الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (605) - سورة الزخرف 44-56

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الزخرف:40] {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ}[الزخرف:41] {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ}[الزخرف:42] {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الزخرف:43] {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}[الزخرف:44] {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}[الزخرف:45] {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الزخرف:46] {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ}[الزخرف:47] {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف:48] {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ}[الزخرف:49] {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ}[الزخرف:50]، يقول -سبحانه وتعالى- لعبده ورسوله محمد -صل الله عليه وسلم- {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ ........}[الزخرف:40]، هذه هي الحالة التي كان عليها القوم الذين يدعوهم النبي -صلوات الله والسلام عليه- من هؤلاء الكفار؛ الذين صمُّوا آذانهم عن سماع الحق، سماهم الله -تبارك وتعالى- صُم، وأن كلام النبي -صل الله عليه وسلم- وهذا القرآن الموحى إليه لن ينفذ إليهم لأنهم صُم، {........ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الزخرف:40]، أن مَن هذه حالته فإن الهداية بعيدة عليه.

ثم قال -جل وعلا- متهددًا لهم {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ}[الزخرف:41]، من هؤلاء منتقمون، نذهبنَّ بك بمعنى أن الله -تبارك وتعالى- إذا أخذ رسوله إليه فإنه سينتقم منهم لكفرهم؛ وعنادهم، وصدهم عن سبيل الله -تبارك وتعالى-، {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ ........}[الزخرف:42]، فنُرينَّك عذابهم في حياتك، {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ}، فالله -تبارك وتعالى- قادر على أن يُنزِل عذابه بهم في الوقت الذي يشاء -سبحانه وتعالى-، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ........}[الزخرف:43]، يعني تمسَّك به بكل قوتك، {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وإنه؛ القرآن وهذا الدين، {لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}، تُذكَر به في العالمين، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]، ليكون هذا القرآن نذيرًا للعالمين، ويكون النبي نذيرًا للعالمين لأنه يُنذِر بهذا القرآن، وبالتالي يُذكَر في كل العالمين من وقته؛ لأن الله أرسله إلى كل العالمين، فمن وقته إلى آخر الدنيا يُذكَر؛ فلا يُذكَر الله -تبارك وتعالى- إلا ويُذكَر معه النبي -صلوات الله وسلامه عليه-، أشهد أن لا إله إلا الله؛ وأن محمدًا رسول الله، ولقومك؛ العرب، حيث نزل هذا القرآن بلسانهم، وحيث أراد الله -تبارك وتعالى- أن يُخرِج هذه الأمة من الظلمات إلى النور، ويجعلها خير أمة أخرجَت للناس؛ للعالمين، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، فلما قام العرب مع النبي -صلوات الله والسلام عليه-؛ وآمنوا به، وعزَّروه، واتبعوا النور الذي أُنزِل معه، ونشروا هذا الدين في العالمين؛ ذُكِروا في العالمين، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}[الزخرف:44]، عن هذه الأمانة العظيمة التي حمَّلهم الله -تبارك وتعالى-؛ وهذه الرسالة العظيمة.

ثم قال -جل وعلا- {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}[الزخرف:45]، وقد أخبر الله -تبارك وتعالى- رسوله -صل الله عليه وسلم- وجائه الخبر اليقين بأن كل رسول أرسله الله -تبارك وتعالى- إلى قومه إنما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ولم يدعُ أحدٌ منهم إلى عبادة غير الله -تبارك وتعالى-، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، فأقرب هؤلاء الرُسُل إلى النبي زمانًا هو عيسى ابن مريم -عليه السلام-، وقد قصَّ الله -تبارك وتعالى- قصته بالتفصيل ودعوته قومه منذ ولادته وإنطاق الله -تبارك وتعالى- له، {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم:30] {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}[مريم:31] {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}[مريم:32] {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}[مريم:33]، فعيسى ابن مريم -عليه السلام- من أول يوم عندما أنطقه الله -تبارك وتعالى- نطق بشهادة التوحيد؛ و{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ ........}[مريم:30]، وظلت هذه دعوته؛ يدعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، لم يقل يومًا أنه ابن الله؛ وأنه ذاته ذات الرب -تبارك وتعالى-، وصفاته صفاته، تعالى الله -تبارك وتعالى- عما يقولون علوًا كبيرًا، وهكذا سائر الرُسُل بعد ذلك؛ موسى -عليه السلام- والذي كان عيسى على شريعته، كذلك دعى إلى عبادة الله وحده لا شريك له، هذه هي دعوته لقومه؛ بني إسرائيل، ودعوته لفرعون عندما دعاهم إلى أن يعبد الله -تبارك وتعالى- رب العالمين؛ وأن يُخلِّي آلهته التي يعبد، وألا يعبد إلا الله -سبحانه وتعالى-؛ دعاه إلى الله -تبارك وتعالى-، وكل الرُسُل بعد ذلك؛ كل رسول من أول نوح أول رسول أرسله الله -تبارك وتعالى- إلى هذه الأرض، فإنما كانت دعوته لقومه أن يعبدوا الله؛ قال {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، وكل رسول أرسله الله كان يقول يا قوم اعبدوا الله؛ ما لكم من إله غيره.

ولم ينصِب الله -تبارك وتعالى- من رُسُله ولا أنبيائه أحدًا منهم ليكون شريكًا لله -تبارك وتعالى-؛ ولا معبودًا مع الله -جل وعلا-، كما قال -تبارك وتعالى- {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:80]، وقال -تبارك وتعالى- {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}[آل عمران:79] {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:80]، فملائكة الله -تبارك وتعالى- ليس منهم مَن هو شريك لله -تبارك وتعالى- في شيء، بل لا يشفعون عنده إلا لمَن ارتضى، وهم عباده وليسوا بناته كما زعم المشركون، كما قال -تبارك وتعالى- {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}[الأنبياء:26] {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء:27] {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء:28] {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:29]، فهذه دعوة الرُسُل جميعًا، وقول الله لرسوله {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ........}[الزخرف:45]، إنما سؤاله بهذه الأخبار التي جائت من الله -تبارك وتعالى- وبهذا النقل المستفيض عنهم؛ مما جاء في الكتب الباقية بأيدي اليهود والنصارى، فإن ما بأيدي اليهود والنصارى من الكتب كلها داعية أن هؤلاء الرُسُل؛ إبراهيم وذُريَّته من الأنبياء والمُرسَلين كلهم دعوا إلى توحيد الله -تبارك وتعالى-، كما جاء في التوراة "ما أعظم وصية أوصى بها الرب؟ قال أعظم وصية أوصى بها الرب؛ اعبد الرب إلهك؛ ولا تتخذ إلهًا غيره"، فهذي أعظم وصايا الرب -سبحانه وتعالى-.

{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}[الزخرف:45]، هل جعل الله -تبارك وتعالى- للناس إلهًا يعبدونه غير الله -تبارك وتعالى-؟ لا، بل كل ما أوحى الله -تبارك وتعالى- به للرُسُل أن يدعوا الناس إلى عبادة الله -تبارك وتعالى-؛ وأن يكون هؤلاء الرُسُل أنفسهم هم عابدون لله وحده لا شريك له، كما قال -جل وعلا- لرسوله {........ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزمر:2] {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}[الزمر:3]، {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزمر:11] {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}[الزمر:12] {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الزمر:13] {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي}[الزمر:14] {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}، وكذلك أوحى الله إليَّ؛ قال {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر:65] {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الزمر:66]، هذا كله إبطال لِما يتمسَّك به هؤلاء المشركون؛ مشركوا العرب، من أنهم على دين صحيح، وأنهم عندما يعبدون الملائكة فهذا هو الدين الصحيح، وأن الملائكة هم بنات الله؛ وأنهم يشفعون لهم عند الله -تبارك وتعالى-، كذب؛ أبطل الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة قولهم الكاذب، وقال -تبارك وتعالى- {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}[الزخرف:19] {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}[الزخرف:20]، وإنما كانت عبادتهم هذه إنما هي اتِّباع لأهوائهم، واتِّباع لِما كان عليه آبائهم وأجدادهم من قبل؛ وقد ساروا على هذا الطريق، وقد أخبر -تبارك وتعالى- قال {........ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم:23]، {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}[الزخرف:45].

ثم ضرب الله -تبارك وتعالى- مثَل بموسى -عليه السلام-، وبيان كيف كانت دعوته واضحة؛ بيِّنة، معها الأدلة والآيات من الله -تبارك وتعالى-، وكيف كان الكفر والعناد والصد عنه مع ظهور ووضوح أدلته، وهذا بيان لتسهيل الأمر على النبي -صلوات الله والسلام عليه-، وأنه ليس بِدعًا في الرُسُل أن يُقابَل بهذا الصدود وهذا الكفر والعناد، فهذا رسول كأن الله -تبارك وتعالى- يقول له هذا رسول من قبلك؛ موسى -عليه السلام-، انظر كيف كانت دعوته، وانظر كيف كان رد القوم عليه، قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الزخرف:46]، ولقد؛ تأكيد من الله -تبارك وتعالى-، أرسلنا؛ الله -سبحانه وتعالى-، يتكلم عن نفسه بصيغة الجمع لأنه الرب المُعظَّم -سبحانه وتعالى-، موسى بني إسرائيل؛ رسول من أولي العزم من الرُسُل، بآياتنا؛ آيات الله -تبارك وتعالى-، آياته المتلوة، آياته؛ معجزاته -سبحانه وتعالى-، المعجرات التي أجراها الله -تبارك وتعالى- على يد موسى، {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ}، أرسله الله، وقول الله بآياتنا والآيات منسوبة إلى الله يكفي هذا؛ أن نعمل أن هذه الآيات منسوبة إلى الله، إذا كانت الآيات منسوبة إلى الله فما أعظم هذه الآيات إذ هي منسوبة إلى الرب -تبارك وتعالى-، إلى فرعون؛ ملك مصر في وقته، وكل مَن ملَكَ القِبط كان يُسمى فرعون، وملأه؛ وزرائه، وكبرائه، وجماعته، الملأ؛ الذين يملأون المكان أو يملأون العين من وجاهتهم وتمكُّنهم، فقال؛ أي موسى -عليه السلام-، {إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، مؤكدًا هذا {إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وقد كان يكفي أن يُعلِن هذا ليُقابَل بالتقديس؛ والاحترام، والإجلال، والإكرام، إنه رسول رب العالمين؛ رب كل هذه الموجودات، فالعالمون كل العوالم؛ وهي ما سوى الله -تبارك وتعالى-، الله خالق كل شيء -جل وعلا-، {فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، لكن انظر كيف قابلوا هذا؟ قال -جل علا- {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ}[الزخرف:47]، فلمَّا جائهم بماذا؟ بآياتنا؛ بآيات الله، الآيات المنسوبة إلى الله -تبارك وتعالى-، ويكفيك هذا؛ يكفيك بيان عظمة الآيات أنها منسوبة إلى الله، {........ إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ}[الزخرف:47]، إذا الفُجائية، إذا هم منها؛ هذا فرعون وملأه، منها؛ من هذه الآيات، يضحكون؛ وهذا منتهى السخرية والاستهزاء أنهم ضحكوا من هذه الآيات، يعني استهزاءً بها واستصغارًا لها.

قال -جل وعلا- {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف:48]، ما نريهم من آية من هذه الآيات إلا وهي أكبر من أختها، فكل آية في نفسها كبيرة، حتى إنك إذا نظرت إلى هذه الآية تجد أنها عظيمة جدًا، نظرت إلى الآية الثانية فلا تدري أيهما أكبر؛ هذي كذلك في بابها عظيمة جدًا، {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف:48]، بعض هذه الآيات آيات عذاب لكن لعلهم يرجعون إلى الله -تبارك وتعالى-؛ تُذِلهم هذه الآية فتُرجِعهم، وقد أخبر -سبحانه وتعالى- أنها كانت تسع آيات كبرى، ولقد أرسلنا موسى في تسع آيات إلى فرعون وقومه، ومن هذه الآيات قول الله -تبارك وتعالى- {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ........}[الأعراف:133]، هذي آيات عذاب، خمس آيات من آيات العذاب الشديد، ثم الرِجز بعد ذلك آية سادسة، فأرسلنا عليهم الطوفان وهو الفيضان الذي يُغرِق مزروعاتهم ويُغرِق مساكنهم، والجراد الذي يأكل مزروعاتهم، هذا مصيبة؛ يعني آفة بالغرق، آفة بالجراد الذي إذا نبت شيء أكله، والقُمَّل؛ وهذه آفة في الأبدان، والضفادع آفة للزروع والبيوت والمساكن، كانت تدخل الضفادع إلى مخادعهم التي في مكان نومهم؛ وفي طعامهم، وفي شرابهم، وفي أسواقهم، وفي طرقاتهم، وإذا تكلَّم الشخص قفزت الضفدعة ودخلت إلى فمه، فيعني أذى بكل معاني الأذى، والدم؛ عندما يتحوَّل الماء الذي يُريدون استخدامه إلى دم عبيط، يغرفون الماء من النهر فإذا وضعوه في أوانيهم تحوَّل إلى دم خالص عبيط؛ غير مشوب، آيات عظيمة؛ الله يقول {آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}، فهذه الآيات مع العذاب لعلهم يرجعوا إلى الله -تبارك وتعالى-، ومع ذلك لم يرجعوا مع ظهور هذه الآيات، وهي آيات مُذِلة ما مجرد أنها خرق لمُعجِزة بعيد عنهم وإنما آيات عذاب، وكذلك الآيات التي يرونها وهي مُعجزة في ذاتها لكن لا تمسهم؛ مثل عصا موسى الذي يضعها فتنقلب حيَّة، ويده السمراء التي يُدخِلها في جيبه ثم يُخرِجها؛ فتخرج بيضاء فهذه آيات كذلك معجزات وكان ينبقى أن يسجدوا لله عندما يروا هذه المعجزات؛ وأن يخافوه -سبحانه وتعالى-، ولكنهم ما زادتهم إلا عتوًّا واستكبارًا، قال -جل وعلا- {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف:48].

{وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ}[الزخرف:49] {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ}[الزخرف:50]، {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ}، هذا ندائهم لرسول الله؛ المُرسَل لهم من الله -تبارك وتعالى-، {يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ}، يوجِّهون الخطاب إليه على هذا النحو، وهذا فيه نوع من احتقاره؛ وازدرائه، وبيان أن الآيات التي جاء بها إنما هي سحر كما يعهدونه من فعل السحرة عندهم، {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ ........}[الزخرف:49]، ادعوا لنا ربك ليكشف عنَّا هذه؛ آيات العذاب التي تنزل بهم، {بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ}، بما عهد عندك أنك إذا دعوته استجاب لك، {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ}، يعني مستجيبون لك ومهتدون إلى الحق إذا كشفت عنَّا هذه الآية من العذاب، قال -جل وعلا- {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ}[الزخرف:50]، عندما يُرفع عنهم العذاب وتُكشف عنهم هذه الآية؛ ينتهي الطوفان، ويذهب الجراد ويُقتَل، أو ينتهي الدم، أو ينتهي القُمَّل عندما يدعوا موسى، فإنهم مع ذلك يعودون سيرتهم في الكفر والتكذيب، انظر كل هذا فيه تسلية للنبي -صلوات الله والسلام عليه-، وأن الذي يُقابَل به من تكذيب القوم فقد قوبِلَ موسى -عليه السلام- بأكبر من هذا، بآيات عظيمة من آيات الرب -تبارك وتعالى- ولكن انظر نظر القوم الذين أُرسِل إليهم إلى هذه الآيات؛ وصدهم وكفرهم بها.

{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الزخرف:51]، هذي صورة كذلك من صور الكفر؛ والعناد، والتكذيب، واتِّباع الدهماء لقول هذا الماكر الخبيث الذي مكر بهم وهو يعلم الحق؛ وهو فرعون، {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ}، أي لهم، {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ}، سؤال لإقرار حتى يُقِروا بهذا؛ يقولوا نعم، أنت الملك، وأنت الفرعون، وأنت إلهنا، {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}، الأنهار تجري من تحتي؛ نهر النيل بتفرعاته، تجري من تحتي؛ من تحت الجسور ومن تحت القصور التي بناها، فهي جارية من تحته وهو في قصره وفي أُبَّهته فوق هذه الأنهار الجارية، {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ}، أفلا تُبصِرون ما أنا فيه؛ من العز، والتمكين، والقوة، والقدرة، والتصريف في شئون الخلْق، {أَفَلا تُبْصِرُونَ}، سؤال للإقرار.

{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}[الزخرف:52]، أم بمعنى بل، بل أنا خير من هذا الذي هو مهين، أو سؤال بل؛ أ، سؤال للإضراب وهمزة الاستفهام، أنا خير من هذا الذي هو مهين؛ يعني موسى، وأنه من قوم هم في محل الذل والقهر عند القِبط، يُذِلونهم ويجعلونهم في أعمالهم الحقيرة؛ ويقتلون منهم من شاؤوا، ويقتلون ذُريَّتهم من الذكور ويتركون البنات عندهم أحياء يستحيونهم؛ ليسخِّرونهم في الخدمة، والكبار يُذِلونهم بأنواع الإذلال، فهو من قوم مُستذلين؛ مُستضعَفين، كما قال -تبارك وتعالى- {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:4]، فيشير فرعون إلى هذا ويقول أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ........}[الزخرف:52]، يعني موسى -عليه السلام-، والحال أن موسى عبد الله ورسوله هو العزيز الكريم، وفرعون هو الحقير اللئيم، ولكن هذا الخبيث افتخر بما هو فيه من المُلك والأُبَّهة؛ وجعل رسول الله -صل الله عليه وسلم- في مجال المهانة، نفس الأمر الذي فعله كفار مكة بالنبي -صلوات الله والسلام عليه-؛ فإنهم ازدروه، واحتقروه، {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:31]، وكان يقول قائلهم ألم يجد الرب أحدًا غيرك ليُرسِله؟ فهذا نفس الأمر، فالله -تبارك وتعالى- يُسلِّي رسوله -صلوات الله والسلام عليه-، ويُبيِّن أن الذي يُقال له من هؤلاء المجرمين كفار قريش؛ من احتقارهم له، وازدارئهم له، ورؤيتهم أن هذه الرسالة إنما هي أكبر منه؛ وأنها كانت يجب أن تنزل على غيره، نفس الأمر قاله قوم فرعون لرسولهم موسى -عليه السلام-، فهذا فرعون يقف خطيبًا ويقول مثل هذا الكلام، {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}[الزخرف:52].

{فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ}[الزخرف:53]، فلولا؛ فهلَّا، يعني فهلَّا إن كان صادقًا في ما يدَّعي بأنه رسول رب العالمين أن يُلقى عليه أسورة من ذهب فيُحلَّى بها؛ وينفق منها على نفسه، ولا يكون كاسبًا للعيش بهذه الطرق من طرق الكسب؛ التي يسعى بها الضعفاء والفقراء من عامة الناس، لِما لا يُغنيه الله -تبارك وتعالى- فتُنزَل عليه أسورة من ذهب فتُغنيه، ونفس المقالة قيلت للنبي -صلوات الله والسلام عليه-، قيلت للنبي -صل الله عليه وسلم- {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا}[الفرقان:7] {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ........}[الفرقان:8]، وسبحان الله كما قال -جل وعلا- {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ........}[فصلت:43]، فما اقترحه المشركون على النبي هو هنا ما يقوله فرعون ومَن على شاكلته لموسى -عليه السلام-، {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ}[الزخرف:53]، في وقت واحد فنرى هؤلاء ملائكة السماء؛ الذين يزعم أنهم ملائكة الرب، يأتوا معه مُقترنين حتى يؤيِّدوه في رسالته وفي أقواله، نفس المقالة كذلك كما قال -جل وعلا- {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا}[الفرقان:21] {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا}[الفرقان:22]، نفس المقالة.

قال -جل وعلا- {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}[الزخرف:54]، استخفهم يعني استخف عقولهم، جعل عقولهم وأذهانهم خفيفة بهذا الهراء وهذا القول المُزخرف من ألوان الكذب التي ألقاها إليهم؛ فهذه جعلت عقولهم خفيفة، بالفعل قال وين؟ أنت الملِك المُمكَّن الذي تتحكم في الأمور، وكيف يكون هناك مقارنة بين هذا الملِك المُمكَّن؛ القائم في مملكته، وبين موسى -عليه السلام- الذي ما هو إلا شخص من قوم ممَن يُهانون ويُعذَّبون، كما قال قومه {........ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ}[المؤمنون:47]، قالوا بنوا إسرائيل هم تحت قهرنا؛ وهم يعبدوننا، يعبدوننا؛ أي أنهم في محل العبودية تحت أقدامهم، قال -جل وعلا- {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ}، استخف فرعون قومه بهذا الكلام، فأطاعوه؛ أقروا له بالأُلوهية، وأنه كما قال عن نفسه أنه ربهم الأعلى، وأنه قال {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}، وأن الأمر له، وأن التدبير له، وأن المُلك له؛ فأطاعوه في مقالاته، قال -جل وعلا- {........ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}[الزخرف:54]، إنهم؛ قوم فرعون، كانوا قومًا فاسقين؛ خارجين عن طريق الرب -سبحانه وتعالى-، هذا من فِسقهم، الفسق؛ الخروج عن طريق الرب -تبارك وتعالى-.

قال -جل وعلا- {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}[الزخرف:55]، لمَّا كانوا بهذه المثابة من الحقارة؛ والدنائة، والكفر، واتِّباع الباطل، وترك الحق، والخروج عن طريق الصواب، آسفونا؛ قال أهل العلم بالتفسير أغضبونا، لمَّا أغضبوا الرب -تبارك وتعالى- عليهم بهذا الفعل؛ يعني بأفعالهم الإجرامية هذي التي قاموا بها، قال -جل وعلا- {انتَقَمْنَا مِنْهُمْ}، لابد أن تنزل عقوبة الله -تبارك وتعالى- بهم؛ ونقمته عليهم، قال -جل وعلا- {فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}، كلهم جمعهم الله -تبارك وتعالى- من الملِك الفرعون إلى آخر جندي من جنودهم؛ وألقاهم الله -تبارك وتعالى- في البحر، كلهم في مكان واحد، {فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}، ثم قال -جل وعلا- {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا ........}[الزخرف:56]، للمجرمين، لكل مجرم يقول له هذا سلفك، يعني إذا سِرت في هذا الطريق فيكون مصيرك مصير هذا، {........ وَمَثَلًا لِلآخِرِينَ}[الزخرف:56]، مَثَل يُتمثَّل به ويُقال فيه بأن هذا فعل الله -تبارك وتعالى- وصنيع الله -عز وجل- بالمجرمين الصادين عن سبيله؛ الذين يكفرون.

نقف هنا، وأُصلي وأُسلِّم على عبد الله ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين.