الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (616) - سورة الدخان 38-47

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ}[الدخان:38] {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[الدخان:39] {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}[الدخان:40] {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}[الدخان:41] {إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الدخان:42] {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ}[الدخان:43] {طَعَامُ الأَثِيمِ}[الدخان:44] {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ}[الدخان:45] {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}[الدخان:46] {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ}[الدخان:47] {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ}[الدخان:48] {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}[الدخان:49] {إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ}[الدخان:50]، في سياق خطاب الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء المُكذِّبين المعاندين من قريش من العرب لدعوة النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، بعد أن ضرب الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة مثل بقوم فرعون، وكيف أن فرعون وجنوده استهزأوا بدعوة الله -تبارك وتعالى- وردوها، كان مآلهم هو هذا المآل البئيس الذي انتهوا إليه؛ من أن أغرقهم الله -تبارك وتعالى-، ودمَّرهم، وأورث أرضهم وديارهم وجناتهم ومقامهم الكريم قومًا غيرهم، قال {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}[الدخان:25] {وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ}[الدخان:26] {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ}[الدخان:27] {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ}[الدخان:28] {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ}[الدخان:29].

ثم بيَّن الله نعمته على موسى وعلى قومه، قال {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ}[الدخان:30] {مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ}[الدخان:31] {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[الدخان:32] {وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ}[الدخان:33]، ثم قال الله عن هؤلاء العرب {إِنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ}[الدخان:34] {إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ}[الدخان:35]، فهذا كان هو منتهى إدراك العرب ومنتهى علومهم؛ أن حياتهم إنما هي فقط في هذه الدنيا وأنه لا حياة بعد ذلك، وكانوا يُنكِرون البعث إنكارًا شديدًا ويرون أنه من المستحيلات؛ وأنه لا يمكن أن يكون، وأن الله الذي خلقهم وهم يعترفون بأنه خالقهم؛ وخالق السماوات والأرض ومدبِّرها، وأن خلْق هذه السماوات والأرض أكبر من خلْق الناس، لكنهم لم يكونوا يتصوَّروا بتاتًا أو يُزعِنوا في أن هذا الرب الإله الخالق؛ الذي يؤمنون به؛ رب السماوات والأرض، يستطيع أن يُعيدهم إلى الحياة مرة ثانية، ويقولون هذا مستحيل؛ لا يمكن، {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ}[الصافات:53]، {أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}، {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[يس:78]، مَن هذي يدخل فيها الكل؛ يعني لا الله ولا غيره يُحيي العظام وهي رميم، قال –جل وعلا- {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[يس:79] {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ}[يس:80] {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}[يس:81]، فكان استعظامهم على الله -تبارك وتعالى- مع إيمانهم بالله في أنه خالق السماوات والأرض، لكنهم ما كانوا يرون أنه بقادر -سبحانه وتعالى- أن يُعيدهم إلى الحياة مرة ثانية، وأنهم إذا ماتوا واختلطت أجسامهم وعظاهم وشعورهم بالأرض فلن يعودوا مرة ثانية إلى الحياة، {أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}، هذا أمر عندهم من المستحيلات، فالله -تبارك وتعالى- ذكَرَ هذا عنهم استهزاءً بعقولهم القاصرة؛ وتكذيبهم، وكفرهم، {إِنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ}[الدخان:34] {إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الأُولَى ........}[الدخان:35]، سنموت موتة واحدة، يعني نعيش ثم نموت وخلاص، {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ}، هذه عندهم حقيقة راسخة؛ لا يمكن أن تتبدَّل، {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ}، يعني أننا لن نُعاد إلى الحياة مرة ثانية، لن ينشرنا الله -تبارك وتعالى-؛ يخلقنا خلْقًا ثانيًا أبدًا.

{فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الدخان:36]، يقولوا للنبي هات آبائنا الذين ماتوا لنؤمن لك بأننا سنعود، {فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الدخان:36]، قال -جل وعلا- {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}[الدخان:37]، يعني إهلاك الله -تبارك وتعالى- للظالمين هذا في مقدور الله -تبارك وتعالى-؛ وقد فعل، وأنتم أيها الكفار هذا تهديد بأن الله -تبارك وتعالى- يُهلِكهم كما أهلك السابقين بكفرهم، ثم بيَّن الله -تبارك وتعالى- لهم أنه لو لم يكن هناك بعث ولا نشور لكان لا معنى لهذا الخلْق، لا معنى لوجود السماوات والأرض؛ تُصبح كأنها لعب، قال -جل وعلا- {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ}[الدخان:38]، كيف يكون الخالق الذي تُقِرون أنتم أنه هو خالق السماوات والأرض يخلق السماوات والأرض، ثم يعيش الناس الذين يعيشون على هذه السماوات والأرض ما يعيشوا؛ بمؤمنهم، وكافرهم، وصالحهم، وفاسدهم، وظالمهم، ومظلومهم، ومَن يعيش ويفعل ما يشاء، ثم يموت الجميع ولا يكون هناك جزاء؛ لا للطائعين، ولا للعاصين، ولا يأخذ مظلوم حقَّه من ظالمه، ويموت الجميع وتنتهي القصة وتصبح على هذا النحو؛ كأن الله -تبارك وتعالى- خلَق السماوات والأرض للعبث وللعب، تعالى الله عن ذلك، لا يمكن أن يكون الرب الذي خلَق هذه السماوات والأرض إلا رب حكيم؛ يضع كل أمر في نِصابه، وأنه لا يمكن أن يفعل شيئًا عابثًا ولاعبًا -سبحانه وتعالى-.

يقول -جل وعلا- {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ}[الدخان:38]، للعب، ولو لم يكن هناك بعث ونشور وأخذ لكل عامل جزاء؛ المجرم يأخذ جزائه، والمؤمن يأخذ جزائه، لكان هذا لعبًا وكانت الحياة ليست لها هدف، وكان هذا الكون ليس عاقلًا؛ ما له أي عقل، ولا له أي غاية، وخُلِقَ هذا الخلْق العظيم؛ السماوات، والأرض، والشموس، والأقمار، هذا الخلْق العظيم خُلِق كله بدون أن يكون له هدف ولا له غاية إلا أن يعيش الناس على هذا النحو؛ ويأكلوا، ويشربوا، وكلٌ منهم يعتقد ما يشاء، ويصطرعوا، ثم يموت الجميع ولا حكومة، أين الرب -سبحانه وتعالى- الذي خلَقَ هذا؟ تعالى الله عن ذلك، الله يقول {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}[القلم:35] {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[القلم:36]، {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ}[التين:7]، ما الذي يُكذِّبك أيها الكافر بالدين؟ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}[التين:8]، فالله هو أحكم الحاكمين؛ فكيف يمكن أن يجعل في مُلكِه وفي مملكته الكافر والمؤمن سواء؟ المجرم والمؤمن سواء؟ {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}[القلم:35]، المسلمين الذين انقادوا لأمر الله وأطاعوه من الرُسُل؛ والأنبياء، ومَن أطاعهم، يجعلهم الله -تبارك وتعالى- كبقية المجرمين من الكفار؛ فيجعل مصيرهم واحد، ويمكن أن بعض هؤلاء مات في عِزِّه ومات المؤمن وهو مُضطهد مظلوم كما حصل لأصحاب الأخدود؛ والذين فُتِنوا، والذين قُتِلوا على أيدي هؤلا المجرمين، فتكون النهاية أن يموت هذا وهذا ولا ينتقم الله من ظالم ولا يُثيب الطائعين، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}[القلم:35] {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[القلم:36]، فلا شك أن إنكار البعث معناه اتهام للرب -تبارك وتعالى- بأنه خلَق خلْقَه سُدى وعبثًا؛ وأنه لا حِكمة من وراء هذا الخلْق، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:115] {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}، تعالى الله وهو الملِك الحق أن يكون خلَقَ خلْقَه وخلَّاهم ليفعل كلٌ منهم ما يشاء ثم لا يُحاسِب مجرمًا على إجرامه؛ ولا يُثيب مسلمًا وطائعًا على طاعته، تعالى الله عن ذلك.

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ}[الدخان:38] {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}، ما خلَقَ الله -تبارك وتعالى- السماوات والأرض إلا بالحق، وهذا بالحق أولًا السماوات والأرض فيها إظهار لقدرة الرب -سبحانه وتعالى-، كيف يعرف خلْقَه عظمة الرب وسلطانه إلا بهذه المخلوقات العظيمة؟ لمَّا خلَقَ هذه المخلوقات العظيمة؛ لمَّا نصب السماء، ووضع الأرض، وبسط هذا الكون على هذا النحو، عُرِفَ الرب -تبارك وتعالى-؛ عُرِفَت قدرته وعظمته، فالذي خلَقَ هذا الخلْق العظيم هو الإله العظيم -سبحانه وتعالى-؛ القوي، القادر، فهذا أولًا من تعريف العباد بصفاته -سبحانه وتعالى- خلْقه العظيم؛ الذي خلَقَه ونصَبَه على هذا النحو، ثم من بيان صفاته -سبحانه وتعالى- لمَّا كان هو الرب الرحمن؛ الرحيم، الودود، الكريم، فإنه –سبحانه وتعالى- أيضًا هدى أهل الإيمان إلى طاعته ومحبته؛ يتودد إليهم، ويتعطَّفهم عليهم -سبحانه وتعالى-، ويرحمهم، ويُزكيهم، ويرعاهم، ويُكرِمهم بصنوف إكرامه -سبحانه وتعالى- في الدنيا والآخرة؛ فهذا من آثار صفاته -سبحانه وتعالى-، ولمَّا كان هو الرب -سبحانه وتعالى- الفعَّال لِما يُريد، {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}[البروج:12] {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ}[البروج:13] {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[البروج:14] {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}[البروج:15] {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[البروج:16]، وأنه القوي القاهر -سبحانه وتعالى-، فإنه كذلك أظهر قوته وقهره وفِعلَه في أعدائه -سبحانه وتعالى-، فوجود هؤلاء الأعداء؛ وما كان من فِعلهم، وما كان من عقوبة الله -تبارك وتعالى- لهم، هذا إظهار لصفات الله -تبارك وتعالى-.

{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الحجر:49] {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ}[الحجر:50]، فخلْق للجنة من رحمته وإحسانه وإفضاله -سبحانه وتعالى- لأهل طاعته؛ نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا منهم، وخلقه للنار -سبحانه وتعالى- هي كذلك من آثار قوته وبطشه -سبحانه وتعالى-؛ وعقوبته، وقد جعلها الله -تبارك وتعالى- لأهل معصيته، {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[فصلت:19]، فهؤلاء أعداء الله -تبارك وتعالى-، كذلك عاملهم الله -تبارك وتعالى- في الدنيا هنا بما يستحقون به، كما عامل كذلك أهل الإيمان بما يستحقون به، فهذا من الحق الذي من أجله خلَقَ الله -تبارك وتعالى- السماوات والأرض، {وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}، فمن الحق الذي من أجله خلَقَ الله السماوات والأرض أن يجزي الله -تبارك وتعالى- كل نفس بما كسبت، {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، ليجزي الله -تبارك وتعالى- أهل الإيمان بإيمانهم؛ ويُكافئهم على صبرهم، وعلى إسلامهم له، وعلى طاعتهم -سبحانه وتعالى-، وكذلك ليُجازي الله -تبارك وتعالى- أهل الكفر والعناد بكفرهم وعنادهم -سبحانه وتعالى-، {مَا خَلَقْنَاهُمَا}، السماوات والأرض، {........ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[الدخان:39]، ولكن أكثرهم؛ أكثر الناس، لا يعلمون؛ غافلون عن هذا، غافلون عن هذا الأمر؛ لا يعلمونه، قد تركوا الرب -تبارك وتعالى- خلفهم ظُهريًا، ولم يُفكِّروا في شيء من هذا، وعاشوا كالبهائم وكالأنعام؛ يأكلون، ويشربون، ويتمتعون، ولا يُفكِّرون ولا يتدبَّرون في خلْق السماوات والأرض؛ ما عندهم أي تدبير، يشوفوا هذه السماوات والأرض ويأكلوا ويشربوا، {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف:179]، فهو غافل عن هذا الخلْق؛ وعن لماذا خلَقَه -سبحانه وتعالى-، وغافل عن لماذا أوجده الله -تبارك وتعالى- في الأرض، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}[ص:27] {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}[ص:28]، لا يمكن؛ يستحيل أن يُسوِّي الله -تبارك وتعالى- بين هذا وهذا، فالكافر غافل؛ يعيش لاهي لاعب، يأكل ويشرب ويتمتع وهو غافل عن غاية هذا الوجود وعن هذا الخلْق.

