الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (606) - سورة الزخرف 57-67

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}[الزخرف:57] {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}[الزخرف:58] {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}[الزخرف:59] {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ}[الزخرف:60] {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}[الزخرف:61] {وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[الزخرف:62] {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الزخرف:63] {إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}[الزخرف:64]، بعد أن بيَّن الله -تبارك وتعالى- غِلَظَ قوم فرعون؛ وصدهم للحق مع ظهوره لهم، وكيف أن فرعون استخف عقولهم؛ وجعلهم يتَّبعون الباطل، ويتركون الحق الذي جاء به موسى مع ظهور آياته، قال -جل وعلا- {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الزخرف:51] {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}[الزخرف:52] {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ}[الزخرف:53] {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}[الزخرف:54] {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}[الزخرف:55] {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا ........}[الزخرف:56]، لمَن يأتي بعدهم، هذا سلفكم لكل كافر مُعانِد؛ ظهرت آيات الله -تبارك وتعالى- وحُجَجُه له ولم يتَّبعها، فانظروا كيف صنع الله -تبارك وتعالى- بهم في نهاية المطاف، {........ وَمَثَلًا لِلآخِرِينَ}[الزخرف:56]، مَثَل لكل المُكذِّبين الآخرين؛ الذين يأتوا بعدهم في آخر الزمان، أن ينظروا هذا مثَلٌ ضربه الله -تبارك وتعالى-، انظروا عقوبة الرب -تبارك وتعالى- في مَن عصاه؛ ولم يتَّبع أمره.

قال -جل وعلا- {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا ........}[الزخرف:57]، ابن مريم؛ عيسى -عليه السلام-، ضربه الله -تبارك وتعالى- مثَلًا في أنه دعى إلى التوحيد من أول يوم ولِدَ فيه عندما أنطقه الله -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}[مريم:29] {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم:30] {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}[مريم:31] {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}[مريم:32] {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}[مريم:33]، وقام كذلك داعيًا إلى الله -تبارك وتعالى- في كل رسالته، دعى بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فهذا عيسى ابن مريم -عليه السلام- الذي ليس بينه وبين نبينا نبي، لمَّا ضُرِبَ مثلًا في دعوته إلى الله -تبارك وتعالى- وقيامه بهذا، قال -جل وعلا- إذا قومك؛ أي العرب، {مِنْهُ يَصِدُّونَ}، العرب منه؛ من عيسى -عليه السلام-، ومن دعوته، ومن هذا المثَل الذي ضُرِبَ لهم، وذكَرَ الله -تبارك وتعالى- قصته في القرآن مُفصَّلة، {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}، ومعنى الصد هو البُعد، يعني ينأون عنه ولا يرون أن هذا شيئًا عظيمًا يُحتج به.

{وَقَالُوا}، جدالًا للنبي، {أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ}، أآلهتنا التي نعبد وهم يعبدون في زعمهم الملائكة؛ ملائكة الرب، خير أم هو؛ فإن النصارى عبدوه، قالوا والنصارى أتباع عيسى عبدوه وجعلوه ابنًا لله -تبارك وتعالى-، وابن لله من البشر هل يكون كإبن لله من الملائكة، فهم ظنوا الأمر على هذا النحو؛ أن هذا ابن منسوب إلى الله -تبارك وتعالى- من البشر اللي هو عيسى، وأن النصارى عبدوه بهذا الاعتقاد، وقالوا نحن نعبد الملائكة؛ والملائكة أفضل من البشر، فنحن آلهتنا أفضل من آلهة أولئك، وهذا جدال؛ هذا جدل منهم، فإنهم لا يعترفون بعيسى، ولا يعتفرون بعبادته، ولا يعترفون بأنه ابن لله -تبارك وتعالى- كما يقولون، ولكن إنما ضربوا هذا الأمر للرسول جدل منهم، {......... مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}[الزخرف:58]، العرب، بل هم قوم خصمون؛ أهل خصومة، أهل خصومة وأهل لدادة في الخصومة، كما قال -جل وعلا- عنهم {وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا}، فهم قوم أهل عداوة شديدة، وأهل خصومة؛ يُخاصِمون، ومن خصومتهم أن يُجادِلوا بالباطل؛ ويضربوا الأمثال مما لا يعتقدوه، يجعلوه مثَل يُحتج به في زعمهم على خصمهم، قال -جل وعلا- {......... مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}[الزخرف:58].

ثم قال -جل وعلا- {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ}، فهو ليس ولد لله -تبارك وتعالى- كما يدَّعي النصارى؛ وكما يحتج به مشركوا العرب على النبي -صل الله عليه وسلم-، يقولون هذا ابن لله من البشر ونحن نعبد أبناء الله من الملائكة، فإذن نحن عبادتنا وآلهتنا خير من عبادة عيسى، قال –جل وعلا- إن هو؛ أي عيسى -عليه السلام-، إلا عبد وليس ابن لله -تبارك وتعالى-، تعالى الله عن ذلك، {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ........}[الزخرف:59]، بالوحي والرسالة، وأنعم الله -تبارك وتعالى- عليه إذ خلَقَه من أمه بغير زوج، آية من آياته -سبحانه وتعالى- في الخلْق، كما خلَقَ قبله حواء -عليها السلام- من رجل بلا أُنثى، وقبله خلَقَ الله -تبارك وتعالى- آدم من طين هذه الأرض؛ لا من أُنثى ولا من ذكَرْ، وإنما بنفخة من روح الله -تبارك وتعالى- في هذا الطين، وقال -جل وعلا- {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران:59]، فقد خلَقَه بالكلمة بدون واسطة الذكر والأنثى؛ كما هو الشأن في سائر البشر غير هؤلاء الثلاثة، قال -جل وعلا- {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ........}[الزخرف:59]، بأن جعله الله آية بهذا، ثم أنعم الله عليه بالرسالة، ثم بالدعوة إليه -سبحانه وتعالى-، ثم بصنوف الإنعام التي أنعم الله -تبارك وتعالى- بها عليه، وكان آخر هذا أن أنقذه الله -تبارك وتعالى- من أعدائه، فإن الله -تبارك وتعالى- قال له {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}، {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}[الزخرف:59]، جعله الله -تبارك وتعالى-؛ صيَّره، مثلًا لبني إسرائيل؛ مثَل يُحتذى في الأخلاق، والآداب، والدين، والاستقامة، كان مثالًا كاملًا؛ يعني رسول كامل، كما أقام الله -تبارك وتعالى- عبده ورسوله محمد قدوة للعالمين -صل الله عليه وسلم-، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:21]، فالله أقام عيسى مثَل يُحتذى به ويُقتدى به في صفاته؛ وأخلاقه، وأفعاله -عليه السلام-، وجعلناه مثلًا لنبي إسرائيل ليحتذوه، لكن من بني إسرائيل مَن آمن به واقتدى به؛ ومنهم مَن كفر وصد عنه، {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ}[الزخرف:60]، يعني أن الملائكة كذلك إنما هم ليسوا بنات الله كما تدَّعون، لكن لو شاء الله -تبارك وتعالى- أن يجعلهم في هذه الأرض وأن يُزيل البشر منها؛ ويجعل الملائكة قائمين في هذه الأرض يعبدون الله -تبارك وتعالى-، ويخلفوا الناس فيها؛ في هذه الأرض لفعل، فإنهم ليسوا بناته وليس بالضرورة أن يجعلهم الله -تبارك وتعالى- في السماء، بل لو أراد الله -تبارك وتعالى- أن يجعلهم في الأرض لفعل، قال -جل وعلا- {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ}[الزخرف:60]، يخلفونكم، ملائكة في الأرض يقومون؛ فإن هذا بيد الله -تبارك وتعالى-، وكذلك لو شاء الله -تبارك وتعالى- أن يجعل هؤلاء البشر ملائكة؛ فيهم صفات الملائكة لفعل هذا، فإن هذا ليس بمستعصٍ على الله -تبارك وتعالى-؛ بل هو القادر على كل شيء.

ثم قال -جل وعلا- {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا ........}[الزخرف:61]، وإنه؛ الضمير هنا يعود على عيسى ابن مريم -عليه السلام-، علم للساعة؛ شرط من أشراطها وعَلَم عليها، عندما ينزل -عليه السلام- فإن هذا إيذان وإعلان بقُرب قيام الساعة، فهو من آيات الساعة العظمى؛ نزول المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام-، كما قال -صل الله عليه وسلم- «والذي نفس محمد بيده لينزلنَّ فيكم عيسى ابن مريم؛ حكمًا، عدلًا، مُقسِطًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجِزية، ويؤذِّن بالصلاة»، {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا ........}[الزخرف:61]، لا تشكُّون في الساعة فإنها آتية لا شك فيها، وهذا عيسى ابن مريم -عليه السلام- عَلَم من أعلامها، {وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}، {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}[الزخرف:61] {وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[الزخرف:62]، لا تشكون بالساعة واتَّبعوني؛ اتَّبعوا هذا هذا النبي الكريم محمد -صلوات الله والسلام عليه-، هذا صراط مستقيم أدعوكم إليه، إنما أدعوكم إلى صراط الله -تبارك وتعالى- المستقيم، {وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ}، الصد؛ المنع، يعني لا يمنعنكم الشيطان أن تلجوا طريق الله -تبارك وتعالى-، وكأنه لا يمنع إلا الشيطان وذلك لأنه العدو، هذا العدو لبني آدم لأنه أخذ على نفسه أن يمنعه من الخير؛ وأن لا يدله إلى على الشر، ولا يصدنَّكم عن طريق الله وصراط الله الشيطان، {........ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[الزخرف:62]، إنه؛ أي الشيطان، لكم عدو مبين؛ بيِّن العداوة، عداوته ظاهرة؛ وعداوته قد بدأت في السماء، منذ أن أمره الله -تبارك وتعالى- بالسجود لآدم فأبى؛ وقال لا أسجد له، وقال أن عدوُّه أبدًا؛ أن عدو هذا الإنسان الذي خلقته وكرَّمته علي أبدًا، {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:62]، {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص:82] {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص:83]، فهذا عدو منذ ذلك الوقت وإلى يوم القيامة يظل في عداوته، ويبدأ مع كل إنسان من الولادة؛ ولا يتركه إلى الموت، هذا عداوته كما قال النبي «ما من مولود إلا ويستهل صارخًا من وخز الشيطان له»، إلا ما كان من عيسى وأمه وذلك أن أم مريم قالت {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}، فأعاذه الله -تبارك وتعالى- من هذه الوخزة من الشيطان منذ ولدت مريم وولد ابنها، وإلا فبقية البشر كذلك كل أولاد آدم إن الشيطان يستقبلهم بوخزة في بطونهم من أول ما ينزلوا؛ ويظل معه أبدًا حتى الوفاة، حتى خروج روحه وهو مُلازِم له ليصدَّه عن السبيل، قال -جل وعلا- مُحذِّرًا ولا يصدنَّكم؛ أيها الناس، أيها العرب، {........ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[الزخرف:62].

ثم ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- عيسى فقال {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الزخرف:63]، ولمَّا جاء عيسى -عليه السلام- بالبينات؛ الدلائل الواضحات على صدقه وأمانته، وأنه رسول الله حقًا وصدقًا، فإن الله –تبارك وتعالى- قد أعطاه دلائل عظيمة جدًا؛ منها أنه يصوِّر بيديه من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيطير في السماء طيرًا بإذن الله؛ حي بكل معاني الحياة، وكذلك كان يُبرئ ذوي العاهات التي لا بُرء لها؛ ولا يعرف الناس طريقًا لشفائها، فيُبرئ الأكمه؛ وهو الذي يولَد أعمى، والأبرص؛ الذي يتغير جلده بفعل هذا البَهَق، وكذلك يُخرِج الموتى من قبورهم، يذهب إلى القبر ويُنادي الميت بعينه أمامهم فيخرج من قبره حيًّا، هذه آيات أجراها الله -تبارك وتعالى- على يديه؛ لتكون دلائل واضحات له على أنه رسول من الله -تبارك وتعالى-، {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ}، الدلائل الواضحات، {قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ}، قال لقومه؛ لبني إسرائيل، قد جئتكم؛ يعني يا بني إسرائيل، بالحكمة؛ الحكمة هي العلم الكامل الذي يجعلك تضع الأمور في مكانها، وهي هذه السُنَّة الموحى بها من الله -تبارك وتعالى- للرسول، {قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ}، كثير من الأحكام التي يختلفون فيها مما نشأ لهم من الأحوال؛ وخاصة بعد وجود بني إسرائيل في القهر، فإن عيسى -عليه السلام- قد بُعِثَ في بني إسرائيل وهم تحت قهر الرومان، وقد مرَّ بهم قهر قبل ذلك وهو قهر البابليين الذين قهروهم، ثم هذا قهر الرومان عندما قهروهم؛ وجعلوهم طائفة مُعيَّنة، يسير عليهم القانون الروماني؛ يُطبَّق عليهم، ففي كثير من الأمور التي كانوا يختلفون فيها في كيف يتصرَّفون جائهم على هذا النحو؛ جاء عيسى -عليه السلام- ليُبيِّنها لهم، {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}، قول عيسى لهم اتقوا الله؛ خافوا الله -تبارك وتعالى-، وأطيعوني في ما أدعوكم به؛ إلى الإيمان بالله وتوحيده -سبحانه وتعالى-.

{إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ........}[الزخرف:64]، إن الله؛ تأكيد، الله الذي يعلمونه، الله خالق السماوات والأرض -سبحانه وتعالى-؛ رب العالمين، هو؛ وليس غيره، ربي؛ فإنه ليس هو أبي كما زعموا وقالوا، بل هو ربي؛ وربه إله وخالقه ومولاه -سبحانه وتعالى-، وربكم كذلك؛ رب الجميع، فهو ربي وربكم، فاعبدوه؛ وحده لا شريك له، {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}، هذا الذي أدعوكم إليه صراط مستقيم، نفس الأمر الذي يدعوا إليه النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-؛ قال {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}[الزخرف:61]، كلام عيسى {إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}[الزخرف:64]، فدعوة الرُسُل دعوة واحدة؛ يدعون إلى صراط الله -تبارك وتعالى- المستقيم، ((نحن الأنبياء أولاد علَّات؛ ديننا واحد)).

قال -جل وعلا- {فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ}، بعد عيسى -عليه السلام- اختلف الأحزاب؛ يعني الجماعات المتفرقة من أتباعه، اختلفوا من بينهم اختلافات كثيرة، كما قال -جل وعلا- {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[المؤمنون:53]، قال -جل وعلا- {........ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ}[الزخرف:65]، هذا تهديد ووعيد من الله -تبارك وتعالى- للذين ظلموا؛ انحرفوا عن الحق، وقالوا في عيسى ما قالوا، منهم مَن اختلف في عيسى وجعلوه ابنًا لله -تبارك وتعالى-؛ وعبدوه من دون الله، والحال أنه عبد الله ورسوله كما أخبرهم؛ وكما دلَّت كل الأدلة والبينات والبراهين على أنه عبد الله، وأن الله -تبارك وتعالى- لم يتخذ ولدًا، ولا يمكن أن يتخذ ولدًا -سبحانه وتعالى-، بل الله هو الواحد الأحد؛ الفرد الصمد -سبحانه وتعالى-، الذي لا شريك له، ولا شبيه له، ولا ند له -سبحانه وتعالى-، قال -جل وعلا- {فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ........}[الزخرف:65]، وضعوا الأمور في غير محلها، ظلموا أنفسهم بالشِرك بالله -تبارك وتعالى-، {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ}، يوم القيامة هذا يوم أليم؛ والعذاب ينتظرهم في هذا اليوم.

قال -جل وعلا- {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[الزخرف:66]، يعني ماذا ينتظر هؤلاء المُكذِّبون، هل ينظرون؛ بمعنى الانتظار، ينظرون إلا الساعة؛ يوم القيامة، سُميت بالساعة لأن لها وقت محدد تأتي فيه، أن تأتيهم بغتة؛ دون سابق إنذار، ودون أن يُخبَروا بيوم مجيئها، ودون أن يكون في الأُفُق وفي عِلمهم وفي الظاهر ما يدل على أن هذه الساعة قائمة، كأن يتحرَّك لهم نجم من مكانه ويرون أنه قاصد أرضهم ومكانهم، وأنه هذا النجم سيصطدم بهم في اليوم الفلاني المُحدد، كما هو زعم مَن يزعم بأن نهاية العالم ستكون على هذا النحو؛ بأنه خلاص يأتي نجم، أو يفترق نجم، أو الأرض تخرج عن مسارها، ونحو هذا الهراء الذي يقوله من يقوله ممَن لا يؤمن بالله -تبارك وتعالى-، بل الساعة تأتي يوم تأتي فجأة، فلا يرى الناس قبلها بثانية لا يرى الناس أن هناك من شيء في ما هو حولهم يدل على هذا التبدُّل العظيم؛ والانفجار العظيم الذي يقول الله -تبارك وتعالى- فيه {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ}[الانفطار:1] {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ}[الانفطار:2] {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ}[الانفطار:3] {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}[الانفطار:4]، هذا هو الانفجار العظيم، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}[التكوير:1] {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ}[التكوير:2] {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}[التكوير:3] {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ}[التكوير:4] {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}[التكوير:5] {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}[التكوير:6]، فهذا الانفجار العظيم الذي يأتي فجأة؛ لا يأتيهم إلا فجأة، كما قال -تبارك وتعالى- {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً}، وقد قال النبي -صل الله عليه وسلم- واصفًا أحوال الناس في الثواني الأخيرة لمجيء الساعة؛ قال «تقوم الساعة وإن الرجل ليلوط حوضه فلا يسقي فيه، وإن الرجل ليأكل طعامه فلا يرفع اللقمة إلى فمه»، فلا شك أن هذا الذي جالس في البر؛ يُصلِح حوضًا لإبله لتشرب فيه، ما عنده أي خبر بأن الساعة ستكون في ذاك الوقت، وكذلك هذا الذي مدَّ سفرته؛ ووضع طعامه، وجلس يأكل مُطمئنًا، لا شك أنه لا عِلم له بتاتًا بأن الساعة قادمة، {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ........}[الزخرف:66]، فجأة، {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}، يعني وهم لا يشعرون بمجيئها، بل تأتيهم وليس عندهم أي نوح من الشعور؛ إحساس، يعني مثلًا كزلزلة صغيرة قبل ذلك أو شيء، ما في أي صورة من صور العِلم حتى الاستشعار بأن الساعة قد قرُبَت؛ أو أنها آتية، {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[الزخرف:66]، هذي حالها.

{الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف:67]، هذا تذكير من الله -تبارك وتعالى-، ووصف للحال الذي سيكون عليه الناس يوم القيامة، وهذا بعد النفخة الثانية في الصور؛ عندما يقوم الناس لرب العالمين، يقول الله -تبارك وتعالى- {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ}، الأخلاء جمع خليل، والخليل هو الصديق الذي يُحِب خليله وصديقه بحيث أن محبته تتخلل في قلبه، يُقال أن الخُلَّة من تخلل ودخول المحبة إلى داخل قلب كلٌ منهم، فهؤلاء الأخلاء الذين بلغوا في الصداقة هذه الدرجة اللي هي أعلى درجات المحبة، يومئذٍ؛ في هذا اليوم، يوم القيامة، {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}، يُعادي بعضهم بعضًا، قال -جل وعلا- {إِلَّا الْمُتَّقِينَ}، إلا أهل التقوى فإنهم يظلوا على ولايتهم بعضهم لبعض؛ ومحبة بعضهم لبعض، ونُصرة بعضهم لبعض في يوم القيامة، أما الأخلاء الذي كانوا أخلاء في الدنيا لكنهم كانوا على كفر فإن هؤلاء يُعادي بعضهم بعضًا، يعني القادة يُعادون مَن تحتهم، والأتباع يُعادون القادة، كما قال -جل وعلا- {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}[البقرة:166]، عِلمًا أنهم كانوا يُحِبونهم حب عبادة، قال -جل وعلا- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}[البقرة:165] {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}[البقرة:166] {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة:167]، فيُعادي مَن كانوا على الكفر وكانوا أصدقاء في الدنيا ولكنهم كانوا على الكفر؛ والفِسق، والخروج عن طاعة الله، يُعادي بعضهم بعضًا.

{إِلَّا الْمُتَّقِينَ}، فإنهم يظلوا على محبتهم كما أخبر النبي -صلوات الله والسلام عليه- أن المؤمنين عندما يوضع الجسر على ظهر جهنم وهو الصراط، ويجوزه المؤمنون الذي يجوزونه دون أن يمسَّهم شيء وهم على الصراط، فإن النبي أخبر بأنه عند الجواز عن الصراط يمرون، قال «فيمرون كالطرف وكالبرق»، يعني من الناس سرعتهم كسرعة لمح البصر، «وكالبرق، وكأجاويد الخيل والرِكاب، فناجٍ مُسلَّم، ومخدوش ناجٍ، ومكدوس على رأسه في جهنم، يقول النبي فإذا خلَصَ المؤمنون»، اللي هم هؤلاء الذين نجوا وخرجوا بعد الصراط؛ وهذا خلاص سيستقبلوا الجنة، وجازوا جهنم التي كان هذا المعبر فوقها، يقول النبي «فما أنتم بأشد مُناشدةً لي في الحق استبان لكم منه من مناشدة المؤمنين ربهم يومئذ، يقولون يا ربنا إخواننا؛ كانوا يُصلُّون معنا، ويصومون معنا»، فانظر رابطة أهل الإيمان لم تنتهي في هذا اليوم العصيب، فإن المؤمنين الذين نجوا من الصراط يذكرون إخوانهم الذي وقعوا عنه، «يقولون يا ربنا إخواننا؛ كانوا يُصلُّون معنا، ويصومون معنا»، يستنجدون الله -تبارك وتعالى- ويستشفعونه في إخوانهم الذين وقعوا عن الصراط، وأما إذا دخلوا الجنة فإن الله -تبارك وتعالى- ينزع من قلوبهم لو كان بقي أي إحن؛ أو بغضاء، أو غيرها، كما قال -جل وعلا- {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[الحجر:47]، فهم إخوان يعيشون في الجنة؛ إخوان على سُررٍ متقابلين، وأما الذين في النار فإنهم يظلون يتلاعنون؛ ويتسابون، ويتشاتمون، {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ}[ص:64]، فأهل النار في خصومة دائمة وفي حرب بعضهم مع بعض، كلما جاء فوج {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ}[ص:59] {قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ}[ص:60]، فيظلوا في لعن بعضه بعضًا بدءًا من دخول مَن يدخل النار إلى مُستقَرهم وهم يلعن بعضهم بعضًا، {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف:67].

{يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}[الزخرف:68]، نداء من الرب -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين، يُناديهم {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ........}[الزخرف:68]، في هذا اليوم يُبشَّرون أن ما في خوف عليكم خلاص، وهؤلاء عباد الله -تبارك وتعالى- الذي عبدوه؛ وآمنوا به، ووحَّدوه -سبحانه وتعالى-، {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}[الزخرف:68]، على ما خلَّفتموه وراء ظهوركم، فهذا تأمين؛ يؤمنون أمانًا كاملًا في ما هم مُقدِمون عليه وما خلَّفوه وراء ظهورهم، وهذا قد أخبر -سبحانه وتعالى- بأن الإبلاغ بهذا الأمان يكون عند الموت، كما قال -تبارك وتعالى- {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا ........}[فصلت:30]، تتنزَّل عليهم عند الموت، {........ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:30] {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}[فصلت:31] {نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}[فصلت:32]، فإذن يُبشَّرون {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}[الزخرف:68] {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ}[الزخرف:69]، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعلنا منهم.

لنا عَود إلى إلى هذا السياق من هذه الآيات في الحلقة الآتية -إن شاء الله-، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.