الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (586) - سورة فصلت 25-30

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِن الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}[فصلت:25], {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصلت:26], {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}[فصلت:27], {ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}[فصلت:28], {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِن الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنا لِيَكُونَا مِن الأَسْفَلِينَ}[فصلت:29].

يُخْبِرُ -سبحانه وتعالى- أنه مِن جملة ما عاقب به هؤلاء المعاندين, المكذبين أنه قيض لهم قُرَنَاء, قال : {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ}, {قَيَّضْنَا لَهُمْ}, لهؤلاء المعاندين المكذبين أعداء الله -تبارك وتعالى- كما ضرب الله -تبارك وتعالى- المثل بعاد وثمود، وأخبر -سبحانه وتعالى- بما  سيؤول إليه أمرهم في الآخرة, {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[فصلت:19], {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[فصلت:20], {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[فصلت:21], {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}[فصلت:22], {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ........}[فصلت:23], أهلككم, {........فَأَصْبَحْتُمْ مِن الْخَاسِرِينَ}[فصلت:23], {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ........ }[فصلت:24], وكيف يصبر مَن في النار! لا صبر يستصرخ، يصرخ بكل ما أوتي مِن قوة الصراخ, {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا........ }[فصلت:24], ليخرجوا مِن هذا العذاب؛ فلن يقبل عتبهم, {........فَمَا هُمْ مِن الْمُعْتَبِينَ}[فصلت:24], هذا حالهم الذي سيكون عليه حالهم في الآخرة، وأما في الدنيا، قال -جلَّ وعَلا- : {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ}, {قَيَّضْنَا}, هيئنا وأرسلنا وسلطنا، كما قال -جلَّ وعَلا- : {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83], وقال : {وَمَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمِن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}[الزخرف:36], {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ}, مِن شياطين الإنس والجِنّ, ومعنى {قُرَنَاءَ}, جمع قرين، والقرين هو المقارن، الملاصق، الملازم؛ فشياطين مِن شياطين الإنس، وشياطين مِن الجِنّ لازموهم، ووسوسوا لهم، وأضلوهم هذا ضلال, {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم........}[فصلت:25], زينوا لهم؛ حَسَّنُوا لهم، وجَمَّلُوا لهم في أعينهم, جَمَّلُوا الكفر والشِّرْك والمعاصي في أعينهم, {فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}, مما عملوه, {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}, أمامهم؛ فوعدوهم الوعود الكاذبة فيما سيكون أمامهم حتى أنهم وعدوهم بالفوز بالآخرة, {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}, {وَمَا خَلْفَهُمْ}, كل الذي صنعوه كذلك مِن أعمالهم السيئة، وأعمال آبائهم فإنهم أوهموهم بما قالوا لهم أنهم كانوا كل على الحق والصواب, {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}, زمانًا ومكانًا زينوا لهم شيء؛ فهو الذي يعملوه إنما قال لهم هؤلاء القرناء هذا هو غاية الحكمة، وغاية العقل، وغاية السداد، وأصبح هذا كل هذه الأمور الخبيثة الفاحشة مِن الكفر، والعناد مُزَيَّنَة في أعينهم, كما كان فرعون يقول :  {........مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29], فهذه الطريقة التي رأوا أنفسهم فيها الطريقة المثلى، وما كان عليه الآباء والأجداد هو الأمر العظيم، وما يفعلونه مِن الكفر والعناد، ودفع حجة الرسول هو الأمر الواجب, {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6], فهؤلاء القرناء زينوا لهم كل كفرهم، وكل شركهم، وهذا كان تسليط مِن الله -تبارك وتعالى- لهم، لما أعرضوا؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- عاقبهم هذه العقوبة، هذه عقوبة مِن يعرض عن الله, {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}, {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83], {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}, تحركهم تحريكاً إلى النار؛ لازم هذا الشيطان جعل الله -تبارك وتعالى- ما يقوله الشيطان هذا حلوًا في قلب هذا الكافر عقوبة له، خذلان له مِن الله -تبارك وتعالى- أنْ يجعل أعدى أعداءه وليه وصديقه, {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ........}[فصلت:25], {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ}, أصبح القول حقًا عليهم، والقول قول الله -تبارك وتعالى- قوله : {........لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِن الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[السجدة:13], قوله : {لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمِن تَبِعَكَ مِنهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص:85], هذا قول الله -تبارك وتعالى- الذي أصبح حق بأنَّ كل مِن تبع الشيطان؛ فإنه لا بد أن يأخذه معه الى النار، وأنهم كلهم محشورون الى النار؛ فأصبح هذا القول، قول الله -تبارك وتعالى- حق عليهم, {........وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِن الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}[فصلت:25], أنْ يدخل هؤلاء المجرمون مع مَن سبقهم مِن المجرمين, المعتدين {فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِن الْجِنِّ وَالإِنسِ}, الذين كذلك حق عليهم قول الله -تبارك وتعالى- بكفرهم, {إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}, إنَّ هؤلاء جميعًا كانوا {خَاسِرِينَ}, خسارتهم بكفرهم وعنادهم، وخسارتهم الخسارة الكبرى التي ليس بعدها خسارة، خسارة النَّفْس والأهل،{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ}, مَن الخاسر؟ {........الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزمر:15], فإذن -لا حَوْلَ ولا قوة إلا بالله- التفكر في مآل الكافر أمر عظيم جدًا خسر في كل شيء خسر في دنياه وآخرته؛ فهذا في الدنيا انظر عقوبة الله -تبارك وتعالى- أنْ سلط عليه الله -تبارك وتعالى- أعدى أعداءه ليزين له، ويزخرف له عمل الإجرام الذي به يكون خاسر، وفي النار يصبح هذا جميلًا في نظره، وصوابًا عنده, {أَفَمِن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ........}[فاطر:8], هذه العقوبة الدنيوية التي يعاقبهم الله -تبارك وتعالى- فيها، الله يسلم الكافر لأعدى أعدائه للشيطان الذي أخذ على نَفْسِهِ إضلاله؛ فيسلطه عليه، ويقرنه به, {وَمَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمِن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}[الزخرف:36], الله يقول : {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف:37], يصدهم هؤلاء الشياطين, {عَنِ السَّبِيلِ}, سبيل الحق، سبيل الله، صراطه المستقيم، طريق النجاة، طريق الفوز يصده عنه، ويحسب هذا المغرور بأنه مِن المهتدين, هذه عقوبة في الدنيا، وأما العقوبة في الآخرة : {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِن الْمُعْتَبِينَ}[فصلت:24].

 ثم بعد ذلك يُبَيِّنُ الله -تبارك وتعالى-  إجرام الكافر هذه صورة مِن صور إجرامهم, {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصلت:26], الله أكبر، القرآن الذي جاء مِن الله -تبارك وتعالى- رسالة للهداية والبيان والإرشاد، القرآن الذي يخرجكم الله -تبارك وتعالى- به مِن الظلمات إلى النور يكون هو هذا موقفكم تجاهه, {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا}, هذه مقالتهم، والله يقول : {الَّذِينَ كَفَرُوا}, لأنه بُيِّنَ لهم الإيمان، وَوُضِّحَ لهم، ولكنهم كفروه، وستروه، وغطوه لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ لا تسمعوا للقرآن الذي جاء لهدايتك، رسالة الله -تبارك وتعالى- فهذه تواصي يوصي بعضهم بعضًا به، بل ويأمر الكبراء مِنهم الضعفاء, {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ}, عند قراءته، وعند قوله, {الْغَوْا فِيهِ}, سووا له حتى لا يسمع أحد هذا القرآن, {........لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصلت:26], ويغلبون بماذا؟! يغلبون بالباطل, يغلبون بشركهم, يجعلون الكفر والشِّرك هو الذي يعلوا على رسالة الهُدَى، على كلام الله -تبارك وتعالى-, هذا تصوير مِن الله -تبارك وتعالى- لبشاعة وإجرام الكافر وعمله, هذا موقفه مع رسالة الهُدَى, مع القرآن المِنزل مِن الله -تبارك وتعالى-, وقد صنع كفار قريش، وكفار مكة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الصنيع؛ فقد أرادوا وحالوا بين سماع الناس، والقرآن بكل سبيل إما تحذير الكبراء الذين يأتوا مِنهم، وإما تخويف الضعفاء والمساكين مِن أنْ يسمعوا لهذا القرآن، وإما تهديد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومَن يجهر بهذا القرآن ,هذا أبو بكر لم يَدَعُوهُ يبني مسجدًا في فناء داره يقوم فيه يصلي، وقاموا ضده بكل سبيل، وآذوه حتى ألجأوه إلى أنْ يخرج مهاجرًا، ولم يرجعه إلى مكة إلا عبدالله بن الدُّغُنَّة سيد القارة هو الذي أعاده وحماه وأجاره، وقال لقريش : إني أجرت أبا بكر إنه لا مخرج لهذا الرجل، كيف يخرج؟! كيف تدعونه يخرج؟! إنه رجل كريم يقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، ويساعد المحتاج، ما لمثله مخرج؛ ثم قالوا : مره فليصلي داخل بيته، ما يصلي في الفناء يسمعه نساؤنا وسفهاؤنا؛ فيفتنون بكلامه، هذا قرآن يقرأ كتاب الله -تبارك وتعالى-, لا يريدون أنْ يسمع هذا، وهذا أبو ذَرّ عندما جاء وقرأ شيئًا مِن القرآن علانية في المسجد أخذوه؛ فضربوه ووقعوا فيه حتى كادوا أنْ يقتلوه، ولم ينقذه إلا العباس بن عبد المطلب، قال لهم : ويلكم هذا غفاري، وهذا غِفَار طريقكم في التجارة تقطعوا تجارتكم, كيف تقتلوه؟ وأنجاه مِنهم، وتركوه فقط حرصًا على مصالحهم الدنيوية؛ فقد كان هذا دأبهم لا يريدون لأحد، وهذا عامر بن الطفيل الدوسي -رضي الله تعالى عنه- يأتي؛ فيلتف به كبراء قريش، ويقولوا له احذر إنه قد نشأ هنا في مكة رجل ساحر أتى بكلام يفرق فيه بين الرجل وبين أخيه، وبين الابن وأبيه، وبين الزوجة وزوجها، إياك أنْ تسمع له, يدخل في أذنك شيءٌ مِن كلامه فيفتنك، يقول : ما زالوا بي وأنا سيد قومي حتى أخذت كرسفه، أخذ قطن؛ فوضعته في أذني, خشي أنْ تأتيني كلمة مِن كلام الرسول -صلوات الله والسلام عليه- فهذا كان فعل هؤلاء المجرمين بماذا؟ بالقرآن الذي جاءهم هداية ورحمة مِن الله -تبارك وتعالى-, هذا صنيعكم، هذا هو استقبال رسالة الله -تبارك وتعالى-, {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصلت:26], يغلبون بماذا؟ بباطلهم وكفرهم وعنادهم, ينتصرون لِهُبَل أمام مَن؟ يجعلون هبل يؤثرونه في عبادته على مَن؟ على الله خالق السموات والأرض، صنم هُبَل لا يسمِن ولا يغني مِن جوع، ماذا تعبدون؟ ولكنهم عندهم اعلو هُبَل يعلونه على لا إله إلا الله، على الله خالق السموات والأرض -سبحانه وتعالى-, ويقولون : مِن عَبَد العزة أعتز فهذه آلهتهم, {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى}[النجم:19], {وَمِناةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى}[النجم:20], {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى}[النجم:21], {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}[النجم:22], {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِن رَبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم:23], انظر تمسكهم بهذا الباطل الذي فيه، وتركهم للإله الحق خالق السموات والأرض,, رب العالمين -سبحانه وتعالى- الذي آتاهم بهذه الرسالة لينتشلهم، والله يقول لهم في هذا القرآن : {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ}[الأنبياء:10], كتاب فيه العزة والمكانة والتمكين, كتاب يؤهلكم لمُلْك الآخرة، لملكوت الرب -تبارك وتعالى- تدخلوا فيه, يكون هذا موقفكم مِنه! هذا موقفكم مِن القرآن! وهذا موقفكم مِن الرسول, {.......لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصلت:26], أمر شنيع الشناعة الله -تبارك وتعالى- هنا يصور إجرام هؤلاء الكفار، وكيف كان موقفهم مع رسالة الهُدَى المنزلة مِنه -سبحانه وتعالى-, {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصلت:26].

قال -جلَّ وعَلا- : {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا........}[فصلت:27],  هنا تهديد الرب -تبارك وتعالى- مِن هؤلاء المجرمين, {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}[فصلت:27], الذوق لا يكون باللسان وحده, الذوق يكون باللسان، ويكون بكل الكيان؛ فالعذاب يذوقه الجلد والحس، كل ما يصل هذا العذاب مِن كيان المُعَذَّب؛ فإنه يذوق فيه الألم, ذوق للألم, {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}, بكل كيانهم, { عَذَابًا شَدِيدً}, عذاب النار -عياذًا بالله-، وما فيها مِن التهاويل، وأنواع  العذاب مِن الماء الحميم، مِن المقارع التي تُضْرَب على رؤوسهم لو أنَّ مقرعة ومقمعة ضُرِبَت على أعلى جبل في الأرض لهدته, مِن لدغات الحيات والعقارب, {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ}[ص:57], {وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ}[ص:58], {........وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}[إبراهيم:17], {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}[فصلت:27], باللام المُؤَكِّدَة, يؤكد الله -تبارك وتعالى- أنه هو الذي سيجزيهم, {........أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}[فصلت:27], عذابهم بأسوأ ما كانوا يعملون، وكل عملهم -نعوذ بالله- كان سيئًا مِن شركهم وعنادهم وكفرهم، قال -جلَّ وعَلا- : {ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ........}[فصلت:28],والله هنا يسميهم  أعداءه -سبحانه وتعالى- لأنهم عادوه, اتخذوه عدو، اتخذوا الله خالق السموات والأرض عدو، عادوه، عادوا رسوله، عادوا كتابه كلامه المِنزل عادوه، ما تسمعوا, لا أحد يسمعه يضربون مَن يسمع، ويؤذون ويفتنون مَن يسمع، يسمع كلام الله, أنت تمنع الناس أنْ يسمعوا كلام الله -تبارك وتعالى-, {وَالْغَوْا فِيهِ}, يقال، يُقْرَأ كتاب الله -تبارك وتعالى- فتكون  الصياح والجَلَبَة وكذا؛ حتى لا يسمع الناس كلام الله -تبارك وتعالى-, {ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ........}[فصلت:28],  النار، وهذه النار هي نار الآخرة، والتي يقول فيها النبي : ناركم هذه, هي نار الدنيا جزء مِن سبعين جزءًا مِن نار الآخرة، قالوا : يا رسول الله, إنْ كانت لكافية، قال : ولكنها أي نار الآخرة أي فضلت عليها بتسع وستين جزءًا كل جزء مِنها إذا أضرب هذه كل جزء مِن السبعين في بعضه؛ فيكون هذا أضعافًا مضاعفة, {ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ........}[فصلت:28], {لَهُمْ}, لهؤلاء الأعداء, أعداء الله -عزَّ وجلَّ-, لهؤلاء الكفار, {دَارُ الْخُلْدِ}, دار الخلود المكث الذي لا ينقطع, ماكثين فيها مكث لا ينقطع -عياذًا بالله سبحانه وتعالى-, قال -جلَّ وعَلا- : {........بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}[فصلت:28], هذا جزاء مناسب وموافق لعملهم هذا مِن إجرامهم، ومِن صدهم عن سبيل الله, مِن لغوهم ليمنعوا الناس مِن سماع هذا القرآن، مِن نهيهم الناس أنْ يسمعوا رسالة رب العالمين -سبحانه وتعالى-, {ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}[فصلت:28], {بِآيَاتِنَا}, الآيات المنسوبة إلى الله -تبارك وتعالى-, آياته المتلوة هذه، وكذلك آياته في الخَلْقِ -جلَّ وعَلا-, {يَجْحَدُونَ}, الجحود؛ الإنكار بعد العلم, علموا أنها آيات الله -تبارك وتعالى- ولكنهم أنكروها, أنكروا أنها مِن الله -تبارك وتعالى- وصدوا عنها.

 ثم قال -جلَّ وعَلا- مصورًا حالة هؤلاء، الكفار يوجد أتباع، ويوجد متبوعين هنا يصور الله -تبارك وتعالى- في ختام هذا الفاصل الصورة البائسة للأتباع يوم القيامة، قال -جلَّ وعَلا- : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِن الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنا لِيَكُونَا مِن الأَسْفَلِينَ}[فصلت:29], {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا}, أي كفروا بالله -تبارك وتعالى- وردوا هذا الحق, {رَبَّنَا}, يا ربنا, هذه مقالتهم يقولونها يوم القيامة، وهم في النار في العذاب, {أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِن الْجِنِّ وَالإِنْسِ}, {أَرِنَا}, مِن الرؤية البصرية, نريد أنْ نرى, {الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِن الْجِنِّ وَالإِنْسِ}, القُرَنَاء, قرناء السوء، شياطين الإنس والجِنّ, الشياطين الذين كانوا مِن الجِنّ، وشياطين الإنس الذين وسوسوا لنا، وزينوا لنا هذا الباطل، وأوصلونا إلى هذا المكان, {أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِن الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنا}, في النار مِن غيظهم مِنهم، وأنهم كانوا السبب في إضلالهم حتى نضعهم تحت أقدامنا, {لِيَكُونَا مِن الأَسْفَلِينَ}, في النار, نقف عليهم في النار, {لِيَكُونَا مِن الأَسْفَلِينَ}, لكن ما يغنيهم هذا سبهم وشتمهم لهؤلاء كان الأَوْلَى أنْ تتداركوا هذا في الدنيا، فلا تتبع هذا الذي يُزَيِّنُ لك الباطل، يُزَيِّنُ لك الشِّرك فتسير فيه، ولكن في النار إنْ سببته، وإنْ شتمته، وإنْ أراك الله -تبارك وتعالى- إياه وأخذته ووضعته تحت قدمك؛ فماذا يكون؟ بل الشيطان الأكبر يقف يوم القيامة، ويخطب في أتباعه الذين تغيظوا منه، وأنه كان سبب في هذا الخسار الذي نالهم، والدمار الذي آتاهم، قال -تبارك وتعالى- مصور كلمة الشيطان في هؤلاء الخاسرين : {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ........}[إبراهيم:22], بدأيقول لهم : {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}, {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ}, على ألسنة الرسل, {وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِن سُلْطَانٍ}, لم يكن لي قهر وقوة أنْ أقهركم, أنْ تسيروا خلفي, {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}, مجرد دعوة, {فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}, لُمْ أنت نفسك, أنت الذي اتبعت على عمى وبغير هُدَى, بمجرد دعوة إلى الباطل سرت, {........مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[إبراهيم:22], وكذلك يقول السادة الكبراء لمِن تحته، قال : {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا}, {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِن النَّارِ}[غافر:47], {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا........}[غافر:48], نحن كلنا فيها, {........إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ}[غافر:48], فهذا التغيظ والتلوم الذي يفعله الكفار، وغيظ قلوبهم، وإرادتهم أنْ يروا الذين أضلوهم مِن الإنس والجن, مِن شياطين الإنس والجن ليجعلوهم تحت أقدامهم، لا، ليس مفيدًا لهم, لن يفيدهم؛ لأنهم كلهم في النار، وقال -تبارك وتعالى- : {........قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:38], فكل واحد سيأخذ ضعفه مِن النار حظه؛ فالذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، قال -جلَّ وعَلا- : {........زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}[النحل:88], يُتْرَكُونَ بعد هذا الفاصل يهملون، وبعد أنْ صور الله -تبارك وتعالى- حالهم هذا حالهم في الدنيا، وهذا حالهم ومآلهم بعد ذلك في الآخرة، وأنهم في النار على هذا النحو يلعن ويسب ويتمنى التابع، الجاهل الذي اتبع شيطانه على الباطل أنْ يرى مَن أضله ليجعله تحت قدمه في النار.

تُتْرَك بعد ذلك هذه الصفحة؛ ثم يفتح الله -تبارك وتعالى- صفحة أهل الإيمان؛ فإذا هي صفحة أخرى مشرقة الذين آمنوا بهذا القرآن، واتبعوا الرسول، قال -جلَّ وعَلا- : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:30], {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}[فصلت:31], {نُزُلًا مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ}[فصلت:32], {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا.........}[فصلت:30], هذا الفريق الثاني، ذاك فريق الكفر، وتلك كانت صورته، وهذا فريق الإيمان، فريق السعادة، وهذه صورته, {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ........}[فصلت:30], {قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ}, قول قالوه بلسانهم، ولا شك أنه موافق لما في قلوبهم؛ لأنهم استقاموا بعد ذلك, استقاموا على هذا القول، استقاموا عقيدةً ومنهجًا وشريعة على طريق الله -تبارك وتعالى-؛ فجمعوا بين الإيمان, وبين العمل الصالح, {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ........}[فصلت:30], الله ربنا، وهذه مقالة حق؛ لأنه لا رب للعباد إلا الله -سبحانه وتعالى-؛ فالله رب العالمين -سبحانه وتعالى-؛ فقالوا مقالة حق، واتبعوا هذه المقالة, {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ........}[فصلت:30], {رَبُّنَا}, خالقنا، سيدنا، متولي أمرنا -سبحانه وتعالى-, مالكنا, {ثُمَّ اسْتَقَامُوا}, على أمر الله -تبارك وتعالى-, والاستقامة على أمر الله بفعل المأمور، وترك المحظور ما أمر الله -تبارك وتعالى- به، وما نهى الله -تبارك وتعالى- عنه, {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ........}[هود:112], {اسْتَقَامُوا}, على أمر الله -تبارك وتعالى-, قال -جلَّ وعَلا- : {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ}, تتنزل نزولًا بعد نزول، وهذا يكون تنزلهم عليهم عند الموت، عند الاحتضار, {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ}, تأتيهم ملائكة الرحمة؛ فتبشرهم, {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا}, مما تُقْدِمُونَ عليه, {وَلا تَحْزَنُوا}, مما تخلفونه ورائكم, {........وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:30], بشارة، أبشروا بالجنة التي كان الله -تبارك وتعالى- يعدكم بها، ووعدكم بها على ألسنة الرسل، وفي هذا يقول النبي -صلوات الله والسلام عليه- : «إذا كان العبد المؤمِن في إقبال مِن الآخرة وإدبار مِن الدنيا أتاه مَلَك الموت فجلس عند رأسه», هذا قبل ما يقبض روحه، «وأتته ملائكة بيض الوجوه كأنَّ وجوههم الشمس معهم حنوط مِن الجنة، وكفن مِن الجنة فجلسوا مِنه مد بصره», هذه البشرى «ثم يقول مَلَك الموت لروحه أخرجي أيتها الروح الطيبة كانت تسكن في الجسد الطيب؛ فتخرج تفيض كما تخرج قطرة الماء  في السقاء».

 سنعود -إنْ شاء الله- إلى تمام هذا الحديث، ونعيش في ظلال هذه الآيات العظيمة, {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:30] رجاءً مِن الله -تبارك وتعالى- أنْ نكون مِن أهل هذه الجنة.

أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.