الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (599) - سورة الشورى 39-46

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}[الشورى:39], {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[الشورى:40], {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:41], {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الشورى:42], {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[الشورى:43], {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:44], {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}[الشورى:45].

ذكر الله تبارك وتعالى- مِن صفات عباده المؤمنين الذين جعل لهم ما عنده، ادخر لهم ما عنده، وأنَّ ما عنده لهم  هو خير مِن كل ما يؤتاه الناس في هذه الحياة الدنيا، قال -جلَّ وعَلا- : {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ........}[الشورى:36], خطاب للجميع, {فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى}, ثم قال : {لِلَّذِينَ آمَنُوا}, هؤلاء هم الذين ينالون ما عند الله -تبارك وتعالى-  الذي هو خَيْرٌ وَأَبْقَى مِن الدنيا وما فيها, جنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه, {........لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الشورى:36], {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى:37], {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[الشورى:38], {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}, مَن الذي رزقهم الله -تبارك وتعالى- ينفقون بعضه في وجوه الخير التي أمر الله -تبارك وتعالى-, بعض هذا وجوبًا كالزكاة المفروضة؛ فهي حق معلوم, {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج:25], بينه الله -تبارك وتعالى- حق معلوم بالزكاة بنصابها وبمصارفها كما بينها الله -تبارك وتعالى-, وهناك حق بعد ذلك سوى الزكاة؛ ثم هناك أبواب الإحسان في الإنفاق في  وجوه الخير التي يحبها الله -تبارك وتعالى-؛ فمدح الله -تبارك وتعالى- هؤلاء العباد أنه مِن صفاتهم كذلك أنه قال : {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}[الشورى:39], {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ........}[الشورى:39],  الظلم, {هُمْ يَنْتَصِرُونَ}, مِن الظالم, مِن ظالمهم, أي أنهم لا يسكتون على الظلم في حال ما إذا سُكِتَ عن هذا الظالم يتمادى ويزداد في ظلمه؛ فإنما يوقفون الظالم عند حده؛ فيأخذون على يده، ويوقفونه عند الحد حتى لا يطغى ويبغي؛ فممدوحون بهذا، وهذا غير إيقاف الظالم عند حده ليس هذا يختلف عن الصفة السابقة, وهي قول الله : {........وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى:37], فوصفهم الله بأنهم إذا ما غضبوا أي لحظوظ النَّفْس, {هُمْ يَغْفِرُونَ}, يسامحون مَن اعتدى عليهم، أو ظلمهم، أو آذاهم في أنفسهم؛ فإنهم يسامحون في هذا، وهذا لأنَّ المسامحة هنا أكمل لهم، وأكبر وأدعى كذلك إلى أنْ يرجع  هذا الذي نال منهم عند حده كما ذكرنا مِن صفة النبي -صلوات الله والسلام عليه-؛ فإنه ما انتقم لنفسه قَطّ وهذا المعاملة بالإحسان التي عاملها لغيره ممن آذوه سواءً كانوا مِن أهل النفاق، أو مِن أهل الجهل، أو مِن أهل الجلافة والبداوة كلها أعقبت حسنى، كل هذا أعقب حسنى؛ فبالنسبة للمنافقين ما قتل حتى مَن يستحق منهم القتل، وقال : لا يتكلم الناس أنَّ محمدًا يقتل أصحابه -صلوات الله عليه وسلم- كان لها الأثر العظيم، وكذلك لعله في رجوع مِن غيرهم عن غيه، وكذا، أو الرجوع على الأقل في الظاهر كما رجع كثير منهم في الظاهر لما عفا النبي -صلوات الله وسلامه عليه- عن مسيئهم، وكذلك فعله في أهل الجهالة، ولما عاملهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإحسان؛ فإنهم تأدبوا وانتقلوا إلى معنىً آخر مِن معاني الإحسان, {........وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى:37], هذا غير, {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}[الشورى:39], {إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ}, الظلم والتعدي مِمَن ظلمهم, {هُمْ يَنْتَصِرُونَ}, ثم بَيَّنَ -سبحانه وتعالى- حدود هذا الانتصار، قال : {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[الشورى:40],  فبين أنَّ مَن أخذ مِن ظالمه بقدر المظلمة التي ظُلِمَ بها هذا إنما هو في  باب العدل، وهو في  باب الانتصار للظلم الواقع عليه، قال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا........}[الشورى:40], السيئة إساءة, {سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}, طبعًا هنا مجازاة السيئة سيئة تسمى سيئة مِن باب المشاكلة، وإلا فإنها هي جزاء، جزاء كمن اعتدى عليه بقطع؛ فقطع أخذ مِن ظالمه بهذا، كما قال -جلَّ وعَلا- : {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}, وكذلك إذا طالب أنْ يقتل مَن قتل وليه؛ فلا تعدي في هذا في أنه طلب بالقصاص ,{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ........}البقرة:179], فمن اعتدي عليه في القتل؛ فقتل قصاصًا مِن قَتَلَه، أو مَن اعتدي عليه بشيء دون القتل, دون النفس الكاملة؛ فطالب بالقصاص؛ فإنما هو في باب الحق، وقد يكون هذا كذلك في المال، أو في  أي سيئة يصاب بها, لكن لا يجوز القصاص, فيه أنواع من الفواحش التي هي فاحشة بذاتها؛ فلا قصاص فيها، قال -جلَّ وعَلا- : {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا........}[الشورى:40], وهذا مباح، وقد يكون ممدوحًا هنا إِذا كان الأخذ بهذه السيئة من الظالم ردع له، وإيقاف له عند هذا الحد, أما اذا كان هي سقطة مِن الظالم، وأنه ممكن بالعفو يتحصل ما هو أفضل مِن هذا؛ فالعفو أفضل؛ ثم قال -جلَّ وعَلا- : {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}, {فَمَنْ عَفَا}, أي عن ظالمه مع قدرته على العفو؛ لأنه لا عفو إلا مع المقدرة, قدرته على الإيقاع السيئة بمن ظلمه لكنه يعفو، ولا يأخذ بحقه، ولا يطالب به, {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ}, أي بينه وبين ظالمه, {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}, إذا فعل هذا لله ترك أخذ مظلمته لله؛ فإنَّ الله يأجره؛ لأنه فعل هذا الفعل لله؛ فقال : لا آخذ حقى من ظالمى أجعل أجري على الله -سبحانه وتعالى- فهذا يأجره الله -تبارك وتعالى- لهذا؛ لأنه ترك هذا الأمر مِن أجل الرب -سبحانه وتعالى- قال : {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}, يُعْطَى, {........إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[الشورى:40],  الله, {لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}, -سبحانه وتعالى- وهذا بيان أنَّ الظالم لا يحبه الله -تبارك وتعالى-, ومعنى أنه لا يحبه إذن هو في محل العقوبة، وفي محل المؤاخذة, ما دام أنَّ الله -تبارك وتعالى- لا يحبه.

ثم قال -جلَّ وعَلا- {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:41], {وَلَمَنِ انتَصَرَ}, أي لنفسه، وأخذ حقه مِن ظالمه قدر هذا الحق, {........بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:41], لا سبيل على مؤاخذتهم كمن قتل القاتل إذا ثبت أنَّ هذا قاتل، وقتل هذا القاتل، وأخذ  مقدار هذه المظلمة مِن ظالمه, اعتدى عليه في ماله؛ فأخذ ماله بقدر ذلك، قال -جلَّ وعَلا- : {فَأُوْلَئِكَ},  الذين يأخذون حقهم مِن ظالمهم, {........مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:41], للمؤاخذة, لا عند الله -سبحانه وتعالى- ,وكذلك خطاب للناس أنه لا يؤاخذ لهم, لا ينبغي لحاكم وكذا أنْ يلاحق مَن أخذ حقه مِن ظالمه, {........فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:41], أي للمؤاخذة, {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ........}[الشورى:42], {إِنَّمَا السَّبِيلُ}, المؤاخذة وكذلك الملاحقة في الدنيا بالحق, {عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}, البادئين بالعدوان, {وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}, يبغون بغي ظلم, {فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}, لغير ما يحق لهم مِن العدوان على أموال الناس، أو ممتلكاتهم، أو أنفسهم, {........أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الشورى:42], هذا وعيد مِن الله -تبارك وتعالى-, {أُوْلَئِكَ}, الذين يفعلون هذا, {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}, عند الله -تبارك وتعالى-, عذاب النار -عياذًا بالله-, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[الشورى:43], هذه إشادة مِن الله -تبارك وتعالى- بِمَن يصبر على المظلمة التي تتوجه إليه، ويغفر ويسامح مَن ظَلَمَهُ, {وَلَمَنْ صَبَرَ}, على مظلمته، وغفر وسامح مَن ظَلَمَهُ, {........إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[الشورى:43], مِن عزم الأمور؛ مِن الأمور  التي عزمها الله -تبارك وتعالى- أو مِن الأمور المعزومة، أي المؤكدة التي مَن فعلها؛ فقد كان ذو عزيمة، وذو قوة, كما قال النبي : «ليس الشديد بالصُّرْعة, إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»  فهذا مِن عزائم الأمر، أو مِن الأمور التي عزمها الله -تبارك وتعالى- على أوليائه وأحبائه بأن  يأخذوا بهذا الأمر {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[الشورى:43].

 \ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ........}[الشورى:44], مَن يضلله الله -تبارك وتعالى-,{ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ}, أين يكون له ولي يهديه، يرشده، يوفقه، ما له ولي دون الله -تبارك وتعالى-, إذا أراد الله -تبارك وتعالى- بعبد أنْ يضله، وكان حكم الله -تبارك وتعالى- فيه الإضلال؛ فهذا لا سبيل له، ما له أي ولي يمكن أنْ ينصره، أو يهديه مِن دون الله -تبارك وتعالى-, {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ........}[الشورى:44], مِن بعد الرب -تبارك وتعالى-؛ لأنَّ الله هو الذي بيده الأمور كلها -سبحانه وتعالى-, بيده المُلْك كله, حرم هذا الهداية إذن لا سبيل لأنْ يهتدي هذا الذي حرمه الله -تبارك وتعالى- مِن الهداية، وقد أخبر -سبحانه وتعالى- أنه لا يضل إلا مَن ضل عن سبيل الله -عز وجل-؛ فالذي انصرف وضل وزاغ عن سبيله، وكذب؛ فهذا يضله الله -تبارك وتعالى- كما قال -جلَّ وعَلا- : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[البقرة:6], {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[البقرة:7],  لأنهم كفروا، لأنهم كفروا قال : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}, ما دام أنه قد علم الصدق ولم يصدقه، وكفر به وجحده؛ فيعاقب هذه العقوبة, {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ........}[الشورى:44], مِن بعد الله -تبارك وتعالى- ,كيف يكون له ولي؟ {........وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:44], نقل الله -تبارك وتعالى- هنا المخاطبين بهذا القرآن إلى الصورة التي يكون عليها هؤلاء الظالمون يوم القيامة، قال: {وَتَرَى الظَّالِمِينَ}, أي يوم القيامة, {لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ},رأوا النار قد أتت، والعذاب، ورأوه هنا رأي عين، وليست رأي علم, إنما أصبح الآن معاينة, {يَقُولُونَ}, متندمين، متحسرين, {........هَلْ إلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:44], سؤال للتفجع والتوجع, {........هَلْ إلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:44], يسألون هذا السؤال متفجعين، متضرعين، ذليلين, {هَلْ إلى مَرَدٍّ}, أي للدنيا, {مِنْ سَبِيلٍ}, هل لنا فيه طريق ثانٍ نعود إلى الدنيا مرة ثانية، والحال أنَّ هذا سؤال ضائع، وأنه لا مرد ؛ فقد حكم الله -تبارك وتعالى- أنه لا رجوع إلى الدنيا مرة ثانية, هذا هو فترة واحدة, فرصة واحدة, هي فرصة مَن أضاعها؛ فقد أضاعها فرصة الحياة الدنيا لا تتكرر، ولا تعود، ولا يمكن لمن رسب في هذا الامتحان والاختبار أنْ يعاد له الاختبار مرة ثانية، وأنْ يعاد إلى الدنيا ليعمل؛ فيقول قول الكفار : {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}, فيقال لهم : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}, أما عمركم الله -تبارك وتعالى-, أعمركم في هذه الدنيا أعاشكم فيها عمركم, {مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}, ما يكفي للذكرى أربعين سنة، ومسين سنة، ستين سنة، مائة سنة, {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}, مِن الله -تبارك وتعالى-, {........فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}[فاطر:37], فقول هؤلاء الظالمين : {........هَلْ إلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:44],  قال -جلَّ وعَلا- : {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ........}[الشورى:45], {وَتَرَاهُمْ}, تنظر هؤلاء الكفار يوم القيامة الظالمين, {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا}, على النار, {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا}, هكذا يأتي ذرفات ليرونها, {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ}, الخشوع هو الخضوع والذلة, {مِنَ الذُّلِّ}, الذي ركبهم وتملكهم, {خَاشِعِينَ}, ذليلين حقيرين, كل عضو مِن أعضائهم قد خشع بمعنى أنه هبط، وذَلَّ إلى الأرض, {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}, ينظرون إلى جهنم، أو إلى أهل الإيمان عند انصرافهم إلى الجنة, {مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}, طرف؛ يسارقون النظر، وكأنه لا يريدون لأحد أنْ يعلم مسارقتهم للعذاب وخوفهم منه, {يَنْظُرُونَ}, أي إلى عذابهم -عياذًا بالله-، أو إلى المؤمنين الذين فارقوهم، وانتحوا إلى جهة اليمين عنهم, {مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}, قال -جلَّ وعَلا- : {........وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}[الشورى:45], عند ذلك يقول أهل الإيمان هؤلاء الذين كتب الله -تبارك وتعالى- لهم هذا الفوز المبين؛ جنته ورضوانه, يقولون : {إِنَّ الْخَاسِرِينَ}, بالتأكيد الخاسرين حقًا, الخسارة الحقيقية, {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}, خسروا أنفسهم بأنْ أوصلوها نار جهنم، وهذا خسر نفسه؛ لأنه في  النار لا يموت؛ فيستريح، ولا يحيا؛ فينتفع لا توجد حياة نافعة له، ولا يوجد موت يريحه, بل هو معذب أبدًا -عياذًا بالله-, باقٍ بحياته لكن حياة لا تنفعه معذب فيها ؛ فخسر نَفْسَهُ، وخسر أهله، أهله خسرهم إنْ كانوا معه في  النار؛ فهو خاسر لهم, لا ينتفع مَن في  النار بعضهم مع بعض, بل يلعن بعضهم بعضًا، وإنْ كانوا في الجنة؛ فقد خسرهم كذلك أنهم أصبحوا في الجنة وانقطعت صلته بهم، وصلتهم به, لا يمكن أن يرزقوه مِن رزق الجنة، ولا بشربة ماء, كما قال -تبارك وتعالى- : {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}[الأعراف:50], {قَالُوا}, ليس أهل الجنة الذين كانوا أغراب عنها, الذين يؤمنون لهم بل أهلهم كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- أنَّ الزوجة في  النار تنادي زوجها إذا كان مِن أهل الجنة؛ فتقول: أي زوجي أي زوجة كنت لك  أنها كانت له في  الدنيا مطيعة،  ونافعة، و، و، ويقول الابن لأبيه أي أبٍ أي ابن كنت لك في  الدنيا، والأخ لأخيه أي أخ كنت لك, أي  كانت لي جميل عظيم عليك في الدنيا, {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}, فيقولون : {.........إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}[الأعراف:50], لا يستفيد الكافر بأهله الذين هم في  الجنة لا يستفيدوا منهم شيء, ما ينفعهم بشيء، ولو كان ما كان حتى لو كان نبي؛ فإنه مَن كان مِن أهله في  النار؛ فإنهم لا يفيدونهم, كما في حديث العباس بن عبد المطلب -رضي الله تعالى عنه- أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال له : عمك أبوطالب كان يحوطك ويرعاك في مكة هل نفعته بشيء؟ فقال : نعم, قال النبي : «نعم إنَّ الله أخرجه بي مِن مكان في النار إلى مكان آخر هو في ضحضاح مِن النار»، ضحضاح، الضحضاخ هو الماء القليل  في نار قليلة، والنبي يقول: «أهون أهل النار عذابًا مَن توضع في أخمص قدمه جمرتان يغلى منهما رأسه», وأخبر إنَّ هذا عذاب أبو طالب, أنه يلبس قبقابين مِن النار يغلي منهما دماغه؛ فما أحد يستطيع أن يفيد أحد، {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}, يخسر نَفْسَهُ بأنْ أوردها النار، ويخسر أهله كذلك بأنهم إنْ كانوا في  النار؛ فخسرهم، وإنْ كانوا في  الجنة، وكذلك؛ فقد خسرهم, {إِنَّ الْخَاسِرِينَ}, مقالة أهل الإيمان, {........الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}[الشورى:45], إخبار الله -تبارك وتعالى-, {أَلا}, فاعلموا أيها الناس, {........إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}[الشورى:45], هذه الجملة الإخبارية, {إِنَّ}, بالتأكيد, {الظَّالِمِينَ}, الذين ظلموا أنفسهم, ما أحد يظلمه الله -تبارك وتعالى- إنما يظلم نَفْسِهُ؛ فمن أشرك بالله -تبارك وتعالى- وعصى الله -تبارك وتعالى- فقد ظلم نَفْسَهُ, {........أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}[الشورى:45], دائم, {عَذَابٍ مُقِيمٍ}, الإقامة هي ديمومة البقاء, أنه باقٍ بقاء لا ينقطع؛ فهذا العذاب, {مُقِيمٍ}, والله وصف العذاب هنا بأنه {مُقِيمٍ}, هنا، وكأنه إرادة لهذا العذاب, {........أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}[الشورى:45], أنه دائم عليهم، ولا ينتهي لا هم يخرجون مِن النار، ولا هذه النار تفنى عنهم، ولا يموتون؛ فيستريحون، بل هم في هذا العذاب أبدًا -عياذًا بالله-.

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ........}[الشورى:46], {وَمَا كَانَ لَهُمْ}, في هذا اليوم العصيب، العظيم, {مِنْ أَوْلِيَاءَ}, أحباب, أي صفة مِن صفات القرب تقوم لهم بها ولاية عند هؤلاء؛ لأنَّ الولي في لغة العرب هو مَن قام بينك وبينه صلة تجعله يواليك، وأنت تواليه؛ لذلك يسمون الأخ ولي والخادم، أو العبد ولي مولى هذا، والسيد مولى، والحليف مولى؛ فهذه كلها، وذلك للعلاقات  التي بينها في علاقات الأخوة، الحِلْف، السيد، العبد هؤلاء كلهم قامت علاقات تجعل كل منهم يوالي الآخر؛ فما فيه لهم ولي, أي ولي مِن الأولياء مِن حليف، أو مِن أخ، أو مِن قريب، أو مِن غيره يواليهم ليس لهم ما لَهُمْ مِن دون الله -تبارك وتعالى-, {مِنْ أَوْلِيَاءَ}, وكذلك آلهتهم  التي ظنوا أنها أولياء لهم؛ فإنها هذه الآلهة التي عُبِدَت مِن دون الله كلها تتخلى عنهم، كلها تتخلى عنهم, إنْ كان هؤلاء الأولياء هم مِن أهل طاعة الله -تبارك وتعالى- كالملائكة يتخلون عنهم، ويقولوا : أبدًا, قالوا : سبحانك ما كانوا إيانا يعبدون, {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}[سبأ:40], {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}[سبأ:41],  فهؤلاء يعبدون الجن ما بيعبدونا، وكذلك كل مَن عبد مِن دون الله -تبارك وتعالى- مِن أولياء الله -تبارك وتعالى- ينتفي ممن عبده, كما ينتفي  عيسى ممن عبده مِن دون الله -تبارك وتعالى-, {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ}, عندما يقول له الله : {........أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:116], {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المائدة:117], {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة:118], فهؤلاء الكافر لا ولي له مِن دون الله, الكافر الذي آتى الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة كافرًا؛ فهؤلاء يقول الله -تبارك وتعالى- : {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ........}[الشورى:46], {يَنصُرُونَهُمْ}, نصر؛ فيخرجونهم من هذه النار، يدخلونهم الجنة، يفعلون لهم أي خير لا نصر لهم, {يَنصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ}, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:46], {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ}, مَن يضلله الله -تبارك وتعالى-, {فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ}, أين يذهب؟ إذا كان الله -تبارك وتعالى- قد أضله؛ فالذي يضله الله -تبارك وتعالى- يعميه عن الطريق، يطمس قلبه؛ فلا يمكن أنْ يجد سبيلًا، لا يمكن أنْ يجد طريق للنجاة, {........وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:46].

بعد هذه الموعظة العظمى، والله -تبارك وتعالى- يطلعنا ما سيكون إليه الأمر هذا  الذي سيكون عليه الأمر يوم القيامة، قال -تبارك وتعالى- : {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ}, هذا يوم القيامة, {........يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:44], المتحسفين، المتأسفين, {.........هَلْ إلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:44], هل ممكن نرجع مرة ثانية, {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا}, على النار, {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}, يقول الله : {........أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}[الشورى:45], {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:46].

بعد هذا يأمر الله -تبارك وتعالى- عباده بعد هذا الموعظة يعظهم بعد هذا التذكير بما سيكون عليه الأمر يعظهم هنا؛ فيقول : {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ}[الشورى:47], {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ}[الشورى:48], بعد هذا :{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ}, أمر مِن الله -تبارك وتعالى- أجيبوا أمر ربكم، أطيعوه, {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ........}[الشورى:47], {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ }, يوم يوم القيامة, {لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ}, ما أحد يستطيع أنْ يرد هذا اليوم عندما يقول الله هذا يوم القيامة، ويأمر ملكه إسرافيل بالنفخ في  الصور, ما أحد يستطيع يرجع هذا اليوم مرة ثانية, يعيد ترتيب الكون مرة ثانية، لا انتهى هذا أمر لا بد أنْ يأتي، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}[الحاقة:13], {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}[الحاقة:14], {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الحاقة:15], يوم القيامة لا بد أن تقع؛ فما أحد يستطيع إنه يرد هذا اليوم، ويعيده، ويعيد حساباته يستحيل لأن هناك مِن أهل السموات والأرض مَن يرد مجي هذا اليوم, {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ........}[الشورى:47],  ما أحد يستطيع أنْ يقف ويرد هذا اليوم الذي أراده الله -تبارك وتعالى-, ثم قال -جلَّ وعَلا- {........مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ}[الشورى:47], لا مَلْجَأ تلجؤون إليه مهرب تهربون إليه؛ فتلتجئون فيه, {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ}, مَن ينكر لكم، ويقوم بالإنكار على هذا الأمر لماذا يتم هذا، ولما يدخل أهل النار دول، لما يكون هذا بل الكل  في هذا اليوم خائف، مستكين لله -تبارك وتعالى- مذعن، منقاد، وليس هناك من ينكر أمرًا مِن هذه الأمور.

نقف عند هذا، وسنعود إلى هذه الآيات -إنْ شاء الله- في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.