الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {فإنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}[فصلت:13], {إذ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِن خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلائِكَةً فإنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[فصلت:14], {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَن أَشَدُّ مِنا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}[فصلت:15], {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ}[فصلت:16], {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[فصلت:17], {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمِنوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[فصلت:18].
قول الله -تبارك وتعالى- : {فإنْ أَعْرَضُوا}, أي المشركين الذين يدعوهم النبي -صلوات الله والسلام عليه-, أعرضوا عن الدعوة التي جاء بها النبي -صلوات الله والسلام عليه-, {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ}[فصلت:6], قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله : {فإنْ أَعْرَضُوا}, أي عن هذه الدعوة, {........فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}[فصلت:13], أَخْبِرْهُم بأنَّ الله -تبارك وتعالى- ينذرهم, {........صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}[فصلت:13], ولعل اختيار عاد وثمود؛ لأنهم أقرب مكانًا لقريش والعرب، والذين دعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أول ما دعا إلى الإسلام؛ فعاد كانت في جنوب الجزيرة، وثمود كانت في شمالها الغربي، وقد كانت قريش تسير في الجنوب إلى اليمًن مارة بمساكنهم، وتسير إلى الشام مارة بمساكن ثمود, {إذ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِن خَلْفِهِمْ........}[فصلت:14], جاءت عاد وثمود, {الرُّسُلُ}, والله -تبارك وتعالى-, {الرُّسُلُ}, وقد أرسل إلى ثمود رسولًا واحدًا، وهو صالح، وإلى عاد رسولًا واحدًا وهو هود -عليهم السلام-, لكن دعوة الرسول الواحد إنما هي دعوة جميع الرسل؛ فإنَّ كل الرسل إنما دعوا بدعوة واحدة؛ فتكذيب رسول هو تكذيب لكل الرسل جميعًا, {إذ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِن خَلْفِهِمْ........}[فصلت:14], في المكان والزمان, {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ}, وهي نَفْس دعوة الرسل جميعًا, {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ........}[النحل:36], {قَالُوا}, أي هؤلاء المعاندين, المكذبين, {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلائِكَةً}, لو شاء الله -تبارك وتعالى- أنْ يهدينا فَلِمَا يختار واحدًا مِنا؛ فلينزل ملكًا علينا مِن السماء, {لَأَنزَلَ مَلائِكَةً}, أي مِن السماء للأرض ليدعونا, {........فإنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[فصلت:14], تأكيد أنهم {كَافِرُونَ}, بأنهم جاحدون الذي أُرْسِلَ به هؤلاء الرسل، وهذا ردٌّ لدعوة الله -تبارك وتعالى-, وكذلك تسفيه لحكمة الله -تبارك وتعالى- في أنْ جعل طريق الهداية، وطريق التعريف به، وتعليم الخلائق به هو اختيار رسول منهم ليدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-, هذا الموافق للحكمة؛ فإنَّه إذا كان الرسول مِن القوم يعرفونه، يعرفون مدخله ومخرجه, يستطيعون أنْ يفتشوا في دليله الذي جاء به عندما يدعوهم بهذه الدعوة, إني رسول الله -تبارك وتعالى- إليكم, أمالو جاءهم مَلَك؛ فإنَّ الأمر يلتبس عليهم أولًا لا يستطيعون رؤية هذا المَلَك على صورته التي خَلَقَهُ الله -تبارك وتعالى- عليها, {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا}[الفرقان:22], ثم إنه إنْ خاطبهم هذا المَلَك على هذا النحو لا يمكن أنْ يكون أسوة لهم أمامهم في الإيمان، وفي الصلاة، وفي العبادة، وفي التشريع؛ ثم إنْ جاءهم المَلَك بصورة رجل يصبح الأمر أكثر التباسًا عليهم, {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ}[الأنعام:9] إذن لم يكن منهم إلا جحود ما جاءت به الرسل، والكفر بذلك مع علمهم بأنَّ رسلهم إنما هم صادقون.
قال -جلَّ وعَلا- : {فَأَمَّا عَادٌ}, قبيلة عاد, {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}, والأرض التي كانوا فيها هي صحراء الأحقاف في جنوب الجزيرة, استكبروا في هذه الأرض, {بِغَيْرِ الْحَقِّ}, استكبارهم؛ عتوهم عن أمر الله -تبارك وتعالى-, عبادتهم ما يعبدون مِن الأصنام والأوثان، رؤية أنفسهم أنهم مِن أهل القوة والمتانة، تسلطهم على مَن حولهم مِن الآخرين وبطشهم بهم، كما قال لهم رسولهم : {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ}[الشعراء:128], {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}[الشعراء:129], {وَإذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ}[الشعراء:130], بطشهم بِمَن يقاتلونه مِن غيرهم بطشوا بهم بطش الجبارين, {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ}, أرض الجزيرة, جنوب الجزيرة, {بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَن أَشَدُّ مِنا قُوَّةً}, سؤال يريدون به أنه لا أحد أنهم قد انفردوا بالقوة العظيمة؛ فإنَّه لم يخلق مثله في البلاد، كما قال -تبارك وتعالى- : {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ}[الفجر:8], {وَقَالُوا مَن أَشَدُّ مِنا قُوَّةً}, قال -جلَّ وعَلا- : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنهُمْ قُوَّةً}, كان ينبغي أنْ يعلموا أنَّ خالقهم -سبحانه وتعالى-, والذي وهبهم هذه القوة هو أشد قوةً مِنهم؛ فالله -تبارك وتعالى- أولى مِن خَلْقِهِ، ومِن عباده بكل وصفٍ مِن أوصاف الكمال إذا كانت القوة كمال؛ فالله أولى -سبحانه وتعالى- مِن الخَلْقِ, {أَوَلَمْ يَرَوْا}, ويعلموا أنَّ الله -تبارك وتعالى- الذي خَلَقَهُم هو أشد منهم قوة؛ فيخافوه, يخافوا عقوبته، ويخافوا عذابه، ويعلموا أنه أقدر عليهم -سبحانه وتعالى- مِن قدرتهم كذلك على الخَلْقِ، وكذلك ليعلموا أنه يعذبهم إنْ هم تركوا أمره, {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنهُمْ قُوَّةً}, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}[فصلت:15], {وَكَانُوا}, استمرارهم في طريقتهم, {بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}, يجحدون بآيات الله، وقول الله -تبارك وتعالى- هنا : {بِآيَاتِنَا}, مقدمًا لهذا المعمول العامل دليل على أنها مِن الله ونحن نكذب بها، {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا}, الآيات المِنسوبة إلى الله -تبارك وتعالى-, {يَجْحَدُونَ}, أنهم يخفونها ولا يثبتونها لله -تبارك وتعالى- مع علمهم أنها آيات الله -تبارك وتعالى-؛ إذن لا بد أنْ تكون العقوبة، قال -جلَّ وعَلا- : {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ........}[فصلت:16], {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا........}[فصلت:16], وهذه الريح أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها الدَّبُور، كما في الحديث : «نصرت بالصَّبَا وأُهْلِكَت عاد بالدَّبُور», فتح الله -تبارك وتعالى- عليهم الريح العقيم، والله سماها, {رِيحًا صَرْصَرًا}, صرصرا لها هذا الصوت الصرير, أي أنها تصفر عند جريانها تخرج صوت، وهذا مِن شدتها وعنفها، قال -جلَّ وعَلا- : {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}, أيام شر، شرور, أيام نحس وهو أيام الشر الشديد أرسلها الله -تبارك وتعالى- عليهم، قال -جلَّ وعَلا- : {لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}, فعلنا بهم هذا ليخزيهم الله -تبارك وتعالى- في الدنيا، ولينظروا أنهم هم الذين كانوا على ظهر هذه الأرض يسيرون عليها، ويقولون مَن أشد مِنا قوة، ويظنون أنه حتى الرب -سبحانه وتعالى- خالقهم لا يقدر عليهم؛ فيخزيهم الله -تبارك وتعالى- بهذا الأمر, بهذه الريح التي يرسلها عليهم، كما قال -تبارك وتعالى- : {وَفِي عَادٍ إذ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}[الذاريات:41], وتظل تسفي عليهم حتى تدخل لكل واحد لو كان في بطن جبل تدخل عليه؛ ثم تجففه كما قال -تبارك وتعالى- كأنهم بعد هذه الريح : {........كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}[الحاقة:7], {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِن بَاقِيَةٍ}[الحاقة:8] قال -جلَّ وعَلا- : {لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}, فيخزوا بهذا، ويروا قدرة الله -تبارك وتعالى- عليهم، وأنه أهلكهم بهذا الجند مِن جنوده هي الريح مِن جنود الرب -تبارك وتعالى-, قال -جلَّ وعَلا- : {........وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ}[فصلت:16], {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ}, الذي ينتظرهم عذاب النار, {أَخْزَى}, أشد خزيًا؛ فإنَّ مَن دخل النار خَزِي؛ لأنه يفضح أمام العالمين، ويظهر خزيه وعاره أين كان متكبرًا في هذه الدنيا، ومتعجرفًا ومتعاليًا عن أمر الله -تبارك وتعالى-؛ فإذا به يرى قدرة الله -عزَّ وجلَّ- عليه، ويدخله الله -تبارك وتعالى- هذا العذاب الأليم, المهين؛ فيظهر خزيه، أولًا يظهر كذبه أنه كان ينكر الرب -تبارك وتعالى- ينكر توحيده، ويتمسك بآلهته الباطلة؛ فقد قال هؤلاء لرسولهم هود -عليه السلام- : {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِن الصَّادِقِينَ}[الأحقاف:22], مقالة تعالي وعجرفة وعناد, {........أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِن الصَّادِقِينَ}[الأحقاف:22], فيرى الخزي هنا هذا الذي كان متكبر، وكان مستهين بعذاب الله -تبارك وتعالى-, ويرى هذا الخزي في الدنيا؛ ثم يخزيه الله -تبارك وتعالى- عندما يدخله النار في الآخرة, {رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن أَنْصَارٍ}[آل عمران:192], {وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ}, {لا يُنْصَرُونَ}, مِن الله -تبارك وتعالى- ليس لهم ناصر ينصرهم، وهم كذلك بتكتلهم وقواهم لا يستطيعون أنْ يتغلبوا على الله -تبارك وتعالى-, بل يدخلوا جهنم أذلة خاسرين؛ فهذه صفحة عاد الذين كانوا في وقت مِن الأوقات بهذه الغطرسة، وبهذا الكبر والعتو عن أمر الله.
قال -جلَّ وعَلا- : {وَأَمَّا ثَمُودُ}, قبيلة ثمود قبيلة عربية كذلك, {فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}, {فَهَدَيْنَاهُمْ}, أرشدناهم, الهدى هنا بمعنى الإرشاد والبيان جاء رسولهم وبَيَّنَ لهم الأمر كله حتى عرفوا الحق مِن الباطل، والهدى مِن الضلال، والتوحيد مِن الشِّرك كله قد أبانه؛ فالرسول إنما يرسل بالبلاغ المبين, {فَهَدَيْنَاهُمْ}, لكنهم استحبوا {الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}, استحبوا؛ أحبوا, ورضوا أنْ يكونوا في الضلالة، في العمى، وقبلوه وأحبوه عن الهُدَى, {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}, {الْعَمَى}, عن وعيد الله -تبارك وتعالى-؛ فإنَّهم فعلوا كل ما عندهم مِن الكفر, ردوا أولًا مقالة رسولهم -عليه السلام-, استهزئوا بالآيات، اقترحوها هم؛ فقد اقترحوا أنْ يرسل لهم ناقة عشراء مِن الصخر؛ فأخرج الله -تبارك وتعالى- لهم هذه الآية كما اقترحوه، ولكنهم مع هذا عتوا عن هذا، وعقروا الناقة, {........وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِن الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف:77], عند ذلك قال لهم رسولهم : {........فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}[هود:65], {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى........}[فصلت:17], قال -جلَّ وعَلا- : {.......فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[فصلت:17], أخذتهم؛ أهلكتهم, {صَاعِقَةُ الْعَذَابِ}, الصاعقة؛ صرخة مَلَك صرخ فيهم؛ فصعقهم ماتوا لساعتهم، كما قال -تبارك وتعالى- : {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}[القمر:31], صيحة واحدة مِن المَلَك صرخ فيهم المَلَك صرخة واحدة, {فَكَانُوا}, في التو واللحظة, {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}, الهشيم وهو القش الذي يهشم بطول المكث, {الْمُحْتَظِرِ}, الذي يوضع في الحظيرة هذا العشب إذا وضع واحْتُظِر وبقي عام، مضى عليه عام؛ فإنَّه يتفتت ويتهاوى, شَبَّهَ الله -تبارك وتعالى- أجسادهم عندما صرخ فيهم، وصاح فيهم المَلَك صيحة واحدة كانوا على هذا النحو, {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ........}[فصلت:17], {الْهُونِ}, الذلة والمهانة, أنَّ الله -تبارك وتعالى- أذلهم، وأهانهم بهذه الصعقة, بهذا القتل الذي نالهم وبأخذهم على هذا النحو المفاجئ لهم، والذي ما كانوا يتصورون ويتخيلون أنْ يكون على هذا النحو، كما قال -تبارك وتعالى- : {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}[النمل:48], {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}[النمل:49], {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[النمل:50], {فانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}[النمل:51], دمرهم الله -تبارك وتعالى- على هذا النحو, {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ}, قال -جلَّ وعَلا- : {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}, أنه ليس بظلم مِن الله -تبارك وتعالى-, وإنما بسبب كسبهم الخبيث في كفرهم وعنادهم وتآمرهم على رسولهم, وإرادتهم أنْ يقتلوه، وتعاليهم عن الحق هذا التعالي عند ذلك كان هذا الأخذ مِن الله -تبارك وتعالى-.
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمِنوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[فصلت:18], مِن عاد، ومِن ثمود, أنجى الله -تبارك وتعالى- هودًا والذين آمنوا معه، وأنجى الله -تبارك وتعالى- صالحًا، والذين آمنوا معه, {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمِنوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[فصلت:18], {الَّذِينَ آمِنوا}, بالله -تبارك وتعالى- فصدقوا كلام الله الذي جاءت به الرسل، وعملوا بمقتضى هذا التصديق، وكذلك كانوا {يَتَّقُونَ}, كانوا يخافون الله -تبارك وتعالى-, {يَتَّقُونَ}, يجعلون لهم حماية ووقاية مِن عذاب الله -تبارك وتعالى- وذلك بالإيمان به، وطاعة الرسول هذا في الدنيا, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إلى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[فصلت:19], هذا في الآخرة؛ ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- بعد أنْ ذكر حالهم ومآلهم الذي آلوا إليه في الدنيا ذكر بعد ذلك، يذكر الله -عزَّ وجلَّ- المآل الذي يكون في الآخرة، قال : {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إلى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[فصلت:19], {أَعْدَاءُ اللَّهِ}, مِن كل أُمَّة، وهنا قول الله -تبارك وتعالى- : {أَعْدَاءُ اللَّهِ}, لا شك أنَّ هذا تبشيع وتصوير عسير لكل الكافر أنه عدو لله -تبارك وتعالى- وأنهم أعداء مَن؟ أعداء الله -تبارك وتعالى-؛ فالكافر عدو لله -تبارك وتعالى-, كل مَن كفر بالله؛ فقد عاد الله، والله يعاديه -سبحانه وتعالى-؛ لأنه كفر, بكفره، جاءه رسولٌ مِن الله -تبارك وتعالى-؛ فجحد الرسالة مع علمه بأنَّ هذا رسول مِن الله، وكَذَّبَ المُرْسِل، وكذب الرسول ودفع فيه، وقام يعاند في آيات الله -تبارك وتعالى-؛ فهو عدو لله، الله يعاديه -سبحانه وتعالى-, {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إلى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[فصلت:19], {يُوزَعُونَ}, يُجْمَعُونَ بعد خروجهم مِن قبورهم، يُجْمَعُونَ جمعًا ليزفوا ويحشروا إلى النار, {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إلى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[فصلت:19], {حَتَّى إذا مَا جَاءُوهَا........}[فصلت:20], النار، إذا وصلوا إلى النار, {.......شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[فصلت:20], عند ذلك تشهد هذه جوارحهم هم, كيانهم هم, يشهد عليهم, {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}, وذلك أنه في وقت مِن الأوقات يجحدون ويظنون أنَّ الكذب في هذا الوقت ممكن أنْ ينجيهم؛ فبعضهم يقول : {........وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام:23], ويجحد الرسول، يقول الله -تبارك وتعالى- أُرْسِلَ إليكم؟ يقولون : أبدًا ما جاءنا مِن نذير؛ فتشهد عليهم الرسل، تشهد عليهم الملائكة، يقولون : لا نقبل شاهدًا إلا مِن أنفسنا؛ فالله -تبارك وتعالى- يُنْطِقُ أعضاؤهم لتشهد عليهم, {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ}, فالسمع يشهد عليهم, تقول الأذن سمعت كذا وكذا, {وَأَبْصَارُهُمْ}, تشهد عليهم, {وَجُلُودُهُمْ}, تشهد عليهم, {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}, تنطق هذه كلها تنطق وتخبر عن فعلهم الذي كانوا يفعلونه في الدنيا، قال -جلَّ وعَلا- : {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا........}[فصلت:21], قال هذا الكافر في الأخير بحالة يأسه وافتضاحه يقول لِنَفْسِهِ وجلوده, {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا........}[فصلت:21], سؤال للاسترحام, يسترحم أعضاءه ويقول : عنكن كنت أجادل، يقول ليده ولرجله ولعينه ولبصره ولجلده : أنا كنت أجادل عنكن؛ لأنكن ستدخلن النار هم جزؤه وكيانه, {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا........}[فصلت:21], والحال أننا كنا نجادل عنكم لنحميكم مِن دخول النار, {قَالُوا}, أي هذه الجلود، وهذه الأعضاء : {........قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[فصلت:21], {أَنطَقَنَا اللَّهُ}, بالحق, {الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}, كل شيء ينطقه الله -تبارك وتعالى- الأرض، الحجر, كل شيء ينطقه الله -تبارك وتعالى- الله قادرٌ على إنطاقه, يقول الله -تبارك وتعالى- في الأرض : {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}[الزلزلة:4], {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}[الزلزلة:5], تقول كل قطعة مِن الأرض صُنِعَ على كذا في يوم كذا وكذا، ويقول النبي -صلوات الله والسلام عليه- : (إنَّ المؤذن إذا أَذَّنَ يشهد له كل شاخص يوم القيامة), يشهد بأنه سمع هذا الرجل يؤذن، ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله؛ فالأرض تحدث بما صُنِعَ عليها مِن الخير والشر، وكل شيء؛ فالله -تبارك وتعالى- أنطق كل شيء, {الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}, هذه قدرة الرب -تبارك وتعالى-, {قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}, {وَهُوَ خَلَقَكُمْ}, أنشأكم مِن العدم, {أَوَّلَ مَرَّةٍ}, -سبحانه وتعالى-؛ فالذي جعل النطق في اللسان، وبهذه الأعضاء يستطيع -سبحانه وتعالى-, يملك أنْ يجعل النطق في أي جزء مِن الكيان، بل في أي جزء مِن الخَلْق -سبحانه وتعالى-, {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}, {وَإِلَيْهِ}, لا إلى غيره، {تُرْجَعُونَ}, في نهاية المطاف يوم القيامة رجوعكم إنما هو إلى الله -تبارك وتعالى-, يقول لهم -جلَّ وعَلا- : {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}[فصلت:22], {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِن الْخَاسِرِينَ}[فصلت:23], كان بعض المشركين يستترون بأعمالهم القبيحة، ويظنون أنَّ الله -تبارك وتعالى- لا يعلم مِن أعمالهم إلا ما أظهروه، وأما ما أخفوه؛ فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- لا يعلمه؛ لذلك كانوا يسسترون بأعمالهم القبيحة ليس مِن الناس، وإنما مِن الله، يقول ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-، يقول : طاف بالبيت بعض مِن المشركين عظيمة شحمة بطونهم، قليلة فقه عقولهم ما عندهم عقل سمنة وترف بلا عقل، ولا فهم؛ فقال أحدهما للآخر: أترى أنَّ الله -تبارك وتعالى- يعلم ما نعمل؛ فقال له : ما جهرنا به؛ فإنَّه يعلمه، وما فعلناه في السر والخفاء؛ فإنَّه لا يعلمه؛ فعندهم أنَّ الله -تبارك وتعالى- لا يعلم إلا الجهر، وأما السر الذي يسره الإنسان ويعمله في الخفاء, في جنح الظلام، أو في ستر بيته؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- لا يعلم ذلك، قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ........}[فصلت:22], {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ}, تطلبون الستر بأعمالكم القبيحة, مخافة ما ظننتم أنْ يشهد {سَمْعُكُمْ}, وهو جزء مِن الكيان, {وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ}, أي عندما تستترون, {.......أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}[فصلت:22], {كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}, وكان هذا الكثير عندهم الذي هو في الخفاء، أنَّ ما يصنعونه في الخفاء لا يعلمه الله -تبارك وتعالى-, وأنَّ ما يعملونه في الجهر والعلانية هو الذي يعلمه الله -تبارك وتعالى-, قال -جلَّ وعَلا- : {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِن الْخَاسِرِينَ}[فصلت:23], هذا الظن السيء، الخاسر، الذي هو على خلاف الحقيقة ولا شك, {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ}, أنه لا يعلم مِن أحوالكم إلا ما ظهر مِنها، وأما ما بَطَنَ مِنها وما خفي إنه لا يعلمه هو الذي {أَرْدَاكُمْ}, الردى الهلاك أهلككم، أوصلكم النار, {فَأَصْبَحْتُمْ مِن الْخَاسِرِينَ}, لهذا, أما لو كانوا يعلمون أنَّ الله -تبارك وتعالى- يعلم السر وأخفي لعند ذلك رجعوا إلى الله -تبارك وتعالى- وخافوه -جلَّ وعَلا-, لكنه عندهم هذا الرب إنما يعلم ما ظهر مِن عملهم، وليس ما خفي مِن عملهم, {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِن الْخَاسِرِينَ}[فصلت:23], وقول الله : {فَأَصْبَحْتُمْ مِن الْخَاسِرِينَ}, دليل على سرعة زوال الدنيا، ومجيء الآخرة فكأنها ليلة، كأنَّ الذي عاشوه إنما هو ليلة في صبيحتها كان العذاب, {فَأَصْبَحْتُمْ مِن الْخَاسِرِينَ}, بعد هذا العمر الذي مضى، وكأنه ليلة مِن الليالي، وهذا حال الكافر عندما يأتي يوم القيامة يظن أنَّ دنياه كلها وعمره إنما كان ساعة أو يوم, {........إذ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا}[طه:104], {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ........}[الروم:55], {........فَأَصْبَحْتُمْ مِن الْخَاسِرِينَ}[فصلت:23], انكشف الصبح وبَيَّن وإذا أنتم {مِن الْخَاسِرِينَ}, والخسارة هنا هي كل الخسارة خسارة النَّفْس والأهل والمال والولد كل شيء, {........قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزمر:15], ثم قال -جلَّ وعَلا- : {فإنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِن الْمُعْتَبِينَ}[فصلت:24], {فإنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ........}[فصلت:24], ما يمكن عليها صبر، النار لا يُصْبَرُ عليها مهما تجلد المتجلد؛ فإنَّه في النار لا صبر على أحد في النار، ليس العذاب الذي سيعذبه مِن نوع مِن المحن، أو الضرب نوع مِن الإهانة ممكن أنْ يتجلد لها المتجلد، ويصمد لها الصامد، لا, هذه النار, {فإنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ........}[فصلت:24], وهذا أمر مستمر، وهذا لا بد أنْ يصيب صاحبها الجزع والصراخ؛ لذلك أخبر -سبحانه وتعالى- بأنَّ أهل النار، قال : {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}, {يَصْطَرِخُونَ}, بكل أنواع الصراخ, {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}, {فإنَّ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ........}[فصلت:24], {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا}, يطلبوا العتب مِن الله -تبارك وتعالى- الإقالة مِن عملهم, {........فَمَا هُمْ مِن الْمُعْتَبِينَ}[فصلت:24], فلن يقبل الله -تبارك وتعالى- مِنهم عتابًا.
نقف هنا، وأصلي وأسلم على عبدالله ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين.