الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم، {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}[الفتح:1] {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}[الفتح:2] {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}[الفتح:3] {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[الفتح:4] {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا}[الفتح:5] {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[الفتح:6] {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[الفتح:7] {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[الفتح:8] {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفتح:9]، سورة الفتح سورة مدنية وقد نزلت على الرسول -صلوات الله والسلام عليه- بعد رجوعه من الحديبية، وقد ذكرنا في الحلقة الماضية أن هذه الغزوة كانت في السنة السادسة من هجرة النبي -صلوات الله والسلام عليه-؛ في ذي القِعدة منها، وأن النبي ندب المسلمين وأمرهم بالخروج للعُمرة وخرج مع النبي -صل الله عليه وسلم- ألف وأربعمائة؛ وتخلَّف كثير من الأعراب الذين حول المدينة، ذهب النبي -صل الله عليه وسلم- وعندما وصل مكة مُنِعَ من دخولها، وجمعت قريش أحابيشها ومَن حولها وأقسمت أن لا يدخلها عليهم محمدًا عنوة أبدًا، وحصلت الأحداث التي قد تكلَّمنا عنها في الحلقة السابقة، ثم إن الأمر انتهى بعد ذلك بالصُلح الذي وقَّعه النبي معهم -صلوات الله والسلام عليه-؛ وكان فيه شروط مُذِلة بالنسبة للمسلمين، وهي أن يردوا إليهم مَن يرتد من المسلمين أو مَن يخرج مُغاضِبًا للنبي إلى المشركين لا يردون؛ لا ترده قريش، وأما مَن أتى النبي من قريش فإنه يجب أن يرده لهم، وفي هذا كان أمر صعب جدًا؛ أن يُرَد إلى المشركين وإلى الكفار مَن يستضعفونه من المؤمنين بعد أن يصلوا إلى النبي -صلوات الله والسلام عليه-، وقد جعل الله -تبارك وتعالى- لهم فرجًا ومخرجًا كما جاء في قصة أبي بصير -رضي الله تعالى عنه-.
أخبر الله -تبارك وتعالى- رسوله وأكَّد له بأنه فتَحَ له فتْح مبين، وقال عمر للنبي -صل الله عليه وسلم- "يا رسول الله أوَفتْح هو؟ قال إي والله إنه لفتْح"، وقد كان أعظم فتح في الإسلام فإن هذا هو الذي مهَّد لفتح مكة؛ الفتح الأكبر، ولكن وإن كان بعض السلفيين يقولون أن {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}[الفتح:1]، هي فتح مكة وإن كانت نزلت قبل الفتح، فيكون هنا إنَّا فتحنا بالتعبير عن المستقبل بصيغة الماضي لتحقق الوقوع، وقد تحقق الوقوع هذا في السنة الثامنة أي بعد سنتين من هذه الواقعة؛ من بعد الحديبية، {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}[الفتح:1]، فتح ظاهر بيِّن، {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ........}[الفتح:2]، وهذا لم ينله أحدٌ إلا رسول الله محمد -صلوات الله والسلام عليه-، {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ}، في الدنيا والآخرة، {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}، صراط الإسلام العظيم، {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}[الفتح:3]، على كل أعدائك، {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَ........}[الفتح:4]، سكينة الإيمان والاستجابة لأمر الله -تبارك وتعالى- والرسول مع عِظَم الأمر، السكينة في قبول ما اقتره النبي وما رضيه من هذا الصُلح، ثم كذلك السكينة في بيعتهم للنبي -صل الله عليه وسلم- وقبولهم أن يقاتلوا وألا يفروا؛ وإن كان هذا هو الموت، {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[الفتح:4].
