الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[الشورى:15], {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}[الشورى:16], {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}[الشورى:17], {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}[الشورى:18].
قول الله -تبارك وتعالى- : {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ........}[الشورى:15], لذلك المشار إليه هنا مِن أنَّ الله -تبارك وتعالى- أنزل شريعةً واحدةً، قال : {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ........}[الشورى:13], هذه وصية الله لكل الرسل ولأتباعهم, {........كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}[الشورى:13], {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ........}[الشورى:14], وهم الذين ورثوا الكتاب، ورثوا رسالة الله -تبارك وتعالى-؛ فبسبب الحسد والتباغض بينهم مزقوا الدين وفرقوه, افترقت اليهود فيه، وافترقت النصارى فيه, {........وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ}[الشورى:14], وُرَّاثُ الكتاب مِن الذين ينتمون إلى النصرانية، وإلى اليهودية أصبحوا مع كثرة الاختلاف فيه أصبح أقسام ٌمنهم، وأُمَّةٌ منهم في شك مِن هذا الكتاب, {فَلِذَلِكَ}, مِن أجل هذا، مِن أجل أنَّ شريعة الله -تبارك وتعالى- واحدة، وأنَّ هؤلاء أهل الدين السابق قد اختلفوا فيه؛ فاستقم على أمر الله؛ لأنَّ الله -تبارك وتعالى- هو موحيه إليك, {فَلِذَلِكَ فَادْعُ}, إلى الدين الواحد الذي إليك, {وَاسْتَقِمْ}, عليه, {كَمَا أُمِرْتَ}, كما أمرك الله -تبارك وتعالى-, {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}, أهواء اليهود والنصارى المختلفين في الكتاب, {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ}, قل لهم أنا {آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ}, كل كتاب أنزله الله -تبارك وتعالى- مِن عنده؛ فأنا مؤمن به؛ فهذا مؤمن بالكتاب المنزل مِن الله -تبارك وتعالى-, ولا شك أنهم قد اختلفوا في الكتاب، وغَيَّرُوا وبَدَّلُوا وزادوا ونقصوا، والله -تبارك وتعالى- أنزل كتابه فيه الفصل فيما اختلفوا فيه، وفيه الحُجَّة القاطعة؛ فيؤمنوا أهل الإسلام في الجملة بالتوراة المنزلة مِن الله، والإنجيل المنزل مِن الله، وأنَّ الله أنزل هذه الكتب مِن عنده لكن ما غَيَّرَهُ وبدله المختلفون فيه؛ فلا يُتَّبَع ما غَيَّرُوهُ وبدلوه, {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}, {أُمِرْت}, الفعل هنا مبني لما لم يُسَمَ فاعله، والله الذي يأمر رسوله -صلوات الله والسلام عليه-, أمرني الله -تبارك وتعالى-, {لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}, في أي شيء يأتون للحكم فيه؛ فالنبي مأمور أنْ يعدل بينهم، ولا يحمله بغضه لهم أنْ يحمل عليهم بالباطل، أو أنْ يظلمهم, {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}, {اللَّهُ}, وهو المعبود -سبحانه وتعالى- هو {رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ}, ربنا وربكم رب الجميع هو خالقكم وبارئكم وسيدكم، وهو ربنا -سبحانه وتعالى-, وإنْ كان اليهود قد وصف الله -تبارك وتعالى- بما لم يصف به نَفْسَهُ، والنصارى وصفوه بما لم يصف به نَفْسَهُ, لكن الله هو رب الجميع -سبحانه وتعالى- ليس بمعنى أنهم اعتقادهم في الله مطابق اعتقاد اليهود والنصارى في الله -تبارك وتعالى- أنه ربهم، وهو مطابق للحق، وكذلك مطابق لما جاء به النبي -صلوات الله والسلام عليه-, وإنما النسبة هنا, {اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ}, ليس لاعتقادهم فيه، ولكن للحق وللحقيقة أنَّ الله -تبارك وتعالى- هو رب الجميع، هو رب اليهود، وهو رب النصارى، هو رب المسلمين، ورب العالمين -سبحانه وتعالى-, {اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ}, لكن {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}, أعمالنا التي نعملها مِن الإيمان بالله -تبارك وتعالى- وتوحيده وعبادته هي لنا, {وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}, أنتم اخترتوا العمل الذي اخترتموه ستحاسبون عليه بين يدي ربكم وإلهكم -سبحانه وتعالى-, {اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ}, {لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ}, فقد وضح الحق، الحق قد اتضح، وبالتالي لا مزيد على الحق الذي أبانه الله -تبارك وتعالى- مِن الإيمان به، ومِن توحيده، ومِن بيان أنَّ هذا محمد بن عبد الله هو رسوله حقًا وصدقًا؛ فالمجادلة في هذا الأمر مجادلة في الباطل, إذا جادلتم في الأمر؛ فهم مجادلون في الباطل, {........لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[الشورى:15], {اللَّهُ}, -سبحانه وتعالى-, {يَجْمَعُ بَيْنَنَا}, يوم القيامة, {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}, وإذا جمع بيننا؛ فإنه سيجزي كل إنسان بعمله -سبحانه وتعالى-؛ فهذا فيه دعوة لهؤلاء المختلفين في الكتاب مِن اليهود والنصارى إلى الإيمان بالحق وتوحيد الله -تبارك وتعالى-, والإذعان لما جاءهم عن طريق هذا الرسول، وأنَّ هذا الرسول هو جاء بالدين الذي جاء به الرسل السابقين, نَفْس الدين الذي جاء به موسى، وجاء به عيسى، وهو مِلة إبراهيم، ودين إبراهيم أمر واحد؛ فإن الموحي واحد -سبحانه وتعالى- الموحي بهذا الدين والشارع له, {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ........}[الشورى:13], الخطاب لهؤلاء المتفرقين في الدين، والناكفين والناكصين عن أنْ يتبعوا محمدًا -صلوات الله والسلام عليه-؛ إنما ابتعدوا ونكصوا عن دين الله -تبارك وتعالى-, واختلافهم في الدين الذي بين أيديهم هو دليل ضلالهم؛ لذلك أُمِرَ نبينا -صلوات الله والسلام عليه- أنْ يتبع الشِّرعة والمِنْهَاج التي أنزلها الله -تبارك وتعالى- إليهم، وأنْ يقول لهؤلاء اليهود والنصارى المختلفين الأمر اتضح, {........لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[الشورى:15], إليه لا إلى غيره -سبحانه وتعالى- مصير العباد.
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}[الشورى:16], {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ........}[الشورى:16], يحاجون بالباطل، ويحاجون في ماذا؟ {فِي اللَّهِ}, أظهروا الظهور, لا ظهور في توحيد الله -تبارك وتعالى-, وأنه رب العالمين، وخالق الخَلْقِ أجمعين، وأنه هو الذي أرسل عبده ورسوله محمدًا -صلوات الله والسلام عليه- وأقام ما أقام له مِن الأدلة والبينات أمر واضح, {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ........}[الشورى:16], بدعوة هذا الرسول إلى الله -تبارك وتعالى-, واستجيب له مِن خيار الخَلْق، مِن أهل العقول الراجحة الذين استجابوا لهذا الرسول، وشهدوا أنَّ ما جاء به النبي حق -صلوات الله والسلام عليه-, قال -جلَّ وعَلا- : {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ}, حجتهم في رد الحق, {دَاحِضَةٌ}, والداحض هو الذاهب بعيدًا, المضمحل الذي لا يثبت له قدم، ما له ثبوت لقدم, {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ}, مِن الله -تبارك وتعالى-؛ لأنهم تركوا الحق بعد ما استبان, تركوا الحق بعد استبانته وظهوره, {........وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}[الشورى:16], في الآخرة, هذا وعيدٌ مِن الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء الذين استنكفوا أنْ يتبعوا هذا النبي الكريم محمد -صلوات الله والسلام عليه- بعد ظهور الأدلة والبينات على صدقه وأمانته، وأنَّ الذي جاء به هو الحق مِن الله -تبارك وتعالى- الموافق للحق الذي جاءت به الرسل.
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}[الشورى:17], {اللَّهُ}, -سبحانه وتعالى-, {اللَّهُ}, اسم الجلالة، الاسم الأعظم الذي ترجع إليه أسماء الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك؛ فيقال : {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[الحشر:22], {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الحشر:23], {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى........}[الحشر:24], فكل أسماء الله -تبارك وتعالى- ترجع إلى هذا الاسم، هذا الاسم العَلَم على ذات الرب -تبارك وتعالى-, {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ........}[الشورى:17], {الْكِتَابَ}, هذا القرآن، كتاب لأنه مكتوب، مكتوب في السماء، ويُكْتَبُ في الأرض, {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ........}[الشورى:17], فالله هو منزله -سبحانه وتعالى- وموحيه لرسوله -صلى الله عليه وسلم- على بطريق جبريل, {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:193], {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}[الشعراء:194], {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ........}[الشورى:17], {بِالْحَقِّ}, مشتملًا على الحق؛ فكل ما في القرآن حق, {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا........}[الأنعام:115], فليس فيه إلا الحق، والحق هو الثابت المستقر، وكذلك نزوله حق؛ لأنَّ الله -تبارك وتعالى- أراد أن ْينزل هذا الكتاب على رسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- ليكون للعالمين نذيرًا, حق عظيم, {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1], {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}[الكهف:1], {قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}[الكهف:2], فنزل الكتاب نذير للعالمين، نذير للذين انحرفوا عن الإيمان الحق بالله -تبارك وتعالى-, وأنه الواحد الأحد؛ فادَّعَوا له ولد, {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}[الكهف:4], {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}[الكهف:5], وكذلك ينزل بالبشارة للمؤمنين الذين يتبعون هذا الحق، ويعملون الصالحات, {........أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}[الكهف:2], {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}[الكهف:3], فهذه الغايات الشريفة، العظيمة هي الحق الذي نزل مِن أجلها هذا القرآن، ولِيُخْرِجَ الله -تبارك وتعالى- به مَن شاء الله -تبارك وتعالى- أنْ يخرجهم مِن الأُمَم مِن الظلمات إلى النور, {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا........}[الشورى:52], {جَعَلْنَاهُ}, هذا الكتاب, {........نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52], {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إلى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ}[الشورى:53], فهذا القرآن، هذا الكتاب مِن الله نازل بالحق اشتمالًا عليه، ونزوله حق لهذه الغايات الشريفة التي نزل مِن أجلها, {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ........}[الشورى:17], أنزل الميزان، الميزان مِن الكتاب كذلك؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- أنزل قواعد العدل في الحكم في كل شيء في هذا الكتاب؛ فالميزان هنا مِن باب عطف الخاص على العام؛ فالميزان مِن الكتاب الله -تبارك وتعالى- أنزل كل موازين العدل في هذا الكتاب، أو أنَّ الميزان إنما هو القواعد العدل التي ركزها الله -تبارك وتعالى- في الفطرة السليمة التي فطر الله -تبارك وتعالى- عليها جعل فيها موازين، جعلها في ميزان يزن به كل ذي عقل، وكل ذو لُبّ، وبفطرة سليمة يعرف بها الحق مِن الباطل، والهُدَى مِن الضلال، ويميز فيها هذا التمييز, ويعرف الظلم مِن العدل؛ فهذا بالفطرة السليمة, {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ........}[الشورى:17], وهذا مِن رحمته -سبحانه وتعالى- بعباده, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}[الشورى:17], فإنها قريبة بالفعل بموازيين الله -تبارك وتعالى- قريبة؛ فنبينا محمد -صلوات الله والسلام عليه- هو آخر رسول إلى أهل الأرض، وقال : «بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتين», وقال : «بُعِثْتُ في نفس الساعة», فالساعة العمر الباقي مِن الزمان مِن بعد بعثة هذا النبي الكريم -صلوات الله والسلام عليه- هو قريب مِن حسب العمر الإجمالي، وكذلك الساعة قريبة بالنسبة إلى كل أحد لأنه مَن مات؛ فقد قامت قيامته، وفترة البرزخ فترة تمضي سريعًا, {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}[يس:52], المؤمن يقال له : نم نومة العروس التي لا يوقظها إلا أحب أهلها إليها؛ فيمر الأمر عنده كأنها ليلة مِن ليالي عرسه، وفي صبيحتها تكون الساعة؛ فهي لا شك أنها قريبة, {........وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}[الشورى:17], ولعل مِن الله -تبارك وتعالى- حق, {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}, {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}[الشورى:18], {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا........}[الشورى:18], فيقولون أيان يوم القيامة, أنها أمر بعيد هذا, إذا قيل لهم إنَّ هذه سنوات، وأنَّ هناك أحداث؛ فيستبعدون وقوعها، وكذلك يستعجلون بها يريدون أنْ تنزل عليهم في التو واللحظة لأنَّ هذا عندهم نوع مِن التكذيب؛ فيكذبون الرسول، ويقولون هاتها إنْ كنت صادقًا فيما تدعونا إليه؛ فائتنا بالعذاب, كما قالوا : {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}[ص:16], {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ........}[ص:17], فالكفار يستعجلون بها مِن باب تكذيبها وردها، وأنها ليست بحق, {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا........}[الشورى:18], لأنهم لا يؤمنون بها يطلبون أنْ تأتي هذا إحراجًا وإعناتًا للرسول؛ فهاتها الآن لأنهم لا يؤمنون بها يعلمون أنها لن تكون، وليس هناك ساعة، وما ستأتي، قال -جلَّ وعَلا- : {وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا}, الذين آمنوا، ويصدقون أنَّ الساعة آتية, {مُشْفِقُونَ مِنْهَا}, خائفون أشد الخوف؛ لأنهم يعلمون الأهوال العظيمة، والتي ستكون فيها؛ فيومها؛ يوم القيامة بخمسين ألف سنة مِن أيام هذه الدنيا، وبعد ذلك يرى الناس سبيلهم إما إلى الجنة، وإما إلى النار هذا مِن أهل الإيمان, هؤلاء أهل الإيمان, كما قال النبي في حديث الذي يُعَذَّبُ لتركه للزكاة : «ما مِن صاحب ذهب وفضة لا يؤدى زكاتهما إلا صُفِّحَت له صفائح, ثم يُحْمَى عليها في نار جهنم, ثم يُكْوَى بها جبينه وجنباه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف َسَنة, ثم يُرَى سبيله إما إلى الجنة, وإما إلى النار», هذه خمسين ألف سنة هذا فقط يومها؛ فهذا يوم شديد، ويوم عصيب، وهذا الساعة, ثم ما فيها بعد ذلك مِن العذاب والنكال لِمَن شاء الله -تبارك وتعالى- أنْ يعذبهم مِن الكفار، وكذلك أوساط أهل الإيمان؛ فأهوال الساعة أهوال عظيمة، وشدائدها شدائد كبيرة؛ فالكفار يستعجلون بها لكن أهل الإيمان مشفقون منها الإشفاق هو غاية الخوف, {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ}, يعلمون علم يقيني, {أَنَّهَا الْحَقُّ}, أنها آتية، آتية، ولكنهم لا يستعجلون بها, بل هم خائفون مِن مجيئها أشد الخوف؛ فهؤلاء أهل الإيمان بعكس أهل الكفران؛ فإنَّ أهل الكفران إنما هم لتكذيبهم بها فلا يهمهم إنما هم منصرفون عنها، ويستعجلون بها, {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ.........}[الشورى:18], قال -جلَّ وعَلا- : {........أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}[الشورى:18], {أَلا}, الإعلامية، الإخبارية, {إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ}, تأكيد مِن الله -عز وجل-, {يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ}, يشكون فيها، المراء الشك، ويجادلون فيها أنها لا تأتي, {لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}, ضلال في وادي كأنهم في وادي, {بَعِيدٍ}, عن الطريق الصحيح بعد عظيم جدًا؛ فهم بعيدون عن الحق كل البعد؛ وذلك أنَّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله -تبارك وتعالى- باعث مَن في القبور، وأنَّ الناس قائمون لله -تبارك وتعالى-, وأنَّ مَن كان مِن أهل الجنة؛ فهو داخلها ولا بد، ومنَ كان مِن أهل النار؛ فهو داخلها ولا بد؛ فهذا أمر حق, الساعة حق لا بد أنْ تقوم؛ فلذلك المجادل فيها، والذي يدفعها، والذي يكذب بها بعيد في وادي بعيد بعيد جدًا عن الطريق الصحيح, هو بعيد عن الحق كل البعد, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ}[الشورى:19], {اللَّهُ}, -سبحانه وتعالى-, {لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ}, لطف العناية بهم، والرحمة بهم -سبحانه وتعالى-, {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ}, -سبحانه وتعالى-, {........يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ}[الشورى:19], رزقه -سبحانه وتعالى- لمن يشاء أي توسعة عليه, {وَهُوَ الْقَوِيُّ}, القادر -سبحانه وتعالى-, {العَزِيزُ}, الغالب الذي لا يغلبه أحد -سبحانه وتعالى-.
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}[الشورى:20], {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ........}[الشورى:20], سمى الله -تبارك وتعالى- العمل للآخرة بالحرث، وذلك أنَّ الحرث، وهو الزراعة يضع الإنسان البذور القليلة، ويحصل المحصول الكبير؛ فالحرث بَرَكَة الزراعة بركات عظيمة جدًا, يضع الإنسان القليل؛ ثم يحصد بعد ذلك الكثير, {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ........}[البقرة:261], فالذي يريد حرث الآخرة, العمل للآخرة، وكأنه يزرع ليحصد في الآخرة، قال -جلَّ وعَلا- : {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}, أول شيء أنه يوفقه, الحسنة توفق إلى مثقلها؛ فيزيده الله -تبارك وتعالى- مِن الحرث؛ فكل حسنة يفعلها إنما تدفعه إلى أختها، وإلى مثلها؛ فيوفق إلى عمل أمثالها؛ فيزداد حرثه الذي يحصده بعد ذلك, كذلك : {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}, في ثمرة حرثه؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- جعل الحسنة كل فعل حسنة، والحسنة هي الفعل المثاب عليه بعشرة أمثالها؛ فَمَن تصدق بدينار؛ فالله لا يكتبه له تصدق بدينار أنه تصدق بعشرة دنانير, هذه الحد الأدنى إلى سبعمائة ضعف, إلى أضعاف أكثر مِن السبعمائة، صلى ركعتين؛ فكأنه صلى عشرين ركعة، كل ركعة يصليها العبد بعشر أمثالها، صلى خمس صلوات في اليوم والليلة بخمسين صلاة، كما قال -تبارك وتعالى- (هن خمس في العمل خمسون في الأجر ما يبدل القول لدي), فكأن الله -تبارك وتعالى- يكتب للعبد المؤمن بصلاته الخمس المفروضة أنه صلى خمسين صلاة، وأضعاف أكثر مِن هذا؛ فإنَّ ليلة القدر خير مِن ألف شهر قيامها؛ فقيام ليلة واحدة لكن كأنه قام ألف شهر كامل, فاضرب ألف شهر في ثلاثين ليلة يصير ثلاثين ألف ليلة؛ فكأنه قام ثلاثين ألف ليلة غير هذه الليلة, يكتب له هذا بقيامه ليلة واحدة مِن الليالي؛ فهذا أمرٌ عظيمٌ جدًا, أمرٌ عظيمٌ, {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}, زيادة في العمل نفسه يزاد له؛ فكأن كل عمل عمله كأنه عمل مثل هذا العمل عشر مرات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ثلاثين ألف في ليلة واحدة, ليلة القدر، وكذلك أنَّ الزيادة له كذلك زيادة في جنس العمل، جنس العمل الصالح؛ فكل مَن وُفِّقَ إلى عمل صالح يوفقه الله -تبارك وتعالى- إلى أمثاله، وأما الثواب؛ فإنه ليس ثمنًا للعمل, ما يمكن أنْ يكون الثواب ثمنًا للعمل هذا أمر فوق الثواب, هذا منحة، هبة مِن الله -تبارك وتعالى- ليست مكافئة للعمل، وإلا الذي يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1], عشر مرات يبني الله -تبارك وتعالى له- بيت في الجنة، قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1], عشر مرات تأخذ ثلاث دقائق، أو أربع دقائق مِن العمل، وعمل سهل، خفيف على اللسان؛ فإنها كلام, يقرأ هذا الكلام : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1], {اللَّهُ الصَّمَدُ}[الإخلاص:2], {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص:3], {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص:4], يقرأها عشر مرات؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- يبني له بيتًا في الجنة، يقول : سبحان الله, تُغْرَس له نخل في الجنة سبحان الله والحمد لله نخلة في الجنة, انظر النخلة في الدنيا إذا كانت نخلة جيدة كم تساوي؟ وكم يأخذ الإنسان مِن الجهد والعمل لتكون له نخلة في الأرض, لا شك أنه يحتاج إلى كسب مال عظيم جدًا حتى تكون له نخلة في الأرض؛ فأما أنه يقول : سبحان الله في لحظة؛ فيعطيه الله -تبارك وتعالى- نخلة في الجنة يثيبه, إنسان يحمل رجل يدفع الأذى عن طريق المسلمين، قال النبي فشكر الله له فغفر له وأدخله الله الجنة لذلك لا شك هذا العمل، والجنة بقصورها ودورها وخيامها ونعيمها وأنهارها ثواب المؤمن في الجنة، ومكانه في الجنة قدر هذه الدنيا التي يعيش عليها هذه الملايين المملينة، وعشرة أمثالها، الله يقول لآخر مَن يدخل الجنة: أَمَا ترضى أنْ يكون لك مثل الأرض، وعشرة أمثالها, مع الخلود الدائم، كل هذا النعيم الدائم هذا لا يمكن أنْ يكون هذا الثواب مكافئ للعمل, لا توجد مكافئة للعمل، ثواب الله -تبارك وتعالى- أعظم مِن العمل الصالح، ولا يمكن أنْ يقاس به؛ فهذا إحسان مِن الله -تبارك وتعالى-, {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ........}[الشورى:20], فنوفقه لأمثالها مِن العمل، وكذلك نكتب له الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة, {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا}, الذي يريد أنْ يعمل للدنيا فقط، كفر بالآخرة، ولا هَمَّ له هناك، وإنما كل همه، وكل عمله للدنيا فقط، قال -جلَّ وعَلا- : {نُؤتِهِ مِنْهَا}, فإنه لا يرزق أحد إلا مِن الله -تبارك وتعالى- الرزق كله مِن الله؛ فيسعى والله -تبارك وتعالى- يعطيه مِن نتيجة هذا السعي ما شاء الله -تبارك وتعالى- أنْ يؤتيه, {نُؤتِهِ مِنْهَا}, لكن {.......وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}[الشورى:20], لا يؤمن بالآخرة لن يكون له نصيب فيها؛ فكل مَن كفر بالآخرة؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- لنجعل له نصيب مِن نعيمها مِن الجنة, لكن مآله إلى النار -عياذً بالله-, {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}[الشورى:20], خسران، خسران هذا الذي خسر؛ لأنه نصيب الدنيا متاع قليل، ومتاع زائل؛ فانظر عَظَمة الإيمان، وتفاهة الكفر، أسأل الله -تبارك وتعالى- أنْ يثبتنا على دينه.
أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب, والحمد لله رب العالمين.