الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (603) - سورة الزخرف 28-38

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ}[الزخرف:26] {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}[الزخرف:27] {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف:28] {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ}[الزخرف:29] {وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ}[الزخرف:30] {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:31] {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[الزخرف:32]، قول الله -تبارك وتعالى- {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ........}[الزخرف:26]، يعني اذكر إذ قال إبراهيم؛ خليل الله، الرسول الذي جعله الله -تبارك وتعالى- إمامًا للناس؛ والذي تنتمي إليه كل الأمم التي بقي فيها الدين، فاليهود ينتمون إليه نسبًا ودينًا؛ فإن موسى على طريق إبراهيم -عليه السلام-، وكذلك النصارى في أساسهم ومن بني إسرائيل فينتمون إليه نسب من جهة إسحاق -عليه السلام-، وأمة العرب تنتمي إليه نسبًا؛ فإن إسماعيل هو ابنه بِكره، وأرسل الله -تبارك وتعالى- محمدًا -صل الله عليه وسلم- من نسل إبراهيم من جهة إسماعيل.

يخبر -سبحانه وتعالى- هذه الأمم التي تفتخر بانتسابها إلى إبراهيم ولكنها فارقت الدين الذي عليه إبراهيم، فاليهود أشركوا وكفروا؛ وأمنوا ببعض الرُسُل وكفروا بالبعض الأخر، وسبُّوا الله -تبارك وتعالى- بما سبُّوه من الشتائم؛ ووصفه بما لا يليق به -سبحانه وتعالى-، قال الله -تبارك وتعالى- في قولهم {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ}، وقولهم أنه استراح في اليوم السابع من عمله الذي خالقه؛ وأمور كثيرة، والنصارى كذلك انحرفوا عن الدين؛ مِلَّة التوحيد الذي جاء بها إبراهيم، وأشركوا بالله -تبارك وتعالى- وجعلوا المسيح في اعتقادهم ابنًا لله -تبارك وتعالى-؛ وأشركوا عن هذا، العرب المشركون مضوا سنين من عمرهم على دين إسماعيل -عليه السلام- ثم انحرفوا بعد ذلك، وغيَّر عمرو ابن لُحي الخُزاعي وكان هذا أول مَن بدَّل دين العرب، كما قال النبي «أول مَن بدَّل دين العرب عمرو ابن لُحي الخُزاعي؛ ولقد رأتيه يجر قُصبَه في النار»، مع كفر هذه الأمم؛ اليهود، والنصارى، ومشركي العرب، وشِركهم إلا أنهم كانوا يفخرون بانتسابهم إلى إبراهيم –عليه السلام-؛ وأنه أباهم، وأنهم على دينه، وأنهم على مِلَّته مع العِلم أنهم فارقوها، قال -جل وعلا- وإذ قال إبراهيم؛ انظروا، اسمعوا، اذكروا، وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ}[الزخرف:26]، فقد تبرَّأ من كل ما يعبده قومه من هذه الأصنام والأوثان، {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ........}[الزخرف:27]، خلقني الله -سبحانه وتعالى-، {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}، إلى طريقه ودينه ومنهجه.

{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ........}[الزخرف:28]، جعل هذه الكلمة وهي مُفارقة ما عليه هؤلاء، كلمة؛ كلمة التوحيد، باقية في عقبه؛ من نسل إسماعيل الذي قام هو وهو يبنيان هذه الكعبة، ودعوا إلى توحيد الله -تبارك وتعالى-، فقالا {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:128] {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[البقرة:129]، وقال -جل وعلا- {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}[البقرة:130] {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة:131] {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ}، وصى بها بهذه الكلمة؛ كلمة التوحيد، ويعقوب كذلك من الشِق الأخر، {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[البقرة:132]، ثم هذه شهادة الله -تبارك وتعالى- على يعقوب وهو يوصِّي بنيه، قال -جل وعلا- {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا ........}[البقرة:133]، هؤلاء لم يعبدوا إلا إله واحد، وهم إبراهيم؛ الأب الأكبر، خليل الرحمن، وإسماعيل ابنه؛ بِكره، وإسحاق؛ إبنه الثاني من سارة، {إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}، فهذه وصية إبراهيم وهذه كلمته التي جعلها باقية في عقبه، قال -جل وعلا- {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف:28]، يعني لعل ذُريَّته من هذا الفرع ومن هذا الفرع يرجعون إلى هذه الكلمة؛ ويتمسكون بها، ولكن منهم مَن آمن ومنهم مَن كفر كما قال -تبارك وتعالى- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد:26]، منهم؛ من هذه الذُريَّة، مُهتدي؛ إلى الحق، {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}.

