُلْ}, أي لهؤلاء المكذبين المعاندين, {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}, في البشرية, يغشى الأسواق، قد وُلِدَ كما يولدون، يموت كما يموتون، يمرض كما يمرضون, يأكل ويشرب كما يأكلون ويشربون؛ فهو بشر مثلهم في البشرية, {يُوحَى إِلَيَّ}, فَضَّلَهُ الله -تبارك وتعالى- بهذا الأمر، الوحي هو الإعلام بطريق خفي، وهذا الوحي إعلامٌ مِن الله -تبارك وتعالى- له بهذا الطريق الخفي الذي لا يراه الناس، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الوحي يأتيه على صور منها : أنه يتمثل له الملك بشرًا؛ فيكلمه، ويعي، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرى جبريل، يأتيه أحيانًا في محضر الناس، وهم لا يرونه، كما في حديث عائشة النبي قال لها، و قد دخل بيتها هذا جبريل يقرؤك السلام؛ فقالت وعليه السلام ترى ما لا نرى، وأحيانًا يأتيه الوحي مثل صلصلة الجرس، صوت قوى يسمعه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يسمعه مَن حوله، يقول النبي : فيفصم عني، وقد وعيت ما قال, {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}[الشورى:51], {يُوحَى إِلَيَّ}, أُعْلَمُ مِن الله -تبارك وتعالى- بهذا الإعلام الخفي, بهذا الكتاب المنزل مِن الله -تبارك وتعالى- هذا كتاب الله -تبارك وتعالى- أتى على النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الوحي, {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:193], {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}[الشعراء:194], {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء:195], {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيّ........}[فصلت:6], بالبناء لما لم يُسَمَّ فاعله، والموحي هو الله-تبارك وتعالى-, والنازل بوحي الله -تبارك وتعالى- والمَلَك مِن قِبَلِ الله -تبارك وتعالى- جبريل, {يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}, هذه هي القضية الكبرى, وهذا أعظم أصل، وهذا الذي هو مِن أجله قامت السموات والأرض, {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}, إله الخَلْق كلهم إله واحد هو الله -سبحانه وتعالى-, وهذه هي القضية الأساسية التي يخالف فيها مَن يخالف مِن المشركين، والتي جاء الرسل لإبلاغها للناس، وإخبار الناس أنْ يعبدوا الله وحده لا شريك له، وعلى هذه القضية تتركب كل القضايا بعد ذلك؛ فشئون التشريع، وشئون العبادة كلها مبنية على أنَّ الله هو الإله الواحد -سبحانه وتعالى-, {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ}, معبودكم الذي يجب أنْ تعبدوه معبودٌ واحدٌ، وهو الله خالق السموات والأرض -سبحانه وتعالى-, {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}, أمر ويتضمن معنى التهديد كذلك والوعيد, {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ}, اجعلوا وجهتكم مستقيمة في الطريق المستقيم الذي شرعه إليه -سبحانه وتعالى- لا إلى غيره، وهذا الدين الخالص الذي لا يقبل الله -تبارك وتعالى- مِن أحد سواه أنْ يستقيم إليه وحده -سبحانه وتعالى-؛ فيعبده وحده, يطيعه -سبحانه وتعالى- وحده، ويطيع مَن أطاع الله -تبارك وتعالى-, ومَن يأمر بطاعة الله -عزَّ وجلَّ-, {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}, اطلبوا مغفرته -سبحانه وتعالى-, وطلب المغفرة لذنوبكم, {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ}, أي الذين يتخذون مع هذا الإله الواحد هذا الحق, {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}, وويل لهم؛ تهديد ويل كلمة تهديد ويل لك تهديد لك، وهذا التهديد الله -تبارك وتعالى- يهدد  أعداءه بالنار، ويل لهم, أي أنَّ الذي سيصلهم بهذا التهديد هو عذاب الله -تبارك وتعالى- ناره يوم القيامة، وكذلك ما يترتب على المعاصي كذلك، وكفرهم وشركهم مِن عقوبات في الدنيا, {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ}, {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}[فصلت:7], {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ}, {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ........}[فصلت:7], بمعناها العام الطهارة، والإسلام طهارة، الإسلام إنما جاء طهارة للقلب، وذلك أنَّ الإيمان بالله -تبارك وتعالى- هو الطُّهْر؛ لأنه التصديق بالحق، وعبادة الله وحده لا شريك له هذا هو الحق الذي لا حق بعده، فماذا بعد الحق إلا الضلال؛ فمن آمن بربه وشكره، وقام بحقه -سبحانه وتعالى- طَهُرَ قلبه، ومَن كفر بآيات الله -تبارك وتعالى- تدنس, {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}, مَن جعل مع الله إلهًا آخر كَذَبَ؛ فهذا كاذب، وهذا الكاذب قلبه يَنْجُس, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا........}[التوبة:28], نجاسة قلوب قبل أنْ تكون نجاسة أبدان؛ فلا يؤتون الزكاة، الدين زكاة الدين, الذي بعث الله -تبارك وتعالى- به الرسل هو دين الطهر، ودين النقاء، ودين زكاة أيضًا بدءًا بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهاية بالتخلق بكل الأخلاق الفاضلة؛ فرسالة الله -تبارك وتعالى- إلى عباده رسالة تزكية يزكيهم الله -تبارك وتعالى- ويطهرهم بهذه الأوامر الحسنة التي يأمرهم, {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهي عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل:90], والنبي يقول : «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق», فهذه رسالة أخلاقية تزكي النفس, {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}[الشمس:9], {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[ الشمس:10],  {قَدْ أَفْلَحَ}, مَن زكى نفسه, {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[ الشمس:10], فهؤلاء لا يتزكون، هؤلاء المشركين, {لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}, الزكاة التي أبانها الله -تبارك وتعالى- للعباد ليتطهروا بها، وهي أنْ يعرفوا ربهم -سبحانه وتعالى- ويوحدوه ويشكروه -سبحانه وتعالى- على إنعامه، ويسيروا في  طريقه، ويتخلقوا بالأخلاق التي  يحبها مِن عباده -سبحانه وتعالى-, {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}[المؤمنون:1], {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[المؤمنون:2], {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}[المؤمنون:3], {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}[المؤمنون:4], {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}[المؤمنون:5], {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}[المؤمنون:6], {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[المؤمنون:7], وكذلك هذا بالمعنى العام, الزكاة بالمعنى العام, {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}[الشمس:9], {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[ الشمس:10], الدين كله تزكية للنفوس, {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[آل عمران:164], اللهم آتي نفسي تقواها، وزكها أنت خير مَن زكاها, أنت وليها ومولاها، والنفوس في النهاية تنقسم إلى نفسين نَفْسٌ زكية، ونَفْسُ خبيثة, {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}[الشمس:9], {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}[الشمس:1], {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا}[الشمس:2], {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا}[الشمس:3], {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}[الشمس:4], {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا}[الشمس:5], {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا}[الشمس:6], {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}[الشمس:7], {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس:8], {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}[الشمس:9], {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[ الشمس:10], فهؤلاء الكفار المشركون, {لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}, زكاة نفوسهم بالإيمان بالله -تبارك وتعالى- والسير في طريقه، والزكاة تطلق على معنى خاص مِن شرائع الدين، وهو إخراج جزء مِن المال حقٌ لله -تبارك وتعالى- للفقراء والمساكين، أو في الوجوه التي أمر الله -تبارك وتعالى- أنْ تُخْرَجَ، وهذه طهرة للمال؛ لأنَّ المال الذي لا يخرج منه حق الله -تبارك وتعالى- يبقى مال نجس، حرام؛ فيطهر المال، وطهرة للنفوس؛ فالنفس التي تُخْرِجُ الزكاة, تُخْرِجُ حق الله -تبارك وتعالى- من مالها تتطهر مِن الشح والبخل والقسوة، وعدم الرحمة؛ فإنَّ المزكي عندما يعطي الفقير يرحمه بهذا؛ فيتعود الرحمة والعطف على الآخرين، وكذلك يُصَدِّقُ بخبر الله -تبارك وتعالى- فيما عنده مِن الجزاء الحسن؛ ولذلك سميت الزكاة كذلك بالصدقة لأنها مِن الصدق والتصديق؛ فالكافر كذلك, {لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}, الزكاة الخاصة، كما قال الله -تبارك وتعالى- عنهم : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[يس:47], كيف نطعم هذا حرمهم الله -تبارك وتعالى-, ونحن غير مستعدين أنْ نعطي أموالنا لغيرنا؛ فهؤلاء الله تهددهم, تهدد هؤلاء الكفار الذين لا يؤتون الزكاة بمعناها العام، ولا الزكاة هنا بمعناها الخاص، وهي إخراج هذا؛ ولذلك جاء كثيرًا ما يقترن هذا بهذا, يقترن الكفر بالقسوة والشدة على الفقراء والمساكين, كما قال -تبارك وتعالى- : {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}[الماعون:1], {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}[الماعون:2], {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الماعون:3], {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ}[الماعون:4], {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}[الماعون:5], {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ}[الماعون:6], {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}[الماعون:7], فجعل الله المكذب بالدين هو الذي يدع اليتيم, {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الماعون:3], فهذا وهذا مقترن كفر بالله -تبارك وتعالى- وقسوة القلوب، وكذلك مِن هذا قول الله -تبارك وتعالى- لما يقال للكفار وهم في النار يوم القيامة : {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}[المدثر:42],  ما الذي أدخلكم جهنم؟ {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}, أدخلكم في  جهنم, سَقَر, {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}[المدثر:43], {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}[المدثر:44], {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}[المدثر:45], {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}[المدثر:46], فاقترن كفرهم بالله -تبارك وتعالى-, وكذلك قسوة قلوبهم عن المساكين, {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}[المدثر:43], {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}[المدثر:44], {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}[المدثر:45], {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}[المدثر:46], فالله -تبارك وتعالى- تهدد هؤلاء الكفار، قال -جلَّ وعَلا- : {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ}, {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاة........}[فصلت:7], المشركين الذين جعلوا مع الله -تبارك وتعالى-, أشركوا بالله -تبارك وتعالى- غيره إما في ذاته، إما في صفاته، إما في حقوقه -سبحانه وتعالى-, كل هذه مِن أنواع الشرك؛ فَمَن جعل لله ندًا جزء, {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا.......}[الزخرف:15], وبالتالي أخذ صفات الرب كقول المشركين في الملائكة، وقول اليهود في عُزَيْر، وقول النصارى في المسيح؛ فهؤلاء أشركوا في ذات الرب -تبارك وتعالى-, {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا.......}[الزخرف:15], جزء مِن الله -تبارك وتعالى- والولد جزء مِن أبيه -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا-، أو أنهم أشركوا به في صفاته؛ فجعلوا شركائهم هم لهم صفة الرب -تبارك وتعالى- إما صفاته في الربوبية مِن الخَلْقِ مِن الإحياء والإماتة كما يقول النصارى في عيسى -عليه السلام-، وإما بعد ذلك النوع الثالث مِن الشِّرك هو الشِّرك في الألوهية، وهو في العبادة والتقرب؛ فإنَّ المشركين وهذا عامة الشِّرك أشركوا مع الله -تبارك وتعالى- غيره في العبادات؛ فمثل ما أعظوا الله -تبارك وتعالى- مِن عبادة, مِن صلاة، أو مِن ذبح، أو مِن نَذْر أعطوا آلهتهم على هذا النحو، بل أحيانًا كانوا يفضلوا آلهتهم على الرب -تبارك وتعالى-, {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إلى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إلى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الأنعام:136], فهذا الشِّرك في العبادة؛ فكل أنواع الشرك, {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ}, بكل أنواع الشِّرك, {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ........}[فصلت:7], لا يزكون أنفسهم بتوحيد الله -تبارك وتعالى- وعبادته وحده لا شريك له، وكذلك بامتثال لأوامره التي هي زكاة للنفوس، وكذلك ليست في قلوبهم رحمة للفقراء والمساكين؛ فلا يخرجون الزكاة لهؤلاء، لهذه الأصناف التي أمر الله -تبارك وتعالى- أنْ تُخْرَجَ له الزكاة؛ ثم : {........وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}[فصلت:7], ويل لهؤلاء الذين جمعوا الشِّرك، وعدم إيتاء الزكاة, {........وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}[فصلت:7], وهذا كان شأن مشركي العرب؛ فإنهم كانوا بالآخرة مشركين، جاحدين، منكرين, {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}[النمل:66], وكانوا يرون أنَّ هذا مِن المستحيلات، المستحيلات أنه  يستحيل أنْ يعادوا إلى الحياة مرة ثانية بعد أنْ ماتوا وأكلتهم الأرض, {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ........}[السجدة:10], أنَّ هذا أمر عظيم, {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[يس:78],  مِن مثلًا يمكن أنْ يحي العظام وهي رميم أحد, {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ}[النمل:67], {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[النمل:68], جاء هذا التهديد الله -تبارك وتعالى- أمر رسوله أنْ يتوعد هؤلاء الكفار الذين لا يؤمنون بالله -تبارك وتعالى-, لا يوحدون الله, {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ}, {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}[فصلت:7].