ثم بيَّن الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك في ختام هذه السورة الحكمة من خلْقِه -سبحانه وتعالى- لمخلوقاته، قال -جل وعلا- {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}[الدخان:40]، {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ ........}[الدخان:40]، يوم حدده الله -تبارك وتعالى- للفصل بين العباد؛ يوم القيامة، سُمي يوم الفصل لأن الفصل بمعنى الحُكم، الحُكم الفاصل الذي يحكُم الله –تبارك وتعالى- فيه القرار النهائي والأخير في كل أحد؛ هذا يوم القيامة، وكذلك هو يوم الفصل لأن الله -تبارك وتعالى- يفصل المؤمنون في جهة؛ هؤلاء أهل يمين، والكفار والمنافقين في جهة؛ هؤلاء أهل يسار، {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}[الدخان:40]، قد جعل الله -تبارك وتعالى- ميقات؛ وقت كلهم أجمعين، المؤمنون والكافرون كلهم لهم يوم مُعيَّن ليفصل الله -تبارك وتعالى- بينهم، الله بنفسه -سبحانه وتعالى- وليس غيره الذي يفصل، بل الله -تبارك وتعالى- بنفسه يفصل بين عباده -سبحانه وتعالى-، {أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}، {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ}[الغاشية:25] {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}[الغاشية:26]، على الله لا على غيره، {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}[الدخان:40].

ثم حدَّث الله -تبارك وتعالى- عن ما يكون في هذا اليوم، قال {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}[الدخان:41]، هذا اليوم {........ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}[الدخان:41]، المولى هو الولي الذي يوالي الأخر، والعرب تُطلِق المولى على السيد؛ وتُطلِقه على العبد، وتُطلِقه على الأخ، وتُطلِقه على الحليف؛ المُحالِف أنه مولى، والرابط بين هذا المولى هو الذي يقوم بينه وبين الأخر علاقة تجعل كلٌ منهما يوالي الأخر، ومعنى يواليه يعني يحبه؛ وينصره، ويقوم معه، ويؤيده، فأخوة النسَب تجعل الإخوة كلٌ منهم يوالي الأخر، والحليف مع حليفه إذا كان هذا من قبيلة وهذا من قبيلة لكن بينهم حِلف فإنهم يكونون أولياء؛ يوالي بعضهم بعضًا بهذا الحِلف، وإذا كان السيد وعبده فإن العلاقة بين السيد والعبد تجعل العبد يوالي السيد؛ والسيد يوالي عبيده لأن هؤلاء عبيده، والعكس؛ كلٌ منهم يوالي الأخر، بين التابع والمتبوع فالمتبوع الرئيس وبين مَن تحته هؤلاء تقوم بينهم علاقة؛ علاقة التبعية بين هذا وهذا، تقوم علاقة تجعل كلٌ منهم يوالي الأخر، فلا مولى يُغني عن وليه وعن مولاه في هذا اليوم؛ كلٌ له شأنه، لا يبحث أخ عن أخيه؛ ولا رئيس عن مرؤوسيه، ولا مرؤوسين عن رئيسهم، ولا حليف عن حليفه، كل ولاية وكل علاقة تجعل هذا يوالي هذا تنقطع يوم القيامة؛ ما أحد يوالي أحد، يقول الله {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ}[عبس:34] {وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ}[عبس:35] {وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}[عبس:36] {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس:37]، لكل أمرئ منهم يومئذ شانه يُغنيه عن الأخر؛ فلا أحد يُفكِّر في هم أحد، يعني كلٌ يكون همُّه كافيه، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس:37]، شأنه بنفسه يُغنيه عن النظر والمساعدة في هم الأخر.

