الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الشورى:36], {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى:37], {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[الشورى:38], {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}[الشورى:39], {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[الشورى:40], {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:41].
يُهَوِّنُ الله -تبارك وتعالى- مِن شأن هذه الحياة الدنيا، ويُبَيِّن أنَّ ما عنده -سبحانه وتعالى- خير لعباده المؤمنين؛ فيقول -جلَّ وعلاَ- : {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ........}[الشورى:36], خطاب لكل البشر، وكل الناس؛ فاعلموا أيها الناس, {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ........}[الشورى:36], {أُوتِيتُمْ}, بالبناء لما لم يُسَمَّ فاعله، والمؤتي هو الله -تبارك وتعالى-؛ فإنَّ الله هو خالق الخَلْق كله، وهو رازق العباد -سبحانه وتعالى-, {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ........}[النحل:53], {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ........}[الشورى:36], أي شيء مما تؤتونه مِن المال، مِن العرض، مِن الجاه، مِن الأرزاق كلها مِن الله -تبارك وتعالى-, لكن هذا متاع, {الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}, لا تتمتعون به؛ فتقضوا به حاجتكم ووطركم إلا فقط استمتاعكم به في فترة هذه الحياة الدنيا، الحياة الدنيا القريبة، أو الدنيا مِن الدناءة دنيئة، وأنها حياتها إنما هي حياة، أما الحياة الحقيقة هي حياة الآخرة، كما كان النبي يقول : «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة», العيش الحقيقي، وقال -تبارك وتعالى- : {........وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت:64], فالحيوان بالمبالغة الحياة الحقيقة الكاملة التي يسعد أهلها هي حياة الآخرة، وأما الحياة الدنيا؛ فهي حياة, {شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ}, مِن الخير، مِن الجنة والرضوان, {خَيْرٌ وَأَبْقَى}, لكن {........لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الشورى:36], {آمَنُوا}, صدقوا ويتوكلون على الله -تبارك وتعالى-, ولا يكون التوكل على الله حقًا إلا ببذل الأسباب، وانتظار النتائج مِن الله -تبارك وتعالى-, قال -جلَّ وعلاَ- هذه صفتهم, {........لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الشورى:36], الصفة الثالثة، قال : {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ........}[الشورى:37], هؤلاء الذين لهم الجنة عند ربهم، ولهم الرضوان, {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ........}[الشورى:37], الاجتناب الترك، ومعنى أنها يجعلها جنب يبتعدون عنها, {كَبَائِرَ الإِثْمِ}, الآثام الكبيرة, {وَالْفَوَاحِشَ}, {الإِثْمِ}, الذنب والمعصية, كل معصية ذنب وإثم، {وَالْفَوَاحِشَ}, الذنب الفاحش وهو القبيح، ولا يطلق الفواحش غالبًا إلا على الزنا وتوابعه وأشكاله كاللواط ونحوها، وذلك أنه قبيح جدًا، والذنب قد يكون بالكفر والشِّرك، وبسب الله، أو السجود لصنم هذه مِن كبائر الذنوب, {وَالْفَوَاحِشَ}, الذنب القبيح الذي فَحُشَ، عظم في القبح, {كَبَائِرَ الإِثْمِ}, عرفها النبي -صلوات الله عليه وسلم-, جاء ذكرها في القرآن أولًا أنَّ أكبر الكبائر هو الشِّرك بالله -تبارك وتعالى-, {........يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:13], {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ........}[النساء:48], الشِّرك بالله أعظم الكبائر، وأعظم الذنوب لا أعظم مِن الشرك, {........كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}[الكهف:5], الذين قالوا لله ولد، وبالتالي عبدوا هذا الولد، وجعلوه صِنْوًا في زعمهم لله -تبارك وتعالى-, النصارى ومَن على شاكلتهم، من نسبوا لله -تبارك وتعالى- الأولاد, {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا}[مريم:88], {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا}[مريم:89], {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}[مريم:90], {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا}[مريم:91], {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا}[مريم:92], {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم:93], {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا}[مريم:94], {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم:95], سئل النبي عن حديث عبد الله بن مسعود أي الذنب أعظم قال : «أنْ تجعل لله ندًا وهو خلقك», فإذا جعلت لله ندًا، والله هو الذي خلقك؛ فتجعل لمن خلقك ند له مشابه له؟! تكون مجرم أكبر إجرام هذا، هذا أكبر إجرام, أنْ تجعل لله ندًا، وهو خلقك قلت؛ ثم أي؟ قال : «أنْ تقتل ولد مخافة أنْ يطعم معك», القتل، قتل النفس التي حرم الله -تبارك وتعالى- إلا بالحق مِن أعظم الذنوب، وأعظم القتل قتل الولد مخافة أنْ يطعم معك؛ فإنه لا حول له، ولا قوة، وللأسف أنَّ كثير مِن الناس يستسهل هذا يقتلون أولادهم، وهم في بطون أمهاتهم يسمون هذا الإجهاض، وهو قتل تعمد القتل أنْ يقتل ولده خشية أنَّ هذا الولد يأتي ويكبر ويشارك أباه وأمه في الطعام, «أنْ تقتل ولدك مخافة أنْ يطعم معك», قلت : ثم أي «قال أنْ تزاني حليلة جارك»، والزنا كله فاحشة، وشر لكنه في حليلة الجار أكبر لأنَّ الجار محل في الشرع محل العناية، والرحمة، والفضل والإحسان؛ فإذا جعلته محل الإساءة والشر والعدوان يكون هنا أمر أكبر، قال : «أنْ تزاني حليلة جارك», هذه أعظم الذنوب, كما قال -تبارك وتعالى- : {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}[الفرقان:68], {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}[الفرقان:69], فهذه مِن كبائر الذنب، وكذلك بين النبي كبائر الذنب قال : «اتقوا السبع الموبقات», قيل : وما هن يا رسول الله؟ السبع الذنوب الموبقة, المهلكة قال: «الشِّرك بالله، والسِّحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات», فهذه مِن كبائر الذنوب, سئل ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- هل الكبائر سبع، قال : هي إلى السبعين أقرب، قال : هي أقرب إلى السبعين وليست سبع، وقول النبي اتقوا السبع الموبقات ليس معناها أنَّ غيرها ليس مِن الكبائر؛ فإنَّ النبي قد نص على غير هذه الذنوب، ونص أنها مِن الكبائر كما قال : «إنَّ مِن أكبر الكبائر أنْ يلعن الرجل والديه», قيل، وكيف يلعن الرجل والديه يا رسول الله قال: «يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه», فهذا الذي تسبب في لعن والديه بأنْ حمل الآخرين على أنْ يلعنوا والديه لأنه تعرض لوالديهم؛ فلما تعرض لآبائهم تعرضوا هم لأبيه وأمه؛ فسبوهم؛ فكان المتسبب في لعن والديه هو, هذا أخبر النبي أنَّ هذا مِن أكبر الذنوب عقوق الوالدين مِن أكبر الذنب كذلك؛ فقول الله : {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ........}[الشورى:37], {يَجْتَنِبُونَ}, يبتعدون, {كَبَائِرَ الإِثْمِ}, الآثام الكبيرة, {وَالْفَوَاحِشَ}, الآثام والذنوب الغليظة في القبح كالزنا ونحوه؛ ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى:37], الله, صفة مِن صفات الإحسان في هؤلاء الذين جعل الله -تبارك وتعالى- لهم الآخرة، قال : {........وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الشورى:36], مِن صفة هؤلاء الذين لهم هذا عند ربهم -سبحانه وتعالى- قال : {........وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى:37], الغضب فورة ورغبة في الانتقام، وغليان للدم في القلب فورة للدم في القلب، ورغبة في الانتقام، والغضب منه محمود، وهو إذا كان لله -سبحانه وتعالى-؛ فالذي يغضب لله هذا محمود فعله؛ لأنه يغضب لله -تبارك وتعالى- إذا انتهكت حرمات الله -تبارك وتعالى-, وأما الذي يغضب لِنَفْسِهِ مذموم، مذموم الغضب للنفس, لحظ النفس إذا اعتدى عليه؛ فيغضب مِن هذا؛ فهنا الله -تبارك وتعالى- جعل الممدوح هنا, {وَإِذَا مَا غَضِبُوا}, لأي في حظوظ أنفسهم, {هُمْ يَغْفِرُونَ}, يسامحون مَن اعتدى عليهم، وقد وُصِفَ النبي -صلوات الله والسلام عليه- بأنه لم يغضب لِنَفْسِهِ قَطّ -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- قالت : (ما غضب رسول الله لِنَفْسِهِ قَطّ إلا أنْ تنتهك حرمة لله؛ فيغضب لله), فيغضب فقط النبي ما كان له غضب إلا إذا انتهكت حرمة لله -تبارك وتعالى- فيغضب لله، وأما لِنَفْسِهِ؛ فإنَّ النبي لم يغضب لِنَفْسِهِ قَطّ -صلى الله عليه وسلم- ممن آذاه؛ فقد أوذي النبي أذىً كثيرًا مِن المنافقين، وعفا عنهم، ومِن هذا الخارج الذي سَبَّهُ، وقال له : اعدل يا محمد؛ فو الله هذه قسمة ما أريد بها وجه الله؛ فقال النبي ويحك ومَن يعدل إذا أنا لم أعدل، وكذلك أوذي مِن الأجلاف سيئ الأدب الذين كانوا يؤذونه مثل هذا الأعرابي الذي جاءه كما جاء في حديث أنس أنه كان النبي في سفر؛ فجاء أعرابيِ من خلف ظهره؛ فجبذه بردائه جذبة شديدة يقول : فرأيت أثر جبذته الجبذ، وجذب بمعنى شده شدة شديدة مِن ردائه, يقول : فوجدت أثر هذه الجذبة في عنق النبي أثرت في عنق النبي؛ فالتفت إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: مُر لي مِن عطاء الله الذي عندك؛ فتبسم له النبي -صلى الله عليه وسلم-, وأمر له بعطاء، ونحو هذا كثير ممن كانوا يأتون فيصرخون مِن خارج بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يا محمد, اخرج لنا, كما أنزل الله -تبارك وتعالى- قوله -سبحانه وتعالى- : {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}[الحجرات:4], {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الحجرات:5], فقد أوذي النبي أذىً كثيرًا، وكان يقول -صلى الله عليه وسلم- إذا أوذي, (رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر مِن هذا؛ فصبر), فما غضب النبي لنفسه قَطّ -صلى الله عليه وسلم- ولا ضرب امرأة، ولا ضرب خادمًا بل يقول أنس -رضي الله تعالى عنه- خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، عشر سنوات, كل سنين المدينة، وأنس بن مالك مِن أول يوم, أول ما جاء المدينة، وجاءت أخذته أمه أم سليم -رضي الله تعالى عنه- قالت له : يا رسول الله خويدمك أنس هذا يخدمك، وخويدم الخادم الصغير أنس, هذا أتيت به ليخدمك، وهو ابنها، وقام بخدمة النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنوات, يقول : خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لي لشيء لما فعلته لم فعلت، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا, ما عمره قال له لماذا فعلت هذا، أو لما لم تفعل هذا طيلة عشر سنوات كاملة؛ فهذا أمر فوق الوصف، أمر فوق الوصف هكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- الله مدح أهل الإيمان الذين يكونون على هذا النحو، قال : {........وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى:37], إذا غضبوا في أمر ينالهم مِن سَبّ، أو شتم، أو أذى ممن يأتيهم مِن غيرهم, {هُمْ يَغْفِرُونَ}, يسامحون, {........وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى:37].
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[الشورى:38], {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ}, أجابوا الله -تبارك وتعالى-؛ أجابوه بأنهم سمعوا كلام الله -تبارك وتعالى-, ونفذوا ما يأمرهم به, كما وصف الله المؤمنين أنهم قالوا قال -جلَّ وعَلا- : {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا........}[البقرة:285], {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}, سمعنا قول ربنا، وأطعنا ما يريده الله -تبارك وتعالى- منا؛ فهؤلاء هم : { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ}, {اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ}, أجابوه, أنهم بادروا إلى أنهم يفعلوا كل ما طُلِبَ منهم، ما طلبه الله -تبارك وتعالى- منهم، وقال هنا : {اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ}, ليبين أنَّ استجابتهم لمن؟ إنما هي لربهم خالقهم وإلههم ومولاهم -سبحانه وتعالى-؛ فاستجابتهم إنما هي في مكانها؛ لأنَّ الله هو ربهم -سبحانه وتعالى- وخالقهم وبارئهم كونه ربهم هذا فيه مِن دواعي القرب أضافهم الله -تبارك وتعالى- إليه، قال : {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ}, أدوها على الوجه الأكمل, إقامة الصلاة؛ استقامتها؛ فليست صلاة معوجة، وإنما هي قائمة، ولا تكون الصلاة قائمة إلا باستكمال شرائطها الله جعل شروط للصلاة، وكذلك استكمال أركانها التي لا تقوم إلا بها؛ فمن شرائط هذه الصلاة أنها لا بد أنْ تكون بطهارة, «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»، وأنها أنْ يكون العبد على طهارة في بدنه، في ثوبه، في المكان الذي يصلي فيه متوضئ بالوضوء الشرعي الذي نص الله -تبارك وتعالى- عليه، وبينه النبي, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا........}[المائدة:6], شرط مِن شروط الصلاة صلاة المؤمن النظيف، الطاهر، المتطهر قبل أنْ يأتي ليقف بين يدي ربه -سبحانه وتعالى-, ثم أنْ يستقبل القبلة, {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}, ثم أنْ يكون الوقت قد دخل في الصلوات الخمس, كما قال -تبارك وتعالى- : {........إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:103], كتاب موقوت؛ موقت بوقت البداية، والنهاية, لابد أنْ يوقع الصلاة في هذا الوقت الذي حدده؛ ففي الفجر لها وقت، والظهر لها وقت، والعصر لها وقت، المغرب وقت العشاء لا بد أنْ يوقع الصلاة في الوقت المقرر لها شرعًا مِن الله -تبارك وتعالى-, هذه مواقيت الله -تبارك وتعالى- وقتها, {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ........}[الإسراء:78], زوالها, {........إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}[الإسراء:78], فهذه مواقيت للصلاة لابد للمؤمن أنْ يصلي الصلاة لوقتها؛ فدخول الوقت بعد ذلك؛ ثم ستر العورة, لابد أنْ يكون قد ستر عورته، وأخذ زينته, {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ........}[الأعراف:31], أمرٌ مِن الله -تبارك وتعالى- أنْ يأخذ العباد زينتهم عند كل مسجد عند الصلاة؛ فيأخذ الزينة الواجبة، والزينة الواجبة أقلها هو ستر العورة, ستر العورة هي للرجل مِن السرة إلى الركبة، والمرأة كل بدنها ما سوى الوجه والكفين يكونان مكشوفين وقت الصلاة؛ فهذه على كل حال شرائط لا بد أنْ تجتمع هذه الشرائط للصلاة لتكون الصلاة قائمة، مقبولة عند الله -تبارك وتعالى-, ثم الأركان التي منها بدءً مِن تكبيرة الإحرام يدخلها بتكبيرة الإحرام؛ ثم قراءة الفاتحة, لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أنْ يركع حتى يطمئن راكعًا، كما عَلَّمَ النبي -صلى الله عليه وسلم- المسيء صلاته صلى أحد الصحابة صلاة؛ ثم أتى النبي؛ فقال : السلام عليك يا رسول الله؛ فقال له النبي: ارجع فصلي؛ فإنك لم تصلي؛ فرجع؛ فصلى كصلاته الأولى؛ ثم أتى النبي؛ فسلم عليه رد النبي السلام؛ فقال : ارجع فصلي؛ فإنك لم تصلي؛ فصلى أيضًا كصلاته الأولى؛ ثم أتى النبي؛ فسلم عليه؛ فقال له النبي كذلك رد عليه السلام، وقال له : ارجع فصلى؛ فإنك لم تصلي؛ ثم قال له الرجل : والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا، هذا الذي تعلمته، والذي أحسنه علمني؛ فقال له النبي : إذا قمت للصلاة فكبر؛ ثم اقرأ الفاتحة؛ ثم اركع حتى تطمئن راكعًا, ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا, ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا, ثم اجلس حتى تطمئن جالسا, ثم افعل ذلك في صلاتك كلها؛ فأعلمه أن الصلاة أركان قيام، ركوع، اعتدال من الركوع ركن قال له : ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا؛ فهذا ركن من أركان الصلاة لا تتم الصلاة إلا به، وقال النبي فيه : لا ينظر الله صلاة عبد لا يقيم صلبه مِن الركوع, رجل ما يقيم صلبه ويعتدل مِن الركوع حتى يرجع فقار مِن فقار ظهره إلى مكانه لا ينظر الله إلى صلاته، ومعنى أنه لا ينظر لها ينظر لها نظر قبول، ولا رحمة؛ فبالتالي لا تقبل هذه, تُرَدُّ على صاحبها، ولذلك رأي بعض الصحابة رجل لا يقيم صلبه مِن الركوع؛ فناداه، وقال له: أنت منذ كام تصلي هذه الصلاة؟ فقال: منذ أربعين سنة، فقال له : أنت لم تصلي منذ أربعين سنة، ولو مت على هذا مت على غير مِلَّة محمد -صلى الله عليه وسلم- قال له : أنت ما صليت أربعين سنة هذه التي صليتها، وأنت لا تقيم صلبك مِن الركوع لا تعتدل مِن الركوع حتى تقف تعتدل قائمًا احسبها أنها لم تكن صلاة؛ فهذه الصلاة التي فقدت ركن مِن أركانها هَدَر ما لها قبول لذلك؛ الشاهد هنا أنَّ الله -تبارك وتعالى- قال : {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ}, أقاموها؛ أقاموها فجعلوها مستقيمة, صلاة غير معوجة، وهذا باستكمال شرائطها، واستكمال أركانها، وهذا هو الإحسان مطلوب في إقامة الصلاة؛ ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}, {وَأَمْرُهُمْ}, أمر أهل الإسلام في سلمهم وحربهم وجهادهم واجتماعهم، وتوليتهم مَن يُوَلَّى عليهم، وعزلهم، وكل شئونهم إنما يقوم على المشاورة, {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}, المشاورة، وهي أنْ يطلب كل منهم رأي الآخر ليتشاوروا فيه، ولينظروا الرأي الذي هو أحق بالاتباع والأخذ, هذه المشاورة, الله يقول : {وَأَمْرُهُمْ}, أسند الأمر إليهم الأمر هنا بمعنى الشأن أنه في شئونهم, كل شئونهم شورى بينهم لا يستبد الإمام منهم الأمير بالرأي دون الرعية, بل يشاورهم فيه كما أمر النبي، وهو مستغنٍ عن مشورة الناس لا يحتاج إلى رأي الآخرين؛ لأنه رسول الله المسدد، والذي آتاه الله -تبارك وتعالى- الحكمة، عَلَّمَهُ الحكمة كلها، وعَلَّمَهُ الأمر كله، وأطلعه -سبحانه وتعالى- على ما أطلعه مِن أمور غيبه، ومِن أحوال الناس، وأحوال العالمين إلى علمه العظيم الواسع في هذا؛ فهو مستغنٍ عن المشاورة, لكنَّ الله أمره بأنْ يشاور، قال -تبارك وتعالى- للنبي : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ........}[آل عمران:159], {لِنْتَ لَهُمْ}, للذين عصوا أمره في أُحُد، وتسبب هذا العصيان في الهزيمة، وكذلك للذين فروا في هذا؛ فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحاسب أحدًا ممن كان له سبب وسهم في هزيمة المسلمين؛ فإنَّ الهزيمة وقعت بسبب وهو ترك الرماة لأماكنهم، ونزول مَن نزل، وخروج مَن خرج في إثر القوم طلبًا في الغنيمة, كما قال -تبارك وتعالى- : {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ}, {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[آلعمران:153], فالذين تسببوا في الهزيمة في أُحُد النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر الأمر لم يعنف أحدًا منهم، وعفا عن الجميع -صلوات الله والسلام عليه-, وقد أخبره أنَّ هذا الفعل منه إنما كان فعلًا حسنًا، قال : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ........}[آل عمران:159], الفظ هو العنيف الثقيل الذي يُعَنِّفُ مَن معه، ومَن تحته, {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ}, قاسي القلب؛ فإنَّ تعنيف مَن يعنف يؤدي إلى آلام شديدة بالنسبة إلى مَن يُعَنَّف, إنَّ هذا مِن رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم-, {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ........}[آل عمران:159], فأمره بأنْ يشاور أصحابه علمًا أنه كان مِن سبب الهزيمة أنه أخذ برأي مَن ارتأى منهم أنْ يخرج مِن المدينة لملاقاة الكفار خارج المدينة علمًا أنه كان رأي النبي -صلى الله عليه وسلم-, وقد كان عدد المسلمين أقل مِن عدد الكفار؛ فالمسلمين نحو مِن الألف بما فيهم مِن المنافقين، والكفار كانوا ثلاث ألاف، وكلهم مجتمعون متحزبون حزبة واحدة، وعلى قلب رجل واحد يومئذ، والمسلمون لا, كان فيهم عبد الله بن أُبَيّ لذلك لمات رجع بثلث الجيش، رجع بنحو ثلاثمائة اتبعوه، وتركوا النبي -صلوات الله والسلام عليه-, كما قال -تبارك وتعالى- : {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[آل عمران:121], {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[آلعمران:122], وهذه الطائفتين مِن بني سَلَمَة كانوا كذلك مِن الذين أرادوا أنْ يتابعوا عبد الله بن أُبَيّ في رجوعه؛ فالشاهد أنَّ النبي كان رأيه وهم أقل مِن الكفار أنْ يمكثوا في المدينة، وأنْ يتحصنوا بها؛ فتكون بيوت المدينة لهم حصن عن الكفار، ويقاتلوا مِن ورائها, وكذلك ممكن أن يشترك في هذا القتال حتى النساء مِن فوق الأسطح بالأحجار، وبالماء الحار، وبنحو ذلك؛ فتتشتت جموع الكفار في المدينة، وتفشل حملتهم، ولكن بعض الصحابة، قالوا له : يا رسول الله, لا نقاتل مِن وراء الجدر اخرج بنا إلى عدونا، وتحرقوا لذلك حتى إنهم ألجأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أنْ يخرج، ويخالف رأيه الذي ارتآه -صلوات الله والسلام عليه- وخرج؛ فلبس لئمة الحرب، وظهر بين درعين -صلوات الله والسلام عليه- في هذا اليوم، ولما خرج جاؤه هؤلاء الذين تحمسوا للخروج؛ فقالوا : يا رسول الله لعلنا ألزمناك وأجبرناك على الخروج إنْ شئت أنْ تبقى؛ فابقَ ؛ فقال لهم : لا يحل لنبي لبس لئمة الحرب أنْ ينزعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه, قال الأمر ما دام تم القرار، واتخذ القرار، والنبي لبس لئمة الحرب، واستعد لذلك يصبح شَرَعَ في العبادة هذه عبادة شرع فيها لا يجوز له أنْ ينكل عنها ما يجوز النقول عنها حتى يحكم الله -تبارك وتعالى- بينه، وبين عدوه هذى شأن أي عبادة يشرع فيها المؤمن فيه بعض العبادات إذا شَرَعَ فيها لا يجوز له أن يرجع عنها كالحج؛ فإنه اذا شرع في الحج، وقال : لبيك اللهم لبيك؛ فإنه لا يجوز بعد ذلك أنْ يرجع عن هذا، وإلا محصرا, {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ........}[البقرة:196], فلذلك إذا لبس النبي لئمة الحرب، واستعد لهذا، وسيخرج في سبيل الله ما يحل له أنْ يرجع عن هذا بعد ذلك لا بد أنْ يسير حتى يحكم الله -تبارك وتعالى- بينه وبين عدوه, الشاهد أنه قد كانت الهزيمة مِن هؤلاء الذين أَلَحُّوا على النبي في الشورى وأخرجوه، وهو غير راضٍ -صلوات الله والسلام عليه-, لكن مع هذا الله -تبارك وتعالى- أمر نبيه، قال له : {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}, لا يكون هذا, لا يقول لهم انتهت المشورة أنتم تسببتم في هزيمة الجيش، وحصل ما حصل، ولو لم آخذ برأيكم ما كان ما كان، لا، بل أمره الله -تبارك وتعالى- وقال له : {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}, فدل هذا على أنَّ الأمر عزيم أنَّ الشورى عزيمة؛ ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ذكرنا مستغنٍ عن المشورة بما أعطاه الله -تبارك وتعالى- إياه؛ إلا أنه كان يلتزم هذا بالأمر الإلهي، وكذلك بالسعي مِن عنده؛ فكان يشاور أصحابه -صلى الله عليه وسلم- في الصغير والكبير، كان يشاورهم في الصغير، والكبير, وخاصة أهل الرأي والحكمة كان يشاورهم في الصغير، والكبير، وخاصة أهل الرأي، والحكمة كأبي بكر، وعمر، قال لهما لو اجتمعتما على أمر ما خالفتكما، إذا اجتمع الإثنان على أمر، ولذلك في تولية الأمراء، في الأمر، في أوامر الخروج كل هذا كان باستشارة حتى أنَّ النبي لما أراد أنْ يهاجر استشار صاحبه أبوبكر الصديق أخلص وأقرب الناس إليه -صلوات الله وسلم-, ووجد عند أبو بكر الخطة الكاملة، والنظر الثاقب، والعون العظيم في خروجه مع النبي -صلوات الله وسلامه عليه-؛ فالله -تبارك وتعالى- مدح المؤمنين هنا، وبين أنَّ أمرهم، وقال : {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[الشورى:38], {وَمِمَّا}, البعض للبعض هنا ما الذي, {رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}, ينفقون في وجوه الخير جزء مما رزقهم الله -تبارك وتعالى-, إنْ شاء الله نأتي لشيء مِن التفصيل في قول الله : {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}, في الحلقة الآتية -إنْ شاء الله-.
أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.