ثم في المقابل، قال -جلَّ وعَلا- : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[فصلت:8], أي أنا قد أتيت بدعوة مِن الله -تبارك وتعالى-, {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ........}[فصلت:6], هذه دعوتي؛ فالذين كفروا هذا حالهم، والذين آمنوا هذا حالهم, {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ........}[فصلت:8], آمنوا بهذه الدعوة، آمنو؛ وصدقوا وعملوا بمقتضى هذا التصديق هذا الإيمان، الإيمان تصديق وعمل بمقتضى هذا التصديق، الإيمان تصديق لأنه أمن أنْ يكون الذي حدثه كَذَبَ في حديثه؛ فهوة موقن بأنَّ هذا الخبر صدق، المؤمن يؤمن ويصدق بأنَّ الخبر الذي جاءه صدق؛ فيؤمن به، وهو يصدق بهذا الغيب الذي جاءه، والذي يؤمن بالغيب، ويعلم أنَّ هذا يقين لأنه قامت عنده أدلة هذا؛ فالأدلة على صدق النبي قائمة، والأدلة على ما يخبر الله -تبارك وتعالى- به عن نَفْسِهِ قائمة؛ فكل هذه المخلوقات دالة عليه -سبحانه وتعالى-, {إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ}[الجاثية:3], {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[الجاثية:4], {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[الجاثية:5], {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}[الجاثية:6], فهذا جزاء أهل الإيمان, {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ........}[فصلت:8], دائمًا ما يقرن الله -تبارك وتعالى- بين الإيمان والعمل الصالح، وإذا اقترن بينهم فينصرف الإيمان على عمل القلب، والأعمال الصالحة على عمل الجوارح، وأشرف الأعمال الصالحة الصلاة, ثم الزكاة, ثم الصوم, ثم الحج هذه أركان الإسلام الكبرى ودعائمه وأركانه, ثم يأتي بعد ذلك الخصال الخير التي أمر الله -تبارك وتعالى- بها بر الوالدين، وصلة الأرحام، وصدق الحديث كل هذه الأعمال الصالحة, «الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله, وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة مِن الإيمان», فهؤلاء, {الَّذِينَ آمَنُوا}, بالله, {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}, قال -جلَّ وعَلا- : {........لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[فصلت:8], {لَهُمْ أَجْرٌ}, عند الله، وهذا الأجر أخبر الله -تبارك وتعالى- بأنه الجنة، وعد الله -تبارك وتعالى- لهم، والأجر الذي يعطيهم إياه هو الجنة، ويتنازلوها على قدر عملهم الصالح, {غَيْرُ مَمْنُونٍ}, غير مقطوع, لا ينتهي, ليس له حد ووقت ينتهي فيه، ويقال : استوفيتم أجركم، وانتهي الأمر، لا، بل هو عطاءٌ مِن الله -تبارك وتعالى-, {غَيْرَ مَجْذُوذٍ}, والَجّذ القطع؛ فإنه أجرٌ لا ينقطع أبدًا, بل يبقى أهل الجنة في هذا الأجر الذي نالوه، وهو جنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه بقاءً سرمديًا لا ينقطع، ما له وقت أنه ينتهي فيه، ويقال لهم: قد استوفيتم حقكم، وانتهي الأمر، واذهبوا، أو انصرفوا، أو موتوا، أو ارتحلوا، لا، بل, {........وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}[الحجر:48], فهذا أجر, {غَيْرُ مَمْنُونٍ}, لا يقطع عنهم، بل هو باقٍ بقاءً لا ينتهي, نسأل الله تبارك وتعالى- أنْ يجعلنا، وإخواننا المؤمنين مِن هؤلاء الذين وعدهم الله -تبارك وتعالى- هذا الوعد الحسن, {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[فصلت:8].

ثم وجه الله -تبارك وتعالى- هذا الخلاصة  هذه دعوتي أُمِرْتُ بها, {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ........}[فصلت:6], هذه دعوتي، وسينقسم الناس بإزائها إلى قسمين؛ فهذا جزاء هذا القسم، وهذا جزاء هذا القسم, {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ........}[فصلت:6], هذه دعوة النبي  -صلى الله عليه وسلم- التي بُعِثَ بها, ثم  : {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ},هذا القسم الذي يُشْرِك ويكفر, {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}[فصلت:7], ثم مَن يؤمن بهذه الرسالة, {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[فصلت:8], ومِثْلُ هذا قد تكرر كثيرًا في  القرآن بيان الدعوة؛ ثم بيان انقسام الناس بإزائها إلى قسمين؛ ثم جزاء كل قِسْم من هذا مثلًا قول الله -تبارك وتعالى- : {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ........}[الكهف:29], هذا الحق مِن ربكم ما ليس مِن عندى إنما مِن الله, {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}, ثم : {........إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}[الكهف:29], هذا قِسْم بعد ذلك القِسْمِ الثاني, {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}[الكهف:30], {أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا}[الكهف:31], هذه الدعوة، وهذا انقسام الناس بإزائها، وهذا جزاء هذا القسم، وهذا جزاء هذا القسم.

ثم بعد ذلك وجه الله -تبارك وتعالى- الحديث إليهم, إلى هؤلاء الذين يكفرون بآيات الله -تبارك وتعالى- فقال لرسوله -صلى الله عليه وسلم-  : {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا........}[فصلت:9], سؤال يراد به التعجب مِن حالهم مِن هذا الكفر, {قُلْ}, لهم, { أَئِنَّكُمْ}, سؤال همزة الاستفهام وبعدها همزة إنَّ للتأكيد, {أَئِنَّكُمْ}, أيها المكذبون, {لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا}, تكفرون بالله الذي خَلَقَ هذه الأرض العظيمة التي تحملكم, {فِي يَوْمَيْنِ}, اثنين مِن أيام الله -تبارك وتعالى-, {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا}, أيكفر بالله -تبارك وتعالى- الذي خَلَقَ هذه الأرض التي تحملكم وتشاهدونها, {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا}[المرسلات:25], {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}[المرسلات:26], {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا}[المرسلات:27], التي بها حياتكم تكفتكم في حال الحياة، وحال الموت فيها رزقكم، فيها معاشكم كل ذرة فيها شاهدةٌ بأنَّ خالقها هو الإله الواحد الذي لا إله إلا هو, {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ........}[فصلت:9], هذه الأرض كلها بما فيها, {فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا}, تجعلون لله -تبارك وتعالى- الذي خَلَقَ هذه الأرض ند, هل هناك مَن يستطيع أنْ يخلق كهذا الخَلْق، أو أنْ يفعل شيء؟ ما الأنداد؟ ماذا عبدتم مِن دون الله تبارك وتعالى-؟ ما الذي يُعْبَدُ مِن دون الله حتى يعطى يكون في  مقابل كفر للرب، أو الند، الند هو المكافئ والشبيه والنظير، تجعلون لله ند؟! والحال أنَّ كل ما عُبِدَ مِن دون الله لا يستطيع أنْ يسوي بعوضة, ليس أنْ يبني مثل هذه الأرض, {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا........}[الحج:73], ليس لم لن أيضًا لمستقبل الزمان, {........لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}[الحج:73], كل ما عُبِدَ مِن دون الله -تبارك وتعالى- ما يستطيع أنْ يخلق ذباب؛ فأنتم أيها المعاندون، المكذبون، المشركون تكفرون, {........بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[فصلت:9], {ذَلِكَ}, الذي كفرتم به  هذا الكفر هو {رَبُّ الْعَالَمِينَ}, رب كل العوالم ربها، خالقها، وسيدها ومالكها -سبحانه وتعالى-, {الْعَالَمِينَ}, كل عَالَم، وكل خَلْق يشترك في صفات واحدة عَالَم, السماء عَالَم، والأرض عَالَم، والبحار عَالَم، والأسماك عَالَم، والملائكة عَالَم، والجِنّ عَالَم، والإنس عَالَم، والله رب كل هذه العوالم -سبحانه وتعالى-, {ذَلِكَ}, هذا الرب الذي تكفرون به، هو رب العالمين, {وَجَعَلَ فِيهَا}, في هذه الأرض, {رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا}, رواسي ترسي؛ وذلك أنها عندما خلقها الله -تبارك وتعالى- كانت تميد؛ ثم إنَّ الله أرساها بالجبال التي وُضِعَت في أماكنها المختلفة، وَوُضِعَ كل جبل غُرِسَ في  مكانه مثل الوتد، وعلم الآن أنَّ الجبال لها جذر في الأرض مناسب لجسم الجبل الذي فوق الأرض؛ فالله جعل هذه الأوتاد، هذه الجبال أوتاد كأوتاد الخيمة لترسوا وتسير الأرض في مسارها، وهي ثابتة كثبات مَن لا يتحرك قَطّ؛ فمع حركتها حول نفسها، وحركتها حول الشمس هذه الحركة حركتين في وقت واحد إلا أنها ثابتة تمام الثبات, {وَجَعَلَ فِيهَا}, في هذه الأرض, {رَوَاسِيَ}, الجبال, {مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا}, البركة الزيادة قطعة أرض صغيرة منها انظر ماذا تستخرج بعض قطع الأرض تنتج ويستمر فيها الزرع على مدى العام يخرج زرع؛ فيخرج بعده زرع، بعده زرع كم أخرجت قطعة الأرض هذه؟                   

انتهت الحلقة