وكذلك تتقطَّع الأسباب بين الأتباع والمتبوعين كما قال -تبارك وتعالى- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}، أنداد لله يعني تابع ومتبوع يحبونهم كحب الله، قال -جل وعلا- {........ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}[البقرة:165] {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ........}[البقرة:166]، الذين اُتُبِعوا اللي هم المتبوعين؛ الرؤساء والقادة، من الذين اتبعوا يعني أتباعهم من الشعوب ومَن كان يواليهم، {وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}، تقطعت بهم أسباب الصِلة؛ والمودة، والعلاقة التي كانت تجعل كلٌ منهم يوالي الأخر؛ ويحبه، ومستعد أن يموت في سبيله، بالروح والدم كانوا يهتفون بأننا نواليكم، فهذا يوم القيامة الله يقول {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}، {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}، اللي هم الأتباع، {........ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة:167]، فلا يوجد هناك مولى ينصر وينفع مولاه في هذا اليوم مهما كان؛ ولو كان حبيبه، {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ}، هذي يعني ولاية الخُلَّة  والصداقة، {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف:67]، فعلاقة الخُلَّة الصداقة، علاقة النسَب، علاقة التابع والمتبوع، كل هذا لا علاقة تربط أحد بأحد من هؤلاء يوم القيامة، {يَوْمَ لا يُغْنِي}، الغناء هنا اللي هو النفع والفائدة؛ يعني لا يُفيدهم، {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}[الدخان:41]، ولا هم يُنصَرون يعني من الله -تبارك وتعالى-، فالكل خلاص؛ مستسلم لله -تبارك وتعالى-، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}[الصافات:24] {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ}[الصافات:25]، يوم القيامة يُقال وقِفوهم وهم ذاهبون إلى النار، {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ}[الصافات:25]، لماذا لا ينصر بعضكم بعضًا وتقومون كما كنتم تتناصرون وينصر بعضكم بعضًا في الدنيا؟ {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ}[الصافات:25]، قال -جل وعلا- {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ}[الصافات:26]، خلاص ما عندهم أي استطاعة أن ينصر أحد منهم الأخر في ما حلَّ بهم من العذاب والنكال، بل هم مستسلمون لأمر الله -تبارك وتعالى-، فالله يُحذِّرهم من هذا اليوم، {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}[الدخان:40] {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}[الدخان:41].

ثم قال -جل وعلا- {إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الدخان:42]، إلا مَن رحِمَ الله من أهل الإيمان؛ رحِمَهم الله -تبارك وتعالى-، رحِمَهم في الدنيا بأن كانوا في دين الله -تبارك وتعالى-؛ وفي هدايته، وفي توفيقه، {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، فقد والاهم الله -تبارك وتعالى- وأخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، وحماهم الله -تبارك وتعالى- من الشيطان وقال للشيطان {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ........}[الحجر:42]، وأخلصهم الله -تبارك وتعالى- فساروا في دربه وفي طريقه -سبحانه وتعالى-، فهؤلاء الذين رحِمَهم الله -تبارك وتعالى- في الدنيا بالإيمان وبالعمل الصالح، يرحمهم الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة؛ فهم إخوة كذلك، تبقى لهم أُخوتهم ومولاتهم بعضهم لبعض،  {إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ ........}[الدخان:42]، الغالب الذي لا يغلبه أحد، العِزَّة بمعنى الغَلَبة، العِزَّة في لغة العرب هي الغَلَبة، وتقول العرب ((مَن عزَّ بز))، مَن عزَّ بز يعني يعنون بز يعني استلب، يعني مَن غلب استلب، يعني الذي يغلب الأخر فإنه هو الذي يسلبه، فالعزيز الله هو العزيز؛ أي الغالب -سبحانه وتعالى-، الذي لا يغلبه أحد، الرحيم -سبحانه وتعالى- بعباده المؤمنين، فإنه من رحمته -سبحانه وتعالى- بعباده المؤمنين أنه هو الذي أكرمهم بالإيمان؛ وأنقذهم، وهداهم -سبحانه وتعالى- سُبُلَهم، وبالتالي هو ربهم ومولاهم في الآخرة.

ثم بيَّن الله -تبارك وتعالى- كيف سيُعذَّب هؤلاء الكفار، قال -جل وعلا- {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ}[الدخان:43] {طَعَامُ الأَثِيمِ}[الدخان:44] {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ}[الدخان:45] {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}[الدخان:46] {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ}[الدخان:47] {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ}[الدخان:48] {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}[الدخان:49] {إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ}[الدخان:50]، {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ}[الدخان:43]، شجرة الزقوم الله -تبارك وتعالى- أخبر عنها في مكان أخر في القرآن، فأخبر {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}[الصافات:64]، يعني نباتها في أصل النار، ليست يعني ثمار تُستورَد أو يؤتى بها من مكان غير النار إلى أهل النار... لا، بل هي نابتة في أصل الجحيم، وما ظنك بشجرة تضرب جذورها في النار؟ وتنبت في النار؟ إذن هي تتغذى بالنار، فشجرة تتغذى بالنار؛ فما ظنك بثمارها؟ لابد أن تكون ثمرتها خلاصة النار -عياذًا بالله-، {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}[الصافات:64] {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات:65]، وما ظنك يُشبَّه طلْعُها وفروعها كأنها رؤوس الشياطين؟ والشيطان دائمًا هو محِل البشاعة لأنه لعين وطريد الرب -تبارك وتعالى-؛ هو الذي لعنه الله -تبارك وتعالى-، وعندما نُشبِّه شيئًا ببشاعته شكلًا وموضوعًا نقول شيطان، فالله -تبارك وتعالى- شبَّهه برؤوس الشياطين، وإن كان الناس لم يروا رؤوس الشياطين لكن أصبح في خلَدهم وفي فطرتهم وفي وصف الأوصاف التي جائت في الشياطن بأنه من أبشع مخلوقات الله -تبارك وتعالى- شكلًا، كما أنه من أبشع مخلوقات الله -تبارك وتعالى- موضوعًا؛ في كفره، وفي عناده، وفي لعنة الله -تبارك وتعالى- له، فشبَّه الله -تبارك وتعالى- هذا بهذا، قال {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات:65].

قال -جل وعلا- {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ}[الدخان:43]، التي هذه صفتها {طَعَامُ الأَثِيمِ}[الدخان:44]، يعني ثمارها يطعمها الأثيم، الأثيم؛ فاعل الإثم، {طَعَامُ الأَثِيمِ}[الدخان:44]، ثم صوَّر الله -تبارك وتعالى- طُعمتها -عياذًا بالله- فقال {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ}[الدخان:45]، المُهل في لغة العرب هو كل معدن مُذاب، كل معدن مُذاب العرب تُسميه مُهل، فإذا أذابت المعدن مثل الرصاص؛ أو النحاس، أو الحديد، أو غيره، فهذا المُذاب يُسمى مُهل، والمعدن غليظ يعني كثيف؛ كثافته شديدة، فإذا أُذيب يكون كثافة شديدة جدًا ولا يُذاب إلا في حرارة عالية، فسماه الله -تبارك وتعالى- {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ}[الدخان:45] {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}[الدخان:46]، الحميم هو الماء، الماء إذا بلغ حدَّه فإنه يغلي، فهذا مُهل ولكنه ليس في أول درجات الذوبان وإنما في أعلى درجات الذوبان؛ عندما يبدأ بالغليان، فشبَّه الله -تبارك وتعالى- غليان هذا الزقوم في بطون آكليها -عياذًا بالله- كغلي المعدن المُذاب خارجًا؛ غلي النار، وقد قال -صل الله عليه وسلم- «يا عباد الله اتقوا الله»، النبي يُحذِّر -صل الله عليه وسلم- ويقول «يا عباد الله اتقوا الله»، يعني خافوه، «فلو أن قطرة من الزقوم»، من الزقوم قطرة واحدة، «قُطِرَت على أهل الأرض لأفسدت على الناس معايشهم»، يعني تُفسِد على أهل الأرض كلهم عيشتهم؛ قطرة واحدة، يعني بلغة الناس الآن أن الأرض تصبح غير لسُكنى الناس كلهم، فتُفسِد على كل الناس معايشهم يعني تُفسِد الأرض؛ تُفسِد مياهها، تُفسِد زروعها، لا ينبت فيها زرع، لا يصلح فيها ماء، لا يصلح فيها هواء، من قطرة واحدة في الأرض كلها.

ثم يقول النبي «فكيف بمَن هو طعامه وشرابه»، يعني كيف بمَن هو يكون طعامه وشرابه من هذا الزقوم؟ ليلًا ونهارًا هذه طعامه ولا طعام له إلا هذا، كما قال -جل وعلا- {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ}[الدخان:43] {طَعَامُ الأَثِيمِ}[الدخان:44] {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ}[الدخان:45] {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}[الدخان:46] {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ}[الدخان:47]، وقال {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}[الصافات:64] {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات:65] {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الصافات:66]،  لا يأخذ قطرة واحدة وإنما تُملأ بطنه من هذا، {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الصافات:66] {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ}[الصافات:67] {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ}[الصافات:68]، عياذًا بالله، نقف عند هذا ونُكمِل -إن شاء الله في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب.