الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:7], {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}[الشورى:8], {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الشورى:9], {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[الشورى:10].
يُخْبِرُ سبحانه وتعالى- أنه بهذا القرآن قد أوحى إلى عبده ورسوله محمد -صلى الله وسلم- هذا القرآن العربي، قال : {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}, {وَكَذَلِكَ}, كهذا الإيحاء الذي أوحاه الله -تبارك وتعالى- إليك، وإلى الرسل مِن قبلك, {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}, قرآن بلسان العرب, {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى}, مكة أُمّ قرى الجزيرة؛ فقد كان أهل الجزيرة كلهم هذه عاصمتهم، وهذا مجتمعهم في حجهم، وفي عمرتهم، وهي أُمّ القرى للعالم؛ لأنَّ الله -تبارك وتعالى- جعل مكة هذه وسط العالم بنى فيها بيته الأول، وجعل فيها كعبته، وفرض على كل مؤمن في كل جنبات الأرض أنْ يتوجه إلى هذه الكعبة خمس مرات وجوبًا في كل يوم وليلة, {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}, ثم جعل الله -تبارك وتعالى- الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس كلهم في العالم يفدون إليه، ولا بد على كل قادر، كل مَن وجد السبيل لا بد يأتيه مرة في عمره, {........وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97], اختار الله -تبارك وتعالى- لهذا النور الخاتم, نور رسالاته الخاتم مكة لتكون هي إشراق نور الله -تبارك وتعالى- مِن مكة, مِن أُم القرى, أُم قرى العالم كلها, {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا........}[الشورى:7], مِن العالم, {وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ}, يوم القيامة, {يَوْمَ الْجَمْعِ}, يوم يجمع الله -تبارك وتعالى- الناس كلهم مِن آدم -عليه السلام- إلى آخر نسمة مِن أولاده كلهم يجتمعون, {........ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}[هود:103], {لا رَيْبَ فِيهِ}, لا شك فيه، وافترقوا الناس بعد ذلك, هذا الجمع العظيم يفترق إلى فريقين لا ثالث لهما, {........فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:7], انظر هذه النذارة الكبرى للنبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- أقامك الله -تبارك وتعالى- لتنذر هذا العالم كله مِن هذا الموقع، مِن مكة ونذارة كل مَن على الأرض لا بد أنْ تناله هذا الأمر لا بد أنْ يكون واحدًا مِن هؤلاء المنذرين، ويقع عاقبة هذه النذارة عليه؛ فإما أنْ يستفيد بهذه النذارة؛ فيكون في جنة الله -تبارك وتعالى-, وإما أنه لا يستفيد بهذه النذارة لا يسمعها، ولا يعيها، ولا يسير فيها؛ فيكون في السعير؛ إذن هذه خبر واقع على كل الجميع لا تروه على كل أحد، أثر حسن سيكون في الجنة، وأثر سيء سيكون في النار؛ ثم هذا أعظم الأثر، لا يوجد أثر أكبر مِن هذا, أنْ يكون في جنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا بلا انقطاع، أو في نار الله، وفي سخطه مُخَلَّد في النار لا انقطاع إذن هذا أكبر شيء، أكبر خبر ممكن أنْ يكون، وهذه قد أقام الله -تبارك وتعالى- رسوله -صلى الله عليه وسلم- يقول له : أقمتك في هذا المكان في أُم القرى لتنذر هذه النذارة التي هي نذارة للعالمين على هذا النحو، مهمةٌ عظمى؛ ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً........}[الشورى:8], لو شاء الله -تبارك وتعالى- أنْ يجعلهم, {أُمَّةً وَاحِدَةً}, بدون رسالة، بدون رسل مِن عنده، ويجعلهم أمة كلهم مهتديين أنْ يجمع كل هؤلاء الخَلْق على الهداية إلهامًا منه, {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا........}[السجدة:13], يلهم كل نفس أنْ تهتدي بدون إرسال الرسل، وبدون إنزال الكتب ؛ فلو شاء الله -تبارك وتعالى- لجعلهم هكذا, وإنما شاء الله تبارك وتعالى- أنْ يُرْسِلَ لكل أُمَّة رسول يخبرهم بدين الله -تبارك وتعالى- يحذرهم مِن العقوبة، ويُبَيِّن لهم الطريق؛ فمنهم مَن يهديه الله -تبارك وتعالى- ومنهم مَن يضل؛ فيكون هذا مآله, {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ........}[الشورى:8], أي هؤلاء كلهم المنذرين, {أُمَّةً وَاحِدَةً}, أي على الهداية, {وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ}, بالرسالة، برسالة الرسل, {وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ}, يُدْخِلُ الله -تبارك وتعالى- مَن يشاء في هذا الإيمان، وفي قبول الرسالة, {فِي رَحْمَتِهِ}, رحمته هذه هي الرسالة، هذه النبوة، هذا الهُدَى النازل مِن الله -تبارك وتعالى- هو رحمة الله -تبارك وتعالى-, {........وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}[الشورى:8], {وَالظَّالِمُونَ}, لأنفسهم الذين وضعوا الأمر في غير محله، الظلم وضع الأمر في غير محله؛ فبدلًا مِن أنْ يقبلوا دعوة الله -تبارك وتعالى- ويصدقوا بها كذبوا بها، جعلوا التكذيب محل التصديق، هذا خبر صادق ما ينبغي أنْ يقابل به, يقابل بالصدق، بالتصديق, خبر وراءه هذا الخبر الصادق وراءه هذا الوعد والوعيد، والذي أتى بهذا الوعد والوعيد هو القادر على إنفاد وعده، ووعيده الله -سبحانه وتعالى- إذن ما مقتضى هذا؟ مقتضى هذا أنَّ ما دام صدقت بوعد الله -تبارك وتعالى- أنْ تصدق بوعد الله؛ فتعمل له، تصدق بوعيد الله لأنه صدق؛ فتخاف منه؛ فالعمل بمقتضى هذا؛ فلكن هؤلاء ظلموا أولًا أنَّ هذا الأمر قابلوا خبر الله الصادق خبروه بالتكذيب وبالرد، وقابلوا الوعيد بالاستهزاء، وقابلوا الوعد بالاستهزاء والابتعاد؛ فهؤلاء الظالمون، الله أخبر بأنهم ظالمون, ظلموا أنفسهم، ووضعوا الأمور في غير مواضعها, {........وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}[الشورى:8], ما لهم مِن ولي يواليهم، لا يوجد أحد سيبكي عليهم، ولا يشفق عليهم، ولا يستطيع أنْ يواليهم بأي ولاية, الكافر لا ولي له لا مِن أهله، ولا مِن الناس، ولا مِن الملائكة، والله -تبارك وتعالى- يلعنه، ويتخلى عنه ويتركه؛ فلا ولي له, {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ}[محمد:11], يوم القيامة الكافر يتبرأ منه كل أحد, {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ}[عبس:34], {وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ}[عبس:35], {وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}[عبس:36], {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس:37], {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ........}[الزخرف:67], لا يوجد أحد ممكن يتحمل أحد، ولا أنْ يدافع عنه، ولا أنْ يقوم معه، والملائكة ملائكة الله -تبارك وتعالى- بالنسبة للكافر يمقتونه ويكرهونه ويبكتونهم بكل أنواع التبكيت، وإنْ استرحموهم لا يقبلوا, {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف:77], والملائكة تقول لهؤلاء : {........وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}[الزمر:71], {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}[الزمر:72], فالكافر لا مولى له، لا تواليه ملائكة الله -تبارك وتعالى- ولا يواليه أحد، ولا رسل الله، ولا أهله ما له ولى، لا ولي له، لا ناصر له, {........مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}[الشورى:8], ينصرهم، يقف معهم، يؤازرهم دون الله -تبارك وتعالى-, بل الكل يتخلى عنهم آلهتهم التي عبدوها، وأخلصوا لها، وبذلوا النَّفْس، والنفيس فيها، وجاهدوا مِن أجلها، وقُتِلُوا في سبيلها تتخلى عنهم كلها تتخلى عنهم؛ فإنْ كانوا مِن أولياء الله, هؤلاء الذين عُبِدُوا مِن أولياء الله -تبارك وتعالى- كالملائكة، وكعيسى وكالعزير، وهؤلاء الذين سبقت لهم مِن الله -تبارك وتعالى- الحسنى يتبرأوا منهم، يقولوا : ما عبدناهم، هذا عيسى يتبرأ مِن كل مَن عبده مِن دون الله -تبارك وتعالى- عندما يقول الله -تبارك وتعالى- :{........أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:116], {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المائدة:117], {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة:118], تبرأ مِن كل مَن عبده، وهؤلاء الذين عبدوه بذلوا كل نَفْسٍ ونفيس في سبيله وقاتلوا وجاهدوا وفعلوا وبذلوا ما بذلوا مِن أمور عظيمة، مِن أمور لو فعل جزءً منها المؤمن كانت له النجاة لكن يفعلها الكافر ويجد فيها، ويجتهد فيها، وهي إلى ضلال {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:23], كذلك الذين عبدوا الملائكة لا تواليهم الملائكة الله يقول : {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}[سبأ:40], {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}[سبأ:41], فالله -تبارك وتعالى- يبكت هؤلاء الذين عبدوا الملائكة مِن دونه، ويقول للملائكة : {أَهَؤُلاءِ}, مشيرًا –سبحانه وتعالى- إلى هؤلاء الكفرة الذين عبدوا الملائكة، وقالوا : هؤلاء بنات الله {........أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}[سبأ:40], {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}[سبأ:41], فهؤلاء الذين ظن كل مَن ظن، مَن عَبَدَ غير الله -تبارك وتعالى-, وظن أنَّ هذا العابد ينفعه عند الله -تبارك وتعالى- لا ينفعه, {........وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}[الشورى:8], يوم القيامة لكن هذا يظهر عيانًا بيانًا يوم القيامة ما يتبدى لهم هذا إلا يوم القيامة.
قال -جلَّ وعَلا- : {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ........}[الشورى:9], {أَمِ}, بل, {اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}, هؤلاء الكفار، هؤلاء الكفار, {اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ}, مِن دون الله -تبارك وتعالى-, {أَوْلِيَاءَ}, لهم, أحباب عبدوهم، نصروهم, بذلوا أرواحهمِ ودماءهم في سبيلهم، أحبوهم من كل قلوبهم؛ فالله -تبارك وتعالى- أخبر عن عَبَدَةِ العجل, {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ}, وقال : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ........}[البقرة:165], يحبونهم حب عبادة كما يحب الله -تبارك وتعالى-, {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}, فهؤلاء اتخذوا لهم أولياء أحبوا هذه الأصنام هذه المعبودات أحبوها مِن كل قلوبهم، وبذلوا أرواحهم {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6], انظر حال مشركي العرب في محبتهم لآلهتهم، وتمسكهم بها قيامتهم في وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- لماذا تسب آلهتنا؟ وقامت الدنيا كلها، وقعدت ما هذه؟ هذه آلهتنا، هذه، وانظر قوم إبراهيم في قيامتهم لما رأوا أنْ آلهتهم ذلت وأهينت وحُطِّمَت، مَن فعل هذا بآلهتنا؟! إنه لمن الظالمين هاتوه نفعل فيه ونفعل، {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ}[الأنبياء:68], فكل هؤلاء الذين عبدوا غير الله -تبارك وتعالى- أحبوا هذه معبوداتهم حب عبادة، وقدسوها وقاموا في وجه الرسل الذين نهوهم عن عبادتها، وألا يعبدوا إلا الله -تبارك وتعالى- وحده, قال : {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ........}[الشورى:9], والإضراب هنا, أي هل اتخذوا مِن دون الله -تبارك وتعالى-, {أَوْلِيَاءَ}, بل لا, سؤال هذا هل هناك ولي غير الله -تبارك وتعالى- ولي حقيقى؟ هذا ليس ولي, هذا لا يوالي, إذا كان هو مؤمن بالله -تبارك وتعال- فلا يمكن أنْ يوالي الكافر مهما أنت عبدته ما يوالي؛ فالذين عبدوا الملائكة ما يواليهم الملائكة، ولا يشفقون عليهم، ولا يشفعون لهم، كيف يعطفوا على كافر! ويوالوا الكافر! كذلك عيسى لا يمكن أنْ يوالي مَن عبدوه، ولو فعلوا ما فعلوا مِن أجله, ماتوا في سبيله لكن لا يواليهم، لا يمكن أنْ يكون وليًا لهم، وكذلك الشمس والقمر، وهذه الأصنام لا توالي لا يمكن أنْ يوالوا ولى عبدهم مِن دون الله -تبارك وتعالى- وهناك من هذه الآلهة التي عبدت أصلًا هي في غياب كامل عن هذه العبادة ما حضرتها، ولا عرفتها, {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}[الأحقاف:5], ما يعرف إنه عبده هذا, هذا ضال,ا هذا مِن ضلال الكافر الذي يدعو مِن دون الله إما ولي ميت، وإما صنم، وإما حجر ما أصلا يدري عن عبادته, {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}[الأحقاف:6], {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ........}[الشورى:9], كيف؟ هل هذا له عقل الذي يتخذ له ولي غير الله -تبارك وتعالى-؟! قال -جلَّ وعَلا- : {فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ}, الله هو الولي الحقيقى، الله هو الولي الحقيقى مَن أراد أنْ يوالي والى الرب -سبحانه وتعالى- فبعبادة الرب يقوم بين مِن عبد الرب، ووحده يقوم هناك علاقة حب، ونصرة الله ولي الذين آمنوا يحبهم وينصرهم ويؤيدهم يخرجهم مِن الظلمات إلى النور, {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ........}[البقرة:257], والله معهم بتأييده، بنصره، بتوفيقه, ثم الله -تبارك وتعالى- ينقلهم مِن حال إلى حال إلى أنْ يسكنهم جنته -سبحانه وتعالى- ورضوانه؛ فالله هو الولي الحقيقى هذا الولي مِن ينصر مَن عبده، ويعزه، ويقضي له بالخير، ويجنبه الضر هذا الولي الحقيقي, {فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ}, هذا الذي يريد أنْ يتخذ له ولي؛ فليتخذ الله -تبارك وتعالى-, الله المَلِك الذي بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، ومالك الدنيا والآخرة, هو الذي عنده الجنة، وعنده النار، هو الذي يُعَذِّبُ، هو الذي يثيب؛ فإذًا هذا هو الذي الوالي، أما مِن لا يملك لا جنة ولا نار، ولا ينفع عابده، ولا يستطيع حتى أنْ يضره، ولا ينفع نفسه، ولا يضرها أصلًا لا يملك لنفسه نفع، ولا ضر إلا بأمر خالقه، ومولاه -سبحانه وتعالى- كيف يُوَالَى هذا؟! كيف يُوَالَى، ويتخذ إله من دون الله، والحال أنَّ الله هو الولي، الله هو الولي على الحقيقة -سبحانه وتعالى-, {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ........}[الشورى:9], اعلموا هذا أنه مِن أراد أنْ يوالي؛ فليوالى الله -تبارك وتعالى-, {........وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الشورى:9], انظر هذه صفة هذا الوالي -سبحانه وتعالى-, {يُحْيِ المَوْتَى}, ليحاسبهم عنده القدرة على هذا, {وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى}, كل الذين ماتوا يحييهم -سبحانه وتعالى-, {........وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الشورى:9], لا يعجزه شيء -سبحانه وتعالى- ومِن قدرته نفع عابده، وحمايته، وإعزازه كما قال -تبارك وتعالى-, {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}[غافر:51], {يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[غافر:52], {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الشورى:9].