ففي العرب هنا قال الله -جل وعلا- {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ}[الزخرف:29]، بل متَّعت هؤلاء؛ يعني ما متعهم الله -تبارك وتعالى- في الدنيا، هؤلاء المُشار إليهم العرب هنا، {وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ}، بهذا النبي ومع هذا النبي الكريم محمد -صلوات الله والسلام عليه-، {وَرَسُولٌ مُبِينٌ}، جاء عربيًا بالعربية، ومبين للدين الذي أرسله الله -تبارك وتعالى- إلينا، لا أفصح من رسول الله؛ ولا أبلغ منه، ولا أقوى حُجَّة منه، وهو الذي أُتي جوامع الكلِم -صلوات الله والسلام عليه-، جاء داعيًا إلى توحيد الله؛ عبادة الله وحده لا شريك له، نفس الدين الذي جاء به إبراهيم -عليه السلام-، فأنتم أيها العرب الذين تفخرون بأنكم من نسل إبراهيم وأن هذا أباكم هذا هو الرسول؛ من نسل إبراهيم، يدعوكم إلى دين إبراهيم -عليه السلام-، الذي قال {........ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ}[الزخرف:26] {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}[الزخرف:27]، فقد جاء داعيًا إلى توحيد الله -تبارك وتعالى- وحده لا شريك له، لكن مقالة العرب لمَّا جائهم النبي -صل الله عليه وسلم- قال -جل وعلا- {وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ}[الزخرف:30]، النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- جائهم بمِلَّة إبراهيم؛ وبدعوة إبراهيم أبيهم، الذين يفخرون به؛ يفخر به هؤلاء العرب، ولكنهم لمَّا جائهم الحق من الله -تبارك وتعالى- قالوا هذا سحر؛ هذا القرآن الذي آتانا به النبي سحر، {وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ}، مؤكدين وإنَّا به كافرون؛ لن نقبله، جاحدون له.

ثم صورة من صور تناقضهم كذلك؛ قال -جل وعلا- {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:31]، هذا من اعتراضهم، مرة يقولوا هذا سحر وإنَّا به كافرون، هذا الذي جئتنا به والنبي جائهم بالقرآن من الله -تبارك وتعالى-، لكنهم إذا نظروا في القرآن وجدوا أنه ببلاغته، وفصاحته، ودلالاته العظيمة، عند ذلك لمَّا يروا هذا الأمر يُعظِّموا القرآن ويحتقروا الرسول الذي اختاره الله -تبارك وتعالى- لهذه المهمة، {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:31]، لولا؛ هلَّا، يعني ألم يكن عندهم من الجدير واللائق أن ينزل هذا القرآن؛ وهذا القرآن تعظيمهم له، {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}، ويعنون بالقريتين مكة والطائف، عظيم؛ يعني مُعظَّم عندهم في نظرهم، قالوا كالوليد ابن المُغيرة ومَن على شاكلته من أهل مكة وأهل الطائف، من ذوي الجاه عندهم؛ والمال، والمكانة، وهؤلاء أعماهم الله وأخزاهم الله، لا أعظم من النبي -صلوات الله والسلام عليه-؛ ولا أشرف منه، ولا أكمل عقلًا وأدبًا ودينًا منه -صلوات الله والسلام عليه-، فإن النبي كان عظيمًا بكل معاني العظمة -صلوات الله والسلام عليه-؛ سواء كان في نسب قومه -صل الله عليه وسلم-، في أمانته، في خُلقِه، في صِدقه، في استقامته، وهذه شهادتهم له قبل أن يُنزِّل الله -تبارك وتعالى- عليه هذه الرسالة ويختاره لهذا المنصب العظيم والمهمة الكبرى؛ ليكون رسولًا للعالمين، وسراجًا منيرًا للعالمين، فلا أعظم من الرسول -صلوات الله والسلام عليه-؛ ولا أشرف منه، ولا أجل منه، ولا أعلى خُلقًا منه، ولا أرجع عقلًا منه -صلوات الله والسلام عليه-؛ ولا أكمل أدبًا وإحسانًا، ولكن هؤلاء عموا عنه؛ عموا عن هذا النبي، وعموا عن الاختيار الإلهي الذي اختار هذا النبي لهذه المهمة الشريفة العظيمة -صلوات الله والسلام عليه-، وذهبوا إلى أناث مُتصِفون بأذم الأخلاق؛ وإن كانوا مُعظمين في قومهم، لكنهم ذميم الأخلاق؛ من الكذب، ومن رد الحق، ومن الفخر، والكِبر، والتعالي، فهؤلاء ليسوا أهلًا لرسالة الله -تبارك وتعالى-، لكن هؤلاء عميان يعني الذين عموا عن هذا النبي الكريم -صلوات الله والسلام عليه-؛ وعن شرفه، ومكانته، وعن سِر اختيار الله -تبارك وتعالى- له، عميان وظنوا أن هناك مَن هو أحق منه بهذه الرسالة، {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:31].

قال -جل وعلا- {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ}، يعني هل رحمة الله -تبارك وتعالى- الله وكَّلهم بها؛ فهم الذي يقسمونها حيث يشاؤوا؟ ورحمة الله هذه الرسالة من رحمة الله -تبارك وتعالى-، هل وكَّلهم الله بها يأخذوها ليضعوها حيث يشاؤوا؟ ثم أخبر -سبحانه وتعالى- أن أخص ما عندهم مما يفخرون به وهي أموالهم هذه عطية الله -تبارك وتعالى- لهم، قال -جل وعلا- {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، فقد كان العرب وغيرهم يعتقدون بأن تفاضل الناس إنما هو بالغنى والثراء، وأن كلما زاد ثراء الفرد منهم كلما زاد شرفه ومكانته في قومه، فيقول لهم هذا هو الذي سبب الشرف عندكم وهو المال نحن الذي قسمناه؛ الله هو الذي قسمه بينهم -سبحانه وتعالى-، قال نحن؛ الله -جل وعلا-، {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، فجعل هذا من أهل الثراء والغِنى وهذا مُضيَّق عليه في ماله وعنده ثروة قليلة، هذا كله توزيع الله -تبارك وتعالى-، نحن قسمنا بينهم؛ بين الخلائق كلها، معيشتهم؛ يعني ما يعيشون به ويتعايشون به في الحياة الدنيا، {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}، في الرزق، قال -جل وعلا- {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}، يعني أن حِكمة الله -تبارك وتعالى- في أن يكون هناك غني وفقير أن تسير عجلة الحياة؛ فيُسخَّر هذا لهذا، ويكون الناس بعضهم لبعض خدم، وإلا فإنه لو كان الناس جميعًا كلٌ منهم مُستغني عن الأخر لاستغنى كلٌ منهم عن الأخر؛ ولَمَا قامت وانتظمت هذه الحياة، قال {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}، لهذا يُسخِّر هذا، الذي يدفع شخص ليخدم غيره في أرضه؛ في كذا، يخصف نعله، يحمل متاعه، إنما هو حاجته إلى المال، ولو أنه غير محتاج لَمَا وجد الغني مَن يخدمه لأن الكل مُستغني بما عنده من الرزق، فلا مجال له أن يخدم الأخر فتسقط حياة الناس وتضيع مصالحهم وحضارتهم، لكن الله -تبارك وتعالى- جعل هذه الفوارق في الرزق حتى يخدم بعضهم بعضًا؛ ويُسخِّر بعضهم بعضًا.

قال {........ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[الزخرف:32]، ورحمة ربك بالهدى والدين هذا خير مما يجمعون، مهما جمع الإنسان في هذه الدنيا فإن رحمة الله -تبارك وتعالى- عليه إذا رَحِمَه الله -تبارك وتعالى- بأن هداه وأن وفَّقَه هذا خير من كل هذا، وكان النبي يقول -صل الله عليه وسلم- «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها»، بس مَن وفِّق إلى أن يُصلي ركعتي الفجر فهما خير من الدنيا؛ خير من أن يحوز الدنيا وما فيها، فانظر هذا الفضل، وركعتا الفجر وهي سنته قد لا تأخذ من الإنسان إلا دقائق معدودة؛ دقيقتين، ثلاثة، أربع دقائق، فقد كان النبي يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فقط؛ وهذي لا تأخذ إلا دقيقتين أو ثلاث دقائق، هذي يؤديها في هذه الدقائق المعدودة لكنها خير من الدنيا وما فيها؛ جزاؤها وعطاؤها عند الله -تبارك وتعالى-، ويقول النبي «مَن قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتًا في الجنة»، قصر في الجنة؛ في جنة الله -تبارك وتعالى-، والتي موضِع السوط فيها خير من الدنيا وما فيها، ينالها العبد المؤمن بأن يقرأ قل هو الله أحد عشر مرات، دقيقتين أو ثلاث دقائق يتم فيها قل هو الله أحد عشر مرات فيبني الله له بيتًا في الجنة، فأين رحمة الله -تبارك وتعالى-؟ {وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، فلوا حاز الإنسان الدنيا كلها فإن رحمة الله عليه بالهداية وبعمل الآخرة خير من كل هذا، كما قال -جل وعلا- {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف:46]، خير من المال والبنين، الباقيات الصالحات؛ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هذي الباقيات الصالحات، هذه التسبيح هذا النبي يقول «لئن أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، أقولها مائة مرة خير عندي مما طلعت عليه الشمس»، بس أقول هذه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مائة مرة في عشر دقائق، يعني هذي تكفي العشر دقائق لأن يقول العبد المؤمن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، خير مما طلعت عليه الشمس، هذا الذي يُقدِّر وهذا النبي -صل الله عليه وسلم- يقول هذا؛ وهو الذي يعلم الموازين، ويعلم مقدار ما يكون، ماذا يكون وزن ما يكون عند الإنسان، كل ما طلعت عليه الشمس في هذه الأرض، وأن يكون له ثواب عند الله -تبارك وتعالى- بقوله لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر دقائق؛ عمل في الذِّكر عشر دقائق خير من الدنيا وما فيها.

«سمع النبي -صل الله عليه وسلم- وهو في سفر أبو موسى الأشعري -رضي الله تعالى- عنه، يقول لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله"، فقال له يا أبا موسى ماذا تذكر؟ فقال والله يا رسول الله أقول لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال له لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة»، -الله أكبر- لا حول ولا قوة إلا بالله يقولها العبد المؤمن؛ كلمة ما تستغرق شيء، وهي كنز من كنوز الجنة؛ وليست من كنوز هذه الأرض، وين كنز الجنة؟ كنز الجنة يعني الرسول يقول فقط «نصيف الحورية على رأسها خير من الدنيا وما فيها»، فهذا قول الله -تبارك وتعالى- هنا {وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، رحمة ربك بالإيمان والعمل الصالح خير من كل هذه الدنيا التي يجمعونها؛ والتي هي عندهم جعلوها هي سبب التفاضل، فسبب التفاضل عندهم؛ فلان عظيم، وفلان كذا، وفلان كذا ...، بما حازه من هذا المال، ولم يدرِ هؤلاء الأغبياء أن سبب التفاضل الحقيقي إنما هو برحمة الله -تبارك وتعالى-؛ إنما هو بالإيمان والعمل الصالح، فهذا هو الذي يجب أن ينظروا فيه إلى الفضل، فالنبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- من حيث بنائه ومن حيث شخصه لا شك أنه أكمل من هؤلاء؛ بناء خلْقي وبناء خُلُقي -صلوات الله عليه وسلم-، فخُلُقه في أتم الأخلاق، وأكمل الله -تبارك وتعالى- له خُلُقه وخلْقَه -صلوات الله والسلام عليه-، ومن حيث المكانة هو من أشرف الناس، نعم لم يحُز مالًا كثيرًا كغيره من أهل الأموال لكن ليس بالمال وهذه يتفاضل الناس، وإنما يتفاضل الناس بهذا الخُلُق، والنبي كان أمتن الناس خُلُقًا وأعلاهم -صلوات الله والسلام عليه-، ثم إن الله -تبارك وتعالى- أعطاه أعظم عطية من عنده لعبد من عباده؛ وهو أنه جعله خاتم الأنبياء والرُسُل -صلوات الله والسلام عليه-، لا أكمل من ذلك، ولا أجل من ذلك، ولا أعظم من ذلك؛ من عطاء الله -تبارك وتعالى- لعبد من عباده، {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}، فضل الله على نبيه أعظم الفضل بأن اختاره الله –تبارك وتعالى- بأن يكون هذا السراج المنير للعالم كله؛ الذي يُضيء العالم كله -صلوات الله والسلام عليه-، {وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، هذه كذلك فيها تسلية للنبي -صلوات الله والسلام عليه-، أن رحمة الله التي أعطاها الله -تبارك وتعالى- له بالرسالة خير من كل هذا الذي يجمعونه، فهم احتقروا النبي -صل الله عليه وسلم- بهذا{وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:31]، كأنهم يقولون أنت لست أهلًا لأن يُنزِل الله -تبارك وتعالى- عليك الرسالة، وإنما كان ينبغي أن تكون هذه الرسالة وهذا القرآن نازل على رجل من أهل الثراء فينا ومن أهل الوجاهة فينا؛ حتى يمكن لنا أن نتَّبعه، أما أنت فقد كانوا يقولون {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا}، {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا}، {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا}، من قول هؤلاء المجرمين احتقارًا للنبي -صلوات الله والسلام عليه-، والله هنا -سبحانه وتعالى- يُبيِّن له فضله عليه -جل وعلا-، فيقول {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، نحن؛ الله -سبحانه وتعالى- هو الذي أعطى هذا، {........ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[الزخرف:32]، ورحمة ربك أيها النبي التي أعطاه الله -تبارك وتعالى- إياها وهي رسالته؛ أن يكون رسولًا للعالمين خير مما يجمعون.

ثم قال -جل وعلا- {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}[الزخرف:33] {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ}[الزخرف:34] {وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}[الزخرف:35]، {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}، لولا أن يكون الناس أمة واحدة في الكفر؛ يكفروا كلهم، يعني لولا أن يكون الناس أمة واحدة جميعًا في الكفر، {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ}، يعني لكل مَن يكفر بالرحمن؛ جعل الله ما هو؟ {لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ}، يجعل الله لبيوتهم؛ يعني كل واحد له بيت يجعل له سقفه الكامل من الفضة، وأنظر قيمة هذا، ومعارج؛ المعارج كالدرج الذي يصعد عليه، وجائنا في هذه العصور المعارج الكهربائية؛ المصاعد التي يُصعَد عليها، عليها؛ على هذه المعارج يظهرون، وكذلك المعارج التي عليها يظهرون تكون من هذه الفضة، انظر بقى درج مبني من الفضة، {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا}، ليس باب واحد بل أبواب متعددة؛ وهذا لعظمة البيت واتساعه، {........ وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ}[الزخرف:34]، سُرر كذلك يتكئون عليها في هذه القصور والبيوت.

{وَزُخْرُفًا}، ذهب، ذهب يُذهَّب به هذا الأثاث وهذا البناء، انظر هذه البيوت التي قد سُقفت بالفضة؛ وأصبحت فيها المعارج على هذا النحو، ولها أبواب كثيرة وهذا لاتساعها، وفيها يعني مُذهَّبة في جوانبها، قال -جل وعلا- {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، يعني لولا أن يكون الناس كلهم كفار لجعلنا لكل شخص يكفر بالله هذه؛ يعني نُعطيه هذه العطية في الدنيا، لكن إذا أعطى الله -تبارك وتعالى- كل كافر هذا؛ أين يبقى المؤمن؟ كل الناس تروح للكفر، كل الناس عند ذلك تنطلق إلى الكفر؛ وتبطر بهذه النعمة، وترى أنهم مع الكفر قد نالوا ما نالوا من هذه الدنيا على هذا النحو؛ فلا يبقى مؤمن في الأرض، {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}[الزخرف:33] {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ}[الزخرف:34] سُررًا جمع سرير، {وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ........}[الزخرف:35]، ثم قال -جل وعلا- {وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}، أما الآخرة وفيها جنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه عند ربك، ويكفي بأن يُعلَم بأنها عند ربك، وكونها عند الله -تبارك وتعالى-؛ قريبة منه -جل وعلا-، ثم هي عند ربك -سبحانه وتعالى- إذن مضمونة، فهذه تكون في القُرب وهي في الضمان لأنها عند الله -تبارك وتعالى-، وما عند الله -سبحانه وتعالى- لا يضيع؛ وكذلك هبة وعطية من الله، وكون الله -تبارك وتعالى- هو الرب فإذن العطية تتناسب مع المُعطي؛ والله -سبحانه وتعالى- هو مُعطي هذا، {عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}، لكن هذا كله للمتقين؛ الخائفين من الله -تبارك وتعالى-، الذين اتقوا ربهم -سبحانه وتعالى- وهو أهل التقوى -جل وعلا- بأن جعلوا لهم حماية من غضبه وعذابه -سبحانه وتعالى-، ولا يكون العبد مُتقيًا إلا إذا عبد الله -تبارك وتعالى- على نور من الله، يخاف ويرجوا ثواب الله -تبارك وتعالى-، وانتهى عما نهى الله -تبارك وتعالى- عنه على نور من الله؛ وهو يخاف عقوبة الله -تبارك وتعالى-، فهم أهل رجاءٍ له وأهل الخوف منه -سبحانه وتعالى-، ورجائهم وخوفهم دفعهم كله إلى أن يحموا أنفسهم من غضبه وعقوبته -سبحانه وتعالى-؛ وأن يُطيعوه فيما أمرهم به -سبحانه وتعالى-، وأن ينتظروا ويخشوا قيامهم بين يديه يوم القيامة -جل وعلا-، {وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}.

ثم أخبر -سبحانه وتعالى- عن سُنَّته -جل وعلا- في معاملة مَن يضِل ويترك سبيله، قال {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}[الزخرف:36] {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف:37] {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}[الزخرف:38]، {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ}، العشى أخف من العمى، والأعشى الذي قد يرى الأشياء نهارًا في الضوء الساطع ولكنه لا يرى الأشياء ليلًا، فإنه في الليل وقلة الضوء يعمى بصره، فهو عمى وقتي؛ عمى الظلمة هذا، ليس يعمى؛ هذا أقل من العمى، {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ}، يعني لا يذكر ربه -تبارك وتعالى-، لا يذكره ليس الذِّكر المُستحب وإنما لا يذكره؛ لا يذكر قيامه بين يديه -سبحانه وتعالى-، لا يذكر عظمة ربه -سبحانه وتعالى-، لا يذكر الإيمان بالله -تبارك وتعالى-، وأن الله خلَقَه هنا وأقامه في هذه الأرض ليبتليه، {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[الإنسان:2]، مَن يعشُ عن كل ذلك ويتحوَّل عن ذِكر ربه -سبحانه وتعالى-؛ فلا يعبد الله -تبارك وتعالى-، ولا يُقيم وزنًا للآخرة، {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا ........}[الزخرف:36]، نُقيِّض؛ نُهيئ، له شيطان؛ شيطان من شياطين الجِن، {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}، فهو له قرين يعني خلاص مُقترِن به، مُقترِن به يعني أنه مُلازِم له؛ مُقارِن له كما يُقارِن القرن القرن، سُمي ذو القرنين لأن هذا مُلازم ومع هذا، فهو له قرين أي مُصاحِب؛ مُلازِم.

{وَإِنَّهُمْ}، يعني هؤلاء شياطين الجِن، {........ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف:37]، يصدونهم عن السبيل الحقيقي؛ سبيل الله -تبارك وتعالى-، {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}، يحسب هذا الضال الذي سلَّط الله -تبارك وتعالى- عليه هذا الشيطان؛ وجعل الشيطان هذا من أوليائه، يظن أنه مُهتدي والحال أنه ضال، {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف:37] {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}[الزخرف:38]، لا يعرف ضلال سعية إلا لمَّا يجيء يوم القيامة، عندما يأتي يوم القيامة وعندما تُقبَض روحه عند ذلك ...، {........ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق:22]، يعرف الحق عند ذلك، سنعود إلى هذه الآيات -إن شاء الله- في الحلقة الآتية، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.