الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (601) - سورة الزخرف 1-14

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده والرسول الأمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم، {حم}[الزخرف:1] {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}[الزخرف:2] {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[الزخرف:3] {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}[الزخرف:4] {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ}[الزخرف:5] {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ}[الزخرف:6] {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}[الزخرف:7] {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ}[الزخرف:8] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[الزخرف:9] {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الزخرف:10] {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}[الزخرف:11] {وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ}[الزخرف:12] {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}[الزخرف:13] {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}[الزخرف:14]، هذه سورة الزُخرُف؛ وهي سورة مكية، بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بهذين الحرفين المُقطَّعين؛ {حم}[الزخرف:1]، فهي أحد الحواميم السبعة، ثم أقسَم الله -تبارك وتعالى- بالقرآن فقال {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}[الزخرف:2]، قسَم من الله -تبارك وتعالى- بالكتاب، الكتاب هو القرآن، وهو كتاب لأن الله -تبارك وتعالى- كتَبَه في السماء، ووصف الله -تبارك وتعالى- هذا الكتاب المكتوب في السماء، المُنزَّل في الأرض ليكون كتابًا لله -تبارك وتعالى- مكتوبًا ومقروءًا في الأرض، وصَفَه بأنه المبين، المبين من بانَ أي البيِّن الواضح، الذي لا شُبهة فيه ولا غموض فيه، وكذلك من أبان لأنه مُبيِّن لكل ما نزَلَ له هذه الكتاب، وقد نزَلَ هذا الكتاب مُبيِّنًا لكل شيء كما قال -جل وعلا- {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، فهو تبيان لكل شيء مما تحتاجه الأمة لتعرف طريق صراط الله المستقيم والطريق إليه، وتعرف الخير والشر، وتعرف ما في السماوات وما في الأرض، فإن الله -تبارك وتعالى- أبان فيه كل الأشياء، كل ما يحتاجه الناس ليسلكوا صراط الرب -تبارك وتعالىى- ويكونوا عبادًا صالحين لله -تبارك وتعالى-، فهو لإنشاء العبد الصالح والأمة الصالحة.

{وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}[الزخرف:2]، أقسَم الله -تبارك وتعالى- به، وجاء المُقسَم عليه قال {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ........}[الزخرف:3]، إنا جعلناه؛ صيَّره الله -تبارك وتعالى- وأنزَلَه بهذه الصفة حال كونه قرآنًا عربيًا، بلغة العرب؛ أفصح الألسنة، وأبينها، وأشرفها، وأعلاها، فالعربية أغنى اللغات؛ وأبينها، وأظهرها، {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[الزخرف:3]، لعلكم تعقولن أيها المخاطبون، تعقلون عن الله -تبارك وتعالى- أن جاء بهذه اللغة البيِّنة؛ الواضحة، الفصيحة، التي تُظهِر الأشياء ولا تختلط فيها الأمور، فهي لغة غنية مُفصَّلة، اختارها الله -تبارك وتعالى- ليكون كتابه الأخير بها، ويكون نذيرًا للعالمين على مدار العصور إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[الزخرف:3]، عن الله -تبارك وتعالى-، تفهمون وتعقلون ماذا يُريد الله -تبارك وتعالى- منكم، وتعقلون الطريق إلى الله -سبحانه وتعالى-.

 {وَإِنَّهُ}، هذا القرآن، {........ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}[الزخرف:4]، {فِي أُمِّ الْكِتَابِ}، أم الشيء؛ أصله، أصل الكتب كلها؛ وهو اللوح المحفوظ، كما قال -تبارك وتعالى- {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}[البروج:21] {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}[البروج:22]، في اللوح المحفوظ الذي كتب الله -تبارك وتعالى- فيه مقادير كل شيء، فالقرآن أساسَا في اللوح المحفوظ، {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا ........}[الزخرف:4]، عند الله -تبارك وتعالى-، {لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}، كتاب علي وحكيم، كتاب علي يعني منزِلة ومقامًا؛ وكذلك نزولًا في سماء الرب -تبارك وتعالى- في اللوح المحفوظ، حكيم؛ يضع كل أمر في نصابه، فهو كتاب مُحكَم بكل معاني الإحكام، أحكَمَه الله -تبارك وتعالى- كما قال {........ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[هود:1]، فهو كتاب الله الحكيم، المُنزَّل من عند الله -تبارك وتعالى- الحكيم، وقال عنه أيضًا {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:42]، فهو تنزيل الله -تبارك وتعالى- الحكيم الحميد،  {وَإِنَّهُ}، أي القرآن، {........ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}[الزخرف:4]، هذا المُقسَم عليه، أقسَم الله بالقرآن وأنه أنزَلَه على هذه الصفة لعباده لعلهم يعقلون، وأنه بهذه الصفة من المكانة والسمو؛ وكذلك من الحكمة.

