الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم، {حم}[الأحقاف:1] {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الأحقاف:2] {مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}[الأحقاف:3] {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[الأحقاف:4] {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}[الأحقاف:5] {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}[الأحقاف:6]، سورة الأحقاف سورة مكية، بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بهذين الحرفين؛ الحاء والميم، وهذه أحد الحواميم السبع، {حم}[الأحقاف:1] {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الأحقاف:2]، يخبر -سبحانه وتعالى- أن هذا الكتاب وهو القرآن كتابه المكتوب في السماء والمُنزَّل إلى الأرض فيُقرأ ويُكتَب، فيكون هو الكتاب العظيم الذي يحمل كلام الله -تبارك وتعالى-، لا كتاب مثله أنزَله الله -تبارك وتعالى- إلى الأرض؛ أنزَله مُعجِزًا، آية منه -سبحانه وتعالى- على عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه-، تحدَّى الله -تبارك وتعالى- به الأولين الذين نزل فيهم والآخرين، وأنهم لن يأتوا بسورة من مثل سور هذا الكتاب، فهذا الكتاب المكتوب في اللوح المحفوظ والمُنزَل من الله -تبارك وتعالى- على قلب النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-.
قال -جل وعلا- {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ ........}[الأحقاف:2]، نازل من الله -تبارك وتعالى-، فالله هو الذي تكلم به -سبحانه وتعالى- وهو الذي أنزله على عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه-، العزيز؛ الغالب، الذي لا يغلبه أحد، فالله هو العزيز -سبحانه وتعالى-، الحكيم؛ الذي يضع كل أمر في نِصابه، ومن حكمته -سبحانه وتعالى- وقضائه العظيم إنزال هذا القرآن على عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- لهذه البركات العظيمة؛ وهذه المنافع العظيمة، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}[الكهف:1] {قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}[الكهف:2] {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}[الكهف:3]، فهذا القرآن النازل من الله -تبارك وتعالى- العزيز الحكيم للمنافع العظيمة؛ وللأهداف الكبيرة، ليُخرِج الله -تبارك وتعالى- به مَن أراد الله -تبارك وتعالى- به الهداية والعناية والرحمة من الظلمات إلى النور، {........ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم:1] {اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ........}[إبراهيم:2]، فهذا أمر عظيم جدًا، تنزيل الكتاب من الله -تبارك وتعالى- لهذه الفوائد العظيمة؛ والمنافع العظيمة، الغايات العظيمة التي تدل على حِكمة الرب -سبحانه وتعالى- في إنزاله هذا القرآن على عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه-.
{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الأحقاف:2]، وهذا التأكيد من أن هذا القرآن نازل من الله -تبارك وتعالى-؛ والذي جاء في القرآن في أكثر من أربعمائة موضع من كتاب الله -تبارك وتعالى-، يؤكِّد الله أن هذا القرآن منه؛ أنه منه، لهذا التأكيد غايات عظيمة جدًا، أولًا التذكير الدائم بأن هذا القرآن من الله وذلك ليُعظِّمه كل مَن يسمع، فالكافر ينبغي أن يرعوي؛ أن ينتبه، أن يعلم أن هذا الكلام ليس كلام أي أحد بل هذا كلام الرب العظيم -سبحانه وتعالى-؛ ليس كلام بشر، ليس حديثًا يُفترى، بل هو قول الله {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ}[الطارق:13] {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}[الطارق:14]، فلعله أن يُقدِّره، كذلك المؤمن يُقدِّر عندما يعلم أن هذا كلام الله -تبارك وتعالى- يُعظِّم هذا، فإذا كان فيه أمر يسمع، فيه نهي يسمع، فيه بيان يسمع، هذا من الله -تبارك وتعالى- فيُقدِّر أن هذا كلامه، ويتلقَّى هذا القرآن بما يجب أن يُتلقَّى به من التعظيم؛ والعناية، والسمع، والطاعة؛ أن هذا كلام الله -تبارك وتعالى-، {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الأحقاف:2].
