الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ}[الشورى:47], {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ}[الشورى:48], {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}[الشورى:49], {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}[الشورى:50], {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}[الشورى:51], {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52], {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إلى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ}[الشورى:53].
بعد أنْ بَيَّنَ الله -تبارك وتعالى- الحال التي يكون عليها الظالمون يوم القيامة, {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:44], {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}[الشورى:45], {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:46], بعد هذه الصورة المزرية البائسة لهؤلاء الظالمين، وهم يتحسرون ويتمنون أنْ يعودوا إلى الحياة الدنيا مرة ثانية, {........هَلْ إلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:44], {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا}, على النار, {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}, إليها, يسارقون النظر كذلك للمؤمنين، وهم منصرفون إلى جنة الله، ورضوانه, {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}, هذه الخسارة، هذه الخسارة الحقيقية, {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ}, بأنْ أوردوها النار، وخسروا أهلهم؛ فمن دخل الجنة؛ فقد انقطعت صلته بهم دخل معم النار؛ فهو يخسرهم كذلك لأنَّ أهل النار لا يشفق بعضهم على بعض، ولا يبكي بعضهم على بعض، بل كل في غمه وهمه وعذابه يلعن بعضهم بعضًا، قال -جلَّ وعَلا- : {........أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}[الشورى:45], ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى:46].
بعد هذا وجه الله -تبارك وتعالى- نداؤه وأمره -سبحانه وتعالى- إلى العباد؛ فقال : {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ........}[الشورى:47], {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ}, أجيبوا أمر ربكم بما يأمركم به مِن الإيمان، والعمل الصالح، والسير في صراطه المستقيم, {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ}, هو يوم القيامة, {لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ}, لا يستطيع أحد أنْ يرد مجيء هذا اليوم سيأتي، سيأتي، ولا بد لأنه قضاء الله الحتم الذي لابد أنْ يكون, {........مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ}[الشورى:47], {مَا لَكُمْ}, أيها الناس, {مِنْ مَلْجَإٍ}, مهرب تهربون إليه، وتلجؤون إليه لا في قنة جبل، ولا في غار في الأرض، ولا هناك أي مكان الناس يبعثون يوم القيامة بارزون، {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ.......}[غافر:16], لا يوجد أحد في هذا اليوم يخفي على الله -تبارك وتعالى-, بل هم كلهم بارزون في صعيد واحد ينفذهم البصر، ويسمعهم المتكلم أي متكلم يسمع منه الجميع، والكل ينفذهم البصر، وهم محصورون، وقد حفت بهم الملائكة مِن كل مكان لا مهرب, لا يوجد مهرب لأحد, {مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ}, تلجئون إليه, {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ}, ممن ينكر ويغير ما عليه أهل الكفر مِن العذاب في هذا اليوم الآخر, لا أحد ينكر على ما هم فيه مِن العذاب والنكال, {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ}, قال -جلَّ وعَلا- : {فَإِنْ أَعْرَضُوا}, عن دعوة الله -تبارك وتعالى- وأمره هذا بالاستجابة, {أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}, فما أرسلناك أيها النبي, {عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}, متحفظًا على أعمالهم، ومسيطرًا عليهم، وآمرًا لهم الأمر الذي كونى، قَدَرِي لا ينفكون عنه، لا, {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ}, إنما أنت مُبَلِّغٌ فقط الذي كلفك الله -تبارك وتعالى- به لهؤلاء، للناس كلهم أنْ تبلغهم رسالة الله -تبارك وتعالى-, وهي إيصال هذه الرسالة بَيِّنَة، واضحة لا لبس فيها، ولا غموض, {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ}, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ}[الشورى:48], حال الإنسان الكافر أنه في حال النعمة، وفي حال النقمة حاله في غاية السوء, {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا}, من الله -تبارك وتعالى- {رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا}, فرح بها، وظن أن هذه له، وأنها استحقاق وجدارة له، وظن أنَّ هذه كذلك نهاية المطاف، ونهاية الأحزان فرح بهذه النعمة، واطمأن لها علمًا أنها رحمة الله -تبارك وتعالى- وإنعام الله -عزَ وجلَّ- على عباده في هذه الدنيا هذا أمر للاختبار والامتحان، وهو أمر وقتي ليس دائمًا، وليس باقيًا لكن هذا الكافر يظن أنَّ هذه النعمة هي يفرح بهذه، ويركن إليها، ويدع ما سواها، يدع الأمر الإلهي والنهي، وينسى أن هناك يومًا يقف فيه بين يدي الله -تبارك وتعالى-, {........وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ}[الشورى:48], {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}, مِن مرض، مِن آفة، مِن غير ذلك, {سَيِّئَةٌ}, أمر يسوؤهم مِن شرور هذه الدنيا، والله يقول : {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}, فإنَّ الله تبارك وتعالى- لا يصيب بالسيئة إبتداءً، وإنما بذنوب لا تقع لا تقع مصيبة في الأرض إلا بذنب, {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}, أي مِن السيئات, {فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ}, الإنسان حاله، الإنسان, {كَفُورٌ}, يكفر بالله -تبارك وتعالى- وييأس ويقنط، ويتسخط على ربه وإلهه ومولاه -سبحانه وتعالى-, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ........}[الشورى:49], لله لا لغيره -سبحانه وتعالى-, {مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}, يملكها الله -تبارك وتعالى- {السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}, ذاتًا؛ فهو خالقها -سبحانه وتعالى- ويملكها تصريفًا؛ فهو المتصرف فيها -سبحانه وتعالى- كل أنواع التصريف، كل أنواع التصريف في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إنما هي له -سبحانه وتعالى- شروقًا، وأُفُولًا لهذه النجوم، وخلقًا، واستقرارًا وتحولًا كل هذا بيده -سبحانه وتعالى-, {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ........}[الشورى:49], يخلق مِن الخَلْق, {مَا يَشَاءُ}, -سبحانه وتعالى-؛ فقد خَلَقَ الملائكة مِن نور، وخَلَقَ الجان مِن مارج مِن نار، وخَلَقَ الإنسان مِن هذه الطين، وخَلَقَ كل دابة مِن ماء, خَلق ما يشاء -سبحانه وتعالى- مِن الملائكة والإنس والجِنَّ والحيوان والنبات، وهذه المخلوقات العظيمة التي لا يحصي عدها ولا أشكالها إلا الله -تبارك وتعالى-, {........يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}[الشورى:49], فهذا كذلك مِن خَلْقِهِ وعطائه -سبحانه وتعالى-, {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا}, فيجعل نصيبه مِن الذرية الإناث, {وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}, وقال أنها هبة لأنَّ هذا عطاء مِن الله -تبارك وتعالى-, {وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}, قيل قُدِّمَ الإناث على الذكور هنا؛ لأنهن لعمل الآخرة أفضل مَن ابتلي بهذه البنات، وأدبهن وأحسن تربيتهن، وعملهن كن له سترًا مِن النار، ولما كُنَّ لعمل الآخرة أولى وأفضل قُدِّمْنَ في هذا بغير الذكور التي قد يُفْتَن بها آبائها؛ فإنَّ المال والبنون زينة الحياة الدنيا قد تكون هذا فتنة له في الدنيا، وليس فيها مِن الأجر والثواب ما في تربية البنات وفي تعليمهن, {........يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}[الشورى:49], {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا........}[الشورى:50], فيهب ويرزق بعض عباده -سبحانه وتعالى- بأنْ يجعل بعض أولاده ذكران، وبعضهن إناثًا, {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا........}[الشورى:50], يجعل مَن يشاء أي مِن الذكور, {عَقِيمًا}, لا يولد له, {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}, في هذه التوزيع، في توزيع هبته، ورحمته -سبحانه وتعالى- على خلقه؛ فهو {عَلِيمٌ}, بخلقه, {قَدِيرٌ}, -سبحانه وتعالى- على ما يشاء؛ فهذه لحكم يعلمها -سبحانه وتعالى- يعطى هذا، ويعطي هذا, هذا اختبار وفتنة -سبحانه وتعالى- وقد يكون رحمة لهذا على نحو هذا كما جاء في سورة الكهف ذلك العبد الصالح الذي أخذ الله -تبارك وتعالى- ولده عن طريق الخضر، وأبدله بدلًا منها جارية كما قال بن عباس قال : {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا}[الكهف:81], قال : {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}[الكهف:80], {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا}[الكهف:81], فهذا قال بن عباس -رضي الله تعالى عنه- أنه لما قُتِلَ له هذا الغلام أبدله الله -تبارك وتعالى- عنه بجارية؛ فكان هذا رحمة له مِن الله -تبارك وتعالى- فإعطاء الذكور، وإعطاء الإناث، وإعطاء الذكور مع الإناث، وجَعْلُ مَن يشاء الله -تبارك وتعالى- عقيم كل هذا لعلمه بِخَلْقِهِ -سبحانه وتعالى- ولحكمة يعلمها، ولبيان قدرته -سبحانه وتعالى- على الخَلْقِ, هذا مِن قدرة الله -تبارك وتعالى- على الخَلْقِ؛ فأصل خَلْق الذكر والأنثى إنما هو مِن بيان عظمة الله -تبارك وتعالى- وقدرته, {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}[الليل:1], {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}[الليل:2], {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}[الليل:3], {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}[الليل:4], فهذا مِن عِلْمِهِ وقدرته -سبحانه وتعالى-, ومِن توزيع هباته على خَلْقِهِ حكمةً منه، وقدرةً منه -سبحانه وتعالى-, هذا يشكر، وهذا يصبر، وهذا يحتسب هذا الأمر، وهذا يعلم أنَّ هذا قد أصيب بهذا الأمر× فهو عقيم لأمر، لحكمة يريدها الله -تبارك وتعالى-, والكل إنما هو خَلق الله -تبارك وتعالى- الله خَلَقَ الخَلْق كلهم يملكهم، ويملك تصريفهم -سبحانه وتعالى-.
ثم بين عطاؤه الأكبر -سبحانه وتعالى- ونعمته الكبرى على عباده، وهو هذا الوحي المنزل منه -سبحانه وتعالى-, قال : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}[الشورى:51], {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا........}[الشورى:51], أنْ يكلمه الله، وهو في هذه الحياة, {إِلَّا وَحْيًا}, منه -سبحانه وتعالى- لا يكلمه كفاحًا يرى الله -تبارك وتعالى-, ويراه العبد يرى الله -تبارك وتعالى-, وإنما يكلمه الله -تبارك وتعالى- مِن خلف حجاب, {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا........}[الشورى:51], أنْ يكلمه الله حال كون هذا الكلام وحي يوحى به -سبحانه وتعالى-, والوحي هو في لغة العرب الإعلام بطريق خفي أنْ يعلمه الله -تبارك وتعالى- بطريق خفي عن الآخرين؛ فقد يأتيه كلام الله -تبارك وتعالى- وحوله الآخرون لا يسمعون هذا الكلام, كما كان النبي -صلوات الله والسلام عليه- يوحى إليه، وهو بين أصحابه؛ فتأخذه البُرَحَاء، ويتفصد جبينه عرقًا، ويسمع ما يقوله الوحي، ومَن حوله لا يسمعون، ويكون هذا أشد أنواع الوحى يقول: يأتيني أحيانًا مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي؛ فهو يأتي يصوت قوي مثل صلصلة الجرس يسمعه النبي -صلى الله وسلم-, ولا يسمعه مَن حوله, {إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}, {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}, فيسمع كلام الله -تبارك وتعالى-, {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}, وحي يكون عن طريق المَلَك, {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}, كذلك يكلمه الله -تبارك وتعالى- كما كلم الله -تبارك وتعالى- موسى, {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}, فإنه سمع كلام الله -تبارك وتعالى-, ولم يرَ الله -جلَّ وعَلا-, وكما كلم كذلك الرب -تبارك وتعالى- نبينا محمد -صلوات الله والسلام عليه- الأنبياء المُكَلَّمُونَ آدم نبى مُكَلَّم، وموسى عليه السلام كليم الله، ومحمد بن عبد الله خاتم الرسل، ومَن كلمه الله -تبارك وتعالى- ورفعه إليه في السماء، عُرِجَ به إلى فوق السماء السابعة ليسمع كلام الله -تبارك وتعالى- وكان مِن كلام الله له أنْ فرض عليه، وعلى أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة, ثم جعلها الله -تبارك وتعالى- بعد طلب النبي، وشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم- خمسًا، وقال : (يا محمد هي خمس في العمل خمسون في الأجر ما يبدل القول لدي), فهذا كلام الله -تبارك وتعالى- الذي سمعه النبي, {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}, على الصحيح وأنه لم يرَ ربه ليلة المعراج بعيني رأسه، وقد سأله أبو ذر -رضي الله تعالى عنه-، قال له : يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال : (نور أنَّى أراه), يسئله أهل في ليلة المعراج هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنَّى أراه، أنا أراه كيف أراه، وحجابه النور؛ فهو {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}, وقد جاء في هذا الحجاب أنَّ الله -تبارك وتعالى- احتجب بعظمته -سبحانه وتعالى- عن خَلْقِهِ، وقال النبي : حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهي إليه بصره مِن خلقه -سبحانه وتعالى- فهو الرب العظيم المحتجب عن خَلْقِهِ -سبحانه وتعالى- بحجابه العظيم, {إِلَّا وَحْيًا}, أي يرسل الملك، وأحيانًا يكون هذا المَلَك يتمثل للرسول كصورة البشر فيكلمه كما في حديث سعد بن هشام أنه سأل في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنه كيف يأتيه الوحي, سأل عائشة كيف يأتيه الوحي، وقال: إنها سألت النبي -صلى الله وسلم- وقال : «يأتيني أحيانًا مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، ويفصم عني، وقد وعيت ما قال»، وقال : «أحيانًا يتمثل لي المَلَك رجلًا فيكلمني», {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ........}[الشورى:51], {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}, أي لهذا النبي, {فَيُوحِيَ}, أي الرسول, {بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}, كما أرسل جبريل -عليه السلام- سفيرًا منه -سبحانه وتعالى- إلى الرسل يكلمهم، وكان آخر هؤلاء الرسل نبينا محمد -صلوات الله والسلام عليه-, يتنزل عليه جبريل بوحي الله -تبارك وتعالى- صباحًا مساءً، وكان ينزل عليه في كل ليلة مِن ليالي رمضان؛ فيدارسه القرآن, {.......فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}[الشورى:51], {إِنَّهُ}, الله -تبارك وتعالى-, {عَلِيٌّ}, على خَلْقِهِ -سبحانه وتعالى-, {عَلِيٌّ}, على خَلْقِهِ -سبحانه وتعالى-؛ فهو بذاته فوق عرشه، مستوىٍ على عرشه -سبحانه وتعالى-, وعرشه سقف هذه المخلوقات جميعًا, {حَكِيمٌ}, يضع كل أمر في نصابه, له العلم التام الذي يضع كل أمر في نصابه، ومِن حكمته -سبحانه وتعالى- علوه على خَلْقِهِ -سبحانه وتعالى-, واحتجابه بعظمته وكبريائه -سبحانه وتعالى- على جميع الخَلْق، وهذه صورة وحيه -سبحانه وتعالى- لعباده مِن الرسل والأنبياء.
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا........}[الشورى:52], {كَذَلِكَ}, هذا الوحي النازل عليك، وبهذه صور الوحي التي اختارها الله -تبارك وتعالى-, {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}, أوحينا إليك روحا{أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا}، وهو القرآن, سماه الله تبارك وتعالى- {رُوحًا}, وذلك أنه هو الروح الحقيقي، هو الذي يحي الله -تبارك وتعالى- به موات القلوب الإنسان يكون ميت لا يعرف إلهه وخالقه ومولاه، ولا يدرى الطريق، ولا يعرف هذا في الظلمات؛ فإذا بهذا القرآن يحيه وينشؤه ويريه الطريق إلى الله -تبارك وتعالى-, {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:122], {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا}, بالكفر, {فَأَحْيَيْنَاهُ}, بالإيمان, {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا}, نور الهداية، ونور الوحي, {يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ}, هذا الكافر, {لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}, {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا........}[الشورى:52], القرآن, {مِنْ أَمْرِنَا}, هذا مِن أمر الله -تبارك وتعالى-؛ فهذه أوامر الله -تبارك وتعالى- هذه النازلة مِن الله -تبارك وتعالى- روح يحي الله -تبارك وتعالى- بها موات القلوب، قال -جلَّ وعَلا- : {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ}, قال الله لنبيه : {مَا كُنْتَ تَدْرِي},قبل أنْ ينزل هذا الوحي الإلهي, قرآن الله -تبارك وتعالى- على النبي بهذا الوحي, {مَا كُنْتَ تَدْرِي}, يا محمد, {مَا الْكِتَابُ}, جنس الكتب، كل الكتب المنزلة مِن الله -تبارك وتعالى- لا يعرف الكتب المنزلة مِن الله -تبارك وتعالى-؛ فقد كان أُمِّيًا لم يقرأ، ولم يكتب، ولم يعرف عن أحوال الرسالات السابقة شيئًا, {مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ}, ولا معاني الإيمان بالله -تبارك وتعالى- واليوم الآخر، وما هي صفات الله -تبارك وتعالى-؛ فإنه كان غائبًا عن كل هذه المعاني, كما قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله : {وَالضُّحَى}[الضحى:1], {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}[الضحى:2], {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}[الضحى:3], {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى}[الضحى:4], {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرضي}[الضحى:5], {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}[الضحى:6], {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}[الضحى:7], {وَوَجَدَكَ ضَالًّا}, عن هذه الحقائق؛ فهداك إلى طريق الإيمان, {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا}, جعلنا هذا الوحي الكتاب نور، نور هداية للعالمين، ونور توفيق للمؤمنين، نور يستضاء به؛ فهو يكشف كل الحقائق، يكشف كل الحقائق، وهي حقائق الدين والهُدَى، وكذلك يكشف كل طريق وسبيل المجرمين مِن الكفر والشِّرك؛ فإنه يضيء كل شيء حتى يظهر في ضوئه, كل الحقائق تظهر في ضوء هذا القرآن الكريم, {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}, نهدي بهذا القرآن هداية توفيق إلى الطريق, {مَنْ نَشَاءُ}, مَن يختارهم الله -تبارك وتعالى- ويشاء الله هدايتهم, {........مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52], القرآن النازل مِن الله -تبارك وتعالى- نور للعالمين، والله -تبارك وتعالى- يهدي به قلوب المؤمنين، والنبي -صلوات الله عليه وسلم- يهدي إلى صراط مستقيم، يهدي يرشد؛ فالله -تبارك وتعالى- أنزل هذا النور للكل، كما قال -جلَّ وعَلا- : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ........}[البقرة:185], {هُدًى لِلنَّاسِ}, جميعًا؛ فهو هداية للناس جميعًا, {وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}, ولكن هذا الهدى للناس الله -تبارك وتعالى- يهدي به، ويدخله -سبحانه وتعالى- في قلوب مَن شاء مِن عباده المؤمنين، كما قال في القرآن : {الم}[البقرة:1], {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة:2], هداية للمتقين، قال : {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}[الإسراء:82], وقال : {........قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[فصلت:44], فهذا القرآن هداية للكل، ونور يكشف الله -تبارك وتعالى- به كل الحقائق، ويهدي الله -تبارك وتعالى- به المؤمنين إلى الطريق، وقال لرسوله : {........وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52], {وَإِنَّكَ}, لمحمد, {لَتَهْدِي}, هنا تهدي ليس توفق، وإنما ترشد وتبين, {إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}, وذلك أنَّ النبي لا يهدي هداية التوفيق، وإنما هداية التوفيق والتحول مِن الكفر إلى الإيمان هذا بيد الله -تبارك وتعالى- وحده، وهذا مِن التصريف الذي ليس لأحد إنما هو لله -تبارك وتعالى-, كما قال الله لرسوله : {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ........}[القصص:56], فَمَن أحببت أنت هدايته لا تستطيع أنْ تهديه، وإنما هذا الهدى إنما هو بيد الله -تبارك وتعالى-, {وَإِنَّكَ}, الخطاب للنبي -صلوات الله والسلام عليه-, {لَتَهْدِي}, ترشد وتُبَيِّن, {إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}, فالنبي قائم ليرشد الناس، ويدعوا الناس إلى الدخول في هذا الصراط، وهو يقول أيها الناس هذا صراط الله -تبارك وتعالى- ادخلوا فيه ولا تعوجوا, {........وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ}[الشورى:52], الصراط هو الطريق, {مُسْتَقِيمٍ}, قَيِّم, مستقيم على الله -تبارك وتعالى-, قال الله -تبارك وتعالى- : {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ}[الحجر:41], وهو مستقيم إلى الله -تبارك وتعالى- إلى جنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه، والفوز بمحبته -سبحانه وتعالى- مَن سار فيه، وأما مَن خرج عنه، وتَنَكَّبَ عنه؛ فإنها تؤدي إلى الجحيم, ليس إلا صراط واحد يؤدي إلى جنة الله ورضوانه، والصرط الأخرى كل طريق غير هذا الطريق هو مؤدٍ حتمًا إلى الهاوية, {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام:153], {........وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52].
ثم عرف الله -تبارك وتعالى- هذا الصراط؛ فقال : {صِرَاطِ اللَّهِ}, الصراط منسوب إلى الله؛ وذلك أنَّ الله -تبارك وتعالى- هو الذي أبانه ورسمه، وحد حدوده، وبَيَّنَ شرائعه، وبَيَّنَ فيه كل ما ينبغي على المسلم أنْ يفعله بدءً مِن قص الأظافر، وخصال الفطرة إلى نهاية بأشرف الأعمال, عبادة الله -تبارك وتعالى- ومحبته ورضوانه وبيان أسماءه وصفاته، والعمل بمقتضى أسماءه وصفاته كل هذا قد أبانه الله -تبارك وتعالى-؛ فالصراط مِن أوله إلى آخره قد أوضحه الله هذا صراط الله -تبارك وتعالى- هذا صراط اللَّه النبي يدعوا, {........وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52], {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ........}[الشورى:53], {اللَّهِ}, الموصوف أنه, {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}, كل هذا المُلْك في السموات والأرض كلها له, {لَهُ}, يملكها يملك رقبتها, ذواتها يملكها الله -تبارك وتعالى-؛ فهو خالقها, ويملك تصريفه لا يخرج شيء عن أمره, {ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11], {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا........}[فصلت:12], إلى يوم القيامة ما الذي يجب على هذه السماء أنْ تفعله, كل هذا بالدقة قد أوحاه الله -تبارك وتعالى- يوم خلقها ما تخرج, {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ}[الانشقاق:1], {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق:2], {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ}[الانشقاق:3], {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ}[الانشقاق:4], {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق:5], كل هذه المخلوقات سامعة لأمر الله -تبارك وتعالى- مطيعة، مذعنة له، وعابدة له, {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}[الحج:18], فهذا الصراط الذي يدعو إليه, {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إلى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ}[الشورى:53], {أَلا}, اعلموا أيها الخَلْق أنه {إلى اللَّهِ}, لا إلى غيره, {تَصِيرُ الأُمُورُ}, في نهاية الأمر الأمور كلها ترجع إلى الله -تبارك وتعالى- تُسَلَّم إلى الله، ويسلم له الجميع، ويحكم الله -تبارك وتعالى- بحكمه في الجميع فريق في الجنة، وفريق في السعير؛ فالحكم له وحده -سبحانه وتعالى-؛ وذلك أنَّ الأمور كلها صائرة إليه، وهو الحاكم فيها -سبحانه وتعالى-, نسأل الله -تبارك وتعالى- بأسماءه الحسنى، وصفاته العلى أنْ يُصَرِّفَ أمرنا إليه -سبحانه وتعالى-, وأنْ يجعلنا مِن الذين يؤمنون به، وأنْ يجعل عاقبتنا في هذا الصراط أنْ نلقاه -سبحانه وتعالى- ونحن مؤمنون به، مذعنون له.
أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.