ثم قال -جل وعلا- {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ}[الزخرف:5]، سؤال يُراد به الإنكار لهؤلاء الذين ظنوا أنه لا شِرعة ولا دين، وأن الله -تبارك وتعالى- يُخلِّيهم على ما هم عليه، وأن هذه الحياة فقط إنما هي أرحام تدفع وأرض تبلع في النهاية، وأنهم يُريدون أن يعيشوا كما يشاؤوا ويشرعوا لأنفسهم ما يشاؤوا؛ هذا كان حال العرب، ويعتقدوا لأنفهسم ما يشاؤوا، وهم مُسرِفون في كل شيء، وهناك عقائد فاسدة اعتقدوها في أنفسهم، وأن الله هو خالق السماوات والأرض ولكنه تزوَّج بالجن، تعالى الله عن ذلك، وولِدَ له الملائكة؛ والملائكة بناته، وأنه يتقرَّبون بهؤلاء الملائكة ليُغدِق الله -تبارك وتعالى- عليهم النِعَم في هذه الأرض، وأنهم إذا ماتوا بعد ذلك فلا هناك حساب ولا نشور، وأنهم في هذه الدنيا يشرَعون ما يشاؤوا لأنفسهم كيفما يشاؤوا، فقد كانوا مُسرِفين في كل شيء، مُسرِفين بالباطل في عقائدهم وفي مسالكهم، قال الله -جل وعلا- {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا ........}[الزخرف:5]، نضرب عنكم الذِّكر صفحًا أي نترككم فلا تؤمرون ولا تُنهَون، وتُتركون في عقائدكم الفاسدة؛ وكفركم، وعنادكم، وأعمالكم التي تعملونها بالكذب والزور وتنسبونها إلى الله -تبارك وتعالى-، {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ}[الزخرف:5]، وأنتم قوم مُسرِفين فيترككم الله؛ ويُخلِّيكم، ولا يُنذِركم، ولا يُقيم حُجَّته عليكم فيُنزِل عليكم كتاب يُبيِّن لكم طريقه، حتى يهتدي منكم مَن يهتدي ويضِل مَن يضِل فتُقام عليه الحُجَّة بعد ذلك ويأخذ عِقابه، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:115] {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}، {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ}[التين:7] {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}[التين:8]، فالله هو أحكم الحاكمين -سبحانه وتعالى-، ولا يمكن أن يُخلِّي الناس هكذا؛ في لهوهم، وإسرافهم في المعاصي، ويُخلِّيهم لا يأمرهم ولا ينهاهم، {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ}[الزخرف:5].

قال -جل وعلا- {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ}[الزخرف:6] {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}[الزخرف:7]، وكم؛ كثيرًا، كم العددية التكثيرية، كم يعني الله يقول كثيرًا، {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ}[الزخرف:6]، يعني أرسل الله -تبارك وتعالى- أنبياء كثيرين في الأمم السابقة، قال -جل وعلا- {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}[الزخرف:7]، ما كانت أكثر هذه الأمم يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون، ما جاء أمة رسول إلا استهزأ به الكفار والمجرمون منهم، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}[الأنعام:123]، فأكابر المجرمين في كل قرية كانوا يمكرون بها، ومن مكرهم استهزائهم بالرسل وردِّهم دعوة الرسل، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ........}[الفرقان:31]، كل نبي كان له عدو من المجرمين، {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}، فكل أمة جائها رسولها استهزأوا به، أنت لماذا أرسلك لله -تبارك وتعالى-؟ أما وجد الله غيرك يُرسِله؟ لما لم يُرسِل الله -تبارك وتعالى- لنا ملَك؟ أنت كذَّاب، أنت شاعر، كان هذا أبدًا، {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}[الذاريات:52]، فيقولون ساحر أو مجنون، {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}[الذاريات:53]، وكأنهم تواصوا جميعًا أنهم يا جماعة إذا جائكم رسول قولوا له هذا؛ قولوا أنت ساحر، قولوا أنت مجنون، {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}[الزخرف:7].

قال -جل وعلا- {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ}[الزخرف:8]، {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ}، من هؤلاء المُخاطَبين؛ العرب، قريش والعرب أهلك الله -تبارك وتعالى- أشد منهم بطشًا، بطش؛ قوة، وإنزال قوتهم وعقوبتهم بمَن يغلبونهم، فهم أهل قوة وبطش ومع ذلك الله -تبارك وتعالى- أهلكهم، كقوم نوح كانوا في الأرض منهم، وعاد التي كانت تفتخر بقوتها وتقول مَن أشد مِنَّا قوة، وثمود الذي جابوا الصخر بالواد، وبنوا وحفروا الجبال، وفعلوا، وفعلوا ...، وفرعون؛ فإنهم قوتهم، وبطشهم، وبنائهم، وعملهم كان أمرًا عظيمًا، فأين قوة العرب ومال لها مما كان من هذه الأمم السابقة، {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا ........}[الزخرف:8]، ثم قال -جل وعلا- {وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ}، مضى مثلهم في ما قصَّه الله -تبارك وتعالى-، فقد قصَّ لنا أحوال هؤلاء المُكذِّبين؛ من قوم نوح، ومن عاد، وثمود، والمؤتفكات، وقرى لوط، وقوم فرعون، خلاص الله يقول {وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ}، قد رأيتم وقصصنا عليكم أمثالهم، {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[الزخرف:9]، بدأ الله -تبارك وتعالى- يبيِّن سخافة عقول مشركي العرب؛ وتناقضهم في عقائدهم، وخلطهم خلطة عجيبة من هذه العقائد، فأمور مُتلازمة يفكُّون بين الملزوم واللازم، فأولًا {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[الزخرف:9]، لو سُئلوا عن خلْق هذه السماوات والأرض؛ الأرض التي يعيشون فوقها، والسماء التي يستظلون بها، إذا سُئلوا مَن خلق السماوات والأرض؛ الأرض هذه التي أنتم عليها، والسماء التي تُظِلكم، ليقولُن؛ بالتأكيد، {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}، فيصفون الله -تبارك وتعالى- بأنه العزيز؛ الغالب، الذي لا يغلبه أحد، العليم بكل خلْقِه، العليم بهذا الخلْق، انظر نسبتهم وهذا من الحق الذي لا شك فيه؛ وهم يؤمنون به، ويُقِرون به، ويقولونه.

بيَّن الله -تبارك وتعالى- أيضًا من صفة هذا الرب العزيز العليم قال {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الزخرف:10]، هذه تفاصيل من تفاصيل خلْقِه وإنعامه -سبحانه وتعالى-، {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا}، هذه الأرض التي خلقَها جعلها ممهدة لكم؛ مستوية، مُمهدة لتقوموا عليها؛ تزرعون في سهولها المُنبسطة، تسيرون فيها، تُقيمون فيها مُدنكم، {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا}، مثل المهد، المهد هو ما يُمهَّد من الفراش للصبي الصغير، فالله جعلها كأنها مهد مُمهَّد لكم لتعيشوا عليها، {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا}، جعل لكم سُبُل بين الجبال، فلم يجعل الجبال عندما أنزلها الله -تبارك وتعالى- سلسلة واحدة متصل بعضها ببعض وعالية فتصير وعِرة؛ ما يمكن اختراقها إلا عن طريق صعود قمم الجبال ويكون هذا فيه عُسْر، ولكن جبل هنا وجبل هنا وجبل هنا وهناك طرائق بين هذه الجبال، {........ وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الزخرف:10]، يعني إلى مسالك هذه الدنيا وطرائقها.

{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}[الزخرف:11]، هذا الرب الإله -سبحانه وتعالى- الذي خلَق لكم السماوات والأرض انظروا ماذا جعل لكم فيها، فمن خلْقِه كذلك أنه هو الذي نزَّل من السماء ماء؛ ماء المطر، وبقدر؛ بقدر مُعيَّن لتتم به المنافع العظيمة على هذه الأرض، فلوا أنزله أكثر مما هو كائن من الغزارة لأغرق الأرض وفسدت الحياة، ولو كان قليلًا شحيحًا كذلك لكذلك أصبح النفع به قليل، وإنما قدَّره الله -تبارك وتعالى- على سطح هذه الأرض بمقادير عظيمة، عندما ينظر الإنسان الناظر كيف أنه في وسط الأرض وما يُسمَّى الآن بخط الاستواء مطر دائم، وذلك أن هذه الأماكن لو لم يكن فيها المطر الدائم لاحترقت؛ وأصبحت يعسُر فيها الحياة، وهنا أماكن فيها مطر في الشتاء، وأماكن فيها مطر في الصيف، وأماكن هنا، وأماكن هنا ...، توزيع هذا المطر على هذا النحو ونزوله بقدَر، بقدَر كمية المطر، وكذلك بقدَر توزيع المطر على هذه الأرض، كما قال -تبارك وتعالى- {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}[الفرقان:50]، وكذلك فصولًا لتتم به أنواع الزراعات المختلفة؛ فزرع يناسبه وقت الشتاء، وزرع يناسبه وقت الصيف، وزرع في الربيع، تصريف من تصريف العزيز الحميد -سبحانه وتعالى-، {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ}، قال -جل وعلا- {فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا}، النشور؛ الإحياء، يعني أحيى الله -تبارك وتعالى- به بلدة، البلدة؛ أرض، ميتة؛ كانت ميتة، جافة من عدم نزول المطر، فإذا أنزل الله -تبارك وتعالى- عليها هذه المطر أحياها الله -تبارك وتعالى-؛ أحيى الأرض في ذاتها، وأحياها بالنبات الذي ينبت فيها، {فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا}، قال -جل وعلا- {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}، كذلك؛ كهذا الفعل من الله –تبارك وتعالى- في إحياء الأرض الميتة، يُحيكم الله -تبارك وتعالى- ويُخرِجكم من هذه الأرض بعد أن تموتوا كذلك، وتكونوا في باطن الأرض ويُنزِل الله -تبارك وتعالى- عليكم مطر فتنبتون وتَحيون مرة ثانية كما يُحيي الله -تبارك وتعالى- هذه الأرض، وهذا الذي يقوله الله -تبارك وتعالى- يحتج به على هؤلاء المُكذِّبين، فهم يُكذِّبون بالبعث مع إيمانهم بأن الله -تبارك وتعالى- هو خالق السماوات والأرض، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[الزخرف:9]، فهو عزيز؛ غالب، كيف بعد ذلك يتناقضون؟! ويعتقدون بأن هذا الرب العزيز؛ الغالب، الذي لا يغلبه أحد -سبحانه وتعالى- لا يستطيع أن يُعيدهم مرة ثانية، من تناقضهم أنهم يفصلون بين الشيء ولازمه، هذا لازم مادام أنه الرب العزيز؛ العليم، خالق السماوات والأرض، إذن لا يُعجِزه أن يُعيد الحياة إلى الناس الذين ماتوا مرة ثانية، فإن قدرة الله على الإحياء واحدة، أحياكم وكنتم لا شيء فيُعيد إحيائكم مرة ثانية، القادر على خلْق السماوات والأرض قادر على خلْق ما دون ذلك.

ثم قال -جل وعلا- أيضًا {وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا}، الله -سبحانه وتعالى- العزيز العليم هو كذلك من صفاته ومن أفعاله أنه خلَقَ الأزواج كلها، كل شيء أزواج يعني لم يخلق الله -تبارك وتعالى- شيئًا فردًا قط، بل كل خلْق الله -تبارك وتعالى- له من جنسه مثيل، ملَك؛ في ملائكة كثيرين، جِن؛ في جِن كثير، إنسان بهذه الأعداد الهائلة، كل شيء خلَقَه الله -تبارك وتعالى- له أزواج، خلَقَ الأزواج كلها والله هو الفرد -سبحانه وتعالى-، الله -سبحانه وتعالى- هو الفرد؛ الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، أول بلا ابتداء، آخر بلا انتهاء -سبحانه وتعالى-، فالله هو الخالق وحده -سبحانه وتعالى- وهو الذي خلَق الخلْق، خلَق كل ما سواه -سبحانه وتعالى- وخلْقَه أزواج، ما جعل هناك خلْق مما خلَقَه الله -تبارك وتعالى- فرد؛ ليس له نظير من جنسه... لا، بل الله -تبارك وتعالى- هو الواحد الأحد؛ الفرد الصمد، الذي لم يلِد، ولم يولَد، ولم يكن لو كُفوًا أحد، وما سوى الله -تبارك وتعالى- كله أزواج، {وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ}[الزخرف:12]، أيضًا من صفته ومن صنعته -سبحانه وتعالى- أن جعل لكم من الفُلك؛ السُفُن، تُطلق على الواحد والجمع، والأنعام؛ بهيمة الأنعام، الإبل، والبقر، والغنم، والماعز، الغنم بشِقيها، {مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ}، نركب من الأنعام الإبل؛ فهذه هي التي هيأها الله -تبارك وتعالى- للركوب، {........ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ}[الزخرف:12]، يعني الذي تركبونه.

{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}[الزخرف:13] {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}[الزخرف:14]، الله هو الذي خلَق الفُلك، وخلْق الله -تبارك وتعالى- للفُلك وإن كان بواسطة الإنسان لكن يُعتبَر الله -تبارك وتعالى- هو الخالق؛ لأنه هو الذي خلقنا وخلَق ما نعمل -سبحانه وتعالى-، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:96]، فإن هذا بهداية الله -تبارك وتعالى-، فإن الفُلك يصنعها الإنسان لكن بهداية الرب -تبارك وتعالى-، ومما خلَق الله للإنسان؛ من الخشب، من الحديد، من غيره مما خلَقَه الله –تبارك وتعالى- للإنسان، وكذلك يُسيِّرها في خلْق الله -تبارك وتعالى-، {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ........}[الجاثية:12]، سخَّره؛ ذلَّله هذا البحر العنيف العظيم، هذه المياه الهائلة التي إذا إغتلمَت مزَّقَت ما فوقها؛ وحطَّمَت ما فوقها، لكن الله –تبارك وتعالى- سخَّره لتكون هذه القوة الهائلة مُذلَّلة؛ مُسخَّرة، يركب الإنسان بسُفنه عليها ويسير على ظهرها من مكان لمكان، وهو الذي وضع هذا النظام؛ دفع الماء لهذه الأجسام المسطحة لتطفوا فوقه، كل هذا إنما هو بفعل الله -تبارك وتعالى-، فالخالق الحقيقي لهذا وإن كان الإنسان يُمارس صناعة السُفُن الله -سبحانه وتعالى-، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ}، هيأها لكم -سبحانه وتعالى- ورزقكم صناعة هذا، {وَالأَنْعَامِ}، وهذه من خلْق الله -تبارك وتعالى- استقلالًا؛ وليس للإنسان دخل في إيجاد شيء منها، {مَا تَرْكَبُونَ}، الذي يتركبونه، قال -جل وعلا- {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ}، يعني على ظهور الفُلك والأنعام، {ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ}، خلَق الله لكم هذا حتى إذا استويتم على ظهوره تذكُروا هذه النعمة؛ نعمة الركوب والاستواء والراحة على هذه، شوف أنت على ظهر سفينة ترتاح وتنام وهي تسير بك؛ تنقلك وتنقل بضائعك وأمتعتك من مكان إلى مكان، فانظر هذه النِعَم، وكذلك تركب على بعيرك وعلى ناقتك؛ وتحمل عليها متاعك، وتستوي على ظهرها، وتنظر هذه النعمة، وأنك يمكن أن تنتقل من مكان إلى مكان وأنت مُرتاح وراكب عليها وتحمل أثقالك، كما قال -جل وعلا- {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنفُسِ ........}[النحل:7]، لم تكونوا بالغيه لولا هذه الأنعام إلا بشِق الأنفس؛ بنصفك فقط، يضيع نصف الإنسان، بشِق نفسه حتى يصل إلى ما يصل لو كان الله -تبارك وتعالى- لم يُسخِّر لنا هذا، سبحان الله العظيم، سبحان الله العظيم؛ الكبير -جل وعلا-، والحمد لله على نعمائه.

{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ}، تذكروا نعمة الله -تبارك وتعالى-، انظر... اذكر نعمة الله -تبارك وتعالى- عندما تكون على ظهر السفينة؛ على ظهر الأنعام، ثم كذلك على ظهر ما خلَق الله -تبارك وتعالى-، كما قال -جل وعلا- {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}[يس:42]، من مثله؛ من مثل السُفُن ما يركبون، هذه السُفُن الطائرة الآن؛ الطائرات الطائرة، يجب أن يركب الإنسان هذه ويستوي على ظهور هذه المركبات التي هيأها الله -تبارك وتعالى- ويذكر العبد نعمة الله -تبارك وتعالى- في تسخيرها، {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ}، والاستواء هو الاعتلاء والاعتدال عليه، {........ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}[الزخرف:13]، تقولوا هذه الكلمة لتذكروا الله -تبارك وتعالى-، {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا}، تنزيهًا لله -تبارك وتعالى- الذي سخَّر لنا هذا، تنزيهًا له عن الشريك، والنِد، والنظير، فالآن نحن كلنا في خلْقِه، نحن من خلْقِه وما خلَقَ لنا وما هيَّأ لنا من خلْقِه -سبحانه وتعالى-، لم يُشارك الله -تبارك وتعالى- أحد في خلْق شيء من ذلك، فالتسبيح هنا تسبيح الله -تبارك وتعالى- عن كل ما لا يليق به، أولًا تسبيحه عن النِد، والنظير، والمُشارِك، والظهير، لا مُعين لله -تبارك وتعالى-، لا مُشارِك له، لا نظير له -سبحانه وتعالى-، {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}، ما كنا له؛ لتسخير هذا، مُقرنين؛ مُستطيعين، وين الإنسان يستطيع أن يُسخِّر هذا البحر ويقهره؟ يستحيل، كيف للإنسان بدون هداية الله -تبارك وتعالى- أن يخلُق ما خلَق من سفينة؟ سفينة تجوب البحر، أو سفينة تطير في السماء، مَن الذي سخَّر الهواء ليحمل الإنسان في طبقات الجو على هذا النحو؟ مَن الذي خلَقَ هذه الإبل؟ خلَقَ الخيل والبِغال والحمير؟ خلَقَ هذه ليركب الإنسان عليها ويحمل عليها متاعه على هذا النحو؟.

{........ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}[الزخرف:13]، وما كنا له؛ لتسخير هذه المخلوقات التي خلقها الله -تبارك وتعالى- لنا، الفُلك بكل أنواعها، وهذه المركبات، وهذه الأنعام، مُقرنين؛ مُستطيعين، ما كنا مُستطيعن أن نُسخِّر هذا لولا تسخير الله -تبارك وتعالى- لنا، {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}[الزخرف:14]، أي تتذكَّروا بعد ذلك أنكم مُنقلِبون إلى الله، الانقلاب اللي هو الرجوع، يعني رجوعنا في نهاية المطاف إلى الله -تبارك وتعالى-، يقولوا انقلب إلى بيته بمعنى أنه رجع إلى بيته، وانقلب إلى أهله بمعنى رجع، {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}[الزخرف:14]، رجوعنا في نهاية المطاف بعد الموت إلى الله -تبارك وتعالى- ليُحاسِب كلًا منَّا على عمله، {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}[الزخرف:14]، تتذكَّروا هذا؛ تتذكَّروا يوم القيامة، وكان النبي -صلوات الله عليه وسلم- هذا ذِكره إذا ركب، كان يضع رِجله في الغَرز فيقول بسم الله، فإذا استوى على دابته يقول «سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله؛ ثلاثًا، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثم يقول سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنا له مُقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون»، كان يقول هذا في كل ركوب -صل الله عليه وسلم- سواء كان ركوب في سفر بعيد أو في أي ركوب، والآية هنا مُطلَقَة؛ أنه يجب على العباد أن يذكروا نعمة الله -تبارك وتعالى- إذا استووا على ظهور الفُلك والأنعام؛ وأن يتذكروا نعمة الله -تبارك وتعالى-، هذه النعمة العظيمة لهم بأنه جعلهم يركبونها، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء:70]، فالله فضَّلنا على كثير مما خلَق، ومن هذا التفضيل؛ التفضيل بالركوب، أن يُسخَّر لنا هذه الآلات وهذه الأنعام لنركب على ظهورها، فهذا أمر عظيم؛ نعمة من نِعَم الله -تبارك وتعالى-، تذكَّروا هذا؛ تذكَّروا النعمة، وتتذكَّروا بعد ذلك أنكم في نهاية المطاف وكأنكم مُسافِرون راجعون إلى الله -تبارك وتعالى-، {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}[الزخرف:14].

الحمد لله رب العالمين، نقف هنا ونكمل -إن شاء الله- في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.