ثم أخبر الله -تبارك وتعالى- فقال {مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ........}[الأحقاف:3]، إخبار منه -سبحانه وتعالى- انه ما خلق هذه السماوات والأرض إلا بالحق، السماوات؛ كل ما علانا، والأرض هي التي تحتنا، عندما يُقال السماوات والأرض تصير هذه رؤية شمولية لكل ما أمامنا؛ وما خلفنا، وما فوقنا، وما تحتنا، وما عن يميننا، وما عن شِمالنا، كل الجهات الست، هذا بيان أن كل في هذه الجهات الست؛ الأمام، والخلف، وفوق، تحت، يمين، شِمال، كل هذه الجهات وكل هذا الخلْق الذي حولك أيها الإنسان فإن الله -تبارك وتعالى- ما خلقه وما بينهما كذلك؛ ما بين السماوات والأرض إلا بالحق، فخلْق الله حق وليس هو عبث ولا سُدى؛ له غايه، له هدف، فمن هذا أن الله -تبارك وتعالى- خلَقَ هذا الخلْق دلالة على صفاته -سبحانه وتعالى-، فإذا رؤي هذا الخلْق فيُعلَم أن الله خالق، إلى رؤيَت حِكمة هذا الخلْق يُعلَم إن الله حكيم -سبحانه وتعالى-، إذا رؤيَ أنه مُتقَن تمام الإتقان يُعلَم أن الله -تبارك وتعالى- هو القوي القادر -سبحانه وتعالى-، إذا عُلِمَ عظمة هذا الخلْق فهذا لتعظيم خالقه -سبحانه وتعالى-، فإن هذه السماوات والأرض دلالات على صانعها وعلى مُنشئها -سبحانه وتعالى-، فهي من القوة والمتانة والإحكام بما تدل على عظمة عظمة الخالق، وعلى أنه القوي؛ المتين، القاهر، الذي قهر هذه المخلوقات العظيمة، فالذي قهر الشمس العظيمة هذه التي هي أكبر من الأرض مليون مرة؛ قهرها في مكانها، وجعلها تسير في مسارها دون أن تتخطاه وتتعداه خطوة إلى الأمام أو خطوة إلى الخلف؛ فتتأخر في هذا المسار ولا ثانية، إذن هو إله عظيم جدًا، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67]، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11] {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[فصلت:12]، العزيز؛ الغالب، الحكيم؛ الذي يضع كل أمر في نِصابه.
الآن البشر يعلموا أن كل كوكب من هذه الكواكب الموجودة موضوع في مكانه الصحيح تمامًا، وأنه لو تأخر قليلًا عن مكانه أو تقدَّم عن مكانه بشيء لاختل النظام، فهذه الأرض التي نحن عليها أصبح الكل يعلم؛ الكافر والمؤمن، ممَن عنده عِلم بهندسة هذا البناء؛ بنظام هذا الصنع، يعلم أن الأرض في مكانها الصحيح تمامًا، وأنها لو تقدَّمت قليلًا في مدارها أو تأخرت عن مدارها لاستحالت الحياة؛ أو فسدت الحياة على ظهرها، فهذا الرب العزيز -سبحانه وتعالى-؛ الغالب، الذي لا يغلبه أحد، وأن من صُنعِه وخلْقِه للسماوات والأرض هذا أولًا دلالات هذه دلالات تدل عليه -سبحانه وتعالى-، ثم إنه لا يخلُق شيء عبث، خلَقَ الإنسان وبيَّن لهذا الإنسان بداية خلْقُه؛ أنه خلقه من الطين، صنعه الله -تبارك وتعالى- في السماء، أسجد له ملائكته، أنزله إلى هذه الأرض ليقوم بمهمة عظيمة وهي مهمة عبادة الرب -سبحانه وتعالى- والتعرُّف عليه، أرسل له الرُسُل، أنزل له الكتب ليُعرِّفه بطريق الرب -تبارك وتعالى-، سيُحاسِبه على كل شيء؛ على كل عمله فيه حساب لهذا، فالله -تبارك وتعالى- ما خلق السماوات والأرض إلا بالحق، الحق؛ الأمر الثابت اليقيني والمخالف للباطل، فإنه لو خلقها هكذا وخلاها دون أن يكون هناك أمر له -سبحانه وتعالى- لهذه المخلوقات؛ لا يأمرهم، ولا ينهاهم، وإنما يُخلِّيهم كما هم، فيُخلِّي البشر كما هم؛ بلا غاية، وبلا هدف، يفعلون ما شاؤوا؛ يصطرعوا، يُحِلوا ما شاؤوا، يُحرِّموا ما شاؤوا، ويقتتلوا كما يشاؤوا، ثم لا يكون هناك بعث؛ ولا نشور، ولا قيامة، ولا حساب، لكان هذا خلْق لا هدف له؛ ولا غاية له، ولا حكمة من ورائه.
فالله -سبحانه وتعالى- يخبر بأنه ما خلق السماوات والأرض إلا بالحق وأجل مُسمَّى، أجل؛ وقت مُحدد، مُسمَّى؛ معلوم، مكتوب، وهذا عند الله -تبارك وتعالى-، احتفظ الله -تبارك وتعالى- لنفسه وحده -سبحانه وتعالى- بمعرفة هذا الأجل، فلم يُطلِع عليه أحد من خلْقِه قط وهذا يوم الساعة، وأخبر -سبحانه وتعالى- بأنها لا تأتي العباد إلا بغتة، قال {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً}، أي فجأة فتُفاجئ الناس، فالله -تبارك وتعالى- خلق هذا الخلْق العظيم جدًا لا تسعه عقول البشر لليوم؛ لا سِعته، ولا أبعاده، ولا تعرف نهاية له، وهو من العظمة والقدرة بحيث أنه أكبر من أن تستوعبه العقول فضلًا عن أن تتمكن منه؛ وتُسخِّره، وتُذلِّله، فالشمس لا يُسخِّرها إلا مَن خلقها -سبحانه وتعالى-، والقمر لا يُسخِّره حول هذه الأرض إلا مَن خلَقَه وأقامه -سبحانه وتعالى-؛ لا يقدر على هذا إلا الله، {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[فاطر:41]، فهذا الرب -سبحانه وتعالى- الذي خلَقَ هذا الخلْق جعل له أجل مُسمَّى لينتهي، وعندما ينتهي يصطرع، كل هذا الكون المنتظم والذي هو في عِقد فريد كل صخرة فيه في مكانها لا تتعداه، عَلِمَ الناس الآن أن هناك كواكب؛ ومذنبات، وصخورة، صخرة غير مستوية الأطراف ولكنها كذلك في دورانها وسيرها لا تتعدى مسارها والفلَك الذي تدور فيه، فهذا النظام كله يأتي وقت ينفرط، {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ}[الانفطار:1] {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ}[الانفطار:2] {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ}[الانفطار:3] {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}[الانفطار:4] {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}[الانفطار:5]، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}[التكوير:1]، هذه الشمس تُلَف ويذهب ضوئها؛ يأتي وقت لها هكذا، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}[التكوير:1] {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ}[التكوير:2]، أصبحت كُدرة بعد أن كانت لامعة في السماء، تصبح خلاص؛ يتغير لونها إلى اللون الباهت، لا جمال فيها ولا لمعان، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}[التكوير:6]، سُجِّرَت؛ اشتعلت نارًا، {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ}[التكوير:4] {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}[التكوير:5]، فإذن هناك يوم قيامة جعله الله -تبارك وتعالى- حدًّا لهذا العالم.
قال {مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ........}[الأحقاف:3]، لها أجل سمَّاه الله -تبارك وتعالى-، وليس أجل متروك لأن يُقدِّره الله -تبارك وتعالى- في وقته بما يُقدِّره؛ بل سمَّاه الله –تبارك وتعالى-، والله كل أمر عنده مُنضبط معلوم؛ فيعلم ما سيكون، ويعلم ما كان، ويعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون؛ كذلك هو في عِلم الله -تبارك وتعالى-، فهذا في عِلم الله وقد سمَّاه الله -تبارك وتعالى-، واحتفظ الله لنفسه بعِلمه فلم يُطلِع عليه أحدًا من خلْقِه -جل وعلا-، قال -جل وعلا- {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}، صفحة مُقابِلة، يعني انظر الله -تبارك وتعالى- يخبرنا أننا في عالم منضبط؛ له غاية، وله هدف، وله وقت محدد ينتهي فيه، والكافر ساهي؛ لاهي، لا عِلم له بهذا بتاتًا، وكأنه لا ينتمي لهذا الكون ولا يعيش فيه؛ وإنما يعيش خارجًا عنه، يعيش بتصوُّراته وبأوهامه بعيد؛ خارج الدائرة، لا يعرف شيء، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}، عما أُنذِروا؛ عن الذي أُنذِروا به من العذاب، والنكال، والقيام بيد يدي الله، وأن هناك يوم قيامة يقفون فيه، وأن هناك عذاب ينتظرهم، هذا العذاب الذي ينتظر الكافر عذاب أبدي؛ لا ينقطع، ولا ينتهي، لكنهم عن كل هذا مُعرِضون؛ خارج الأمر خالص، هو خارج الأمر خالص؛ خارج كأنه نقطة خارجة من هذا الكون وكأنه لا ينتمي إليه، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}.
ثم شرع الله -تبارك وتعالى- في بيان الحُجَّة لهؤلاء وبيان المحجَّة، قال مخاطبًا النبي -صل الله عليه وسلم- {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[الأحقاف:4]، قُل أرأيتم يعني أخبروني أيها الكفار، {مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، الذي تدعونه من دون الله، كل ما تدعون من دون الله، هذا خطاب لكل من عَبَدَ شيئًا غير الله -تبارك وتعالى-، ولا يوجد شيء غير الله -تبارك وتعالى- يستحق العبادة، لا يستحق العبادة إلا الله لأن الله هو خالق الخلْق وحده -سبحانه وتعالى-؛ وهو المُدبِّر وحده، لا يستحق العبادة إلا هو وكل ما هو غير الله -تبارك وتعالى- إنما هو عبد لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله -تبارك وتعالى-، فالملائكة لا تملك لأنفسها نفعًا ولا ضر إلا بمشيئة الرب -تبارك وتعالى-، السماوات، النجوم، الكواكب، الشمس، القمر، الأنبياء، الرُسُل، كل ما عُبِد من دون الله -تبارك وتعالى-، هذه المخلوقات الدنيا من الحشرات وكذا؛ التي يعبدها مَن يعبدها لا تملك لنفسها شيء، وما دون ذلك من الجمادات؛ الجمادات عُبِدَت من دون الله، يعني عبد البشر تماثيل وأصنام من الخشب، والحجر، والذهب، والفضة، وغير ذلك مما يصنعونه بأيديهم ويعبدونه من دون الله، يعبدونه بمعنى أنهم يتوجهون له بالحب؛ وثمرة القلب، والرغبة في العطاء، والخوف من العقوبة، وأنهم يطلبون منه أن يدفع عنهم الضر، ويطلبون منه الخير، وهذا من أعظم ما يُحيِّر؛ كيف ينتكس الإنسان ويطلب مما هو دونه؟ يُقدِّس ما هو دونه؛ يُقدِّس ما يصنعه هو بيده، هو يصنع الإله بيده؛ كيف يكون الإله مصنوعًا لك ثم أنت تذِل له؛ وتسجد له، وتطلب له، وتعبده، وتطلب منه أن ينفعك وأن يحميك...لا، هو أصلًا لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، لكن انظر انتكاس البشر الذين عبدوا من دون الله -تبارك وتعالى-.
والرب -تبارك وتعالى- يخاطب هؤلاء الذين اتخذوا لهم آلهة من دون الله، يقول -جل وعلا- قُل؛ أي قُل لهم، {أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، يعني أخبروني في هؤلاء الذين تدعونهم من دون الله، {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ}، أروني إله من هذه الآلهة المعبودة خَلَقوا من الأرض التي أنتم عليها؛ وهذه الأرض أقرب، يعني هل خلقوا الجبال؟ هل خلقوا الأنهار؟ هل خلقوا الأشجار؟ هل خلقوا البحار؟ هل خلقوا الأسماك؟ ما الذي خلقوه؟ ما الذي أوجدته هذه الآلهة في هذه الأرض التي أمامكم؟ {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ}، أم هل لأحد من هؤلاء الذين تعبدونهم شركة مع الله -تبارك وتعالى- في السماوات، يعني صنع شمس، صنع قمر، صنع نجم، صنع شيء من قبة هذه السماء التي ترونها، في إله من آلهتكم التي تعبدونها قد صنع شيئًا من ذلك؛ وله مشاركة مع الله -تبارك وتعالى-؟ وهذا مثل قول الله -تبارك وتعالى- {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ ........}[فاطر:40]، هل لهم شركة في هذه السماء بأن خلقوا شيئًا مع الله -تبارك وتعالى-؟ وهذا مثل قول الله -تبارك وتعالى- {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ}، قل ادعوا؛ ادعوهم الذين زعمتم من دون الله، ثم أخبر -سبحانه وتعالى- بأن هؤلاء الذين زعموهم آلهة من دون الله قال {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ}، لا يملكوا مع الله مثقال ذرَّة في السماوات ولا في الأرض، {........ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}[سبأ:22] {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}.
{أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا}، يعني هاتوا كتاب من الكتب نازل من الله -تبارك وتعالى-؛ أو كتاب حق، مُسطَّر فيه أن هذا الإله الفلاني الذي تعبدونه قد خلَقَ شيئًا، هذا كلام لِمَن عبد الملائكة؛ ولِمَن عبد عيسى، ولِمَن عبد عُزير، ولِمَن عبد الشمس، ولِمَن عبد القمر، لك من عبد معبود، هات كتاب مكتوب وفيه برهان من أن هذا الذي تعبده من دون الله -تبارك وتعالى- له شركة مع الله -تبارك وتعالى- في شيء من هذا الخلْق، هل قال عيسى -عليه السلام- أنه خالق لشيء مع الله -تبارك وتعالى- أو أن له شركة مع الله -تبارك وتعالى-؟ في كتاب يقول هذا؟ هل هناك كتاب من الله -تبارك وتعالى- يقول هذا ويدَّعي هذا؟ هل هناك عند مشركي العرب كتاب من أن الملائكة قد خلقوا شيئًا مع الله -تبارك وتعالى-؛ وأن لهم شيء من الخلْق كما يدَّعون؟ هل إذا قالت اليهود إن العُزير ابن الله؛ هل عندهم كتاب وبرهان من أنه خالق شيء مع الله وأنه إله مع الله؟ هل لكل الذي عَبَدوا غير هؤلاء عندهم برهان؟ عندهم شيء من هذا؟ ثم بعد ذلك التنزُّل معهم؛ ليس كتاب بل أثارة من عِلم، {اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا}، من قبل هذا القرآن المُنزَل، فالقرآن المُنزَل نازل من الله -تبارك وتعالى-؛ وفيها بيان، وفيه برهان أن الله خالق هذا الكون كله، فإن القرآن قد أتى ليخبر العالم بأن الله -تبارك وتعالى- هو رب العالمين، وأنه هو خالق هذا الخلْق كله من علوه وسُفلِه؛ لا مُنازِع له، ولا شريك له -سبحانه وتعالى-، {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[فصلت:9] {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}[فصلت:10] {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11] {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[فصلت:12]، هذا إخبار الله -تبارك وتعالى- عن قصة الخلْق منذ خلَقَه؛ بداية ونهاية، وأنه خالق هذه السماوات والأرض، وأنه خلقها في ست أيام، فهذا إخبار من الله -تبارك وتعالى- بأنه هو خالق هذا الخلْق، فهل عندكم أيها المشركون؛ يا مَن تعبدون غير الله -تبارك وتعالى-، هل عندكم كتاب يخبركم بأن آلهتكم التي تعبدونها قد خلقت شيء؟ لها شركة مع الله؟ ليس كتابًا بل أثارة عِلم؛ مأثور من عِلم، سطرين، سطور من العِلم؛ سطرين، ثلاث سطور، كلمة موثقة ممكن أن تعتمدوا عليها في أن هناك غير الله -تبارك وتعالى- خلَقَ شيئًا من هذا الوجود، {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، إن كنتم صادقين في شرككم هذا؛ وفي عبادتكم غير الله -تبارك وتعالى-، وفي ادعائكم أن هؤلاء الذين تعبدونهم آلهة يستحقوا العبادة، والحال أنه لا يستحق العبادة إلا الخالق وحده -سبحانه وتعالى-، فهل هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله لها شركة مع الله -تبارك وتعالى-؟ لها شيء؟ خلقت شيء؟ عندكم كتاب بهذا؟ عندكم برهان؟ عندكم أثارة عِلم؟ سطرين من العِلم؛ هل تملكون ولو سطرين من العِلم أن هذه الآلهة خالقة مع الله -تبارك وتعالى-؟.
ثم قال -جل وعلا- {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}[الأحقاف:5]، سؤال يُراد به التقرير، مَن أضل؟ لا يوجد أضل من هذا، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ}، يدعوا من دون الله غير الله، أي وكل ما عُبِد من دون الله لا شك أن صاحبه في ضلال، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ}، غير الله، فإن الله هو الذي يستحق الدعاء وحده -سبحانه وتعالى- لأنه مالك المُلك؛ المُتصرِّف في الخلْق، الذي بيده الأمر كله -سبحانه وتعالى-، والذي يستطيع نفع عباده ويملك ضرهم -سبحانه وتعالى-، فالمُلك كله بيده وغيره لا يملك شيء، غير الله -تبارك وتعالى- لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله -تبارك وتعالى-، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ........}[الأحقاف:5]، لو مكث من وقته الذي يدعوا فيه غير الله إلى يوم القيامة وهو يدعوا إلهه هذا الذي اتخذه من دون الله لا يستجيب له، {مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}، فلو وقف الوقف ليدعوا الملائكة ليوم القيامة؛ يُناديهم، الملائكة لا عِلم لهم إلا ما علَّمهم الله -تبارك وتعالى-، يُنادي ملائكة السماء؛ ويستشفع بهم، ويقول، ويقول ...، لو جلس الذي يدعوا عيسى -عليه السلام- من هنا إلى يوم القيامة وهو يدعوه؛ ويطلب منه ما يطلب منه، ما يستجيب لهم؛ ليوم القيامة ما يستجيب لهم، كذلك الذي يقف ليدعوا الأصنام ويطلب منها وهي أصنام صمَّاء؛ لا تسمع، ولا تُبصِر، ولا تعي، وجلس عند صنمه يدعوه ليوم القيامة ويطلب منه فلن يستجيب له، كذلك مَن أتى إلى قبر ميت ويدعوه ليوم القيامة؛ يا فلان، يا فلان، يا فلان، يا فلان ...، يُناديه ويطلب منه ليوم القيامة؛ يقف من يومه هذا إلى يوم القيامة يدعوه فلا يستجيب له، فمَن أضل من هذا؟ هل هناك أضل من هذا الذي يدعوا ما يدعوا؛ وأنه لو ظل يدعوه ليوم القيامة فلا يستجيب له؟ انظر ضلال هذا وهداية مَن يدعوا ربه -سبحانه وتعالى- الذي هو مع سمع كل إنسان؛ مع بصره، ومع فؤاده.
الله -سبحانه وتعالى- يقول «أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت به شفتاه»، مجرد العبد أن يذكر ربه -سبحانه وتعالى- في قلبه فالله معه، مجرد ما يذكره بشفتيه فالله معه -سبحانه وتعالى-، فالله مع كل خلْقِه -سبحانه وتعالى-، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[المجادلة:7]، فأين هذا الضال الذي يدعوا من دون الله مَن لا يستجيب له إلى يوم القيامة؟ لو جلس طول حياته يدعوه لا يستجيب له؛ ولا يدري عنه، ولا يسمع عنه، وبين مَن يدعوا الله -تبارك وتعالى- السميع؛ البصير، الذي مع كل أحد من مخلوقاته، ومع المؤمن معاه؛ بمجرد توجُّه القلب يكون معه، اذكروا الله -تبارك وتعالى-، «مَن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومَن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه»، -سبحانه وتعالى-، أما هذا الضال فيدعوا من دون الله مَن لا يستجيب له إلى يوم القيامة، {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}، وهم يعني هؤلاء المدعوين، عن دعائهم؛ عن دعاء الذين يدعونهم غافلون، كما يقول الله -تبارك وتعالى- للملائكة يوم القيامة {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}[سبأ:41]، ما كانوا يعبدوننا؛ كانوا يعبدون الجِن، فالجن التي كانت تُخاطِبهم؛ تدخل إلى الأصنام وتُخاطِبهم، وكذلك عيسى ابن مريم -عليه السلام- يقول يوم القيامة {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المائدة:117]، ما أعرف هذا، ما سمعت هذا، {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، ما سمعت هذا، وكذلك كل هذا {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ ........}[النحل:86]، لمَّا يروهم يوم القيامة، {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ}[النحل:86]، ما شفناكم، ما ندري عنكم، ما نعرفكم، فعلى طول يُلقى لهم القول {فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ}، {وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ ........}[النحل:87]، خلاص ينهاروا، {........ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[النحل:87]، فلا أضل ممَن يدعوا من دون الله مَن لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون.
سنعود -إن شاء الله- إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.