{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ........}[الفتح:5]، بُشرى من الله -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين الذين كانوا مع النبي في هذه الغزوة؛ والذين استجابوا لأمر الله، وسكنوا؛ نزلت السكينة في قلوبهم إيمانًا بالله -تبارك وتعالى- واستجابة لأمره، {وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا}، هذا هو الفوز العظيم وهو أن يُكفِّر الله -تبارك وتعالى- سيئات المؤمن؛ وأن يُدخِله جنته حيث النعيم الدائم، {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ}، المنافقين والمنافقات هذه سُنَّة الله -تبارك وتعالى- فيهم؛ الذين يُظهِروا الإسلام والإيمان ويُبطِنوا الكفر، {وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ}، قد ظن المنافقون أن النبي إذا خرج من المدينة إلى مكة فلن يعود، وقالوا كيف يذهب إلى قوم هم قد غزوه في عُقر داره؟ يعني أن الكافر قد غزوا المسلمين فقد جائوا في أُحُد وجائوا في الخندق يغزون النبي -صل الله عليه وسلم- في المدينة؛ وهو يُريد أن يذهب إليهم، فقالوا إذا ذهب إليهم فلن يعود؛ هذا كان ظنهم، فهؤلاء ظنوا أن الله -تبارك وتعالى- سيُضيِّع دينه ويُضيِّع رسوله، هذا كان ظن المنافقين والمنافقات وظن المشركين والمشركات من أهل مكة ومَن حولهم، وأخبر الله -تبارك وتعالى- بأنه فتَحَ هذا الفتح كذلك ليُعذِّب المشركين والمشركات والمنافقين والمنافقات، {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ}، الدائرة ستدور عليهم وهي العاقبة السيئة ستكون لهم، {........ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[الفتح:6]، غضب الله -تبارك وتعالى- صفة، الله نسب إليه هذه الصفة لائقة بالله -تبارك وتعالى-، لا شك أن الغضب صفة تقوم بذات الله -تبارك وتعالى- ولها آثارها من الفعل، آثارها على مَن يغضب عليهم بإضلالهم؛ بطردهم من رحمته -سبحانه وتعالى-، بعقوبته العظمى والكبرى وهي النار -عياذًا بالله-، ولعنهم؛ أخرجهم من رحمته، وطردهم، وأبعدهم، {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}، هذا من غضبه عليهم -سبحانه وتعالى- أن أعد لهم، أعد لهم؛ هيأها، وهذا دليل على أن جهنم موجودة؛ مُعدَّة، مُهيئة، وأعد لهم جهنم أي لاستقبالهم هذا الاستقبال اللي هو أسوأ استقبال وأسوأ مصير لهم، {وَسَاءَتْ مَصِيرًا}، لا مصير في النهاية أسوأ من هذا المصير وذلك أن هذا سكن دائم، وكلمة سكن هذا تجاوزًا وإنما بقاءٌ دائم في النار -عياذًا بالله-، {وَسَاءَتْ مَصِيرًا}، أن يكون مصير الكافر إليها آخر المطاف وعصا التسيار هناك في النار -عياذًا بالله-، {وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
ثم أكَّد الله -تبارك وتعالى- قال {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ........}[الفتح:7]، السماوات والأرض كلها جنود لله -تبارك وتعالى-، فيستطيع الله -تبارك وتعالى- أن يُسلِّط ما يشاء منها على مَن يشاء من عباده -سبحانه وتعالى-، {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ}[الطور:44]، {........ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الشعراء:189]، الريح التي أرسلها الله -تبارك وتعالى- على ديَّت، {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}[الأعراف:133]، البحر جعله الله -تبارك وتعالى- عقوبه؛ هو رحمة في ذاته، لكن جعله الله -تبارك وتعالى- عقوبة؛ أغرق الله -تبارك وتعالى- فيه قوم فرعون، المطر رحمة والينابيع من الأرض رحمة ولكن الله -تبارك وتعالى- جعلها عقوبة لقوم فرعون؛ فأهلكهم الله -تبارك وتعالى- بمطر نازل من السماء، {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}[القمر:11] {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}[القمر:12]، فكان هذا إهلاك لقوم نوح، عذاب نازل من السماء هو رحمة في ذاته لكن بنزوله على هذه الصورة جعله الله -تبارك وتعالى- عقوبة لهم، فهذه السماوات والأرض جعلها الله -تبارك وتعالى- جنود له يرسلها الله -تبارك وتعالى- ويجعلها عقوبة على مَن يشاء من عباده -سبحانه وتعالى-، {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[الفتح:7]، عزيزًا؛ غالبا، لا يغلبه أحد، حكيم؛ يضع كل أمر في نِصابه -سبحانه وتعالى-، فلا أمر من أمور الله -تبارك وتعالى- من الأمور الكونية القدرية موضوع في غير محِله؛ بل كل أمر في محِله -سبحانه وتعالى-.
