الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ}[فصلت:45], {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:46], {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ}[فصلت:47], {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ}[فصلت:48], {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ}[فصلت:49].
بعد أنْ ذَكَرَ الله -تبارك وتعالى- مِنَّتَهُ ورحمته على عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه-, وعلى العرب خاصة بأنْ أنزل هذا الذِّكْر الحكيم, القرآن الكريم على هذا النبي الكريم -صلوات الله والسلام عليه-, وهدد الله -تبارك وتعالى- مَن يكفر به؛ فقال : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}[فصلت:41], {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:42], ثم قال لرسوله : {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ}[فصلت:43], أي في تكذيب الرسول، وأنه ساحر وكاهن، وأنه افترى ما أتى به وهو القرآن، وقال -جلَّ وعَلا- , {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[فصلت:44], بعد أنْ ذكر الله مِنَّتَهُ -سبحانه وتعالى- بإنزال هذا الذكر الحكيم على نبيه، ورسوله محمد، وبين مواقف هؤلاء المكذبين وتعنتهم، قال -جلَّ وعَلا- مبينًا أنَّ هذه ليست أول مرة ينزل الله -تبارك وتعالى- فيه كتاب هدى على عباده، قال : {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ........}[فصلت:45], وهو التوراة فيها الهدى والنور لبني إسرائيل, {فَاخْتُلِفَ فِيهِ}, مِن بعده, {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}, بين المختلفين فيه مِن المكذبين بالكتاب، الخارجين عنه, {........وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ}[فصلت:45], {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ........}[فصلت:46], هذه القاعدة، قاعدة الحساب عند الله -تبارك وتعالى-, {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ........}[فصلت:46], أي ثواب وجزاء ونتيجة وثمرة هذا الصلاح, {فَلِنَفْسِهِ}, يعود عليه خير هذا الصلاح, {فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}, مَن أساء؛ فعلى نَفْسِهِ يجني, {........وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:46], فإنه لا يظلمهم، بل يعطي كل إنسان حقه؛ فلا يجمع على الكافر عذابًا لا يستحقه، بل {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:26] ولا يجمع عليه ذنوبًا لم يعملها، بل يحاسبه على عمله -سبحانه وتعالى-, {........وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:46], {إِلَيْهِ}, لا إلى غيره -سبحانه وتعالى-, {يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ}, إليه إلى الله لا إلى سواه, {يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ}, فعلم الساعة, {إِلَيْهِ}, وذلك أنَّ السَّاعَة وهي يوم القيامة سميت بالساعة؛ لأنَّ لها وقت محدد لا بد أنْ تكون فيه، الله -تبارك وتعالى- استأثر بهذا العلم لِنَفْسِهِ, لم يطلع عليه أحدًا مِن خَلْقِهِ، لا مَلَكًا مِن ملائكته المقربين، ولا رسولًا مِن رسله المحبوبين، المجتبين, ما أطلع الله -تبارك وتعالى- على وقت الساعة أحدًا مِن الخَلْق بتاتًا، بل النافخ في الصور المَلَك الذي ينفخ في الصور لا يعلمه، لا يعلم متى يأمره الله -تبارك وتعالى- بأنْ ينفخ في الصور إيذانًا بمجيء الساعة, {إِلَيْهِ}, إلى الله -سبحانه وتعالى-, {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً........}[الأعراف:187], {إِلَيْهِ}, إلى الله لا إلى غيره, {يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ}, فعلم الساعة يرد إليه فإذا سئلت الساعة يقال لا علم لأحد بها إلا الله -سبحانه وتعالى- علمها إلى الله, {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ}, هذا عِلْم الله تبارك وتعالى- الشامل لكل مخلوقاته؛ فلا تخرج مِن ثمرة مِن كمها، مِن غلافها إلا والله -تبارك وتعالى- يعلمها, الثمرات الأول تكون في أغلفة, كل الثمرات تكون في أغلفة؛ ثم تطلع؛ ثم تنشق وتتفتح هذه الأغلفة، الأكمام، وهي أشبه بالكم، كم الثوب الذي يغطي الشيء, انظر إلى طلع النخل؛ فإنها تطلع في هذا الغلاف الذي يغطيها، وقد رُصَّت حبات الطلع هذا فيها رصًا, ثم تخرج؛ ثم تفتح بعد ذلك تنشق بعد ذلك، وتخرج هذه الثمرات بأعدادها؛ فهذه ما تخرج ثمرة إلا وهي خارجة بعلم الله -تبارك وتعالى-, انظر هي في ظلمات قلب النخلة تخرج وتشق هذا القلب خارجة منه، وهي قد رُصَّت، وقد حُسِبَت, حسبها خالقها -سبحانه وتعالى- وعَلِمَ كل ذرة منها, {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى}, أي أنثى؛ أنثى الإنسان، أنثى الحيوان لا تحمل إلا وهي بعلم الله -تبارك وتعالى-, الله تبارك وتعالى- يعلم حملها، وهو خالق ومدبر هذا الأمر كله -سبحانه وتعالى-, {وَلا تَضَعُ}, أي هذه الأنثى, {إِلَّا بِعِلْمِهِ}, تضع يوم الوضع, {إِلَّا بِعِلْمِهِ}, -سبحانه وتعالى- فهو الذي قَدَّر هذا، وحسب هذا، وهذا كله قائمٌ بعلمه -سبحانه وتعالى-, {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ}, إذن هذا الرب -سبحانه وتعالى- الذي وسع كل شيء رحمةً وعلمًا؛ فعلمه لا يخرج عن علمه ذرة مِن ذرات هذا الوجود -سبحانه وتعالى-, لا توجد ذرة مِن ذرات الوجود إلا وهي بعلم الله -تبارك وتعالى-, {........وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:59], فَمِن علمه -سبحانه وتعالى- لا تخرج مِن ثمرة من كمها إلا بعلمه, {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ}, قال -جلَّ وعَلا- : {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي........}[فصلت:47], يوم يناديهم يوم القيامة, {يُنَادِيهِمْ}, الخَلْق, {أَيْنَ شُرَكَائِي}, الذين على اعتقادهم؛ فإنهم ظنوا واعتقدوا أنَّ لله -تبارك وتعالى- شركاء سواءً كان هذا شركاء في الخَلْق عاونوا الله تبارك وتعالى- أو ظاهروه، أو خلقوا مع الله -تبارك وتعالى- أو شركاء في الخلَقْ؛ فإنهم يعبدون كما يعبد الله -تبارك وتعالى- فيناديهم تبكيتًا لهم، وتسخيفًا لعقولهم، وإقامة الحجة عليهم : {أَيْنَ شُرَكَائِي}, أي الذين عبدتموهم مِن دوني في هذه الدنيا، ولا يكون لهم أي جواب, {........قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ}[فصلت:47], {قَالُوا}, أي كل الذين أشركوا بالله -تبارك وتعالى-, {آذَنَّاكَ}, أعلمناك يا رب, يُعْلِمُونَ الرب -تبارك وتعالى- ويشهدون, {........مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ}[فصلت:47], {مَا مِنَّا}, مِن أحد, {مِنْ شَهِيدٍ}, يشهد هذه الشهادة الباطلة, الآن شهدوا على أنفسهم أنَّ قولهم في الدنيا كان قولًا باطلًا, {........مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ}[فصلت:47], يشهد هذه الشهادة الباطلة بأنَّ لك يا رب شريك، وأنه قد كان معك شريك قد تساقطت كل ظنونهم وأوهامهم، وكل ما عبدوه مِن دون الله -تبارك وتعالى-, وعلموا أنَّ الحق لله وحده, {........وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[الأعراف:53], فيوم القيامة يعلموا أنَّ الحق إنما هو لله -سبحانه وتعالى-, وأنَّ الله هو الحق, الإله الحق الذي بيده المُلْك كله، وله الأمر كله، وهو الرب وحده الإله وحده -سبحانه وتعالى-, الإله الذي لا إله إلا هو، وأنَّ كل ما عبدوه ورجوه ودعوه مِن دون الله -تبارك وتعالى- إنما كان باطلًا, {........قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ}[فصلت:47], قال -جلَّ وعَلا- : {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ}, {ضَلَّ عَنْهُم}, هلك وذهب, {مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ}, الذي كانوا يدعونه مِن قبل دعاؤهم مِن قبل لآلهتهم وأصنامهم وشركاءهم الذين زعموا أنهم شركاء لله -تبارك وتعالى- كلهم ضلوا عنهم؛ فيسألون أين هذه الآلهة, فيقولون ضلوا عنا, أصبح هناك إله ممكن أنْ يتمسكوا به، وأنْ يقولوا لله -تبارك وتعالى- هذا إلهنا، وهذا شريكك الذي كنا ندعوا مِن دونك, {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ}, ذهب هذا الكذب والافتراء والزور الذي كانوا فيه كله انتهى, {........وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ}[فصلت:48], {وَظَنُّوا}, هنا بمعنى الاعتقاد, {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ}, عن العذاب أمامهم، ولا {مَحِيصٍ}, عنه المحيص المهرب, أي لا مجال للهروب يمينًا، ولا يسارًا، ولا خلفًا، بل النار أمامهم وجدوا أنَّ النار محيطة بهم الملائكة قد أحاطت بهم مِن كل جانب، وأصبح لا طريق لهم إلا طريق النار؛ فاهدوهم إلى صراط الجحيم يقال لهم هذه؛ فلا يساقون إلا إلى النار، واعتقدوا اعتقادًا جازمًا بأنهم : {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ}, هذه هي النهاية البئيسة لهؤلاء الذين أشركوا بالله -تبارك وتعالى-, وزعموا أنَّ لله شريك معه في الخَلْق، أو في التصريف، أو في الحق كل هذه الافتراءات قد انتهت، وظهر الحق أمامهم، ولم يكن هناك بعد ذلك أي مجال أنْ يتمسكوا بشيء مِن الباطل في هذا المقام، قال -جلَّ وعَلا- : {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ}[فصلت:49], هذا بيان لحال هذا الإنسان الكافر المتكبر على أمر الله -تبارك وتعالى- انظر خَلقه، وأخلاقه حاله, {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ........}[فصلت:49], {لا يَسْأَمُ}, لا يمل أنه في دعائه للخير، وفي طلبه له لا يمل مهما زاد عليه الأمر؛ فإنه يطلب المزيد دائمًا، ويدعوا دائمًا, {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ}[فصلت:49], {مَسَّهُ}, مجرد مسيس، وهو أنْ يصيبه بإصابة صغيرة, {........مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ[فصلت:49], هذا حال الإنسان الكافر, يئوس مِن اليأس، واليأس هو انقطاع الأمل، وانقطاع الرجاء, {قَنُوطٌ}, قانط القنوط فعول هنا صيغة مبالغة مِن القانط، والقانط هو قاطع الأمل، قاطع الرجاء، والذي لا أمل عنده في أنْ يخرج مما هو فيه مِن هذا الشر؛ فهذا حال الإنسان الكافر؛ فإنه دائمًا يستزيد مِن الخير في هذه الدنيا، وإذا مسه شيء مِن الشر؛ فإنه ييأس ويقنط, قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى........}[فصلت:50], انظر هذا الكافر المتبجح كيف يكون، قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ........}[فصلت:50], لو أنَّ الله غير ما به؛ فكان فيه ضر مسه، وغير الله -تبارك وتعالى- هذا الضر أذاقه الله -تبارك وتعالى- رحمة منه كان فيه مرض؛ فشفاه الله -تبارك وتعالى- كان في فقر وسع الله -تبارك وتعالى- عليه، كان في ضائقة، ومحنة؛ فكشف الله -تبارك وتعالى- هذه المحنة عنه, {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ........}[فصلت:50], ضراء يشمل المرض، والفقر، وغيره لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي ليقولن بلام القسم, {هَذَا لِي}, استحقاق وجدارة أنا جدير بهذا الأمر، وأنا أستحقه علمًا أنه قد التجأ إلى الله -تبارك وتعالى- ودعاه، وأنَّ الله -تبارك وتعالى- هو الذي غَيَّر حاله هذا، وأنَّ كل أمر بيد الله -تبارك وتعالى-, وأنه لا تصيبه نعمة، ورحمة إلا منه -سبحانه وتعالى- لكنه يظن أن هذا الذي ناله إنما ناله عن إستحقاق، وعن حظ له، وجدارة له, {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}, هذا الخير الذي نالني لي؛ لأنى جدير بذلك، وأنْ يستحقه, {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}, وكذلك مِن تبجحه وكفره يكذب بالساعة يقول : {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}, لا أظن أنْ تقوم ساعة ليحاسب الناس بين يدي الله -تبارك وتعالى-, {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}, على فرض، يقول: على فرض أن هناك قيامة للأجساد، وبعث للناس؛ فإنَّ لي عند الله, {لَلْحُسْنَى}, فالذي أنعم علي في الدنيا سينعم علي في الآخرة, إذا كان أمر مِن الله، وكان هذا حظ، ونصيب؛ فما دام حظي ونصيبي في الدنيا هو المُلْك والراحة والمال والقوة؛ فسأجد هذا كذلك؛ فسيعطينى الله -تبارك وتعالى- هذا الحظ، والنصيب كما أعطاني في الدنيا, {إِنَّ لِي عِنْدَهُ}, عند الله, {لَلْحُسْنَى}, الحسنى الغاية مِن الأمر الحسن، قال -جلَّ وعَلا- : {........فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}[فصلت:50], {فَلَنُنَبِّئَنَّ}, والله لننبئن, {الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا}, هذا الكافر الذي يظن أن الله -تبارك وتعالى- إنما صنع به هذا الصنيع من العطاء، والمَنّ منه إنما هو لأنه جدير بذلك، وأنه جدير بأنْ يأخذ هذا في الآخرة كما أخذه في الدنيا, هذا كافر بالله -تبارك وتعالى- وأصبح إلهه هواه، وظنه أنه هو الآن أصبح مركز الكون، وأنَّ الله تابع لمشيئته وإرادته، وليس هو عبد لله -تبارك وتعالى- يبتليه الله -تبارك وتعالى- بالخير والشر فتنة ليبتلى طاعته وشكره وإنابته إلى خالقه ومولاه، وليعلم أنَّ الأمر كله بيد إلهه ومولاه -سبحانه وتعالى- بل هنا لا جعل نفسه هو الأصل، وأنه يستحق كا يستحقه مِن الفضل، وأنَّ كما أُعْطِيَ في الدنيا؛ فسيعطى في الآخرة لو كان، لوكانت هناك آخرة، قال -جلَّ وعَلا- : {فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا}, يوم القيامة, إنباء يتبعه الحساب، العقوبة على هذا, ننبئن؛ نخبرن سيخبرهم الله -تبارك وتعالى- بكفرهم هذا يوم القيامة, {........وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}[فصلت:50] باللام المؤكدة نذيقنهم، والنون المؤكدة, الله -تبارك وتعالى- يؤكد هذا الأمر بأنه سيذيق هؤلاء الكفار, {مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}, وغليظ هذا لأنه لفظاعته، ولأنه غليظ أولًا لطوله لأنه لا ينقطع، غليظ لأنه بأشق، وأعلى الأسباب إيلامًا، وهو النار؛ فلا عذاب على الحس أكبر مِن عذاب النار، ولأنه ليس بالنار وحدها، وإنما بصنوف مِن العذاب قد بلغت الغاية في الإهانة، والإذلال الحسي والمعنوي, {........يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}[الحج:19], {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ}[الحج:20], {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}[الحج:21], {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}[الحج:22] هذا يقال لهم هذا, {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}, فيقرعون بالألفاظ القاسية، ويهانون بشتى الإهانات كل هذا مِن عذاب غليظ؛ لأنه يتجمع بعضه مع بعض؛ فيصبح هذا العذاب عذاب غليظ بكل معاني الغلظة, {........وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}[فصلت:50].
ثم قال -جلَّ وعَلا- , {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأي بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ}[فصلت:51], هذا حال الإنسان الكافر, {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ........}[فصلت:51], عن ربه, {وَنَأي}, ابتعد, {بِجَانِبِهِ}, يأخذ جانبًا، وهذا أعلى أنواع الصَّلَف والكبر والإعراض؛ فإنه إعراض بالجنب استنكافًا وبعدًا عن ربه -سبحانه وتعالى,- {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ........}[فصلت:51], والله هو الذي ينعم عليه -سبحانه وتعالى- وبهذه النعم نعمة الصحة، الجاه، التمكين، السلامة، المال، الغنى, {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ........}[فصلت:51], أي عن ربه, {........وَنَأي بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ}[فصلت:51], {وَإِذَا مَسَّهُ}, مجرد مسيس, {الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ}, أي لربه, {عَرِيضٍ}, وذلك بأنه يدعوا بكل ما لديه مِن الدعاء تضرع لله -تبارك وتعالى- ويطلب هذا، يطلب كشف الضر، ويلجأ إلى ربه, هذا أيضًا حال بعض الإنسان الكافر؛ فعند النعمة النعمة تطغيه، وتبطره، وتجعله ينأى عن طريق الرب -تبارك وتعالى- والشر يهينه ويذله، ويجعله يلجأ إلى الله -تبارك وتعالى-, ويدعوا بالدعاء العريض، هذا كله صفة الإنسان الكافر, أما الإنسان المؤمن؛ فهو على غير ذلك اذا أنعم الله -تبارك وتعالى- عليه شكره، وفي نعمة الله -تبارك وتعالى- قائمًا بالشكر، وبالإنابة إلى ربه اذا مسه شيء مِن الضر؛ فهو يصبر على ذلك، وهو عائد إلى الله -تبارك وتعالى-.
ثم قال -جلَّ وعَلا- في ختام هذه السورة يخاطب الكفار : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ.........}[فصلت:52], {قُلْ أَرَأَيْتُمْ}, قل لهم, {أَرَأَيْتُمْ}, أخبروني, {إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}, افرضوا فرضًا أنَّ هذا الذي آتيت به القرآن الذي آتيت به، وهذا الوعيد الذي آتيت به, {كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}, الله الذي هذه صفاته ملك السماوت، والأرض -سبحانه وتعالى- مالك الكل متصرف في الجميع لو كَانَ هذا القرآن, {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}, وفيه هذا الوعد، وفيه هذا الوعيد، وفيه هذا الإخبار, {ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ}, ثم إنكم, {كَفَرْتُمْ بِهِ}, ماذا؟ والجواب ماذا سيكون حالكم، هل فكرتم في هذا الأمر؟ فماذا سيكون حالكم لو كان قدروا هذا الفرض خذوه على إنه فرض الآن، ولو كان فرضًا جذريًا قدروا الأمر الآخر أنتم رفضتم هذا، وقلتم هذا القرآن ليس مِن الله، وقولتم أنَّ النبي أنه كاذب ومفترٍ، وأنه، وأنه افرضوا الفرض الآخر، لو افترضتوا الفرض الآخر، وكان هذا محمدًا بن عبد الله -صلوات الله والسلام عليه- هو رسول الله حقًا، وهذا القرآن الذي جاء هو مِن عند الله -تبارك وتعالى- وحصل منكم الكفر التكذيب به، قولتم ما نؤمن به، ولا نأخذه، ولا نسير فيه؛ ثم الجواب متروك، والجواب هنا ماذا سيكون حالكم؟ ماذا تتصورون مِن الله -تبارك وتعالى- أنْ يعاقبكم به؟ هل ستتصور مِن الله -تبارك وتعالى- سيترككم على هذا النحو، ولا يعاقبكم, {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ........ }[فصلت:52], لا شك أنْ هذا يهز، ويحي أي قلب فيه شيء مِن الحياة يفكر في أمره لكن الكافر مطموس، قال -جلَّ وعَلا- : {.......مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}[فصلت:52], سؤال يراد به التقرير, {........مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}[فصلت:52], عن الحق, {شِقَاقٍ}, مشاقق للحق بعيد جدًا في شقة بعيدة جدًا عن الحق، مَن أضل منه هذا؟ إنسان في وادي بعيد جدًا عن الحق، وهو مشاقق له أنه في شق، والحق في شق آخر؛ فمن أضل مِن هذا؟ لا يكاد هو الجواب لا أحد أضل مِن هذا, {.......مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}[فصلت:52] ثم قال -جلَّ وعَلا- : {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت:53], يخبر -سبحانه وتعالى- أنه متكفل بأنه يري عباده آياته سبحانه وتعالى- فِي الآفَاقِ قال: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ آياتنا، الآيات جمع آية، والآية هي الدلالة القائمة دلالات الله -تبارك وتعالى- التي هي لبيان وحدانيته، وألوهيته، وأنَّ هذا الدين حق، وأنَّ محمد بن عبد الله هو رسوله حقًا وصدقًا, {فِي الآفَاقِ}, في الآفاق في آفاق هذه الدنيا، في جنبات هذه الدنيا، أو في آفاق الخلق, {وَفِي أَنْفُسِهِمْ}, وفي أنفسهم يقيم الله -تبارك وتعالى- عليهم الدلاة في أنفسهم, {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}, فمن دلالاته -سبحانه وتعالى- التي أقامها الله -تبارك وتعالى- لهم أنَّ الله -تبارك وتعالى- سينصر هذا النبي، وأنهم سيهزمون، قال -تبارك وتعالى- , {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر:45], {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهي وَأَمَرُّ}[القمر:46], {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر:45], وهذى آية مكية نزلت في مكة؛ فهذه أنَّ الله -تبارك وتعالى- ينصر عبده ورسوله عليهم، وهم الفئة القوية، والأمة المتمالئة، المتعاضلة على الكفر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- في فئة قليلة في مكة، وهو يقول : بأنه سينتصر حتمًا، وأنَّ دينه سينتصر سيحطم كل هؤلاء، وستكون في الأرض العزة كلها له، هذه أمر إخبار مِن الله -تبارك وتعالى-, وهو أمر غريب مخالف لما هو كله على أرض الواقع، والله يقول : {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر:45], {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهي وَأَمَرُّ}[القمر:46], ثم يريهم الله -تبارك وتعالى- هذه الآية عيانًا بيانًا في نصره لرسوله في بدر، والله -تبارك وتعالى- ذكر الكفار بهذا, {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ}[آل عمران:13], هذه فيها إبصار, {لِأُوْلِي الأَبْصَارِ}, الذين يبصرون؛ فهذه آية مِن آيات، بدر كانت آية مِن آيات الله -تبارك وتعالى-, وكان يومها يوم فرقان، كما قال -تبارك وتعالى- : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الأنفال:41], فسمى الله -تبارك وتعالى- يوم بدر يوم فرقان فرق الله -تبارك وتعالى- به بين الحق والباطل، وأرى عباده -سبحانه وتعالى- آية مِن آياته -جلَّ وعَلا-؛ فهذه مِن آيات الله -تبارك وتعالى-, وقد أظهر الله -تبارك وتعالى- مِن آياته هذا الباب آيات عظيمة جدًا، الأخبار الكثيرة التي أخبر بها النبي -صلوات الله والسلام عليه- وقعت كما أخبر به تمامًا -صلوات الله والسلام عليه-, ثم استمر هذا هذه الآيات استمرت إلى قيام الساعة؛ فإنَّ النبي حدث مِن وقته، وإلى قيام الساعة بأحداث عظيمة، وأنه سيكون كذا، وسيكون كذا، وسيكون كذا، وكل هذه الأمور تقع على النحو الذي حدث، وأخبر به النبي -صلوات الله والسلام عليه- كذلك {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ}, آيات الله -تبارك وتعالى- المنظورة؛ فإنَّ الله تبارك وتعالى- في كل وقت يطلع خلقه -سبحانه وتعالى- عن طريق ما يبحثونه من علومهم على أسرار من أسرار هذا الكون تدل على كمال عظمته، ووحدانيته -سبحانه وتعالى- وأنه الرب الإله الذي أحاط علمًا بكل شيء، قد علم الناس الآن مِن أخبار الذرة، وأخبار الخلية الحية، وأخبار المجرات، وأخبار الكون، وأخبار الأحياء، وأخبار النبات، وأحوال هذا الخلق مِن دقيق صنع الله -تبارك وتعالى- أمور لا تسعها الكتب، ولا المجلدات أمور عظيمة كلها فيها دلالات على وحدانية الرب -سبحانه وتعالى-, وأنه الإله الذي لا إله إلا هو، والخالق وحده لكل هذا الخَلْق، والمدبر له، والمنظم له، وأنه لا يقوم هذا الخلق إلا بإقامة إله قوي، قادر, {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[فاطر:41], رأي الناس مِن هندسة ونظام هذا الكون، وبناء هذا الكون أمر عظيم جدًا رأوه، وأحسوه بعلومهم؛ فهذا كذلك مِن الآيات التي أخبر الله تبارك وتعالى- بأنه سيري خلقه عجائب قدرته، وصنعته -سبحانه وتعالى-, {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ........}[فصلت:53], آفاق الخلق, {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ.........}[فصلت:53], ثم قال -جلَّ وعَلا- , {......أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت:53], ما يكفي الخلق الإيمان بالله -تبارك وتعالى- أنْ يعلموا أنَّ الله -تبارك وتعالى- قائم, {.......عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت:53], على كل شيء لا يغيب عنه شيء -سبحانه وتعالى-, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ........}[فصلت:54], {أَلا}, اعلموا, {إِنَّهُمْ}, هؤلاء الكفار, {فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ}, مَن؟ {مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ}, وإنسان يشك في لقاء خالقه, خالقك الذي خلقك، كيف تشك فيه؟ تشك في خالقك, إذا شككت في خالقك شككت في نفسك، كيف أنت وجدت؟ {أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ........}[فصلت:54], ثم قال -جلَّ وعَلا- : {.......أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}[فصلت:54], {أَلا}, فاعلموا, {إِنَّهُ}, الله -سبحانه وتعالى-, {بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}, إحاطة علم، إحاطة علم بكل شيء مع أنه عليمًا علمًا دقيقًا بكل شيء؛ إذن فاحذروا لو كان لكم قلوب وعقول, واحذروا واتقوا هذا الإله العظيم الذي أحاط علمًا بكل شيء -سبحانه وتعالى-, وبهذا تنتهي هذه السورة؛ سورة فصلت، أسأل الله -تبارك وتعالى- أنْ ينفعنا بما فيها مِن الآيات والذِّكْر الحكيم.
أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.