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[الشورى:10], {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ........}[الشورى:10], أيها الخلق، أيها المخاطبون؛ فحكمه إلى الله، حكم شرعي ديني، وحكم كوني قَدَرِي الحكم لله -تبارك وتعالى- الفصل في كل أمر، والقضاء في كل أمر؛ فالقضاء ما قضاه، والتشريع ما شرعه -سبحانه وتعالى- {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ........}[الشورى:10], كل شيء يختلف فيه كل البشر أي خلاف في أي شيء حكمه إلى {اللَّهِ}, الحكم في هذا في كل خلاف إلى الله -تبارك وتعالى- سواءً كان حكم كوني قدري؛ فالله هو الذي ينفذ أمره الكوني، القَدَري -سبحانه وتعالى- والأمر الكوني، القَدَرِي كله له، وكذلك الشرع الديني أنْ هذا يحل أو لا يحل يجوز أو لا يجوز، شرعه، أو لم يشرعه كل هذا إلى الله -سبحانه وتعالى- فإن الحكم له وحده -سبحانه وتعالى-, {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[الشورى:10], {ذَلِكُمُ}, أيها المخاطبون, {اللَّهِ}, اسم العَلَم على ذات الرب -تبارك وتعالى-, {اللَّهِ}, الذي تعرفه كل خلقه بهذا الاسم الذي تُرَدُّ إليه أسماء الله -تبارك وتعالى- كلها, {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي}, ربي أنا إخبار مِن الله -تبارك وتعالى- للرسول أنْ يقول هذا, {رَبِّي}, سيدي وخالقي ومولاي ومالكي ومتولي شئوني, {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ}, لا على غيره ما قال توكلت عليه, بل قال : {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ}, توكلي عليه وحده -سبحانه وتعالى- ليس إلى غيره، ومعنى توكلت سَلَّمْتُ أمري، واستسلمت وفوضت كل أمري له، جعلت كل أمري بين يديه -سبحانه وتعالى-, {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}, إليه لا إلى غيره, {أُنِيبُ}, أرجع, الرجوع إليه -سبحانه وتعالى- رجوعي في كل أمري إليه، رجوعي مِن كل ذنب إليه؛ فإنابتي الإنابة هي الرجوع رجوعي إلى الله -تبارك وتعالى- وحده -سبحانه وتعالى-؛ فهو المتولي لشئون عباده هو الولي -سبحانه وتعالى- هو الذي بيده مقاليد الخَلْقِ كله، وأنا مُسَلِّمٌ له أمري -سبحانه وتعالى- ومستسلم له في كل شأن، ومرجعي ورجوعي إليه في كل شأن مِن شئوني, {فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:11], هذا الرب الذي والى -سبحانه وتعالى- والذي قيل للنبي : سلم أمرك له, {........عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[الشورى:10], {فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}, فاطرها هو الذي خلقها أول ما خلقها هو الذي بدأ خلقها -سبحانه وتعالى-؛ فشق هذه السموات ووضع كل سماء في مكانها، وكل جرم مِن أجرام هذه السموات ما فوقنا في مكانه هذا فاعله الله -تبارك وتعالى- فاطر الأمر كما في كلام ابن عباس يقول : تخاصم إلى أعرابيان في بئر؛ فقال أحدهما : أنا الذي فطرتها، أنا الذي فطرتها, أنا الذي شققتها أول مرة في هذه الأرض، أول ما أنشأت في هذه البئر أنا الذي فطرتها؛ فالله فاطر السموات والأرض هو مَن خلقها -سبحانه وتعالى- ,لم يخلقها أحد قبله -سبحانه وتعالى-, وهو بديعها لم ينقلها عن مثال سابق، بل هو الذي بدأ خلقها -سبحانه وتعالى-, {فَاطِرُ السَّمَوَاتِ}, وهي سبع, {وَالأَرْضِ}, وهي سبع كذلك التي نعيش عليها, {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}, هذا خلقه, {جَعَلَ}, هنا بمعنى خَلَقَ, {لَكُمْ}, أيها الناس, {مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}, مِن أنفسكم وذلك مِن اجتماع الذكر والأنثى، وبدءً مِن آدم -عليه السلام-؛ فإنَّ الله خَلَقَ له زوجة منه, مِن ضلع مِن أضلاعه، وزوجه إياها -سبحانه وتعالى-, {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ........}[النساء:1], آدم, {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}, حواء, {........وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء:1], وكان مِن رحمة الله -تبارك وتعالى- أنْ يخلق للإنسان زوجة منه، مِن جنسه، النساء شقائق الرجال ليسكن إليها, حتى يكون السكون، وإلا لو كان التناسل بمخلوق آخر مِن طبيعة أخرى غير الإنسان، غير نفس كيان الإنسان مِن غير نَفْسِهِ؛ لكانت الصلة تكون بعيدة الصلة التي بين الإنسان وشجرة، الصلة بين الإنسان وحجر، أو بين الإنسان وشيء, خَلْق آخر مِن المخلوقات يكون فجوة, أما أنْ تكون مِن نَفْسِهِ شقيقته مِن نفس اللحم والدم والشكل هذا مِن رحمة الله -تبارك وتعالى-, انظر هذه الرحمة، وهذا الإحسان منه -سبحانه وتعالى- قال : {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}, وبين -سبحانه وتعالى- أنَّ هذا لتكون المودة والرحمة, {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا........}[الروم:21], قال : {........لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم:21], فإنَّ سكون الإنسان إلى شيء مِن نظيره هذا نظيره، النساء شقائق الرجال نظيره، شكله شكله، لحمه، دمه، صفاته تكون هذه نظيره؛ فيأنس إليها؛ فهذه رحمة؛ فهل الخالق الذي خلق لك, {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}, قال : {وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا}, وخَلَقَ لكم كذلك مِن الأنعام ذكر وأنثى، ولذلك ليتم نسل الأنعام على هذا النحو؛ فتتوالد هذه الأنعام على هذا النحو، وعلى الأنعام تقوم منافع عظيمة للإنسان؛ فمنافع الطعام مِن اللحم، وما تنتجه مِن ألبانها، وكذلك منفعة الركوب، وكذلك منفعة العمل؛ فمن هذه الأنعام حمل حيوانات للحمل، وحيوانات للجر، وبعد ذلك الأصواف والأوبار والأشعار هذه كلها منافع عظيمة جدًا ككساء الناس مِن الصوف، ومِن الوبر، ومِن الشَّعر كلها مِن هذه الأنعام, لمنافع عظيمة جدًا, {وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا}, قال -جلَّ وعَلا- : {.......يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:11], {يَذْرَؤُكُمْ}, يخلقككم في هذا الخلَقْ؛ فالبشر يخلقون مِن هذا التزاوج بين الذكر والأنثى، وينشئكم الله -تبارك وتعالى- في هذه الأرض مع هذه الأنعام التي عليها حياتكم الفاعل لكل هذا، الخالق لكل هذا هو الله -تبارك وتعالى-, {فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:11], أما الله -تبارك وتعالى- فإنه هو الواحد المتفرد, {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}, مِن كل هذه المخلوقات، هذه المخلوقات التي خلقها ليس غيرها هذا خَلْقُ الله -تبارك وتعالى- وكل شيء له خَلَقَ الله -تبارك وتعالى- منه أزواج، أشكال، والحيوانات وأشكالها الكثيرة، وكل شيء, {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[الذاريات:49], أما الرب -سبحانه وتعالى-؛ فإنه الله الواحد الأحد، الفرد الصمد, المتفرد -سبحانه وتعالى-, {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}, في كل هذه الموجودات ليس كمثل الله -تبارك وتعالى- شيء منها يماثله لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله -سبحانه وتعالى-, {وَهُوَ السَّمِيعُ}, لكل خَلْقِهِ -سبحانه وتعالى-, {البَصِيرُ}, لكل عباده، وختم الله -تبارك وتعالى- بصفته السمع والبصر؛ لبيان أنهما وإنْ كان هاتان الصفتان يوصف بهما كثير مِن مخلوقاته؛ فالإنسان سميع وبصير، والحيوان كذلك له سمع وبصر لكن كل الموجودات، وكل المخلوقات سمعها وبصرها مناسب لحالها، وأما سمع الله -تبارك وتعالى- وبصره؛ فإنه لائق بذاته -سبحانه وتعالى- غير سمع المخلوقات وبصرهم؛ فالسمع والبصر معروف يوصف به المخلوق لكن ما يوصف به المخلوق مناسب لحاله يسمع على قدر حاله، ويبصر على قدر حال هذا المخلوق, أما الله تبارك وتعالى- فإنه : {السَّمِيعُ البَصِيرُ}, الذي لا يحد سمعه شيء، لا يوجد حدود تنتهي عندها سمع الله -تبارك وتعالى-, يسمع دبيب النملة السوداء على الصفاة الملساء في الليلة الظلماء لا تختلط عليه الأصوات, كل خلقه يخاطبونه بكل لغاتهم في كل الأوقات خلقه سواءً كان مِن البشر، أو مِن غيرهم، ولا يختلط عليه صوتًا بصوت، ولا حديث بحديث -سبحانه وتعالى-, {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[المجادلة:7].
نقف هنا، ونكمل بعد ذلك في الحلقة الآتية -إنْ شاء الله- أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.