ثم قال -تبارك وتعالى- الكلام موجه للنبي -صل الله عليه وسلم- {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[الفتح:8]، هذه مهمة النبي -صل الله عليه وسلم- وتشريفه من الله -تبارك وتعالى-، إنَّا؛ الله -سبحانه وتعالى- يؤكِّد، أرسلناك؛ تأكيد أيضًا فالله هو الذي أرسله، والله -تبارك وتعالى- يتكلم عن نفسه بصيغة الجمع أرسلناك ما قال أرسلتك للتعظيم؛ يُعظِّم نفسه -سبحانه وتعالى-، فهو الرب العظيم الكبير -جل وعلا-، إنَّا أرسلناك أي يا محمد -صلوات الله والسلام عليه-، {شَاهِدًا}، على الناس؛ على أمتك، كما قال -جل وعلا- {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، ويقول {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا}[النساء:41] {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}[النساء:42]، ومعنى أن الرسول شاهد على أمته -صل الله عليه وسلم- يشهد لِمَن أطاعه فيكون بالجنة؛ وعلى مَن عصاه بالنار، وشهادة النبي -صل الله عليه وسلم- شهادة مقبولة عند الله -تبارك وتعالى-، ويقول {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ........}[النساء:41]، وهو رسولها، وجئنا بك؛ محمد، على هؤلاء؛ الذين بُعِثَ فيهم شهيدًا، {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ ........}[النساء:42]،، يعني يا ليتهم كانوا في باطن الأرض ولم يكونوا في ظاهرها، {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}، لا يستطيعون أن يكتوا الله حديثًا، فالنبي شاهد للمؤمنين وشاهد على الكافرين -صلوات الله والسلام عليه-، شاهد على مَن حضَرَه؛ كل مَن حضَر النبي -صل الله عليه وسلم- فالنبي شاهد عليه -صل الله عليه وسلم-.
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا ........}[الفتح:8]، البِشارة؛ الإخبار بما يسُر، أي أنه يخبر بأنواع الحبور والسرور والخير لِمَن يتَّبِع طريق الإيمان، يُبشِّرهم بما يُبشِّرهم به ببُشرى الله -تبارك وتعالى- في الدنيا، ويُبشِّرهم في الآخرة بجنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه، فمن بشارة النبي -صل الله عليه وسلم- لِمَن آمن به أن يهديهم الله -تبارك وتعالى-؛ أن يُثبِّتهم على الإيمان، أن يكلأهم الله -تبارك وتعالى- برعايته وحفظه، أن يكونوا في ولاية الله -تبارك وتعالى-، أن ينصرهم الله على عدوهم، أن يؤتيهم في هذه الدنيا حسنة، أن يُحييهم الحياة الطيبة، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل:97]، بُشرى الجنة والجزاء الأوفى من الله -تبارك وتعالى- للعباد المؤمنين، {وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}، النذارة هي الإخبار بما يسوء؛ والتخويف من العقوبة، والنبي نذير للعالمين -صلوات الله والسلام عليه-؛ يُحذِّر عقوبة الله -تبارك وتعالى-، وأول خُطبة خطبها للناس عامة قال «إن نذير لكم بين يدي عذاب شديد»، إني نذير لكم أيها الناس بين يدي عذاب شديد؛ يعني قبل أن يأتيكم عذاب شديد، فالنبي نذير للعالمين وكذلك نذير للمؤمنين أن يخالفوا أمر الله -تبارك وتعالى-، فإن الله يُحذِّر عباده من مخالفة أمره في الصغير والكبير لأن كل شيء له عقوبة؛ كل ذنب كذلك له عقوبة، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه}[الزلزلة:7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}[الزلزلة:8]، ولذلك النبي -صل الله عليه وسلم- كان هو النذير كما قال النبي «وأنا النذير العريان»، أعظم النُذُر نذارة في الأقوام، وقد أرسل الله -تبارك وتعالى- معه هذا القرآن ليكون نذيرًا للعالمين، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]، وقال {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}، وكان النبي يخطب إذا جاء ذِكر الجنة والنار فيقول أنس "فكأنه مُنذِر جيش يقول صبَّحكم ومسَّاكم، يعلوا صوته، ويشتد غضبه، ويحمَّر وجهه"، يقول أنس "كأنه مُنذِر جيش يقول صبَّحكم ومسَّاكم"، يصبح النبي كأنه مُنذِر جيش يُخبر جيشه؛ ويُحمِّسهم للقتال، ويخبرهم بأن جيش العدو ورائهم؛ وأنه سيأتيهم، فهذي كانت صفة النبي -صل الله عليه وسلم- في قيامه بالنذارة، إنَّا أرسلناك يعني يا محمد، {........ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[الفتح:8].
قال -جل وعلا- {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفتح:9]، أرسل الله -تبارك وتعالى- رسوله محمدًا -صل الله عليه وسلم- بهذه الصفات؛ شاهد على القوم، مُبشِّر، نذير، قال {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، أرسله الله بهذه الصفات ليكون الإيمان به، {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ}، والنبي جاء داعيًا إلى الله -تبارك وتعالى-، ورسوله؛ محمد -صل الله عليه وسلم-، {........ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفتح:9]، هنا في هذه الآية ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- أربع أعمال واجبة على المؤمنين؛ قال {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، ثم قال {........ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفتح:9]، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- أن هذه كلها لله -تبارك وتعالى-، يعني أن الإيمان فقط مشترك بين الله والرسول، والتعزير والتوقير والتسبيح لله -تبارك وتعالى-، وقال معنى تُعزِّروه؛ تُعظِّموه، يعني تُعظِّموا ربكم -سبحانه وتعالى-، وتوقِّروه؛ التوقير كذلك بمعنى التعظيم، وأن يكون لله -تبارك وتعالى- وقار في قلوبكم، أن توقِّروه كما قال نوح لقومه {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}[نوح:13]، يعني لا تُعظِّموا أمر الله -تبارك وتعالى-، وتُسبِّحوه؛ وتسبيح الله -تبارك وتعالى- تنزيهه عن كل سوء وعن كل نقص -سبحانه وتعالى-؛ فهو الرب الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلِد ولم يولَد، وقال بعض أهل العِلم {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، هذا الإيمان يكون بالله ورسوله، {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}، للنبي، {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، لله -تبارك وتعالى-، فجعل الضمائر هنا ضمير التعزير والتوقير يعود إلى النبي؛ فيكون وتُعزِروه للنبي، وتوقِّروه للنبي، وتُسبِّحوه لله -سبحانه وتعالى- بُكرةً وأصيلًا.
ومعنى تعزير النبي تعزير النبي نصره؛ والقيام معه -صلوات الله والسلام عليه-، ومنعه كما أخذ النبي العهد على الأنصار ليلة العقبة أن يحموه، قال «إذا أتيتكم تحموني مما تحمون منه أنفسكم وذراريكم»، ومن الله -تبارك وتعالى- بأن ننصره وننصر رسوله، وقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}[الصف:14]، وقال الله -تبارك وتعالى- في شأن النبي {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ........}[التوبة:40]، {إِلَّا تَنصُرُوهُ}، تنصروا النبي، وتعزير النبي؛ نصره، والقيام معه -صل الله عليه وسلم-، وشد أزره، والقتال كما قال الصحابة "نقاتل أمامك؛ وخلفك، وعن يمنك، وعن شِمالك، لا تجدنا إلا شجعان مقاتلين"، وقال سعد بن مُعاذ -رضي الله تعالى عنه- يوم بدر "يا رسول الله قُم لِما أرادك الله أو لِما أمرك الله، فلعل الله -تبارك وتعالى- أن يُقِر عينيك بنا غدًا، فوالله إنَّ لصُدقٌ في القتال؛ صُدُقٌ في اللقاء، والله لو خُضت بِنا هذا البحر لخضناه معك؛ ما تخلَّف مِنَّا رجل"، وقال المقداد -رضي الله تعالى عنه- "قُم يا رسول الله، والله لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى؛ اذهب أنت وربك فقاتلا إنَّا ها هنا قاعدون، بل اذهب أنت وربك فقاتلا إنَّا معكما مقاتلون"، نُقاتل عدوك، نقاتل من أمامك؛ من خلفك، وعن يمينك، وعن شِمالك، فنقاتل الأعداء، فهذا نصر النبي -صل الله عليه وسلم- أن يقوموا مع النبي وأن ينصروه، ونصرهم للنبي هو نصر لله -تبارك وتعالى-، لأن النبي إنما جاء بدين الله -تبارك وتعالى-؛ وهو داعٍ إلى الله -جل وعلا-.
{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}، توقير النبي؛ وتعظيمه، وإجلاله، ووضعه -صل الله عليه وسلم- في المكان اللائق الذي وضعه الله -تبارك وتعالى- فيه؛ من أنه عبد الله ورسوله، وفي سورة الحُجرات ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- طائفة من الآداب التي يجب على المسلمين أن يتأدَّبوا بها نحو النبي -صل الله عليه وسلم- كقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الحجرات:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}[الحجرات:2]، إلى آخر الآيات، فالنبي يوقَّر بمعنى أنه يُعظَّم ويوضع في مكانه اللائق -صلوات الله وسلامه عليه-، فلا يُتكلَّم في حضرته بغير إذنه؛ لابد أن يأذن، ولا يُفتى وهو موجود -صل الله عليه وسلم-، لا يتكلم أحد في شأن من شئون الدين قبل أن يتكلم -صل الله عليه وسلم-، ولا يُنادى باسمه؛ يا محمد، ولا بكُنيته، بل يُنادى بوصفه بأنه رسول الله؛ فيُقال يا نبي الله، يا رسول الله، ولا يُرفَع الصوت بحضرته، له أمور من التعظيم والإجلال والتوقير تليق به -صلوات الله والسلام عليه-، لكن لا يُصرَف له حق الله -تبارك وتعالى-، فحق الله في القيام؛ والركوع، والسجود، هذه أمور عبادات لله -تبارك وتعالى- فلا تُصرَف لنبيه، ولذلك كان النبي يكره أن يتمثَّل له الناس قيامًا؛ إذا دخل يقومون له، كان كما قال أنس "كانوا يحبون رسول الله ولا يقومون له لِما يعلمونه من شدة كراهيته لذلك"، أو يكون النبي جالس وهم قائمون عند رأسه... لا، كان هذا من فعل فار والروم؛ يُعظِّمون ملوكهم، وأما النبي -صل الله عليه وسلم- فإنه لم يكن يُعظَّم بأن يُقام على رأسه -صل الله عليه وسلم-؛ فيكون هو جالس والناس قيام بين يديه، نهى عن هذا وقال «مَن أحب أن يتمثَّل له الناس صفونًا أو قيامًا فليتبوَّأ مقعده من النار»، وكان يكره هذا أشد الكراهية -صلوات الله والسلام عليه-، وكذلك ما كان يُركَع له؛ ولا يُسجَد له.
جاء مُعاذ ابن جبل -رضي الله تعالى عنه- وكان في الشام، فرأى أن النصارى يُعظِّمون بطارقتهم؛ يسجدون لهم وهم رجال دينهم، فقال "نبينا أَولى بهذا"، يعني نبينا أَولى بهذا؛ أَولى بأن يُسجَد له وأن يُعظَّم من هؤلاء، هؤلاء وإن كانوا رجال من رجال دينهم لكنهم على الشرك بالله والكفر، فنبينا أَولى بذلك؛ هو رسول الله حقًا وصِدقًا، فلمَّا جاء من الشام ورأى رسول الله -صل الله عليه وسلم- خر ساجدًا، فقال له "مَهْ يا مُعاذ"، فقال له "يا رسول الله أنا رأيت النصارى في الشام يُعظِّمون بطارقتهم فرأيت أنك أَولى بذلك منهم"، فقال النبي -صل الله عليه وسلم- «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحدًا من دون الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لِما له عليها من الفضل»، وقال له «لا يُسجَد إلا لله»، فالسجود لله، فتعظيم النبي وتوقيره -صل الله عليه وسلم- إنما يكون بأعمال الاحترام والتوقير والتعظيم التي شُرِعَت في هذا، أما أن يُعطى حق الله -تبارك وتعالى-؛ فيُقام له، أو يُركَع له، أو يُسجَد له، أو يُدعى من دون الله، أو يُشرَك به مع الله -تبارك وتعالى- كأن يُقال ما شاء الله وشئت، جائه رجل فقال "ما شاء الله وشئت يا رسول الله"، فقال «أجعلتني لله ندًا؟ قُل ما شاء الله وحده، فالمشيئة لله وحده -سبحانه وتعالى-».
الشاهد هنا بأن الله -تبارك وتعالى- أرسل رسوله محمدًا -صل الله عليه وسلم- شاهدًا على الناس؛ ومُبشِّرًا، ونذيرًا، وقال {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، فجعل الإيمان؛ الإيمان بالله، والإيمان بالنبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، ومعنى ذلك التصديق الجازم بأن هذا عبد الله ورسوله؛ هذا المُقتضى، وطاعته؛ طاعة النبي في ما أمر -صل الله عليه وسلم-، وتصديقه في ما أخبر به -صل الله عليه وسلم-، والعِلم بأنه رسول الله حقًا وصدقًا، والإيمان بالله -تبارك وتعالى-؛ الإيمان بأسمائه، وصفاته، وتعظيم الرب -تبارك وتعالى- وإجلاله، {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، {وَتُعَزِّرُوهُ}، النبي، {وَتُوَقِّرُوهُ}، النبي على التفسير الثاني والوجه الثاني من التفسير، {وَتُسَبِّحُوهُ}، لله؛ أما التسبيح لله، {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، الله هو السُبُّوح؛ القدُّوس، المُنزَّه عن كل عيب؛ وعن كل نقص، وعن كل الصفات التي يتصف بها الخلْق من صفات النقص، وهو المُتصِف بصفات الكمال كلها -سبحانه وتعالى-؛ وله المثَل الأعلى -جل وعلا-، فهو الرب الملِك؛ الرحمن، الرحيم، الغفور، الودود، السميع، العليم -سبحانه وتعالى- الذي أحاط بكل شيء عِلمًا، ورحمته وسعت كل شيء -سبحانه وتعالى-، وأنه الذي لا نِد له؛ ولا شريك له، ولا شبيه له، أعظم نسبة للنقص أن يكون لله مُشابِه؛ أو نِد، أو سمي، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}، فهو الذي لا كفء له ولا نِد له، ثم هو الذي لا تعتريه كل الآفات؛ فهو لا ينام، ولا يسهوا، ولا يغفل، ولا يظلم -سبحانه وتعالى-، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}، فهو الحي القيوم؛ هو الحي الذي لا يموت، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}[الفرقان:58].
فهو تُسبِّحوا الله؛ تُنزِّهوه عن كل عيب ونقص -سبحانه وتعالى-، {بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، البُكرة؛ وقت البكور، وقد شُرِعَت لنا صلاة لتسبيح الله -تبارك وتعالى- وذِكرِه في وقت البكور؛ وهي صلاة الفجر، وأصيلًا؛ وقت الأصيل، وهو وقت العصر، وقد شرَعَها الله -تبارك وتعالى- لنا في بداية وقت الأصيل وهي صلاة العصر، وهاتان أعظم صلاتين في الإسلام؛ صلاة العصر وصلاة الفجر، وقد جاء في فضلهما أمور عظيمة كقول النبي -صلوات الله والسلام عليه- «مَن صلى البردين دخل الجنة»، والبردان من التغليب؛ هذا إسم تغليب لصلاة الفجر وصلاة العصر، وقال «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فيعرجوا الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم؛ كيف تركتم عبادي؟ يقولوا يا ربي أتيناهم وهم يُصلون وتركناهم وهم يُصلون»، أتيناهم وهم يُصلون صلاة العصر، وتركناهم وهم يُصلون صلاة الفجر، {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}.
ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح:10]، {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ}، البيعة هنا المقصود بها عندما بايع النبي هذا الجيش؛ الألف وأربعمائة، بايعوا النبي تحت الشجرة؛ وبايعوه على ألا يفروا، ألا يفروا معناها الموت؛ يعني أنهم يموتوا ولا يفروا، فأخبر -سبحانه وتعالى- مُنوِّهًا بشأن هذه البيعة أن بيعة النبي أنما هي بيعة مع الله، النبي يأخذ البيعة لله والله شاهد عليها، قال {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ}، وذلك أن النبي هنا إنما هو رسول من الله -تبارك وتعالى- ويأخذ البيعة لله؛ فقتال هؤلاء لله، وصبرهم لله، وجهادهم لله، وبالتالي هذه الصفقة التي يعقدونها إنما هي صفقة مع الله -تبارك وتعالى-؛ بيعة مع الله، لأن البيعة صفقة يُعطي بها المؤمن شيء، والله -تبارك وتعالى- يُعطيه مُقابل ذلك، {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح:10].
سنقف هنا -إن شاء الله- ونعود إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.