الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (608) - سورة الزخرف 74-82

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[الزخرف:74] {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}[الزخرف:75] {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}[الزخرف:76] {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف:77] {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[الزخرف:78] {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}[الزخرف:79] {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}[الزخرف:80] {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}[الزخرف:81] {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الزخرف:82] {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}[الزخرف:83]، بعد أن ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- نعيم أهل الجنة ثنَّى -سبحانه وتعالى- بعذاب أهل النار، ففي ذِكر الله -تبارك وتعالى- هنا لنعيم أهل الجنة قول الله -تبارك وتعالى- {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}[الزخرف:68] {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ}[الزخرف:69] {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ}[الزخرف:70]، تُسَرون، {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[الزخرف:71] {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا ........}[الزخرف:72]، مُلِّكتموها، {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} {لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ}[الزخرف:73]، انظر هذا النعيم المُقيم؛ وهذا السرور، وهذا التكريم من رب العالمين، وهذا الخطاب الإلهي بالرضا والرضوان منه -سبحانه وتعالى- إلى عباده المؤمنين؛ وإباحته لهم ما أباحه -سبحانه وتعالى-، وإعطائه وإكرامه لهم ما أعطاهم في هذه الجنة التي يُسَرون فيها؛ ويُحبَرون فيها بكل أنواع السرور والحبور.

انظر هذه الصفحة ثم تأتي الصفحة الأخرى، انظر خطاب الرب -تبارك وتعالى- عن المجرمين؛ وهم فاعلوا الإجرام من الكفر؛ والعناد، والصد عن سبيل الله -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ}، هذا تأكيد منه -سبحانه وتعالى-، {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[الزخرف:74]، إخبار من الله -تبارك وتعالى- عن هؤلاء بأنهم في عذاب جهنم خالدون؛ يعني أنهم باقون فيها بقاءً لا ينقطع، {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ}، بالألف واللام؛ كل مجرم، والمجرمين الذين هم في عذاب جهنم هم الذين ماتوا على الكفر والشِرك؛ الذي لا يغفره الله -تبارك وتعالى-، هذا المجرم؛ فاعل هذا الإجرام، وهذا النوع من الإجرام وهو الكفر والشِرك بالله -تبارك وتعالى- لا يغفره الله -تبارك وتعالى-، {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا}[طه:74]، هذا الذي له عند الله -تبارك وتعالى- {........ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا}[طه:74]، وقال -جل وعلا- {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ........}[النساء:48]، «إني حرَّمت الجنة على الكافرين»، فهذا خطاب الرب -سبحانه وتعالى-؛ أن كل مَن جائه يوم القيامة كافرًا به مشركًا، هذا الشِرك الناقل عن المِلَّة؛ الشِرك الأكبر، ليس الشِرك الأصغر؛ شِرك الرياء، وإنما الشِرك الأكبر؛ أنه بكل أنواع الشِرك، عبَدَ مع الله -تبارك وتعالى- غيره؛ هذا في أُلوهيته، أو في رُبوبيته فأشرك في رُبوبية الله -تبارك وتعالى-؛ بأن ظن في أن هناك مَن يخلُق مع الله، أو يرزق مع الله، أو يُحيي، أو يُميت غير الله -تبارك وتعالى-، وكذلك مَن يملك أو يحكم غير الله -تبارك وتعالى-، فإن الحُكم كله له؛ الحُكم الكوني القدري، والحُكم الشرعي الدين، فمَن ارتضى شرعًا له غير شرع الله -تبارك وتعالى- فهو مشرك بالله -تبارك وتعالى-، كما قال -جل وعلا- في تحليل الميتة {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}، فالدين كله لله -سبحانه وتعالى-، مَن أتى ربه كافرًا مشركًا فهذا مجرم؛ هذا هو الإجرام، الإجرام بالكفر والشِرك الذي لا يغفره الله -تبارك وتعالى-.

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[الزخرف:74]، جهنم هي هذه البئر العميقة التي تتسع لكل هؤلاء الكفار مع ما يدخلونها من العِظَم والكِبَر، يقول النبي «مقعد الكافر في النار»، يعني المكان الذي يقعد فيه في النار، «ما بين مكة والمدينة»، يعني في مساحة دائرة قطرها أكثر من أربعمائة كيلو متر بحسابنا الآن هذا مقعد الكافر في النار، ومع ذلك فالنار مهما أُلقي فيها من الأفواج فإنها تقول هل من مزيد؟ لها سِعة إلى أن يضع رب العِزَّة قدمه فيها فتقول "قطِن، قطِن"، أو "قطني، قطني"، فالنار تتسع لكل هؤلاء، هذه البئر العميقة، هذا سجن الرب -سبحانه وتعالى-، {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}، فهم في مكان محصورون فيه، {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ}[الهمزة:8]، مغلقة، {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}[الهمزة:9]، أبوابها سبعة أبواب لكنها إذا أُدخِلوا فيا أُوصِدَت بعد ذلك إيصادًا لا تُفتَح بعده أبدًا -عياذًا بالله-، {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ ........}[الزخرف:74]، عذاب دائم، عذاب أخبر الله -تبارك وتعالى- بأنه كل عذاب، أولًا عذاب النار فتتقِد أجسامهم فيها، {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، والحجارة التي فيها، ثم ما فيها بعد ذلك من الأهوال والتهاويل العظيمة -عياذًا بالله-، حيَّات كالبِغال؛ يُخبر النبي -صل الله عليه وسلم-، ومقامع من حديد بأيدي الزبانية التي تقمعهم، كما قال -تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، وقودها؛ تتقِد هذه النار بالناس، فالناس وقودها؛ تلتهب في أجسادهم -عياذًا بالله-، {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ}، شِداد، لم يبتسم ملَك منهم قط طيلة حياته؛ ولا يعرف الابتسام، ولا يأتي قلبه عنصر من عناصر الرحمة لأعداء الله -تبارك وتعالى-، ولا يستطيع أن يبتسم؛ هكذا خُلِق، {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ}، ما أمرهم بأي أمر لا يعصونه، {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، فهم ليس عندهم معصية لله -تبارك وتعالى-؛ إرادة المعصية ما هي موجودة، ثم إن كل ما أمرهم به ربهم -سبحانه وتعالى- مُنفِّذونه، {فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ}، هذا العذاب بكل ألوانه، الشراب؛ الحميم، {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}، الزقوم؛ {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}[الصافات:64] {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات:65] {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الصافات:66]، وذلك من الجوع الشديد، يُسلَّط عليهم الجوع الشديد؛ يشعرون بالجوع الشديد، فيذهبون إن هذه شجرة الزقوم الله يقول {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ}[الصافات:63]، فهي فتنة يُفتَن بها فيأكل منها أكل بنهَم شديد ليُطفئ نيران الجوع الذي في بطنه؛ فتكون عليه نارًا أكبر من نار الجوع -عياذًا بالله-.

{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ}[الصافات:67]، عندما تغلي في بطونهم يُريد أن يُطفئها فلا يجد إلا الماء الذي هو كالمهل؛ مثل المعدن المُذاب، يشربه فيزداد عذابه -سبحانه وتعالى-، ثم يهرب من ذلك إلى الحميم، ثم يهرب من ذلك إلى هذا، كما قال -جل وعلا- {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ}[الرحمن:43] {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}[الرحمن:44]، يطوفون بينها يعني يركض إلى هذا ثم لمَّا يزداد غمه وهمه بهذا يركض إلى الأخر، فيستجير بالماء المغلي فلا يجد أنه يُجيره من العطش، ثم يلجأ إلى النار فتزداد منه، ثم يلجأ إلى الزقوم وهكذا، {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}[الرحمن:44]، عياذًا بالله من حالهم، فهذي في عذاب جهنم؛ جهم هذه التي ملأها الله -تبارك وتعالى- بكل أنواع الغموم والهموم لأهلها، سواءً كانت هذه الهموم والغموم والعذاب عذاب حِسِّي واقع لهم فيذوقوه، {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا}، أو عذاب معنوي وهو التقريع؛ والتوبيخ، والتأنيب، والمقت، يُقال لهم {........ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ}[غافر:10]، والتوبيخ من الملائكة؛ فيُوبِّخونهم ويُقرِّعونهم، وتوبيخ بعضهم لبعض، واتهام بعضهم لبعض، وسب بعضهم لبعض، ولا وجود لمَن يعطف عليهم؛ ولا يبكي عليهم، ولا يذرف عليهم دمعة، فهذا كمان مما يزيد من نكالهم وعذابهم، ثم أيضًا من الشعور بأن الفرصة كانت سانحة؛ وكانت في متناول اليد ولكنها ضاعت، فهذا يُزيد غمهم إلى غم، {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك:10]، يا ليتنا آمنا، الإيمان كان في متناول اليد؛ كان قريب منَّا جدًا، عُرِضَ علينا الإيمان ودُعينا له ولكننا لم نأخذه ولم نتناوله مع أنه كان قريبًا منَّا في الدنيا، ثم بعد ذلك استصعاب هذا بعد ذلك، أن هذا أمر ليس استصعابه وإنما استحالته، يعني استحالة أن يُتناوَل الإيمان مرة ثانية، فإن الله -تبارك وتعالى- يقفل على أهل النار كل أسباب توقُّف العذاب أو الخروج منه؛ لا مجال، ما في أي صورة من الصور، لا يقبل الله -تبارك وتعالى- منهم فدية، لا يقبل الله منهم اعتذار، لا يقبل الله منهم شفاعة، لا يقبل الله -تبارك وتعالى- منهم أن يُرَدوا مرة ثانية ليُصحِّحوا ما أخطأوا فيه، لا يقبل أن يطلبون منه أن يرحمهم فيُهلِكهم وينتهوا، ما في أي صورة من صور الخروج مما هم فيه -عياذًا بالله-، {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[الزخرف:74].

ثم قال -جل وعلا- {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ ........}[الزخرف:75]، يُفتَّر؛ يُقلَّل، يُخفَّف، فالفتور؛ الضعف، يعني النار المستعِرة هذي المشتعلة لا تضعف؛ فتفتر وتسكن شيئًا، لا يُخفَّف، الماء المغلي هذا الذي يشربونه؛ ماء الحميم، لا يأتي وقت يكون قد نزل عن حدِّه في الحرارة، وإنما هو حميم آن؛ بلغ حينه ويظل على هذا النحو، يظل على هذا النحو ولا ينزل عن حرارته التي هي القصوى، كما يُقال مثلًا والله الرصاص يُذاب عند درجة حرارة هي كذا؛ ستمائة درجة مثلًا، فماء النار -عياذًا بالله- يظل في درجته القصوى، لا يُفتَّر ولا ينزل إلى درجة أقل من هذه، فماء الدنيا مثلًا مائة درجة معروفة عندها يغلي الماء، وبعد ذلك ما يكتسب حرارة أخرى غير هذه الحرارة، فيظل في هذا وما ينزل إلى السبعين أو الخمسين، {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ ........}[الزخرف:75]، العذاب، فيأتي وقت يرتاحون فيه أو يهدأ العذاب فيه، وإنما هو عذاب مستعِر دائمًا؛ يعني متواصل الاستعار، وفي حالته القصوى دائمًا؛ في كل الأوقات -عياذًا بالله سبحانه وتعالى-، {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}[الزخرف:75]، المُبلِس هو المبهوت؛ المُتحيِّر، اليائس، مُبلِسون؛ يائسون، ما في أي منفذ للرحمة فيظل يائس؛ يخرج من هذا العذاب إلى هذا العذاب، إلى هذا العذاب...؛ ولا منفذ، {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا ........}[الحج:22]، يُنادوا بأي طريقة، يستصرخوا بأي صورة من صور الاستصراخ، {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}، فيُقرَّعون، {........ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}[فاطر:37]، فقول الله -تبارك وتعالى- {........ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}[الزخرف:75]، يعني مبهوتون؛ مُتحيِّرون، يائسون، قانطون، لا مجال لخروج ولا منفذ من منافذ الرحمة.

ثم قال -جل وعلا- بعد أن صوَّر هذا العذاب لنا هذا التصوير {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ}، الذي وقع عليهم ليس بظلم من الله -تبارك وتعالى- فهم يستحقون، هذا العذاب بهذه الصورة هو موافق للذنب الذي أذنبوه، كما قال -تبارك وتعالى- {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:26]، جزاء موافق لهذا الذنب، بدون زيادة عما يستحقون من العذاب إنما هو هذا -عياذًا بالله سبحانه وتعالى-، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ}، لم نظلمهم فنُكلِّفهم أو نُعذِّبهم عذاب لا يستحقونه، أو نُضيف عذاب غير العذاب الذي اقترحوه فنُحاسِبهم بذنوب لم يقترفوها... لا، وإنما يُحاسبون على الذنب الذي اقترفوه فقط؛ ولا يُحمَّلون ذنوب الأخرين، {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا}[النبأ:21] {لِلْطَّاغِينَ مَآبًا}[النبأ:22] {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}[النبأ:23] {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا}[النبأ:24] {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا}[النبأ:25] {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:26]، جزاء موافق للذنب، ما الذنب؟ قال {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا}[النبأ:27] {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا}[النبأ:28]، {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا}[النبأ:27]، لاهي، لاعب، سادر، فرحان في هذه الدنيا، مسرور وغير عابئ، يأتيه النذير من الله -تبارك وتعالى- ويُبلِّغه؛ أنت مخلوق هنا في هذه المهمة، وأن ورائك مهمة؛ لست مخلوقًا عبثًا، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:115] {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}، كيف يخلقكم هكذا عبثًا؟ وتفعلون ما تشاؤوا ولا حساب؛ ولا عقوبة، ولا مسائلة، {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا}[النبأ:27] {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا}[النبأ:28]، كذَّبوا تكذيبًا حقيقي بآيات الله -عز وجل-؛ قالوا كذب، قالوا عن آيات الله -تبارك وتعالى- كذب، كذِّبوا الرسول؛ اتهموه، سبوه، شتموه، ما في يوم قيامة، كل هذا فعلوه؛ فهذي جريمة، وهذي جريمة خلاص ماتوا عليها؛ لا تغتفر، جائهم نذير وجائهم نذير، الله يقول لهم {........ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}[فاطر:37]، فهذا جزاء موافق لعِظَم الذنب الذي ارتكبوه؛ وهو أنهم كانوا غير آبهين بكل ما أُنذِروا به وحُذِّروا به، {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا}[النبأ:27] {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا}[النبأ:28]، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}[الزخرف:76].

ثم أخبر -سبحانه وتعالى- عن حال من حالهم؛ وأنه لا منفذ، قال -جل وعلا- {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ........}[الزخرف:77]، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ}، مالك؛ خازن النار، جاء في حديث النبي -صل الله عليه وسلم- أنه خازن النار، وأن النبي رآه -صل الله عليه وسلم- يوم عُرِجَ به في المعراج إلى السماء، ورأى ما رأى من ملائكة الله -تبارك وتعالى- بدءًا من جبريل؛ الذي اصطحبه في هذه الرحلة إلى الملائكة في بيت المقدس، إلى الملائكة في كل سماء، وكان كل ملائكة السماء يستقبلون النبي بالبشر؛ والترحاب، ويُسلِّمون عليه، ويهشون له، إلا هذا الملَك؛ إلا مالك، فإنه سلَّم على النبي -صل الله عليه وسلم- ولم يبتسم له؛ ولا هش له، حتى أنه سأل جبريل عنه فقال هو هكذا منذ خلَقَه الله، خلَقَه الله -تبارك وتعالى- هكذا، لو ابتسم لأحد قبلك لابتسم لك، إن الله خلَقَه على هذا النحو، يا مالك؛ هذا خازن النار، رئيس الزبانية؛ زبانية النار، جاء ذِكره هنا؛ الله -تبارك وتعالى- هنا ذكَرَه في هذا الموقف الذي يدل على شدة قلبه وغِلظته كل أنواع الغِلظة، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ}، نادوا يعني أهل النار، {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، وجاء بأنه يا مالي ليقضي علينا ربك بالترخيم؛ كأنه نوع من استعطافه واسترقاقه جاء في القراءة الثانية، {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، يعني طلب واسترحام، يقول {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، يعني يُميتنا موتًا لا حياة بعده، {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، فيرد عليهم بهذه الجملة {قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}، إنكم؛ بالتأكيد، ماكثون؛ ماكثون يعني هنا مُكثًا لا انقطاع له، {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}، وجاء في الحديث أنه يرد عليهم في آخر اليوم؛ واليوم ألف سنة، فلا يرد عليهم إلا بعد ألف سنة من قولهم {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، الف سنة وهم في هذا العذاب بهذه الصورة، ويقول لهم {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}، فيكون ردُّه زيادة لهم في الهم والغم؛ وما هم فيه من العذاب -عياذًا بالله-، {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}.

{لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[الزخرف:78]، أما أن اليوم في الآخرة يوم العذاب ألف سنة فقد جاء في قول الله -تبارك وتعالى- {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[الحج:47]، {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ}، يعني هؤلاء الأغبياء؛ المغفلون، السادرون، الغافلون، الكافرون يستعجلونك بالعذاب؛ يقولوا لك هات العذاب، ثم يقول -جل وعلا- {........ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[الحج:47]، يعني يوم واحد يشوفونه في العذاب مثل ألف سنة مما يعدونه هنا، فليش تستعجل؟ لِما تستعجل عذابًا هذه صفته؛ يومٌ فيه كألف سنة؟ {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف:77] {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[الزخرف:78]، إما أن يكون هذا من كلام مالك، ويكون جئناكم يعني أن الله -تبارك وتعالى- قد جائهم بالحق، {........ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[الزخرف:78]، أو من كلام الرب -سبحانه وتعالى- لأهل النار، لقد جئناكم أيها الناس بالحق؛ فإن الله -تبارك وتعالى- أرسَل رُسُله، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، وأنزل مع هؤلاء الرُسُل الكتاب المستبين الذي يدعوا الناس وهو بأيديهم؛ يلمسوه، يسمعوه، فيروه تمامًا خطاب مباشر من الله -تبارك وتعالى- للناس، كهذا القرآن الكريم؛ فإنه كلامه المباشر منه -سبحانه وتعالى-، لم يصغه جبريل، ولم يصغه النبي، يعني ما وحي عِلم يُعلِم به الله -تبارك وتعالى- جبريل فيصوغه، أو عِلم يُعلِم الله -تبارك وتعالى- به الرسول فيصوغه من عنده... لا، بل إن الله -تبارك وتعالى- تكلَّم به على هذا النحو كما أُنزِل؛ بلسان عربي مبين منه -سبحانه وتعالى-، ثم جعله خطاب منه -سبحانه وتعالى- مباشر، يُخاطِب الناس؛ يا أيها الناس، يا أيها الإنسان، يا بني آدم، فيُخاطِبهم به هذا الخطاب المباشر منه -سبحانه وتعالى- إلى كل مَن يبلغه، {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]، فقد جائهم كلام الرب المباشر منه -سبحانه وتعالى-؛ على طول من الله إلى المخاطَب بهذا القرآن، والمُخاطَب بهذا القرآن كل مَن على الأرض، كل مَن على الأرض من وقت النبي وإلى آخر الناس هذا خطاب الله -تبارك وتعالى- لهم.

{لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ}، جائهم الله -عز وجل- بالحق؛ بهذا النبي -صل الله عليه وسلم-، بهذا النبي الذي بُلِّغَ هذه الرسالة وأوصلها -صلوات الله والسلام عليه-، {........ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[الزخرف:78]، -الله أكبر- انظر الذنب العظيم، ولكن أكثركم؛ ممَن كفر وعاند، للحق كارهون؛ كيف يُكرَه الحق؟ كيف يُكرَه الحق وهو حق ثابت؟ {........ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[الزخرف:78]، وفي هذا الحق وعد الله -تبارك وتعالى- بالجنة، فاستهزئ به؛ استهزأوا بالجنة، وكذلك وعيد الله بالنار، وكذلك استهزأوا بها؛ وظنوا أن هذا حديث خُرافة، وأساطير الأولين، فجائكم بهذا؛ جائكم الله -تبارك وتعالى- بأن اعبدوه، وأن هذا حق الله -تبارك وتعالى- عليكم، ولكن استهزأوا بها؛ وردوا هذا، {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[الزخرف:78]، إذن تستحقون ما أنتم فيه، إذن أيها المجرمون أهل النار أنتم تستحقون ما أنتم فيه من العذاب والنكال.

ثم بعد ذلك أرجعنا الله -تبارك وتعالى- إلى هذه الدنيا؛ وما يكيده الكفار لهذا الدين، يُريدون أن يكيدوا الله -تبارك وتعالى-؛ ويمكروا به، قال -جل وعلا- {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}[الزخرف:79]، {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا ........}[الزخرف:79]، يعني دبَّروا مكيدة للإسلام وللرسول، إبرام الأمر هو إحكامه، مكيدة من مكائدهم؛ مؤامرة من مؤامراتهم، كيف يصنعون ليصرفوا الناس عن هذا الدين؛ وليُزيحوا النبي -صل الله عليه وسلم- من طريقهم، وليُزيحوا أهل الإيمان؟ قال -جل وعلا- {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا ........}[الزخرف:79]، أمرًا ما من أمورهم وكيدهم في الضلال والكفر، {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}، فإنا؛ الله -سبحانه وتعالى-، مُبرِمون؛ مُدبِّر لهم كيد بكيدهم، ومكر يُبطِل مكرهم، وهنا شتَّان بين عباد مهازيل؛ ضِعاف، يكيدون ويُبرِمون أمر من أمور الكفر والشر، وبين الرب الإله العظيم -سبحانه وتعالى-؛ الذي بيده المُلك كله، والاطلاع والعلم بكل خلْقِه -سبحانه وتعالى-، والقدرة العيظمة التي لا تُنازِعها قدرة؛ ولا يقف أمامها شيء، قدرة مَن رفع السماوات بغير عَمَد -سبحانه وتعالى-؛ ومَن وضع الأرض في مكانها والشمس في مكانها، قدرة هذا الإله العظيم، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67]، الله -تبارك وتعالى- يضعنا هنا في المقارنة بين ما يكيده ويُدبِّر فيه الكفار؛ وبين ما يُدبِّر به الله -تبارك وتعالى-، لا مجال للمقارنة بين كيد هذا العاجز الضعيف الهزيل؛ الإنسان، وبين إله وربه ومولاه؛ خالق الكون كله -سبحانه وتعالى-، {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}[الزخرف:79]، استهزاء بتدبيرهم أمام تدبير الله -تبارك وتعالى-، {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}[الزخرف:79].

{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}[الزخرف:80]، أم يحسبون؛ يظنون، هؤلاء المغفلون الجاهلون بل المُكذِّبون الجاحدون، {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ........}[الزخرف:80]، أنَّا؛ الله -سبحانه وتعالى-، لا نسمع سرهم؛ ما يُسرِون به، وسِرَّهم في أنفسهم، يعني ما يُدبِّره كل كافر وكل مجرم من هؤلاء في نفسه كيدًا للدين، ونجواهم يعني حديثهم السري في ما بينهم، التناجي هو الحديث السري بين إثنين فأكثر، يعني يظنون أن الله لا يعلم سرهم؛ ما تُخفيه قلوبهم، وسرهم هذا الذي يظنونه مكنون؛ وأن الله لم يطَّلِع عليه من كيدهم هذا، ونجواهم؛ اجتماعهم وتآمرهم بعضه ببعض؛ وحديثهم السري، قال -جل وعلا- بلى؛ يعني نسمع سرهم ونجواهم، ثم بعد ذلك مع سمع الله -تبارك وتعالى-؛ وعِلمه التام بكل ما يُدبِّرونه، فإنه رُسُل الله -تبارك وتعالى- لديهم؛ عندهم حاضرين ويكتبون، رُسُل الله -تبارك وتعالى- من الملائكة جالسين معهم يُدوِّنون كل ما يتآمرون به ويُحِيكونه، كل ما يقولونه في اجتماعاتهم السرية مُسجَّل ومُدوَّن، فأين يذهب هؤلاء؟ وين هؤلاء يذهبون؟ وهذه حالهم مع الله -تبارك وتعالى- أن الله مُطَّلِع على كل أسرارهم؛ في قلوبهم، أو في جماعاتهم، وأن الله -تبارك وتعالى- قد وكَّل بهم الملائكة الذين يُدوِّنون كل ما يقولونه، {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}[الزخرف:80].

ثم قال -جل وعلا- مُبينًا فساد اعتقادهم بأن لله ولد، وأنه لو كان له ولد على الحقيقة لكان النبي هو أول مَن يستجيب لأمر الله -تبارك وتعالى- بعبادة هذا الولد، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، قال –جل وعلا- {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}[الزخرف:81] {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الزخرف:82] {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}[الزخرف:83]، نعود -إن شاء الله- إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.