الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (584) - سورة فصلت 9-14

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[فصلت:9], {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}[فصلت:10], {ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11], {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[فصلت:12], {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}[فصلت:13].

يأمر الله -تبارك وتعالى- عبده ورسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أنْ يقول للكفار هذه المقالة, يسألهم هذا السؤال الذي يُعَجِّبُ مِن أحوالهم كفرهم بالله -تبارك وتعالى-, {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا........}[فصلت:9], سؤال ويراد به التقريع، والتأنيب، وبيان سخف عقولهم، وقلة فهمهم، بل عدم فهمهم, {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ........}[فصلت:9], هذه الأرض العظيمة التي هي معاشكم وقيامكم، والتي خلقها الله تبارك وتعالى- تكفتكم أحياءً وأمواتًا، فيها رزقكم كل صغير وكبير فيها شاهد على عَظَمَةِ ربه -سبحانه وتعالى- أتكفرون {بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ}, هذه الأرض أمكم التي تعيشون عليها، وفيها معاشكم، فيها تشرق الشمس مِن فوق رؤوسكم، وفيها يظهر القمر، وفيها الجبال، وهذه الأرض المنبسطة، فيها أنهاركم، فيها معاشكم, أرض الله -تبارك وتعالى-, {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا........}[فصلت:9], وكونه خَلَقَ الله -تبارك وتعالى- هذه الأرض {فِي يَوْمَيْنِ}, مِن أيامه -سبحانه وتعالى-, مِن أيام الله, {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا}, هل يمكن أنْ يكون هناك نِدّ لله -تبارك وتعالى- يخلق مثل هذا الخَلْق، وأي نِدّ هذا, أي إله، وأي معبود مما يعبد يكون له هذا الخَلْق، وهذا الإبداع، والحال أنه لا يخلق إلا هو -سبحانه وتعالى-, وأنَّ كل ما عُبِدَ مِن دونه لا يستطيع أنْ يخلق ذرة, {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}[سبأ:22], {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ........}[سبأ:23], هذا في الملائكة, {........حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[سبأ:23], {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}[الحج:73], فتجعلون أنداد لله الذي خَلَقَ هذه الأرض في يومين, {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[فصلت:9], الإشارة إلى الله, {ذَلِكَ}, الذي خَلَقَ هذه الأرض في يومين, {رَبُّ الْعَالَمِينَ}, رب كل العوالم، كل العوالم عَالَم الملائكة والجن والإنس الله ربها -سبحانه وتعالى-, {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا}, هذه الجبال, {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا}[النازعات:32], أَرْسَاهَا بها, {وَبَارَكَ فِيهَا}, بركة عظيمة؛ ففي أنهارها وبحارها يخرج الله -تبارك وتعالى- رزق لا يتصور مِن كثرته ينتشل الناس مِن هذه الأسماك طعامهم, لحم طري مئات الملايين مِن الأطنان يخرجونها، وما زال البحر والنهر يربي لهم هذه الأسماك، الأرض قطعة الأرض تكون جافة الله -تبارك وتعالى- يجعل هذه الأرض انظر إنتاج ما فيها مِن الثمار والجنات والحبوب والزروع, هذه الأنعام التي خلقها الله -تبارك وتعالى-, وانظر نتاجها الذي يتجدد ويتجدد ويتجدد؛ فأرض مباركة, {وَبَارَكَ فِيهَا}, بما بثه فيها مِن الخيرات المتجددة، المتكاثرة دائمًا، والبركة الزيادة والنماء, هذه الزيادة والنماء في هذه الخيرات التي جعلها الله -تبارك وتعالى- في هذه الأرض, {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ}, {َقَدَّر}, التقدير إعطاء الشيء مقداره وحده, {أَقْوَاتَهَا}, لكل الخَلْق، لكل ما خَلَقَ, {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا........}[هود:6], أقوات كل ما خَلَقَ الله -تبارك وتعالى-, أقوات الإنسان الذي هو أشرف هذه المخلوقات، والذي مِن أجله خُلِقَتْ هذه الأرض وأُسْكِنَهَا؛ فانظر ما قدر الله -تبارك وتعالى- له مِن الأقوات، مِن الزروع، ومِن الثمار، وِمن ومِن مما الذي هو قوت لا تقوم حياة الإنسان إلا به، وأقوات هذه الأنعام، وهذه المخلوقات الشتى الذي بث الله -تبارك وتعالى- في الأرض مِن كل دابة, كذلك قَدَّرَ لكل نوع مِن هذه الأنواع أقواته فيه مِن النملة الصغيرة إلى الفيل الكبير كلها، الأسماك التي قدر الله -تبارك وتعالى- كذلك فيها أقواتها, كيف تتقوت، وكيف تعيش؛ فهذا أمرٌ عظيمٌ جدًا, الذي وسع علمًا بكل هذه المخلوقات، وقدر لكل دابة لها أقواتها -سبحانه وتعالى-, {........وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}[فصلت:10], اليومين واليومين, اليومين الأُوَل، ويومين آخرين لتقدير الأقوات؛ فأصبحت كلها أربعة أيام, {........فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}[فصلت:10], هذه الأيام, {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}, لِمَن يسأل عن هذه الأرض، وكيفية خلقها، وكيفية تقدير أقواتها أنَّ الله -تبارك وتعالى- هو الذي فعل ذلك، وهو الذي قدر ذلك في هذه الأربعة أيام الأُوَل, {ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11], {ثُمَّ اسْتَوَى}, -سبحانه وتعالى-, {اسْتَوَى}, بمعنى أنه ارتفع وعمد -سبحانه وتعالى- إلى السماء, كما في قول ابن عباس أنه عَلا وارتفع, {اسْتَوَى إلى}, بمعنى أنه عَلا -سبحانه وتعالى- {إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}, هذه كانت حالتها، حالة كانت في الحالة الغازية كانت دخان, {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}, قال الله -تبارك وتعالى- وهذا القول قول يجب حمله على الحقيقة، وأنَّ الله -تبارك وتعالى- خاطبها بقول : {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}, {ائْتِيَا}, لأمر الله -تبارك وتعالى- وتنفيذ مشيئته, {طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}, فهذا أمر لا بد أنْ يكون, {........قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11], هذا أيضًا قول حقيقي يتأتى منه ما فا هذا الجمادات، وإنْ كان جمادات لكن يتأتى لها الخطاب عندما يوجه الله -تبارك وتعالى- لها الخطاب، وكذلك يتأتى منها أنْ تخاطب الرب -تبارك وتعالى-؛ فإنَّ لهذا الجمادات لا شك أنَّ لها  إدراكات تدرك، وهذه إدراك الجمادات كثير ليس هذا مجازًا كما قاله مَن قاله ممن لم يفقه كلام الله -تبارك وتعالى-, بل إنَّ لهذه الجمادات لها إدراكات، كما قال -تبارك وتعالى- : {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر:21], وقال : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}, وقال :  {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ........}[الحج:18], وقال : {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}, وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يسمعون تسبيح الحصى في يد النبي -صلى الله عليه وسلم-, ويسمعون تسبيح الطعام في يده، وقال النبي : (إني لأعمل حجرًا كان يسلم علي وأنا بمكة), الحجر نفسه يسلم على النبي يقول السلام عليك يا محمد، وهذا الجذع، جذع نخلة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستند إليه في خطبته؛ ثم لما صُنِعَ للنبي المنبر مِن خشب الطرفاء الذي يقوم عليه، وانتقل النبي مِن الاستناد إلى هذا الجذع الذي كان في المسجد إلى المنبر، ووقف النبي ليخطب؛ فحن الجذع للنبي -صلى الله عليه وسلم- وبكى بكاءً كبكاء الفصيل، فصيل الناقة إلى أُمِّهِ حتى إنَّ النبي نزل مِن المنبر، وأتى إلى هذا الجذع وضمه إليه، وظل يهدده، وهو يخفض مِن صراخه شيئًا فشيئًا حتى سكن؛ فهذه الجمادات لا شك أنَّ لها إدراكات، والله -تبارك وتعالى- يخاطبها بهذا الإدراك، وهي تجيب الله -تبارك وتعالى-, {ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا........}[فصلت:11], لا بد أنْ تَنْفُذَ مشيئة الله -تبارك وتعالى-, {........قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11], أنها مطيعة لأمر الله -تبارك وتعالى- فيما يسخرها فيه، وما يقيمها فيه, أقام الله -تبارك وتعالى- كل  جزء مِن هذه السموات والأرض فيما أقامه الله -تبارك وتعالى- مسخر، مذلل؛ فالشمس في مدارها مسخرة، مذللة، والقمر في مداره، والنجوم في مداراتها، وفي أفلاكها, {........وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[يس:40], بأمر الله -تبارك وتعالى- وبمشيئته، بالنظام الدقيق، الصارم الذي لا يخرج حَجَر مِن هذه الأحجار عن مساره، وعن مداره, {........قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11], {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ........}[فصلت:12], قضاهن؛ القضاء هنا بمعنى أنه أنهي الله -تبارك وتعالى-, جعل لهذه السموات هذا الدخان الذي كان أولًا الحالة غازية، أو دخان جعل الله -تبارك وتعالى- هذه السموات سبع, {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ........}[فصلت:12], أربعة أيام؛ ثم هذه يومين هذه ستة أيام, {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا}, {أَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ}, {أَوْحَى}, مِن الوحي الإعلام, {فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا}, أمرها يشمل كل الأوامر التي عليها أنْ تقوم بها؛ مدة بقائها، قيام أهلها بها, ما الذي يكون عليها، كل القَدَر الذي يكون في هذه السموات, أعداد الملائكة الذي يكونون فيها، كل أمرٍ يكون في شأن هذه السماء أصبح مُوْحَى إليه، وأمرٌ موجودٌ تسير عليه كما  قضاه الله -تبارك وتعالى- وقدره لكل سماء مِن هذه السموات؛ فكل خَلْقِ الله -تبارك وتعالى- أصبح كأنه قد وُضِعَ له برنامج عمله الذي يسير فيه لا يحيد عنه هذا مِن كل أحد، مِن كل شيء, كما قال الله -تبارك وتعالى- في الإنسان : {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ........}[الإسراء:13], كل بخته، كل عمله، كل تصرفه ملزم به كالتزام الإنسان إذا كان شيء في رقبته لا يفارقه, {........وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا}[الإسراء:13], لكل أعماله كما قدرها الله -تبارك وتعالى- وقضاها قبل أنْ يخلقه, {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء:14], فكل سماء قد وُضِعَ لها الأوامر التي تسير عليها أبدًا، ولا تنحرف عنها؛ فكل أمر، وكل حركة، وكل سكون في هذه السموات قد أُعْطِيَت, جاءها الأمر الإلهي لتسير فيه على النحو الذي شاءه الله -تبارك وتعالى- وقضاه وقدره, {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا........}[فصلت:12], {وَزَيَّنَّا}, جَمَّلْنَا, الزينة هي الجمال، جَمَّلَ الله -تبارك وتعالى- سماء الدنيا لأهل الدنيا، لأهل الأرض, {بِمَصَابِيحَ}, مصابيح جمع مصباح، والمصباح هو هذه الفانوس، أو الآلة التي تضيء, {وَحِفْظًا}, هذه فائدة النجوم في السماء، ثلاث فوائد ذكرها الله -تبارك وتعالى- هنا أولًا زينة، جمال، جمال عظيم يزين هذه السماء الدنيا, هذه القبة الزرقاء في الليل عندما ينظر الإنسان، وهي مُرَصَّعَة بهذه اللآلئ، كأنها قطيفةٌ زرقاء ممتدة، وقد رُصِّعَ فيها هذه اللآلئ، والتي يتغير هذا المنظر كل ساعة، بل كل دقيقة يتغير هذا المنظر في منظرٍ بديع أول شيء تزيين السماء, ثم أنها جعلها الله -تبارك وتعالى- مصابيح للضوء تضيء بهذا الضوء الخفيف لأهل الأرض مسيرتهم عندما يسيرون في برهم، وفي بحرهم, {وَحِفْظًا}, حَفِظَ الله -تبارك وتعالى- بهذه النجوم السماء مِن الشياطين؛ فإنه جعل الله -تبارك وتعالى- هذه النجوم بما حرسها الله -تبارك وتعالى- مِن الشهب هذه التي تنطلق مِن هذه النجوم في إثر الشياطين, كما قال -تبارك وتعالى- عن الشياطين : {لا يَسَّمَّعُونَ إلى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ}[الصافات:8], {مِنْ كُلِّ جَانِبٍ}, مِن جوانب السماء, {دُحُورًا}, أذلة خاسئين, {........وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ}[الصافات:9], في الآخرة, {وَاصِبٌ}, دائم, لا ينقطع عنهم، الله -تبارك وتعالى- يخبر عباده بهذه الفوائد العظيمة، وهذه المنافع العظيمة التي جعلها الله -تبارك وتعالى- لهم لزينة هذه السماء بالنجوم أنه زينها لأنه خلق هذه النجوم زينة للسماء، وكذلك إضاءة, مصابيح تضيء لأهل الأرض, {وَحِفْظًا}, مِن الشياطين, {ذَلِكَ}, العمل كله، والفعل كله, {........تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[فصلت:12], {ذَلِكَ}, هذا الفعل العظيم الذي لا يقدر عليه إلا الله -سبحانه وتعالى-, {تَقْدِيرُ}, التقدير مِن القدر، وكذلك مِن المقدار الذي يكون عليه, {الْعَزِيزِ}، الغالب الذي لا يغلبه شيء، ومِن عزته -سبحانه وتعالى- هو قهره لهذه المخلوقات العظيمة، وتسييره لها في المجال والمدار والفَلَك الذي تسير فيه, {........ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[فصلت:12], جمع -سبحانه وتعالى- هنا بين هاتين الصفتين التي هي مناسبة لهذا الخَلْق, العزة وهو القهر والغَلَبَة، والعلم الدقيق؛ فإنَّ هذه السموات بتقديرها سبع، وهذه الزينة التي زين الله -تبارك وتعالى- بها هذه السماء الدنيا إنما تقوم على عِلْم عظيم، وهذا عِلْمُ الله -تبارك وتعالى-؛ فإذن القدرة والعِلْم أنَّ الله -تبارك وتعالى- المتصف بالقدرة والغَلَبَة على الأمر، وكذلك بالعلم التام هو الذي قدر  السموات على هذا النحو؛ فهل هذا الرب؟ الله -تبارك وتعالى- يسألهم هذا الرب الإله الخالق لهذا الخَلْق على  هذا النحو يكفر به؟ يشرك؟ يجعل له أنداد؟ كيف يكون له أنداد؟! كيف يكون لله الذي خَلَقَ هذا الخَلْق على هذا النحو ند, شبيه مثله، نظير، مساوي؟ والحال أنه ليس في كل هذا الوجود مَن يصنع لا أرض، أو سماء، بل ذرة، ذبابة لا يستطيع أنْ يصنع هذا؛ فكيف يُجْعَل من هذه المعبودات التي تسمى آلهة أنداد مع الله -تبارك وتعالى- تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا, {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[فصلت:9], {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}[فصلت:10], {ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11], {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[فصلت:12].

بعد هذا: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}[فصلت:13], إنْ أعرضوا؛ أعطوا عرضهم، ولم يسمعوا لهذا الكلام، ولم يؤمنوا به وأهملوه إذن فهنا التهديد, {فَإِنْ أَعْرَضُوا}, عن هذا البيان والإيضاح عن ربهم، عن عبادة ربهم الإله, الواحد -سبحانه وتعالى-, الذي خَلَقَ الأرض على هذا النحو، وخَلَقَ السماء على هذا النحو, {فَقُلْ}, لهم, {أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً}, {أَنذَرْتُكُمْ}, أخوفكم، أخبركم بهذا الخبر العظيم، الشديد الذي أخوفكم به، وأحذركم مِن وقوعه, {........صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}[فصلت:13], {صَاعِقَةً}, عذاب ينزل سريعًا؛ فيهلكهم, {........مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}[فصلت:13], مثل ما أهلك الله -تبارك وتعالى- بهذا الأمر المفاجئ بالصعقة, {عَادٍ وَثَمُودَ}, {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}[فصلت:13], وجاء بأنَّ الوليد بن المغيرة حثه قومه مِن المشركين على أنْ يأتوا النبي محمد، ويثنيه عن دعوته ويخوفه ويهدده ويرغمه على هذا النحو؛ ثم جاء، وقال له : لا يوجد أحد أتى بقومه بشر مما جئت به، أنت أتيت لهم بأمر فرقت به جماعتهم، عبت آلهتهم، فعلت، فعلت، انظر نظر الكافر النبي جاءهم بالرحمة المهداة مِن الله -تبارك وتعالى- لينتشلهم مِن هذا الضلال والكفر الذي هم فيه، والشِّرك الذي هم فيه إلى طريق الهدى، ولكنهم جعلوا أنَّ مجيء النبي بهذه الرسالة نكب عليهم؛ فلما انتهي مِن كلامه وعدًا للرسول بالباطل ماذا تريد؟ تريد أنْ نسودك، نسودك علينا لا نقطع أمرًا دونك، تريد إنْ إذا كان الأمر بك مِن الباءة زوجناك بمن تشاء، إنْ كان مال نجعلك مِن أغنانا؛ فلما قال له : انتهيت مِن هذا, ثم قرأ النبي عليه هذه السورة قال : {حم}[فصلت:1], {تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[فصلت:2], {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[فصلت:3], {بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ}[فصلت:4], {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ........}[فصلت:5], إلى أنْ وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قول الله -تبارك وتعالى- : {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}[فصلت:13], فعند ذلك أخذ الوليد بفم النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال له : ناشدتك الرحم, عَلِمَ وقد كان الكفار يعلمون بأنَّ النبي صادق -صلوات الله والسلام عليه- وأنه هذا التهديد الذي يقوله إنما هو وعيد حقيقي مِن الله -تبارك وتعالى- وقال له : ناشدتك الرحم، وقام عن النبي -صلى الله عليه وسلم-, ومع وضوح هذه الآيات وظهورها إلا أنَّ الوليد بن المغيرة وغيره لم يؤمن بالنبي -صلوات الله والسلام عليه- مِن هؤلاء صناديد المشركين، وصُرِفُوا عن الإيمان مع وضوح الدلالة والحُجَّة، ولما أتى وقالوا رأوه رجع بغير الوجه، قالوا : لقد رجعت بغير الوجه الذي ذهبت به، وقالو ا: سَحَرَكَ بكلامه، قالوا : إنَّ هذا محمد سَحَرَكَ بكلامه؛ فقال لهم: انظروا هذا كلامكم إنَّ هذا الشِّعر، قال له : نحن عرفنا الشِّعر كله، والله ما كلامه بِشِعْر ولا بكهانة، وإنما قال : إنَّ لكلامه لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لمثمر، وإنَّ أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، قالوا : ما نتركك حتى تقول فيه قول الآن ستأتينا وفود العرب، وأنهم إذا افترقنا وكل قال بقول مختلف؛ فإنهم يعلمون كذب نافيه لا بد أنْ نُجْمِعَ على قول، لا بد أنْ نُجْمَع فيه على رأي, لا بد نقوله حتى يَسْطُرَ الناس عنه؛ فقال أنسب قول أنْ تقولوه أنَّ محمد قد أتى بكلام سِحْر يفرق فيه بين الأخ وأخيه، والابن وأبيه، وبين الزوجة وزوجها، وفيه أنزل الله -تبارك وتعالى- قوله : {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}[المدثر:11], {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا}[المدثر:12], {وَبَنِينَ شُهُودًا}[المدثر:13], {وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا}[المدثر:14], {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ}[المدثر:15], {كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا}[المدثر:16], {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا}[المدثر:17], {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ}[المدثر:18], {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}[المدثر:19], {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}[المدثر:20], {ثُمَّ نَظَرَ}[المدثر:21], {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ}[المدثر:22], {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ}[المدثر:23], {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ}[المدثر:24], {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}[المدثر:25], {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}[المدثر:26], {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ}[المدثر:27], {لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ}[المدثر:28], {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ}[المدثر:29], {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}[المدثر:30], هددهم الله -تبارك وتعالى- هنا بعد هذا البيان، قال : {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}[فصلت:13].

