الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (609) - سورة الزخرف 81-82

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}[الزخرف:79] {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}[الزخرف:80] {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}[الزخرف:81] {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الزخرف:82] {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}[الزخرف:83] {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}[الزخرف:84] {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[الزخرف:85]، بعد ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- الحال الذي سيكون فيه أهل الإجرام والكفر في النار، فقال -جل وعلا- {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[الزخرف:74]، يعني ماكثون مُكثًا فيه لا ينقطع، {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ ........}[الزخرف:75]، تُقلَّل حرارته، يُخفَّف من حرارة جهنم؛ أو من حرارة عذابها، أو نارها، أو مائها، {........ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}[الزخرف:75]، يعني مُتحيِّرون؛ مبهوتون، يائسون، قانطون من أن يوجد رحمة؛ أو يوجد ملجأ، أو خروج من النار، قال -جل وعلا- {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}[الزخرف:76] {وَنَادَوْا}، أهل النار، {........ يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف:77] {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[الزخرف:78]، خلاص هذي هي الصورة التي سيكون عليها هؤلاء المُعذَّبون في النار.

ثم إن الله -تبارك وتعالى- وجَّه بعد ذلك الخطاب إلى هذه الدنيا، فقال {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا ........}[الزخرف:79]، أي الكفار أبرموا أمرًا يعني أحكموا خُطة لهدم الدين؛ لقتل النبي -صل الله عليه وسلم-، لإزالته من هذه الأرض، كما قال -تبارك وتعالى- {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال:30]، {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا ........}[الزخرف:79]، أمرًا ما، {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}، فإذا كانوا هم لهم مكر ولهم تدبير فإن الله -تبارك وتعالى- فوق تدبيرهم وفوق مكرهم، فإنَّا مُبرِمون أمرًا، وإذا أصبحت المقارنة على هذا النحو بين تدبيرهم وتدبير الله -تبارك وتعالى-؛ ظهر هُزالهم وضعفهم أمام فعل الله -تبارك وتعالى-، {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}[الزخرف:80]، بل الله -تبارك وتعالى- سميع لكل خلْقِه -سبحانه وتعالى-؛ لا يفوته شيء، وكذلك كل أقوالهم محسوبة عليهم ومكتوبة، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18]، فكل أقوالهم وكل تدبيرهم وفعلهم في الخفاء قد كتبه الله -تبارك وتعالى-؛ وأحصاه رُسُلنا الكتبة لديهم يكتوب، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق:4]، يُحصي لكل حركاتها؛ وسكناتها، وأعمالها، بل وخطرات قلوبها.

