الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ}[الدخان:9] {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}[الدخان:10] {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الدخان:11] {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ}[الدخان:12] {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ}[الدخان:13] {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ}[الدخان:14] {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}[الدخان:15] {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ}[الدخان:16] {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ}[الدخان:17] {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[الدخان:18] {وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}[الدخان:19] {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ}[الدخان:20] {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ}[الدخان:21]، يخبر -سبحانه وتعالى- عن العرب؛ قريش، قوم النبي -صلوات الله وسلامه عليه-، الذين أرسل الله -تبارك وتعالى- لهم هذا الكتاب الكريم مُنذِرًا لهم؛ وأنزَله في ليلة مباركة، قال {حم}[الدخان:1] {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}[الدخان:2] {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ}[الدخان:3] {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان:4] {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}[الدخان:5] {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[الدخان:6] {رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}[الدخان:7] {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ}[الدخان:8].
ثم قال -جل وعلا- {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ ........}[الدخان:9]، العرب؛ قريش، يلعبون؛ لاهين في هذه الدنيا، {فَارْتَقِبْ}، تحذير من الله -تبارك وتعالى-، {........ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}[الدخان:10] {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الدخان:11]، في تفسير ابن مسعود أن هذا الدخان المبين إنما هو حالة الجوع والقحط التي ضرب الله -تبارك وتعالى- بها مُضَر؛ ومنها قريش، لمَّا استبطأ النبي إيمانهم فدعى عليهم وقال «اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف»، فكان أحدهم من شدة الجوع ينظر إلى ما بينه وبين السماء فيراها كأنها دخان، {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الدخان:11] {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ}[الدخان:12]، دعوا، {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى}، يقول الله -عز وجل- {........ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ}[الدخان:13]، هذا النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ ........}[الدخان:14]، أعرضوا عنه، {........ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ}[الدخان:14]، قالوا عن النبي الذي احتفَّت كل أدلة الصدق به، كل دلائل الصدق؛ فهو الأمين، الصادق، البار، الذي لم تُجرَّب عليه كذبة قط قبل أن يقول بهذه الرسالة ما قال، فكيف يكذب بعد ذلك؟ والذي يدعوهم إلى الهدى؛ والتقى، والعفاف، والغنى، ويأمرهم بكل خير، وينهاهم عن كل شر، لكن هذا النبي الذي جاء برسالة ربه وهو مؤيد بكل هذه المعجزات؛ وتحتف كل قرائن الصدق به، لكنهم قالوا عنه مُعلَّم؛ يُعلِّمه غيره، يُعلِّمه غيره وقد نسبوا هذا التعليم إلى مَن لا يُحسِن عِلمًا؛ كقولهم إنما يتعلَّم هذا من فلان الرومي، هذا الغلام الرومي الذي يجلس إليه، وقال الله -عز وجل- {........ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}[النحل:103]، وكذلك قالوا مجنون، وطبعًا هذان قولان متناقضان؛ المُعلَّم لا يكون مجنونًا.
ثم قال -جل وعلا- {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}[الدخان:15]، إنَّا كاشفوا العذاب عنكم؛ عذاب هذا الدخان قليلًا، ويكون هنا على قول ابن مسعود عذاب القحط الذي ضُرِبوا به، {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}، إلى الكفر مرة ثانية، فإن قد وعدوا بأن يعودوا إلى الله -تبارك وتعالى- ويؤمنوا بعد كشف هذا القحط عنهم؛ إلا أنهم عادوا إلى الكفر بعد إزالته، وأما على قول ابن عباس ومَن فسَّر هذه الآية؛ بأنه هذا الدخان إنما هو أحد علامات الساعة الكبرى التي تكون قبل قيام الساعة، كما قال النبي «لن تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات»، ذكر منها النبي الدخان، وأن هذا دخان يغشى الناس، وأن الكافر يدخل الدخان من منخَره حتى يصير رأسه كالرأس الحنيث؛ الذي يُحنَث في النار، والمؤمن يأخذ منه كهيئة الزُكمة الشديدة، هذا الدخان آية من آيات الله -تبارك وتعالى-؛ وعلامة من علامات الساعة، {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}[الدخان:15]، عائدون للكفر.
{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ}[الدخان:16]، فسَّرها ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- بأن البطشة الكبرى هي يوم بدر، والكبرى بالنسبة لقريش لأنها لم تُصَب بمصيبة كمصيبة يوم بدر؛ حيث قُتِلَ سادتها، سبعون من كبار سادتها وقادتها قُتِلوا، وأُسِرَ سبعون منهم ولم يفُكهم إلا الفدية بعد ذلك، فكانت نزول عقوبة عظيمة بهم من الله -تبارك وتعالى-، {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى ........}[الدخان:16]، وبقريش، وقد علِمنا أن النبي لمَّا انتهت المعركة وجُمِع بعد ثلاث أيام جثث هؤلاء السبعون؛ وضعوا في قليب خبيث من قُلبان بدر، ووقف النبي -صل الله عليه وسلم- على شفا القليب وقال لِمَن في القليب مخاطبًا لهم؛ مناديًا إياهم بأسمائهم فردًا فردًا، يقول «يا فلان؛ ويا فلان، ويا فلان، ويا فلان ...، هل رأيتم ما وَعَدَ ربكم حقًا؟»، يعني هل رأيتم الذي وعَدَه الله -تبارك وتعالى- به حقًا، «فإني قد رأيت ما وعَدَني ربي بي حقًا، فقيل له يا رسول الله؛ كيف تُخاطب قومًا قد جيَّفوا؟»، هذا بعد ثلاث أيام والجو حار؛ وأصبحت جيفتهم أنتنت، قد جيَّفوا يعني قد أنتنوا وتهرَّت أجسامهم، «فقال النبي ما أنتم بأسمع لِما أقول منهم»، يعني إنهم يسمعون كسمعكم أو أفضل من سمْع الأحياء، أسمعهم الله -تبارك وتعالى- ليسمعوا كلام النبي، فالشاهد أن النبي وقف عليهم وقال لهم «يا فلان، يا فلان، يا فلان ...، هل رأيتم ما وعَدَ ربكم حقًا؟»، فهذا موعود الله -تبارك وتعالى-، هذا موعود الله {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ}[الدخان:16]، هذي البطشة الكبرى، بطش الله -تبارك وتعالى- بهم بمعنى أنزَل بهم عقوبته -سبحانه وتعالى-، {إِنَّا مُنتَقِمُونَ}، من هؤلاء الكبراء، انتقم الله -تبارك وتعالى- منهم قبل ذلك بأن الثمانية الذي كانوا يستهزئون بالنبي؛ أكثر الناس استهزاءً بالنبي قتلهم الله في مكة، كما جاء في قول الله -تبارك وتعالى- {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}[الحجر:94] {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}[الحجر:95]، إنَّا كفيناك إياهم؛ حكمنا بقتلهم، فحكم الله -تبارك وتعالى- بقتلهم، كانوا ثمانية ممَن يستهزئون بالنبي من كِبار القوم قتلهم الله -تبارك وتعالى-؛ هذا قبل بدر، ثم بطش الله -تبارك وتعالى- بهم هذه البطشة؛ بقريش، وضربهم هذه الضربة في بدر، {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ}[الدخان:16]، هذا تأويل عبد الله ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- لهذه الآية، وأما ابن عباس وغيره قال {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى ........}[الدخان:16]، يوم القيامة، البطشة الكبرى إنما هي يوم القيامة وهي العذاب الأكبر الذي ينزل على الكفار في هذا اليوم، {إِنَّا مُنتَقِمُونَ}، من الكافرين، ونِقمة الله -تبارك وتعالى- أن يوضعوا في النار؛ وأن يكون لهم هذا العذاب الذي أخبر الله -تبارك وتعالى- عنه، {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ}[الدخان:16].
ثم قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ}[الدخان:17]، يعني اختبرنا قبلهم قوم فرعون برسول يُرسَل إليهم كذلك؛ ويدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-، ثم يُعانِد هؤلاء القوم؛ ويُعانِد، ويُعانِد ...، فانظر كيف كان؟ أيضًا بطش الله -تبارك وتعالى- بهم، ويأتي أن الله -تبارك وتعالى- أغرقهم، كلهم وضعهم الله -تبارك وتعالى- في هذا البحر، فهذا إنذار لهم؛ يعني يُخوِّفهم الله -تبارك وتعالى-، انظروا بطشة الله -تبارك وتعالى- التي بطش بها بقوم فرعون قبلكم؛ احذروا هذا، يُخوِّفهم الله -تبارك وتعالى- بهذا الأمر، وأن سُنَّة الله -تبارك وتعالى- في عقوبة الكفار واحدة، ما تتغير ولا تتبدَّل سُنن الله -تبارك وتعالى-، {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ}، يعني قبل العرب، قبل قريش والعرب الذين أُرسِل فيهم النبي -صلوات الله والسلام عليه-، فتناهم أي اختبرناهم، اختبرناهم وابتليناهم برسول يُرسِله الله -تبارك وتعالى- ويدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-، ثم كذَّب مَن كذَّب منهم وعاند مَن عاند؛ فانظر النتائج، {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ}[الدخان:17]، جائهم يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى- رسول كريم؛ كريم على الله -تبارك وتعالى-، كريم في نفاسته وفي أخلاقه، يعني أنه كذلك صادق؛ أمين، عرفوه، أيضًا وخبَروه، فقد نشأ بينهم وعرفوا أخلاقه وصفاته، وأنه كريم على الله -تبارك وتعالى- وأرسله الله -تبارك وتعالى- إليهم، {وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ}.
وكانت دعوته {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[الدخان:18]، {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ}، يعني يا فرعون ويا قوم فرعون اتركوا هذا الشعب الذي هو منه؛ اللي هو بني إسرائيل، دعوني أخرج من أرض مصر معهم لنعبد الله -تبارك وتعالى- في البرية، سوف نطلع إلى الصحاري لنعبد الله -تبارك وتعالى- فقط، فإن موسى قد جاء إلى فرعون بهذه الرسالة الواضحة يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-؛ اعبدوا الله وحده لا شريك له، يعني فرعون ليس إلهًا، اعبدوا الله -تبارك وتعالى- وابقوا في مُلككم؛ وفي أمركم، واتركوا بني إسرائيل يخرجوا من أرض مصر ليعبدوا الله -تبارك وتعالى- بعيدًا عن أرض مصر، اسمحوا لهم يخرجوا من هذا الذل والعذاب الذي هم فيه تحت أيديكم، {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ........}[الدخان:18]، أدوهم إلي يعني خلاص؛ أنا جئت مُخلِّصًا لهم، أُخرجهم من عندكم مادام أنتم تقهروهم؛ تُذِلوهم، تقتلوا أبنائهم، تستحيوا نسائهم، تفعلوا بهم هذه المآسي العظيمة والعذاب العظيم، اتركوهم لآخذهم ويخرجوا معي، لكنهم عاندو؛ ايش لون نُخرِج هؤلاء؟ دول تحت قهرنا وتحت سيطرتنا، خَدَم لنا هنا؛ ما يمكن نتركهم، فهذه دعوة موسى -عليه السلام- يقول لهم {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[الدخان:18]، إني؛ بالتأكيد، لكم؛ أيها الناس، رسول؛ من الله -تبارك وتعالى-، أمين؛ على الرسالة، لا يمكن أكذب، فهذا ائتمنه الله -تبارك وتعالى- على رسالته ويؤديها كما أرسله الله -تبارك وتعالى-، والمفروض هذا رسول جائك من الله -تبارك وتعالى-؛ من خالق السماوات والأرض، وتعلم صدقه وأمانته على هذا النحو، يجب أن تُنَفِّذ وأن تنفيذك هذا إنما هو من أجل رب السماوات والأرض -سبحانه وتعالى- الذي أرسله، كرامة هذا الرسول هي من تعظيمك لأمر الذي أرسله -سبحانه وتعالى-؛ رب السماوات والأرض، فيقول لهم {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[الدخان:18].
{وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ........}[الدخان:19]، ليس عليَّ أنا الآن، وأن لا تعلوا على الله لأن الله هو الذي أرسلني، {وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ........}[الدخان:19]، بعتوكم وجبرتكم وظنكم أنكم تقهروا أمر الرب، إذا قهرتموني فإن هذا أمر الرب -تبارك وتعالى-، {وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}[الدخان:19]، أنا آتٍ إليكم بسلطان، سلطان يعني آية لها سلطة وقوة، مُبين؛ بيِّنة واضحة، فقد أتاهم بآيات عظيمة من الله -تبارك وتعالى-، قال لهم هذا عصاي أضعها فتتحوَّل إلى حية، تحوُّل الجماد في التو واللحظة إلى كائن أخر ما له علاقة خالص بالخشبة، هذه خشبة؛ قطعة من شجرة، وقد قال الله -تبارك وتعالى- لموسى {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}[طه:17] {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}[طه:18]، هذه نفس عصا الراعي، عصا راعي وعصا مسافر يستخدمها، عصا شجرة من أشجار هذه الأرض، وليست عصا أُنزِلَت من الجنة؛ وليست فيها خواص غير خواص الشجر... لا، هذه العصا خشبة من شجرة، {........ وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}[طه:18]، وأتوكأ عليها في سيري، {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى}[طه:19] {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى}[طه:20]، تحوَّلت، {قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى}[طه:21] {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ}، رجل أسمر، موسى كان آدم؛ أسمر، أضممها ثم أخرجها فتخرج يد لرجل أبيض، فتكون هذه يد سمراء وهذه يد بيضاء في التو واللحظة، ثم إذا ردَّها مرة ثانية عادت بلون جلده، وأظهر موسى هاتين الآيتين أمام فرعون، {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ}[الشعراء:30] {قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الشعراء:31] {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ}[الشعراء:32] {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ}[الشعراء:33]، لكنه نسبه بعد ذلك إلى السحر؛ أن هذا واحد ساحر عليم، ثم نسبه إلى سوء النية والقصد فقال {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ ........}[الشعراء:35]، عِلمًا ليس هو قادم ليُخرِج فرعون من أرضه، بل جاء ليُخرِج بني إسرائيل من أرضهم؛ ويُخلِّصهم منهم، ويُريح بني إسرائيل، فكذَب؛ هذا كله تدجيل وكذب عليه، قال {وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}[الدخان:19]، هذا السلطان هو هذه الآيات التي أرسلها الله -تبارك وتعالى- معه؛ معجزات مؤيدة لقوله.
ثم قال {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ}[الدخان:20]، {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي ........}[الدخان:20]، عُذت به؛ التجأت إليه، بربي؛ وهذا معناه أنه يؤيده، نسب نفسه إلى الله -تبارك وتعالى-، {وَرَبِّكُمْ}، معناه أنه هو كذلك الرب -سبحانه وتعالى- المهيمن عليهم؛ فهو سيدهم، فما يقدروا يعملوا أي أمر إلا بأمر هذا الرب -سبحانه وتعالى-، {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ}[الدخان:20]، ترجمون بالحجارة، وقيل ترجمون يعني بالسب والشتم، لكن العَوذ هنا بالنسبة للسب والشتم هذا أمر هين، يعني أن ترجمون يعني أن يقتلوه؛ وكان هذا في مُكنتهم، مَن موسى بالنسبة إليهم؟ فإنه من قوم يُهينونهم ويُعذِّبونهم، ولذلك مما استنكفوا أن يتبعوه قالوا {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ}[المؤمنون:47]، بشرين؛ موسى وهارون {وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ}، فقال لهم أنا استعذت بربي وربكم أن ترجمون لأنهم كان في قدرتهم أن يفعلوا هذا، أن يأمروا بعض الشرطة والجنود بأن يأخذوا موسى وهارون؛ وأن ينصبوهم في ساحة من الساحات، وأن يضربوهم بالحجارة حتى الموت، موسى لم يكن له في الأرض قوة تمنعه، وقومه بنوا إسرائيل كانوا في القهر، تُقطَع أعناق أطفالهم الصغار عند الولادة؛ كانوا يُقتِّلونهم، ويتركوا النساء حيات، والكبار منهم من الرجال وغيرهم يُستخدمون في أحقر وأذل الأعمال؛ فهو قوم مقهورين، ما في أي قوة ولا أي شيء ولا أي منَعَة، لم تكن منَعَة في الأرض لموسى -عليه السلام- ولذلك التجأ إلى الله -تبارك وتعالى-، وعندما يقول لهم {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ}[الدخان:20]، هذا كذلك فيه نِذارة لهم أن هذا خلاص؛ هذا رسول الله، لابد أنه في حماية وفي حِصن من أن ينالوه، {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ}[الدخان:20].
{وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ}[الدخان:21]، يعني وإن لم تؤمنوا لي وأنا أدعوكم إلى الله -تبارك وتعالى-؛ الإيمان بالله -تبارك وتعالى- وحده، فاعتزلون؛ يعني خلاص اتركوني أخرج أنا ومَن معي، واعتزلونا بمعنى خلاص اعزلونا لنخرج من هذه الأرض واتركونا، يعني اتركونا وخلونا نعتزلكم وخليكم في أرضكم؛ وفي بساتينكم، وفي أنهاركم، وفي ما أنتم فيه من النعمة، لكن اتركونا نخرج، {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ}[الدخان:21]، انظر دعوة موسى -عليه السلام- والله -تبارك وتعالى- هنا يضربها مثَل للنبي محمد -صل الله عليه وسلم-؛ والمُكذِّبين به، انظر هذا رسول كريم يدعوا هذه الدعوة الكريمة وما عنده شيء، يعني لم يأمرهم بأمر فيه كُلفة عليهم؛ ولا فيه مشقة، ولا فيه شيء، بل أن كل الأمر يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى- ليُوحِّدوه، ويدعوهم كذلك لتخليصهم من هذا الشعب الذي هم في خوف منه، خائفين أن يسودهم؛ ويسوسهم، ويأخذ أرضهم، قد جاء مَن يحمل هذا الشعب كله ويُخرِجه خارج الأرض، فكان المفروض أن يُرحِّبوا بهذه الدعوة؛ وأن يقبلوها، وأن يروا فيها نفع عظيم في الدنيا وفي الآخرة، نفع في الدنيا خلاص؛ تخلصوا من شعب كانوا يخافونه، وأخرجوهم من ديارهم بكل سهولة ويُسْر، ودعاهم كذلك إلى الإيمان بالله -تبارك وتعالى- وتوحيده، أمر يُقيموا به دولتهم على الإيمان بالله -تبارك وتعالى-، ويُقيموا به حكومتهم، ويؤسسوا به للعدل أساس في هذه الأرض، ويعبدوا الله وحده لا شريك له، فكان لو قبلوا هذه الدعوة لانتفعوا أعظم النفع في الدنيا والآخرة، لكن انظر العناد والكفر والمُشاقة؛ عاندوا كل هذا، ولم يقبلوا حتى ما فيه نفع لهم في الدنيا من إخراج بني إسرائيل عنهم، ما قبلوا شيئًا من هذا.
قال -جل وعلا- {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ}[الدخان:22]، يعني موسى بعد ذلك دعى الله -تبارك وتعالى- قال ربي ها دول قوم مجرمون؛ فاعلوا الإجرام، وما دعى هذه الدعوة موسى إلا بعد أن استنفذ كل الوسائل التي تدعوهم إلى الهداية، فإنه دعى عليهم كذلك مثل ما دعى الرسول بسنين كسنين يوسف على قريش لعلها ان تؤمن، فإن موسى دعى على هؤلاء بأن يضربهم الله -تبارك وتعالى- بأنواع من العذاب، وأرسل الله -تبارك وتعالى- عليهم الآية تلوا الآية، قال {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}[الأعراف:133]، فبدعاء موسى وقع على قوم فرعون من الآيات الشديدة، الطوفان يُغرِق زراعاتهم والجراد يأكل ما بقي؛ إن كان بقي شيء من الأخضر فيحوه الجراد، يعني سنة الخِصْب التي تخصب فيها الأرض يأتي الجراد من أول مصر إلى آخرها فيمحق الزرع، ويأتيهم الدم؛ الدم الذي هو أمر ظاهر واضح، يغترفوا الماء من النهر فإذا أخذوه ووضعوه في آنيتهم تحوَّل في داخل الأواني إلى دم خالص عبيط؛ دم لا يشوبه شيء، وضربهم الله -تبارك وتعالى- بالضفادع؛ هذا الحيوان المُستقذر، وكانوا يجدونه في كل تخوم الأرض؛ في مزارعهم، في بيوتهم، في مخادعهم، يأتي الإنسان إلى مخدعه ينام فيجد كل مخدعه قد مُلئ بالضفادع؛ فِراشه مُلئ بالضفادع، في مجالسهم العامة؛ يأتوا فيجلسوا في المجالس العامة فتتقاذف الضفادع من كل مكان، حتى أن الرجل ليفتح فمه فتقذف الضفدعة إلى فيه؛ وتأخذهم من كل مكان، ثم ضربهم الله -تبارك وتعالى- بالرجز العذاب؛ كل بِكر فيهم يُقتَل، والأمراض؛ كل هذا وقع عليهم، ولكنهم استكبروا وكانوا قومًا مجرمين، قالوا ما في فائدة مهما صنعت، {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}[الأعراف:132]، انظر هذا الإصرار على الكفر والعناد مع أن الله -تبارك وتعالى- يُرسِل لهم هذه الآيات؛ الآية تلوا الآية، وآيات من العذاب لتخوِّفهم وتُرجِعهم إلى الله -تبارك وتعالى-، ولكنهم يُصِرون على ما هم فيه من الكفر والعناد، وهذه مقالتهم لرسولهم {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}[الأعراف:132]، فلمَّا أصبحم على هذا النحو ولم تُفِد فيهم أي آية عن ذلك قال موسى {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ}[الدخان:22]، يعني فاعلون للإجرام ومُصِرون عليه، لمَّا كان الأمر على هذا النحو ودعى موسى يائسًا من إيمان القوم وأن يُنفِّذوا له المهمة التي جاء من أجلها؛ وهي أن يُخرِج بني إسرائيل منهم، وأن يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى- ليؤمنوا، لمَّا قفلوا عليه هذا وأبوا بكل الإباء عند ذلك فإن الله -تبارك وتعالى- قد اختار لهم الهلاك الذي يُهلِكهم.
قال -جل وعلا- {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ}[الدخان:23]، أسري بعبادي؛ بني إسرائيل، والسُرى هو السير ليلًا، {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا ........}[الدخان:23]، تأكيد هنا، بعبادي؛ ببني إسرائيل ليلًا، والله نسبهم إليه لأنهم هم الذين آمنوا بموسى؛ يعني اختاروا عبادة الرب -تبارك وتعالى-، {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ}[الدخان:23]، سيتَّبعكم القوم، وهذا إخبار من الله -تبارك وتعالى- لموسى قبل أن يحصل الأمر؛ بأنه سيذهب ورائه فرعون وقومه، {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ}[الدخان:24]، هنا إجمال هذه الآيات قد فصَّله الله -تبارك وتعالى- في موقع أخر، وهو أن موسى لمَّا خرج ببني إسرائيل وجائهم في الصباح نظر قوم فرعون فإذا بني إسرائيل قد ذهبوا بليل، فعند ذلك على طول فرعون اتخذ قراره وقال {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ}[الشعراء:54] {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ}[الشعراء:55] {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ}[الشعراء:56]، وأمر بنفير الجيش وأن يركب الجيش في إثرهم ليردهم إلى العبودية مرة ثانية، كيف يخرجوا؟ وكيف يخرجوا بدون إذنهم وبدون أمرهم على هذا النحو؟ ويُغيظوهم على هذا النحو؟ {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}[الشعراء:53]، في المدائن؛ مدائن مصر كلها، حاشرين؛ يجمع الجيش، نفير عام لجيشه ولقواته في كل مدائن مصر، وأعد جيشه وخرج في إثر القوم ليُرجِعهم مرة ثانية إلى ما كانوا فيه من العبودية والقهر تحتهم، وكان هذا مكر الله -تبارك وتعالى- بهم؛ أن أخرجهم بكليتهم على هذا النحو ليكون هلاكهم.
طبعًا الله -تبارك وتعالى- يقول {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ}، ترائى الجمعان يعني بنوا إسرائيل ينظروا ورائهم وإذا الشعب كله قد خرج في إثرهم، {........ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[الشعراء:61]، إنا لمُدرَكون؛ مُحاط بنا، خلاص خرج فرعون بجنوده كملهم وسيدركونا ويقبضوا علينا؛ ويُرجِعونا مرة ثانية، {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء:62]، قال -جل وعلا- {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}[الشعراء:63] {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ}[الشعراء:64]، عند ذلك الله -تبارك وتعالى- أمر موسى أن يدخل بقومه إلى البحر، وعندما دخل موسى وقومه في البحر جاء فرعون ووقف على هذا الطريق الذي قد شقه الله -تبارك وتعالى- في البحر، وكان ينبغي في اللحظة الأخيرة عندما وقف فرعون على هذه الآية الباهرة أن يؤمن بأنها لا يمكن أن تكون سِحرًا، أي سحر؟ أي سحر وهو يرى أن البحر شُق على هذا النحو وكل فِرق فيه واقف بدون جدار على هذا النحو، كان ينبغي أن يرعوي؛ أن يؤمن، أن تدخل هذه الآية في قلبه، لكن الظلم ظلمة والكفر كفر، لابد أن يطمس الله -تبارك وتعالى- بصيرة الكافر إلى النهاية، فعند ذلك أمر على طول قومه بالدخول ورائهم في البحر، فلمَّا نظر موسى وإذا بفرعون وجنود داخل وارئهم ونزل ورائهم إلى البحر، فأراد موسى أن يضرب البحر حتى ينسك الطريق؛ يعني يضرب بعصاه البحر حتى ينسك الطريق، الطريق تُقفَل ورائهم فيجد فرعون لُجَّة فلا يأتي، أمره الله وقال له اترك البحر لهم، اترك البحر ساكنًا {........ إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ}[الدخان:24]، لابد أن ينزلوا بكليتهم كما قدَّر الله -تبارك وتعالى- لهم، أن ينزلوا كلهم إلى وسط البحر ثم بعد ذلك يُطبِق الله -تبارك وتعالى- البحر عليهم، فقال الله -تبارك وتعالى- لموسى {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ........}[الدخان:24]، اترك البحر ساكن، الرهو هو الساكن، اترك البحر رهوًا يعني ساكنًا؛ يعني لا يضربه، إن موسى أراد أن يضرب البحر خلفه وهو مازال بعد لم يخرج هو وبني إسرائيل من البحر، {........ إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ}[الدخان:24]، لابد أن يدخلوا كلهم، {........ إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ}[الدخان:24]، حكَمَ الله -تبارك وتعالى- بإغراقهم، فهذي بطشة الله –تبارك وتعالى- بهم.
ثم قال -جل وعلا- {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}[الدخان:25] {وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ}[الدخان:26] {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ}[الدخان:27] {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ}[الدخان:28]، هذه صفحتهم طواه الله -تبارك وتعالى-، وكان هذا هو المآل والنهاية البئيسة التي انتهوا إليها؛ بأن قذفهم الله -تبارك وتعالى- بهذا البحر غرقى على هذا النحو، تذكير هذا؛ هذا تذكير من الله -تبارك وتعالى- لقريش، احذروا وشوفوا النهاية؛ شوفوا نهاية قوم كانوا مثلكم في العناد والمكابرة، وانظروا كيف كانت النهاية التي انتهوا إليها.
نقف هنا ونُكمِل -إن شاء الله- في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.