الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (591) - سورة الشورى 1-7

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمِن الرحيم : {حم}[الشورى:1], {عسق}[الشورى:2], {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الشورى:3], {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[الشورى:4], {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمِن فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الشورى:5], {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}[الشورى:6], {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمِن حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:7].

هذه سورة الشورى، وهي سورة مكية بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بهذه الحروف المُقَطَّعَة الحاء والميم والعين والسين والقاف, {حم}[الشورى:1], {عسق}[الشورى:2], وشأن هذه الحروف شأن الحروف المُقَطَّعَة في أوائل سور القرآن، وقد ذكر أهل العلم بأنَّ أمثل تأويل وتفسير لهذه الحروف أنها تنبيه وتذكير مِن الله -تبارك وتعالى- منزل هذا القرآن أنَّ هذا القرآن الذي أنزله إنما هو مِن كلام العرب مُؤَلَّف بهذه الحروف التي يتكلمون بها؛ فإنْ كانوا مكذبين للنبي -صلوات الله والسلام عليه- وردوا القول بأنَّ هذا كلام الله -تبارك وتعالى-, {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ}[الطور:34], يؤلفوا مِن هذه الحروف، مِن هذه الكلمات، مِن هذا اللسان العربي كلام يشبه أو يقارب هذا الكلام في نظمه، وفي حسنه وبهائه وجماله، ولا يستطيعون, {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء:88], {حم}[الشورى:1], {عسق}[الشورى:2], {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الشورى:3], {كَذَلِكَ}, كهذا الوحي النازل إليك؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- قد أوحى إلى الرسل مِن قبلك، وأنزل عليهم كذلك وحيًا يقرأ ويتلى, {اللَّهُ}, المنزل هذا, {الْعَزِيزُ}, الغالب الذي لا يغلبه أحد, {الْحَكِيمُ}, الذي يضع الأمور في نصابها, {كَذَلِكَ}, كهذا الوحي النازل إليك, {يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ}, فإنَّ الله -تبارك وتعالى- هو الذي أوحى إلى الذين مِن قبل النبي -صلوات الله والسلام عليه-, وهم رسل الله -تبارك وتعالى- وأنبياؤه، وأنَّ هذا الموحى هو الله, {اللَّهُ}, اسم عَلَم على ذات الرب -تبارك وتعالى- وكل الأسماء، أسماء الرب -تبارك وتعالى- راجعة إلى هذا الاسم؛ فهو الاسم الأعظم للرب -تبارك وتعالى- وكل أسماء الله -تبارك وتعالى- ترجع إلى هذا الاسم هو معنى الإله الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى-, وهو الإله حقًا، وغيره إله باطل كل ما ادعيت له الألوهية غير الله -تبارك وتعالى- فباطلة, {اللَّهُ}, والذي تعرفه كل خلقه عندما يذكر الله -تبارك وتعالى-؛ فيعلمون أنه خالق المنسوب إليه خلق هذه السموات والأرض رب العالمين -سبحانه وتعالى-, {الْعَزِيزُ}, الغالب الذي لا يغلبه أحد، الذي غلب كل شيء -سبحانه وتعالى-, وقهر كل شيء، وذَلَّ له كل شيء, {الْحَكِيمُ}, الذي يضع كل أمر في نصابه؛ فلا أمر مِن الأمور خلقًا وقدرًا كل موضوع في نصابه الصحيح تمامًا، وليس هناك شيء مِن خَلْقِهِ، ولا مِن قدره خارج عن الحق والصواب, بل كل شيء في مكانه الصحيح, {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}, -سبحانه وتعالى- ويوحى الوحي هو في لغة العرب الإعلام بطريق الخفاء طريق خفي, {يُوحِي إِلَيْكَ}, هذا الوحي إعلام مِن الله -تبارك وتعالى- وقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أمنا عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنَّ الحارث بن هشام -رضي الله تعالى عنه- سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف يأتيك الوحي؟ عن الكيفية التي يأتيه به هذا الإعلام مِن الله -تبارك وتعالى- والإخبار كلام الله كيف يأتيه؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتيني أحيانًا مثل صلصلة الجرس؛ فيفصم عني وقد وعيت ما قال، أحيانًا يقول النبي يأتيني هذا الوحي مثل صلصلة الجرس, صوت قوى كصوت الجرس القوى يسمعه النبي، ولا يسمعه مَن حوله -صلوات الله والسلام عليه- قال : فيفصم عنى، يفصم ينقطع الوحي، وقد وعيت ما قال هذا الصوت القوي عندما ينتهي يكون النبي قد وعى ما قال، وكانت تقول أم المؤمنين عائشة : كان يوحى إليه في اليوم الشديد البرد؛ فيفصم عنه، وإنَّ جبينه ليتفصد عرقه، تقول : في اليوم البارد حتى يأتيه الوحي؛ فلا يكاد بعد أنْ ينتهي الوحي؛ فجبين النبي يتفصد عرقًا كأنه قطعت عروق العرق؛ فبدأ يخرج العرق خروجًا متتابعًا، وإنه ليتفصد عرقًا، وكذلك يكون ثقيل، قال النبي : وهو أشده علي، قال : أشد الوحي علي، طريق هذا الوحي هو هذه الصورة هو صورة الصوت القوي هذا، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : وأحيانًا يتمثل لي المَلَك رجلًا؛ فيكلمني، يقول : أحيانًا أخرى المَلَك يتمثل برجل يأتي بصورة رجل؛ فيكلمني كما يكلم الرجل الرجل؛ فهذا يكون أخف مِن الصورة الأولى؛ فالوحي هذا القرآن جاء وحي للنبى -صلوات الله والسلام عليه- بهذه الصور التي حدث عنها النبي -صلوات الله والسلام عليه-, {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الشورى:3].

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[الشورى:4], هذا, {اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}, هو الذي {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ........ }[الشورى:4], كل شيء، كل المخلوقات التي لله التي في السموات، وفي الأرض مِن في السموات مِن الملائكة، مِن الجنة، مما ذخر الله فيها، والأرض كذلك مما هي فيه كل هذا لله لأنه منشؤه ومودعه وخالقه -سبحانه وتعالى- ولا خالق لكل هذه الأشياء إلا الله، الله خالق كل شيء -سبحانه وتعالى-, {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ........}[الشورى:4], على كل خَلْقِه -سبحانه وتعالى-, {الْعَظِيمُ}, بكل معاني عَظَمَته -سبحانه وتعالى- عظمة ذات، وعظمة صفات، وعظمة أفعال -سبحانه وتعالى-, {وَهُوَ الْعَلِيُّ}, لأنه المستوي على عرشه، وعرشه سقف مخلوقاته، فوق مخلوقاته -سبحانه وتعالى-, {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}, {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ........ }[الشورى:5], {تَكَادُ}, هذا الفعل مِن أفعال المقاربة أنها تقارب هذا الأمر، ولم تقع فيه, {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ}, {يَتَفَطَّرْنَ}, يتشققن, {مِن فَوْقِهِنَّ}, فرقًا خوفًا مِن الله -تبارك وتعالى- فهذه السموات العظيمة المبنية الممتدة إلى امتداد لا يعلمه إلا خالقها -سبحانه وتعالى- والقوية الشديدة, {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[الذاريات:47], وقال -تبارك وتعالى- : {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}[الواقعة:75], {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}[الواقعة:76], والنجوم إنما هي زينة هذه السماء الدنيا، وليست في السموات التي فوقها، وهذا الخَلْق العظيم كله يكاد مِن الفرق والخوف مِن الله -تبارك وتعالى- يتشققن خوفًا مِن الله -تبارك وتعالى- فيه, {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ}, يتفطرن يتشققن {مِن فَوْقِهِنَّ}, أي خوفًا مِن الله -تبارك وتعالى- الذي فوق السموات, {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}, والملائكة ملائكة الله -تبارك وتعالى-, {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}, {يُسَبِّحُونَ}, ينزهون الله -تبارك وتعالى- حال كونهم متمثلين بحمد الله يجمعون بين التسبيح والحمد والتسبيح هو التنزيه، وهو نفي كل صفات النقص عن الله -تبارك وتعالى- فالله هو المنزه، سبوح، المقدس عن كل صفات النقص، كل صفات النقص التي تعتري المخلوق الله منزه عنها؛ فهو الحي الذي لا يموت، والإنس والجن يموتون، الموت نقص, الله لا يموت -سبحانه وتعالى- الحي القيوم الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم, الأحياء تنام يأخذها السنة لكن الله -تبارك وتعالى- لا ينام، إنَّ الله لا ينام الحي ينسى، والله لا ينسى -سبحانه وتعالى-, {........لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى}[طه:52], فلا ينسى شيء الحي يعلم مِن العلم ما هو مناسب لحاله، والله -تبارك وتعالى- لا يخفي عليه شيء قَطّ -سبحانه وتعالى- مِن كل شئون خَلْقِهِ هو حسبهم، هو علمه -سبحانه وتعالى-؛ فلا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وهكذا كل ما يعتري المخلوق مِن النقص في علمه، في حاله، في حياته, الله منزه عنه -سبحانه وتعالى-, لا يعترى الرب -تبارك وتعالى- نقص بأي وجه مِن الوجوه كذلك يعتري المخلوق مِن النقص أنَّ لكل مخلوق شبيه ونظير ومثل كل المخلوقات ما في مخلوقات إلا له شبيه مِن جنسه، ونظير وكفء الملائكة لهم كل مَلَك له كفء ملائكة العرش متكافئون، وجبريل قد يكون له مِن ملائكة الله -تبارك وتعالى- ما هو مثله  في الخَلْقِ، وفي الصفات الإنس الجن كل شيء إلا الله -سبحانه وتعالى- إنه متفرد وحده -سبحانه وتعالى- لا مثيل له. لا كفء له، لا ند له، لا شبيه له -سبحانه وتعالى-؛ فهو مِنزه عن هذا مِنزه أنْ يكون له مماثل، ولذلك كانت أكبر الجرائم هو نسبة الولد إلى الله -تبارك وتعالى- أنَّ الولد بالضرورة هو مشابه لأبيه، وتعالى الله -تبارك وتعالى- فالذين دعوا لله ولدًا قد سبوا الله -تبارك وتعالى- بأعظم السب، ولم ينزهوه؛ فالله أعظم ما نزه عنه -سبحانه وتعالى- ينزه الله -سبحانه وتعالى- عن كل نقص، وأكبر نقص أنْ يكون له شبيه، أن يكون له ولد؛ فالمشركوا العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الله أجرموا، وشتموا الله -تبارك وتعالى-, واليهود الذين قالوا : إنَّ لله أولاد كما في التوراة التي افتروا ما افتروا فيها، وعلم أبناء الله، أو رأى أبناء الله أنَّ بنات الإنس حسنات؛ فاتخذوا منهن زوجات هذا كفر؛ فالله ليس له أبناء -سبحانه وتعالى-, وإنما الله هو الواحد الأحد الفرد الصمد، وكذلك قولهم في العُزَيْر أنه ابن الله، وكذلك قول النصارى في قولهم بأنَّ عيسى ابن الله -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا-؛ فهذا مِن معاني التسبيح، مِن معاني تسبيح الله -تبارك وتعالى- وتنزيهه أنْ يكون له شبيه، أو ند ، أو أنْ يعتريه أي صفة مِن صفات النقص التي تعتري الخلق، بل الله -تبارك وتعالى- هو الكامل له الأسماء الحسنى، كامل في ذاته، في صفاته -جلَّ وعَلا- فالملائكة, {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}, يسبحون حال كونهم متلبسون بحمد الله، والحمد إثبات المحامد، محامد الذات؛ فالله كامل في ذاته، في صفاته، في أفعاله -سبحانه وتعالى- هذا مِن عملهم، مِن عمل الملائكة, {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمِن فِي الأَرْضِ}, وكذلك أنَّ مِن عملهم يستغفرون يطلبون المغفرة, {لِمِن فِي الأَرْضِ}, مِن البشر، وهذا مِن محبة الملائكة للمؤمِنين, {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمِن حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمِنوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[غافر:7], فهنا قال الله -تبارك وتعالى- في الملائكة, {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمِن فِي الأَرْضِ}, أي مِن المؤمنين يطلبون مِن الله تبارك وتعالى- أنْ يغفر لعباده المؤمِنين، كما في الآية الأخرى أنهم يقولون : {........رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[غافر:7], {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمِن صَلَحَ مِن آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[غافر:8], {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمِن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[غافر:9], فهذا مِن دعاء الملائكة، ومِنهم حَمَلَةِ العرش كذلك حملة عرش الرب الذين يحملون عرش ربهم، يؤمِنون به، يستغفرون للذين آمنوا، وهنا قال -تبارك وتعالى- : {وَالْمَلائِكَةُ}, واسم الملائكة بالألف واللام داخل فيه كل الملائكة؛ لأنَّ هذا الألف واللام الاستغراقية, {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمِن فِي الأَرْضِ}, قال -جلَّ وعَلا- : {........أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الشورى:5], {أَلا}, أي اعلموا أيها المخاطبون, {........إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الشورى:5], وهذا إعلام، وإخبار مِن الله -سبحانه وتعالى- بأنَّ {اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ}, {الْغَفُورُ}, صفة مبالغة مِن المغفرة، والمغفرة هي الستر والتغطية, أنه -سبحانه وتعالى- يغفر بمعنى يستر ويسامح، ويمحو ذنوب عباده التائبين إليه، العائدين إليه -سبحانه وتعالى- يغفرها ويسامحها ويمحوها، ولا يحاسبهم بها -سبحانه وتعالى- فهذا مِن رحمته -سبحانه وتعالى- فهو المتصف بصفة الرحمة، وهذا مِن رحمته -سبحانه وتعالى- مغفرة ذنب عباده -جلَّ وعَلا-, {الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}[الشورى:6], هذا الأول الذي ذكر أولا هذا حال المؤمِنين، واستغفار الملائكة لهم, الحال الآخر حال هؤلاء المجرمين الذين اتخذوا مِن دونه أولياء, {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ........}[الشورى:6], هم المشركون، {اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ}, الاتخاذ هنا اتخاذ اعتقاد، واتخاذ عمل, {مِن دُونِهِ}, غير الله -تبارك وتعالى-, {أَولِيَاءَ}, لهم يوالونهم مِن هذه الآلهة الباطلة يدعونهم، يحبونهم، يعبدونهم، كما قال -تبارك وتعالى- : {وَمِن النَّاسِ مِن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمِنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}[البقرة:165], {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِن الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}[البقرة:166], {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِن النَّارِ}[البقرة:167], فهؤلاء اتخذوا مِن دون الله أولياء لهم يحبونهم مثل ما يحب الله -تبارك وتعالى-, ويدعونهم ويطلبون مِنهم، ويتوسلون إليهم، ويسجدون لهم، يعطونهم ما يعطون الرب -تبارك وتعالى- أو الذي لا يجب أنْ يعطى إلا للرب -جلَّ وعَلا- مِن العباد, {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ........}[الشورى:6], لهم يعبدونهم ويحبونهم ويوالونهم، قال -جلَّ وعَلا- : {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ}, الله -سبحانه وتعالى-, {حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ}, {حَفِيظٌ}, متحفظ يعلم كل أعمالهم عليم، ومحصي لكل عملهم -سبحانه وتعالى- وهذا تهديد, {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ}, فهو المتحفظ عليهم، القائم بهم، عليم بكل شئونهم -سبحانه وتعالى- لا تخاف, {........وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}[الشورى:6], خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم-, {وَمَا أَنْتَ}, أيها النبي, {عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}, متوكل بهم، متوكل بشئونهم بل الله -تبارك وتعالى- هو المتوكل بشئونهم, {حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ}, هو الحفيظ عليهم المتحفظ عليهم، وهو الذي يعلم عملهم هذا، وبالتالي هو الذي سيحاسبهم -سبحانه وتعالى- كأن هذا إخبار للرسول أنَّ حساب هؤلاء المجرمين ليس عليك، وإنما حسابهم على الله -تبارك وتعالى- فإنَّ هؤلاء قد أجرموا أكبر إجرام؛ فاتخذوا لهم أولياء مِن دون الله -تبارك وتعالى- يعبدونهم يعطونهم العبادة التي هي أشرف الأعمال يعطونها لهؤلاء, {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}[الشورى:6].

 ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمِن حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:7], {وَكَذَلِكَ}, كهذا الوحي النازل إليك مِن الله -تبارك وتعالى-, {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}, أوحينا إليك يا محمد -صلوات الله والسلام عليه-, {قُرْآنًا عَرَبِيًّا}, جاءه هذا الوحي مِن الله -تبارك وتعالى- أول ما جاءه به جبريل، والذي تمثل له في صورة رجل آتاه، أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في غار حراء، ورفع إليه رقعة، وقال له : اقرأ قال : ما أنا بقارئ؛ فأخذه؛ فغته حتى بلغ مِنه الجهد؛ ثم أرسله، وقال له : اقرأ؛ ثم قال له بعد ذلك في الثالثة : {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}[العلق:3], {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}[العلق:4], {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:5], فهذا أول ما آتاه الوحي؛ ثم آتاه بعد ذلك بيا أيها المدثر؛ ثم تتابع الوحي، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم- بـأنْ يدعو إلى الله -تبارك وتعالى-, {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}, الله هو الذي أوحى إليه, {قُرْآنًا عَرَبِيًّا}, قرآنًا نازل, {قُرْآنًا}, يقرأ سماه الله -تبارك وتعالى- قرآن بهذه المبالغة بالألف والنون لأنه يقرأ هذا أعظم كتاب قرئ في السماء، وقرئ في الأرض كلام الله -تبارك وتعالى-, {عَرَبِيًّا}, بلسان العرب، وأنزله الله -تبارك وتعالى- عليه هذا كلام الله، وأنزله الله -تبارك وتعالى- بلسان العرب الذي يتكلمون به، قال -جلَّ وعَلا- : {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى}, أنزلنا إليك هذا القرآن بهذا اللسان العربي {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى}, أم القرى مكة، والأُمّ هي العاصمة أُمّ الشيء أصله كما يقال عن الرأس أُمّ الإنسان، أُمّ الإنسان رأسه هذه أصله؛ فالقرى كلها المدن كلها عاصمتها وقاعدتها مكة أولًا بالنسبة لجزيرة العرب أمر معلوم؛ فإنَّ مكة قد كانت هي ملتقى أهل الجزيرة كلها فيها، وذلك أنَّ فيها بيت الله -تبارك وتعالى- فيها كعبته هذا المسجد الحرام؛ فهي ملتقى الجميع؛ فكل طرق  الجزيرة تؤدي في النهاية إلى مكة؛ فأصبحت هذه هي القاعدة، هي العاصمة هي أُمّ القرى التي يأتي ويفدها العرب مِن كل مكان يفدونها للزيارة هي العمرة زيارة بيت الله -تبارك وتعالى- ويفدونها إلى الحج مرة كل عام يأتونها بأوقات مخصوصة لأداء أعمال مخصوصة؛ فهذه, ثم إنَّ الله -تبارك وتعالى- جعل مكة هذه أُمّ القرى قرى العالم كله بعد ذلك، وذلك أنَّ الله -تبارك وتعالى- جعل مِنها انبزاغ هذا النور الذي يضيء جنبات الأرض كلها؛ فقد أرسل فيها هذا الرسول الخاتم برسالة إلى العالمين، وأقام فيها كعبته التي جعل كل مسلم يؤمن يهذا النداء يتوجه إلى هذه الكعبة خمس مرات في يومه وليلته؛ فهذه أصبحت العاصمة المركز الذي تتجه إليه أنظار كل أهل الإيمان في كل جنبات الأرض خمس مرات وجوبًا في الصلاة في اليوم والليلة, {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}, ثم إنَّ الله -تبارك وتعالى- جعلها أُمّ القرى؛ لأنه كتب على كل نفس مسلمة قادرة أنْ تأتى مِن مكانها، ولو كانت في أقصى الأرض مرة واحدة في عمرها في هذا المكان, كما قال -جلَّ وعَلا- : {........وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مِن اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمِن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97], فأصبح هذا حج هذا البيت الذي هو في هذا المكان في أم القرى فرضًا على كل نفس مسلمة مستطيعة, {مِن اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}, كل مَن استطاع لا بد أنْ يأتي ذكرًا كان أم أنثى لا بد يأتي لهذا المكان، ويؤدي هذه الأعمال, {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج:27], {لِيَشْهَدُوا مِنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ........}[الحج:28], فأصبحت بعد ذلك أُمّ قرى العالم، أُمّ العالم كلها هذه أمها لأنَّ هذه يتعلق بها أولًا قلوب العباد نظر العباد المؤمِنين فيها سعي العباد بعد ذلك لا بد مِن السعي والذهاب إليها مرة واحدة في العمر على الأقل؛ فأعطاه الله -تبارك وتعالى- هذه المكانة، وهذه المكانة قد أعطاها الله -تبارك وتعالى- لمكة منذ أنْ خَلَقَ السموات والأرض ليس أمر طارئ جاء، وإنما خص مكة بهذه الخصوصية، وحرمها وأعطاها صفات مخصوصة، وأحكام مخصوصة عن كل مدن العالم، وكل قرى العالم يوم خلقها قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إنَّ الله حرمك يوم خلق السموات والأرض؛ فحرم فيها ما هو مباحًا في غيرها حرم فيها أنْ يختلى خلاؤها  العشب النابت في أرضها لا يحش يترك بحاله، ولا يعضد شجرها الشجر النابت فيها لا يقطع  بعض فروعه، ولا شيء منه، وإنما يترك على حاله، لا ينفر صيدها الصيد كل ما يعيش فيها مِن حيوان غير الفواسق يجب أنْ يظل آمِنًا إلا الفواسق فقط، الفواسق هي التي تقتل وهو الكلب العقور، الحية، العقرب، الحدأة، الغراب هذه هي الفواسق التي يجب قتلها فيها إذا دخلت في هذه الأرض تقتل، وأما ما سوى ذلك لا يجوز قتلها لا يجوز أنْ ينفر الصيد، الصيد لا ينفر مجرد تنفير مجرد أن يقذف بحجر، أو يخوف بعصا ما يجوز لا يصاد، ولا ينفر صيدها، لا تلتقط لقطاتها كل ما يقع فيها لا يجوز لأحد أنْ يأخذ لقطتها، ويأخذها إلا للتعريف فقط يعرفها، وأنها لا تحل أبدًا بعكس أي لقطة في غيرها؛ فإنَّ اللقطة في غيرها ممكن أنْ يأخذها بعد مدة، كما قال النبي  عرفها  اللقطة في غير مكة قد تؤخذ بعد سنة أما هذه اللقطة في مكة؛ فإنها لا تحل مطلقًا، قال النبي : ولا تحل لقطتها إلا لمنشد إلا لمن يريد أنْ ينشدها؛ فجعل لها أحكام خاصة، ولا يطلب فيها بدم يجب أن تبقى مكان آمِن على هذا النحو؛ فالله -تبارك وتعالى- يقول لنبيه إخترت لك مكة{, لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمِن حَوْلَهَا}, سماها الله -تبارك وتعالى- أُم القرى بهذا الاعتبار أولًا أنها أُمّ الجزيرة كلها؛ ثم هي أُمّ قرى العالم كله جعلها الله -تبارك وتعالى- جعل فيها هذا الكعبة البيت ليكون ملتقى الناس جميعًا, {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ........}[المائدة:97], فهو قيام للناس, كل الناس, الناس كلها تقوم خمس مرات وجوبًا بين يدى الله -تبارك وتعالى- متوجهين إلى هذا المكان إلى كعبة الله -تبارك وتعالى- في أم القرى فمِن أم القرى بدأت دعوة النبي -صلوات الله والسلام عليه-, {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمِن حَوْلَهَا}, مِن العالم كله, {وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ}, وتنذر أيها النبي, {يَوْمَ الْجَمْعِ}, يوم القيامة, {الْجَمْعِ}, حيث يجمع الله -تبارك وتعالى- الأولين، والآخرين مِن آدم -عليه السلام- إلى آخر ولد مِن أولاده في هذه الأرض, كلهم يجتمعون في صعيد واحد ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي على أرض صعيد لا علم فيها لأحد, {يَوْمَ الْجَمْعِ}, {........ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}[هود:103], هذا, {يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ}, الله يقول لا شك فيه هذا يوم لا شك فيه سيكون سيكون لا بد أنْ يكون هو الذي حد له وقتًا، هو الذي يجرى المقادير لا بد ليكون هذا، وهو مالك السموات والأرض -سبحانه وتعالى- لا يخرج شيء عن أمره وقضائه, {لا رَيْبَ فِيهِ}, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:7], كل هذا الجمع سينتهي بعد ذلك إلى فريقين فريق إلى جنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه, هذا بستان الرب -سبحانه وتعالى- الذي يمكث فيه، ويعيش فيه، ويحيا فيه حياة أبدية, {وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}, النار المشتعلة, {السَّعِيرِ}, المشتعلة التي تشتعل دائمًا, {........كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا}[الإسراء:97], وتشتعل بالأجساد، وتشتعل بالأحجار, {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا}, استعارها, {النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}, فالله -تبارك وتعالى- يقول للنبي : أنت هذا نذارة عظيمة جدًا, هذا أمر عظيم عند الرسول -صلى الله عليه وسلم-  أنت نذير قد أنذرت في كعبة العالم, في أُمّ القرى تكون نذير لكل مِن حول مكة, مِن أمم الأرض كلها مِن قرى العالم كله، وتنذر ماذا؟ تنذر للناس يوم الجمع، وهذا اليوم نذارة أنه, {........فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:7], أعظم شيء أعظم أمر في حياة الإنسان كله أنَّ كل إنسان سيؤول أمره إلى واحدة مِن هاتين الدارين, {........فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:7], نذارة كبرى مهمة عظمى للنبي -صلوات الله والسلام عليه-.

 نقف هنا، ونكمل -إنْ شاء الله- في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، وصلى الله على عبده ورسوله محمد.