ثم شَرَعَ الله -تبارك وتعالى- يُبَيِّنُ كيف كان كفر عاد وهي قبيلة عربية كانت تسكن في جنوب هذه الجزيرة، وثمود قبيلة عربية أخرى تسكن في شمال الجزيرة, الشمال الغربي للجزيرة, أباد الله -تبارك وتعالى- هاتين القبيلتين بكفرهم، قال -جلَّ وعَلا- بعد هذا الإجمال في عاد وثمود : {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[فصلت:14], اذكر, {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ}, والله -تبارك وتعالى- قال الرسل بالجمع، وقد جاء كل قبيلة منهم رسولها, لكن هذا الرسول إنما جاء بدعوة إخوانه الرسل، نَفْس الدعوة لا خلاف بين دعوة الرسل جميعًا؛ فالمكذب لرسول واحد مكذب لكل الرسل؛ لأنها نَفْس الدعوة، نفَسْ المقالة يقولها كل رسول دعا قومه إلى أنْ يعبدوا الله -تبارك وتعالى- وحده لا شريك له, {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ........}[فصلت:14], رسل, {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ}, في المكان, وكذلك في الزمان, {وَمِنْ خَلْفِهِمْ}, كذلك الرسل الذين أخبر الله -تبارك وتعالى- أنهم سيأتون فيما بعدهم, {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ}, رسل مِن قبل ومِن بعد، ومِن أمامهم في الأرض، ومِن خلفهم في الأرض يحملون رسالة واحدة مِن الله -تبارك وتعالى- كلٌّ إلى قومه, {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ}, هذه رسالة كل الرسل, {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ}, أيها المخاطبون عند ذلك, {........قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[فصلت:14], مقالة تدل على الكفر والعناد والجهل هذا رسولكم قد جاء بدعوة بَيِّنَة، واضحة، ومعه الدليل على هذا، وهذا فِعْلُ الله -تبارك وتعالى-, هذا اختيار الله -تبارك وتعالى- أنْ يرسل في القوم رسولًا منهم ليخبرهم, {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ........}[إبراهيم:4], قالوا : لماذا ما نزلت إلينا ملائكة مِن السماء؟ اقترحوا هم على الله -تبارك وتعالى- أنْ تكون الوسيلة لهدايتهم هذه أنْ يرسل لهم مَلَك من السماء، والحال أن هذا كفر، وعناد، ورد للحق، وإرسال مَلَك غير مناسب لأنْ يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-؛ فإنْ جاءهم هذا المَلَك بصورته؛ فإنهم لا يحتملون مرآه، ما يحتملون مرآه؛ فَيُصْعَقُونَ ويموتون، وكيف يخاطبهم وهو مَلَك على هذا النحو! ثم لو جاءهم بصورة رجل لالتبس الأمر عليهم، ولم يعرفوا الأمر؛ فإذنِ الله -تبارك وتعالى- مِن حكمته أنْ يختار مِن كل أُمَّة رسول منها يخبرها, هذه حكمة الرب -تبارك وتعالى-, وهذا الموافق للحكمة، وللعقل أنْ يكون الداعي إلى الله -تبارك وتعالى- رسول يعرف الناس خبره مِن أين بدأ، ومِن أين نشأ, يعرفون مخرجه، مدخله، يعرفون صدقه مِن كذبه؛ فيتبين لهم حقيقته؛ ثم يكون هو قائدهم، وهو مَثَلُهُم إلى الله -تبارك وتعالى-, {........قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[فصلت:14].

 والوقت أدركنا، وإنْ شاء الله نكمل في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.