ثم قال -جل وعلا- {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}[الزخرف:81] هذا من تنزُّل الخطاب مع هؤلاء الكفار المجرمين؛ الذي أصروا في اعتقادهم أن لله ولد، والذين قالوا أن لله ولد أولًا مشركوا العرب الموجَّه الخطاب إليهم، فإن مشركوا العرب بظنونهم الفاسدة؛ وبتخيلاتهم المريضة، وبكذبهم وافترائهم على الله -تبارك وتعالى- قالوا هكذا، نشأ لهم هذا من إيحاء الشيطان أن الله -تبارك وتعالى- له نسَب مع الجِن؛ وأنه ولِدَ له الملائكة، وأن الملائكة الذين جعلهم الله أولادًا له بنات، اختار البنات ولم يختر لنفسه الذكور، هذا التصوُّر المريض كما ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- عنهم قال -جل وعلا- {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ}، أي بين الله -سبحانه وتعالى-، {........ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}[الصافات:158]، وقالوا {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}[الزخرف:19]، لمَّا كانت هذه عقائدهم المريضة هؤلاء المفترون؛ الكذَّابون على الله -تبارك وتعالى-، وكذلك الحال في مَن ادَّعى لله ولد من الأمم الأخرى، فالنصارى قد ادَّعوا بأن عيسى -عليه السلام- ابن الله، ولم ينشأ هذا عند اليهود من قبل الذين عيسى -عليه السلام- امتداد لرسالة الأنبياء الذين سبقوه، فقد سبقه أنبياء من بني إسرائيل من بعد يعقوب -عليه السلام- إلى يحيى -عليه السلام- الذي كان في وقته، بل تعمَّد عليه وأخذ الدين عليه، لم ينشأ لهذا الوقت أي فِكْر ولا أي كلمة في الرسالات السابقة أن يكون لله ولد، ولم ينشأ هذا بتاتًا عندهم بأن عيسى سيكون ابن الله -تبارك وتعالى-، وإنما نشأ لهم هذا بعد ذلك عندما رفع الله -تبارك وتعالى- عيسى إلى السماء وألقى شِبهه على مَن ألقاه؛ وقتلوه، وصلبوه، فنشأت لهم هذه العقيد خليط؛ العقيدة هذه أخذوها من عقائد المشركين الهنادك، ونقلوها نفس النقل إلى دينهم، {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ}، فعقيدة التثليث والهِداء وإنزال الإله ابنه إلى الناس ليحمل عنهم الخطايا عقيدة هنوكية قديمة بكل صفاتها، نفس هذا التثليث كان عند الهنادكة، ولكن نشأ للنصارى الذين قرأوا هذه الفلسفات هذه الفكرة؛ فأخذوها ونقلوها إلى النصرانية، وقالوا إن الرب الإله -سبحانه وتعالى- أرسَل روح القدس إلى مريم تغشَّاها، وحملت بابن الله الذي كان مخلوقًا قبل الدهور، ولكن أراد الله أن يُنزِله فيتأنس ويكون بشر، وذلك ليحمل عن الناس الخطيئة التي أخطأها أبوهم آدم، ولا يتحمَّل هذه الخطيئة إلا بأن ينزل؛ وأن يؤذى، وأن يُقتَل ويُصلَب على هذا النحو، وبالتالي يرضى الله عن الناس ويرفع عنهم الخطيئة التي أخطأها أبوهم آدم.

كما قال -تبارك وتعالى- {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة:29] {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[التوبة:30]، يُضاهئون؛ يُشابِهون، {قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، كيف يؤفَكون ويُقلَبون على رؤوسهم على هذا النحو؛ وتُقلَب عقولهم وينسبون إلى الله -تبارك وتعالى- الولد؟ والحال أن كل الأنبياء إنما دعوا إلى توحيد الله -تبارك وتعالى-، فهذا إبراهيم كانت دعوته إلى وحدانية الرب -تبارك وتعالى-؛ كان عبدًا موحِّدًا بالله -تبارك وتعالى-، نوح -عليه السلام-، كل ما بأيديهم من رسالات الرُسُل السابقين كلها داعية إلى توحيد الله -تبارك وتعالى-، لكن هؤلاء المجرمين من الذين ظنوا أنهم يُتابعون عيسى ابن مريم -عليه السلام- أخذوا هذه التلفيقة من أقوال الهنادك، والهنادك أمة تعتقد بما يُسمى بتعدد الآلهة، عندهم الإله رام؛ وأنه تزوَّج، وأنه صعد إلى السماء، وأن هناك صراع بين هذه الآلهة، وأنه أنزَل ابنه يوم من الأيام كذلك ليُذبَح؛ ويُقتَل، ويحمل خطايا الناس الذين أخطأوا، فأخذوا هذه العقائد الهندوكية ولبَّسوها وجعلوها على عيسى ابن مريم -عليه السلام-، وأما اليهود فإنه نشأ لهم أن العُزير -عليه السلام- وكان قد مر ببيت المقدس وهي خاوية على عروشها؛ بعد أن حطَّمها نابوخذ نصر، {قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}، هذه القرية التي دُمِّرَت وكانت عامرة بالناس وكذا، وجاء نابوخذ نصر فقتل اليهود شر قتلة؛ وأجلاهم عن بيت المقدس وعن أرض فلسطين، وأخذهم أسرى إلى بابل؛ يُساقون في الأغلال، ومر هذا النبي بهذه القرية وهي مُحطَّمة محروقة؛ قُتِلَ أهلها، وأنه قال هذه المقالة {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}، كما قال -تبارك وتعالى- {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:259].

بعد ذلك هذا النبي لمَّا جاء قومه بعد ذلك، وكان قد اختفى عنهم هذه المدة الطويلة؛ مائة سنة، ثم أحياه الله -تبارك وتعالى-، نشأ لهم كذلك فِكْر مريض سقيم بالظن والتخمين؛ أن عُزير هذا أو يُسمُّونه عزرى هو ابن الله -تبارك وتعالى-، وأنه اختفى عند الله وجاء، لليهود كذلك أقوال خبيثة في هذا الأمر، قالوا  "وظنوا أبناء الله أن بنات الناس حسنات فاتخذوا منهُنَّ زوجات؛ فولِدَ لهم العمالقة"، أبناء الله؛ زعموا أن لله أبناء، وأنهم تزوَّجوا كذلك من الأرض، وأنه ولِدَ لهم أبناء، فهذه أيضًا من عقائدهم المريضة الخبيثة؛ نسبة الولد إلى الله -تبارك وتعالى-، الشاهد من كل هذا أنه لعل جميع أمم الشِرك والكفر؛ من الهنادك الذين لا يُعرَف لهم كتاب، ومن اليهود الذين ورثوا الدين؛ وورثوا الكتاب، والنصارى الذين ورثوا الكتاب، وجاء عيسى فيهم قائلًا بوحدانية الله -تبارك وتعالى- منذ أنطقه الله وهو في المهد، فإن أول قالها وأنطقه الله -تبارك وتعالى- بها وهو في المهد تبرئة لأمه قال إني عبد الله، فإن أمه لمَّا جائت به تحمله وكانت فتاة عذراء؛ لم تتزوَّج، وظن أهلها بها الشر {........ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا}[مريم:27] {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}[مريم:28]، قال -جل وعلا- {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}[مريم:29]، فعند ذلك أنطقه الله، {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم:30] {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}[مريم:31] {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}[مريم:32] {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}[مريم:33]، هذه الكلمات التي قالها عيسى -عليه السلام- بلسان فصيح وهو في المهد، جعلها الله -تبارك وتعالى- أولًا براءة لأمه مما اتهمها به قومها، ومعجزة من معجزات الله -تبارك وتعالى- تُضاف إلى معجزة أنه ولِدَ من أنثى بلا ذَكَر؛ من أمه فقط، ويُنسَب إلى أمه، معجزة إنطاق الله -تبارك وتعالى- له وهو في المهد على هذا النحو، وما نطق به إنما هو وحدانية الله -تبارك وتعالى-، {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}، أول كلمة يقولها عيسى -عليه السلام-، ولم يقل إني ابن الله ولكن {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ ........}[مريم:30]، تكلَّم بالماضي عما سيكون في المستقبل لتحقق الوقوع، فإن من أساليب العرب أنهم إذا كان الأمر متحقق الوقوع وهو في المستقبل؛ أمر في المستقبل متحقق وقوعه، فإنهم يُخبِرون عنه في صيغة الماضي، وهذا جاء في القرآن كقول الله -تبارك وتعالى- {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:68]، نُفِخَ وصُعِقَ كل هذا بالماضي وذلك أنه سيأتي يوم القيامة، لكن لمَّا كان هذا أمر متحقق الوقوع عبَّر الله -تبارك وتعالى- عنه وتكلَّم عنه بصيغة الماضي لأنه لابد أن يكون.

فعيسى {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ ........}[مريم:30]، ما قال سيأتيني الكتاب وسيجعلني نبيًا، بل قال {........ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم:30] {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}[مريم:31] {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي}، ثم إن أحوال عيسى –عليه السلام- كانت ظاهرة وواضحة في غاية الوضوح والبيان والبرهان؛ أنه عبد من عباد الله -تبارك وتعالى-، وأنه لم يكن فيه من صفات الأُلوهية شيء، بل المنقول عنه حتى من هذا الإنجيل الذي حُرِّف وكُتِبَ بعد أن رفعه الله -تبارك وتعالى- إلى السماء؛ كل ظاهر في نصوص الإنجيل أنه عبد من عباد الله -تبارك وتعالى- في مسيرته؛ في تجريب الشيطان له، في خروجه من مكان إلى مكان، في هروبه من أعدائه، في تخفِّيه، في طعامه، في شرابه، في شكواه، في تألُّمه، في توجُّعه، في تفجُّعه، فكان يتألم ويتفجَّع، ففي الإنجيل أنه كان مُتألِّمًا جدًا من ملاحقة اليهود والرومان له؛ ومحاولة قتله، وأنه كان يقول يا ربي اصرف عني هذا الكأس؛ يعني كأس الموت، فكل هذا مما في الإنجيل كله دلالات قائمة على أنه عبد الله -تبارك وتعالى-، ثم ومع هذا فإن هؤلاء العميان قد جعلوه ابنًا لله -تبارك وتعالى-، تعالى الله -تبارك وتعالى- عما يقولون علوًا كبيرًا، وجاء القرآن يضرب لهم الأمثال تلوا الأمثال في بيان أن عيسى لا يمكن إلا أن يكون عبد لله -تبارك وتعالى-، قال {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[المائدة:75]، كانا يأكلان الطعام والبشر الذين يُضطرون إلى أكل الطعام لضعفهم، فإن الرب لابد قائمًا بنفسه -سبحانه وتعالى-؛ مستغنيًا عن غيره، أما إذا كان يطعَم فإنه يكون محتاج إلى الطعام والشراب ليحيى ويقوم؛ يبقى هذا من عجزه، وفقره، واحتياجه، ثم إن مَن يأكل الطعام من البشر في الدنيا فإنهم يُلجأون إلى ضرورته، وهذا أمر يُنزَّه عنه الرب الإله خالق السماوات والأرض، كيف يكون خالق السماوات والأرض بهذه الصورة؟ تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

الشاهد أن هذا خطاب من الله -تبارك وتعالى- هنا في القرآن لهؤلاء الذين ضلوا في هذا الباب؛ باب العقيدة الكبرى في أعظم أبواب التوحيد، وهو أن الله هو الواحد الأحد؛ الفرد الصمد –سبحانه وتعالى-، الذي ليس له ولد، ضلوا في هذا الباب ونسبوا الولد إلى الله -تبارك وتعالى-، يتنزَّل الخطاب معهم {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ........}[الزخرف:81]، أي كما تقولون على هذا الفرض؛ على فرض جدلي، {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}، فأنا؛ النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، أول العابدين لأنه أول الطائعين؛ المسلمين لله -تبارك وتعالى-، فهو عبد مسلم لله -تبارك وتعالى-؛ مُطيع لله، ولو كان لله ولد يُعبَد معه لكان هو أسبق الناس إلى أن يُطيع أمر الله -تبارك وتعالى- ولا يعصاه، أنا سابقكم وأكون مُقدَّمًا لكم؛ أنا أول العابدين، وذلك أن النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- كما أرسله الله -تبارك وتعالى- رسولًا من عنده، كان هو أول المُطيعين لله -تبارك وتعالى-؛ المنفِّذين، كما قال الله -تبارك وتعالى- عنه {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:162] {لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:163]، فكان أو المسلمين المُزعنين؛ المُنقادين لأمر الله -تبارك وتعالى-، هذا كله على هذا الفرض؛ الفرض في التنزُّل في الخطاب، وطريقة الجدال مع هؤلاء المُعاندين المُكذِّبين، {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ........}[الزخرف:81]، وسبحانه وحاشاه -سبحانه وتعالى-، {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}، أول مَن يُطِع أمر الله -تبارك وتعالى-.

ثم قال -جل وعلا- {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الزخرف:82]، سبحانه؛ تنزيهًا له -جل وعلا-، {رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، ربها؛ خالقها، المُتصرِّف فيها -سبحانه وتعالى-، مالكها، سيدها، كل هذا من معاني الربوبية، السماوات؛ كل ما علانا، وهي سبع كما أخبر الله -تبارك وتعالى- {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا}[النبأ:12]، سبع سماوات شديدة؛ فهو ربها -سبحانه وتعالى-، والأرض التي نحن عليها وهي سبع كما قال -تبارك وتعالى- {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}، ومن الأرض يعني سبع كما السماوات سبع، {رَبِّ الْعَرْشِ}، إذا كانت هذه السماوات يعني هذا سقف العالم؛ السماوات، وهذه الأرض التي نعيش عليها فالعرش هو سقف كل هذا العالم؛ كل هذه المخلوقات، عرش الله -تبارك وتعالى-، والعرش لا يقدر قدره إلا الله –جل وعلا-، لا يمكن لأحد أن يعلم أبعاده وسعته ووزنه إلا مَن خلَقَه -سبحانه وتعالى-؛ إلا الذي أقامه حيث أقامه -جل وعلا-، {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الزخرف:82]، من ذِكر أن لله ولد، يصفونه بألسنتهم بهذه الأقوال الكاذبة؛ أن لله ولد -سبحانه وتعالى-، وقد أخبر -سبحانه وتعالى- أنه الواحد الأحد؛ الفرد الصمد، الذي لم يلِد؛ ولم يولَد، ولم يكن له كفوًا أحد، وأن الأمر لا يكون إلا كذلك؛ يعني لا يمكن أن يصلُح العالم إلا كذلك، وأنه لو كان لله -تبارك وتعالى- ولد كما يقولون لا شك أن العالم يفسُد، لا يمكن أن يبقى هذا العالم على ما هو عليه؛ بل يفسُد، {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ ........}[الإسراء:42]، يعني كما يدَّعون آلهة؛ إله يعني يستحق العبادة، وبالتالي خالق، رازق، مُحيي، يملك عابده ويتفضَّل عليه، {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}[الإسراء:42]، إذن لكان هؤلاء الآلهة اللي هم آلهة حقيقيين؛ يعني متمكنين، لابتغوا إلى ذي العرش؛ صاحب العرش، سبيلًا لمغالبته؛ لابد أن يُغالبوه، ولابد أن يُحاربوه لينفرد في النهاية أحدهم بحُكم العالم؛ وبأن يكون له الأمر كله، كما قال -جل وعلا- {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[المؤمنون:90] {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ........}[المؤمنون:91]، فلو كان مع الله ولد ولو كان معه إله على الحقيقة إذن لذهب كل إله بما خلَق، يعني لاعتزل كل إله من هذه الآلهة بالذي يخلُقُه؛ فيبقى هو على رأس مَن يخلُقُه إله لمَن يخلُقُهم، أما أن يكون إله وهو في طوع الإله الأخر فلا يكون إلهًا؛ يُصبح عاجز، يُصبح عبد وخاضع لهذا الإله الأخر، {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}، لا ولد؛ لأن الولد لو كان له ولد إذن لنازعه، وأصبح هو هو؛ يخلُق، ويرزق، ويُحيي، ويُميت، وبالتالي لابد أن يبقى هنا له نِد؛ وله شبيه ونظير، ولابد أن يكون منازعة في نهاية المطاف، {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}، من إله حقيقي؛ يعني إله يستحق الأُلوهة، أما هذه الآلهة الباطلة فإنها لا تساوي شيء، {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}[الأنبياء:98]، سموها آلهة لكن ليست آلهة، فهذه الشمس سموها الإلهة لكنها ليست إلهة، إنما هي مخلوق مربوب؛ عابد لله -تبارك وتعالى-، مُطيع لأمره، خاضع لحُكمه، كذلك كل هذه الأصنام وهذه الأوثان وما اتُخِذ من آلهة سموها آلهة، {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}، فالله هو الإله وحده -سبحانه وتعالى-، لكن لو كان كما يزعمون أن الله معه إله حقيقي فهذا لا يمكن؛ يفسُد العالم.

{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}، إذن لو كان {لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ}، راحوا كلٌ ذهب ناحية، {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، يعني لعلا هؤلاء الآلهة بعضهم على بعض، {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}، تنزيهًا لله -تبارك وتعالى- عما يصفونه من أن يكون معه -سبحانه وتعالى- إله مُكافئ له؛ نظير له، نِد له، مُنافس له، مصارع له، تعالى الله -تبارك وتعالى- عن ذلك، {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[المؤمنون:92]، فهنا سبَّح الله -تبارك وتعالى- نفسه؛ قال {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الزخرف:82]، وهذا كل العالم؛ السماوات كلها، كل ما علانا، والأرض التي تحتنا، والعرش الذي هو سقف هذه المخلوقات جميعًا؛ والذي حوى كل هذا العالم في داخله، وهذا العالم كله وهذا العرش كله الذي لا يقدر قدره إلا الله -تبارك وتعالى-؛ الله رب كل ذلك، إذن أين إله أخر؟ إذن لا إله أخر هناك؛ يُنافس هذا الرب، يقوم معه، يكون نِد لله -تبارك وتعالى-؛ شريك لله، بل كل الذين أُدُّعيَت لهم الأُلوهية ما يملكون من هذا الكون كله ذرَّة؛ مثقال ذرَّة، {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، كل الذي ادَّعيتم لهم الإلهية من دون الله، {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}، من كل هذا الخلْق العظيم الذي خلقَه الله؛ والذي لا يعرف البشر إلى اليوم نهاية له أو بُعدًا له، ما يعرف أبعاد هذا الكون، وين تنتهي هذه الأبعاد؟ لا يعلمون لليوم مع تقدُّم علومهم أي بُعد ينتهي إليه هذا العالم، بل كل ما رأوا بُعدًا وتحققوا ونظروا رأوا بُعدًا أخر، ثم يُدركوا بعض أبعاد هذا البُعد فيروا بُعدًا أخر بعده، إلى الآن أمر لا يمكن أن يكون له تصوُّر أو نهاية، بل لا يعلم ذلك على الحقيقة إلا الله -تبارك وتعالى-، فهذا الكون كله؛ بسماواته، وأرضه، وعرشه المحيط به الله -سبحانه وتعالى- وحده هو الذي يملكه -سبحانه وتعالى-؛ يملِك رقبته، ويملِك تصرُّفه -سبحانه وتعالى-، وكل مَن ادُّعيَت لهم الإلهية لا يملكون من كل هذا الكون مثقال ذرَّة؛ أصغر جُزيء في كل هذا.

{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}[سبأ:22] {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}، لا شفاعة، مُجرَّد شفاعة؛ يشفع ليرحم هذا، أو يُخرِج هذا من النار، أو يُدخِل هذا الجنة، ما تنفع الشفاعة عنده؛ عند رب السماوات والأرض، عند رب العرش، إلا لمَن أذِنَ له؛ لمَن أذِنَ له أن يشفع، ولمَن أذِنَ له في المشفوع، {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}، هؤلاء الملائكة الذين قالوا أنهم هم بنات الله؛ وإنهم يشفعون، وإن قولهم عند الله لمَرْضي، قال -جل وعلا- {........ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[سبأ:23]، فُزِّع عن قلوبهم يعني ذهب الفزَع عن قلوبهم وهذا عندما يتكلَّم الله -تبارك وتعالى-، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- «إذا قضى الله -تبارك وتعالى- الأمر في السماء سُمِعَ كجر سلسلة على صفوان»، صوت؛ يعني كلام الله -تبارك وتعالى-، «فتُصعَق الملائكة»، عندما يقضي الله بالأمر ويتكلم بالأمر تُصعَق الملائكة من كلام الله -تبارك وتعالى-؛ جبريل يُصعَق معهم، «فيكون أول مَن يفيق جبريل»، من الصعق، «فيقولوا ماذا قال ربك يا جبريل؟ فيقول قال الحق وهو العلي الكبير»، فالملائكة هم أعظم الخلْق خلْقًا في ما علَّمنا الله -تبارك وتعالى-، يقول النبي «أُذِنَ لي أن أُحدِّث عن ملَك من حملة العرش؛ ما بين شحمة أُذنه إلى عاتقه تخفق الطير خمسمائة عام»، فهم أعظم الخلْق خلْقًا في ما نعلمه ومع ذلك هم في فزَع وفي خوف من الله، كما قال -جل وعلا- {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[النحل:50]، {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}[الأعراف:206]، إذا كان هذا شأن ملائكة الرب -تبارك وتعالى- في مخافتهم من الله -تبارك وتعالى-، فإذن الكل عباده وليسوا أبنائه أو بناته كما زعم هؤلاء الكفار المشركون، قال -جل وعلا- {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الزخرف:82]، تنزيهًا له -سبحانه وتعالى- عن هذا الوصف الكاذب لله -تبارك وتعالى-؛ وهو أن يكون لله ولد.

سنقف هنا وعودة -إن شاء الله- إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب.