الإثنين 28 شوّال 1445 . 6 مايو 2024

الحلقة (63) - سورة البقرة 219-220

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على عبد الله الرسول الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

كنا ذكرنا في الحلقة الماضية عن قول الله –تبارك وتعالى- : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} أنها نزلت بشأن سرية عبدالله بن جحش -رضى الله تعالى عنه- الذى أرسله النبي مع مجموعةً لرصد عير لقريش راجعة من اليمن إلي مكة وأنهم أدركوهم في شهر رجب، وطبعا لم يهاجموهم لأن شهر رجب شهر حرام وانتظروا حتى ينسلخ رجب فلما انتظروا وجدوا أنهم في آخر ليلة انتظروهم إلى آخر ليلة من رجب، ورأوا أنهم إذا انتظروهم إلى أن يدخل بعد ذلك شهر شعبان ، وشهر شعبان شهرً القتال فيه حلال ليس من الأشهر الحرم لكنهم يكونون قد دخلوا  أرض مكة, وأرض مكة أرض حرام لا يحل القتال فيها طيلة العام فاجتهدوا وهاجموهم في آخر ليلة من شهر رجب، فوقع منهم قتال في الشهر الحرام بهذا الاجتهاد فقامت قيامة قريش وقالوا : محمد يعتدي  في الشهر الحرام ، وانتهك حرمة هذا الشهر ، فأنزل الله –تبارك وتعالى --{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } القتال فيه قال -جل وعلا-:{ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} يعني أمر عظيم, ولكن جريمة  ما  تفعله قريش والكفار في مكة ضد المسلمين جرائم كبرى ، لكن لا ينظرون إليها ولا يراعونها قال- جل وعلا-: {........ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ}، أنتم تفعلون هذه الجرائم الكبرى، ولا تعدونها جرائم ، والفتنة  أكبر من القتل، فتنتكم للمؤمن في تعذيبه ليرجع عن دينه أكبر من أن   يقتلكم أهل الإسلام.

قال-جل وعلا-: { وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:217] ثم قال-جل وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ }[البقرة:218] هذه الآيةُ  جاءت بيانًا وتطييببًا لخاطر هذه المجموعة من أهل الإيمان الذين كانوا يقاتلون في سبيل الله فهم من أهل الإيمان ، ومن أهل الهجرة ، ومن أهل الجهاد في سبيل الله ، ووقع منهم هذا  الخطـأ  اجتهادًا منهم قال: -جل وعلا- أولئك لهؤلاء المؤمنون الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله {أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ} ، فإنما عملهم بهذا هو رجاء رحمة الله –تبارك وتعالى- والله غفور رحيم,  إذا وقع منهم يعني تقصير أو اجتهاد خاطئا فإن الله –تبارك وتعالى- يزيل عثرتهم لأنهم من أهل الصدق من أهل الإيمان والهجرة والجهاد في سبيل الله؛  وذلك أنهم  ليموا  لومًا شديدًا,  عبد الله بن جحش وأهل السرية، وقال: لهم النبي أيضا «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام»  ، فشعروا بالمأثمة العظيمة وأنهم ارتكبوا أمرًأ كبيرًا جدًا، وإن كانوا فعلوا هذا  اجتهادا منهم وظنوا أنهم  مــأمورون بقتال وأخذ هذه  القافلة التي كان عليها عبدالله بن الحضرمي ، وأنهم خافوا أن تفوتهم ففعلوا هذا اجتهادًا منهم فبين –سبحانه وتعالى – أن هؤلاء  إنما هم من أهل الإيمان قال:  {........إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة:218] أي لذنوبهم ومعاصيهم.

 

بعد هذه الآيات في بيان القتال بدأت  الآيات في بيان أحكام أخرى لأهل الإسلام، فبدأت بحكم الخمر والميسر يقول الله –تبارك وتعالى- {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}قال -جل وعلا-: {.........قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[البقرة:219] يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ: تكرر سؤال أصحاب النبي -صلوات الله وسلامه عليه- عن الخمر والميسر لما يرونه فيها من التأثم ، وأنها ليست مما ينبغي لأهل الإيمان، بل إن  أهل العقل والحكمة حتى في الجاهلية كانوا يمتنعون عن الخمر من باب أنها لا تليق بذي العقل وبذي الحجة؛  فإنه شراب يذهب العقل وإذا ذهب عقل هذا الشارب يهذي ويسب، قد يقتل، قد يفجر، قد يقع على أمه، قد يفعل موبقات عظيمة ، وتكرر أيضا  حتى في الإسلام جاءت بعض هذه الحوادث، وقعت من بعض الصحابة _رضوان الله عليهم_، فتكرر السؤال عن  الخمر والميسر هذا بالنسبة للخمر.

أولًا الخمر : كل شراب يغطي العقل يخامره لأنها من الخمر خمَّر بمعنى أنه  غطّاه، كل شراب يغطي العقل فهو خمر،  كما قال: النبي كل مسكرٍ خمر وكل خمرٍ حرام، فكل ما يسكر هو الذي يسكر أي الذي  يذهب  العقل فهو خمر وكل خمرٍ حرام. وكانت العرب تتخذ الخمر من عناصر كثيرة كانوا يصنعون الخمر من التمر، وكل درجاته، من البسر، ومن الرطب، ومن التمر، وكانوا يتخذونه من العنب وهو أعلى الخمور وأشهرها وأغلاها ثمنًا عندهم، كانوا يتخذونه كذلك من الذرة والشعير وهذا كان في اليمن،  كانوا يتخذونه من العسل أهل اليمن يتخذونه من العسل كذلك، وكانت الخمر مستشرية في العرب استشراءً هائلا يشربها الصغير والكبير يشربونها في بدء نهارهم وفي آخر ليلهم فهي صبوحهم وهي غبوقهم، يسمى ما يشربونه في الصباح صبوح، والمساء بالغبوق،  وأول ما يبدأون به يومهم يبدأون بالخمر.

وقصيدة عمرو بن كلثوم مشهورة ... ألا هبّي بصحنك فاصبحينا ولا تبقي خمور الأندرينا ... هبي من نومك بصحنك فاصبحينا آتينا  الصبوح هذا بداية اليوم، تغنيهم وولعهم بالخمر كان أمرًا عظيمًا، فالقصيدة العربية الخمر فيها جزء من مكوناتها من مكونات  القصيدة، والتغني بها أمر عظيم جدًا ما قليلًا من يذمها ولكن عامة الشعراء والأدباء يمدحونها مدحًا عظيمًا، فهذا حسان بن ثابت الأنصاري يقول: وهو من الشعراء المخضرمين يقول: ونشربها فتتركنا ملوكاً، وأسداً ما ينهنهنا اللقاءُ ويقول : فإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير.

أما الميسر : فإنه أكل مال الغير بطريق المقامرة، وسمي ميسرا  لأنه من  يسر يعني أخذ هذا المال فإنه أن تقهر الآخر وأن تغلبه بصورة من صور الغلب أي نوع منه، إما تغلبه في سهم يخرج لك من سهامك فهذا غلبته في هذا الأمر ولا دخل له فيه، وإما في أي تسابق وقد استُثني  أخذ الميسر في السبق فقط بالخيل والركاب والسهام، فإن النبي جعل ما يأخذ من الأخ أن يأخذ أخ من أخيه في سباق الخيل،  وفي سباق الركاب،  وفي سباق السهام  وإن كان هو من جنس الميسر لكنه  ليس حرامًا وذلك تشجيعًا  مما يشجع على القتال فالخيل هي  عنصر القتال الأساسي والركاب تابع لذلك والسهام يعني هي من آلات الحرب, وكذلك كان الميسر مستشريًا  في العرب، وكانوا يفعلونه يفعله  كثيرٌ منهم كبابٍ من أبواب الإحسان إلي الآخرين فيدخل في الميسر ثم إذا كسب يوزعه على  الفقراء والمساكين، و يرى أنه من الكسب  الدوني فلا يرضاه لنفسه، وإنما يقولك أكسب   وأوزع هذا الكسب على الفقراء والمساكين., تأثم المسلمون من هذا الأمر ولم ينزل تحريمه  من البداية وذلك لأنه كان مستشريًا وكان داخلًا في قلوب العرب وفي أعمالهم،  فقد كانت الخمر غرامهم، وكذلك تجارتهم هي تجارة رائجة عندهم، والميسر أمر يفعلونه وأمام آلهتهم فهذا شأن مستشرٍ، ولذلك لم ينزل تحريمه منذ بداية التشريع بل إنه لم ينزل تحريم الخمر إلا بعد  السنة الثالثة من هجرة النبي -صلوات الله وسلامه عليه-.  إذًن من بدا الدعوة عشر سنوات في مكة وثلاث سنوات في المدينة كانت الخمر موجودة ومقرة، والميسر موجود، ولكن الرب -تبارك وتعالى- قد أنزل فيه الآيات التي ترفع أهل الإسلام بالتدريج إلى  كراهة هذا الأمر ورفضه حتى إذا جاء الحكم برفضه كان ثَمَّ التزام وقد مُهد الأمر وأصبحت النفوس متقبلة لهذا الأمر فهذه الآية كانت من هذه الآيات التى تمهد للتحريم, يقول –جل وعلا-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ والميسر قل فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ........}[البقرة:219] فحكم الله، وإفتاء الله توجيهه لهؤلاء السائلين أن فيهما في الخمر والميسر إثًمًا كبيرا والإثم: الذنب ومعنى أنه كبير عظيم، ومنافع للناس منافع وهذه المنافع أقل من الإثم الكبير ففيها بعض المنافع لكن فيها إثم كبير.

 ثم قال -جل وعلا–: {........ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[البقرة:219] الإثم في الخمر والميسر أكبر من المنافع,  وترك الأمر عند هذا الحد ولاشك أن هذا كان تهيئة عظيمة لكل ذي عقل ولب أن أمرا كثرت مضاره وكبر فيه الإثم عن المنفعة إذن ما للعاقل وذي الحجة وهذا الأمر ،ينبغي لكل عاقل أن يربأ بنفسه أن يقدم على شيء مضاره أكثر من منافعه فكان هذا تهيئة عظيمة، ونزل بعدها قول الله –تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة:90].

 قبل هذه الآية نزلت آية واحدة وهي قول الله –تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ........} }[النساء:43] نهاهم الله –تبارك وتعالى- أن يقربوا الصلاة حال السكر، وكانت هذه الآية هي أول آية  جعلتهم يفكرون في شأن الخمر،  فإن الخمر والصلاة لا يجتمعان  والصلاة فريضة يومية خمس مرات في اليوم والليلة إذن متى يشرب؟ ومتى يصحو؟ ليتفرغ للصلاة؟   فلما نزلت هذه الآية غيرت نظمهم في الشرب،  فكانوا لا يشربون إلا بعد صلاة الصبح؛ لأن في فترة حتى يصحو أو بعد صلاة العشاء؛ لأن هناك فيه فترة طويلة إلي الصلاة الثانية إلى الفجر، فجعلت  نوع من الخلل في عادتهم في شرب الخمر، وجعلت أيضا كثيرا من العقول تعي وتدرك  أن الخمر لا تتفق مع الصلاة، ثم جاءت هذه الآية  لما سأل عنها وتكرر السؤال- {........قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[البقرة:219] .

فالإثم الذي في الميسر هو أنك تأخذ مال أخيك المسلم بغير وجه حق بالباطل،  وإن كنت تنفقه بعد ذلك على الفقير والمسكين لكن أخذه  باطل،  فالمنافع التي فيه وهو إطعام الفقير والمسكين منافع محدودة في مقابل أنك تأخذ هذا المال بغير وجه حق  من أخيك المسلم،   فبهذه الصورة  أصبح كثير من الصحابة يمتنعون عن الخمر، وامتنعوا عن الميسر،  لكن  ما دام لم ينزل نص صريح في التحريم  بقي البعض،  ثم لمّا أنزل الله –تبارك وتعالى- قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ........}[المائدة:90] فقُرن  الخمر والميسر مع الأنصاب. والأنصاب: هو ما يقام لعبادة غير الله كصنم، أو علامة  على قبر أو أي صورة   تنصب للعبادة. والأزلام: وهي السهام التي كانوا يعرفون بها البخت عندهم، وكانوا يكتبون على  ثلاثة من هذه الأزلام  السهام ليس لها نصل يكتب افعل  ولا تفعل وواحد غُفل، ثم إذا أراد الإنسان أن يقدم على زواج أو على تجارة أو سفر يقوم يذهب إلي الكاهن يضرب له السهام يخرج سهما وإذا طلع افعل يقول له اذهب إلى ما عزمت عليه الآلهة ترضى عنك وسيصيبك الخير منها وإذا طلع لا تفعل فيقول لا تفعل هذا لأن فيه شر، فقرن الله –تبارك وتعالى- بين هذا وهذا نوع من الكهانة و الشرك مع الخمر و الميسر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ........ } والرجس النجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ابتعدوا عنه لعلكم تفلحون فكانت هذه الآية هي القاطعة في حرمة الخمر.

 

ثم قال –جل وعلا-: {........وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}[البقرة:219] وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ} ما الذي ينفقونه أي في سبيل الله قلِ الْعَفْوَ} العفو: هو الزيادة التى لا تضير وتشق على المنفق يمكن أن يفسر هذا قول الشاعر: ...خذي العفو مني تستديمي مودتي  ولا تنطقي في ثورتي حين أغضب،  خذ العفو: الفضل والزيادة يعني ما جادت به النفس دون إلحافٍ وإجحافٍ فقل العفو: أي ما زاد عن الحاجة بدون أن يكون فيه مشقة وعنت على  المنفق فهذا إنفاقه في سبيل الله يعني ما زاد   عندك ولا ضرورة إليه ولا حاجة إليه هذا أنفق قل العفو، ثم قال –جل وعلا-: كذلك  كهذا البيان والتفصيل يبين الله لكم الآيات انظر في السؤال عن الخمر والميسر، كيف  فصّل الله الأمر؟ وبين أن فيه منافع فيها ومضار، انظروا فيها إثم  أكبر من نفعهما، وكذلك هنا في السؤال عن الإنفاق : يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ فكهذا البيان الواضح الذي لا  يترك في الحق شبهة يبين الله لكم الآيات آياته المنزلة عنده -سبحانه وتعالى-؛  حتى تعرفوا طريقكم إليه،  لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة لعلكم أن تتفكروا في الدنيا والآخرة،  سيعرف الإنسان أن الدنيا زائلة وأن الآخرة هي الباقية,  الله يبين لكم هذا حتى تتفكروا في الدنيا والآخرة  تعرف حقيقة الدنيا وتعرف حقيقة الآخرة  تعرف ماذا تعمل لدنياك وكيف تعمل لآخرتك وأن العمل للآخرة هو الباقي عند الله –تبارك وتعالى- فهذا أمر عظيم يوجه الله –تبارك وتعالى- فيه  قلوب أهل الإيمان ونظرهم وفكرهم لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة.

 

ثم قال –جل وعلا- {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البقرة:220] وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قال أهل العلم:  إن هذا السؤال جاء بعد أن نزلت الآيات الشديدة في حرمة مال اليتيم وأن أكل ماله أكل نار كما قال –تبارك وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء:10] قالوا: تحرج كثير ممن عنده يتيم في حجره بأن يخلط  ماله مع أبيه، فعزلوا أموال اليتيم وحده، وعزلوا طعامه وشرابه ونفقته وحده عن نفقتهم ،فهذا شق عليهم أصبح فيه مشقة وأصبح فيه كلفة كذلك عن اليتيم أنه يُصنع له الطعام وحده ويصنع له ولا يؤاكله   احد ولا إنما يأكل من ماله وحده وقد يؤدي هذا إلى  نفقة أكثر من أن يكون مخالطًا لوليِّه كأخيه  الأكبر أو عمه أو غيره ممن  يتولى شأن اليتيم فقال الله -تبارك وتعالى-{  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى } يعني ما هو الشأن الصحيح والصالح في شأنهم قال -جل وعلا-: { قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} إِصْلاحٌ لَهُمْ أن تصلح لليتيم تنظر الأصلح له عنده مال فهل الأصلح له بقاء هذا المال وعدم مسه والإنفاق منه عليه أم استثماره وتنميته حتى إذا كبر يكون المال هذا قد نما بدل أن  تأكله النفقة وتأكله الزكاة؟   وهل الأصلح أن يستثمره على هذا النحو ولا يخاف ضياعه إذا استثمره في غير وجهه فيضيع على  اليتيم؟ هل الأصلح أن يخلط ماله بماله ويجعل طعامه مع  من يعولهم أم يعزل له ماله خوفًا عليه من أن تضره الخلطة؟  هنا الله يقول:  إ{ ِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} ابحث عن الأصلح لليتيم ولماله: {  وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ }إذا خالطت اليتيم خالطت ماله في النفقة بمالك إذن هو بمثابة الأخ ومثابة الأخ كالشركة يعني كأنك تشارك أخاك في طعامه فيكونون  متساويين في الحقوق والواجبات ما  الحق؟ ما  الواجب؟  يكون هنا متساوٍ في هذا الأمر: {  وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}.، ثم قال: –جل وعلا- {........وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} هذا وعيد وإخبار منه –سبحانه وتعالى- أن الله –جل وعلا- مطلع على عمل كل أحد ويعلم المفسد لمال اليتيم ويريد إهلاكه ويريد   ضياعه عليه,  والمصلح الذي يريد أن يصلح لليتيم وأن ينمي ماله وأن يحافظ له عليه وأن ينفق عليه النفقة التي  تنفعه ولا تضره والله يعلم المفسد من المصلح . قال: -جل وعلا- {........ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البقرة:220] العنت :  هو الأخذ بالشدة والذي يؤدي  بعد ذلك إلي التعب الشديد والإرهاق الشديد، لأعنتكم : يعني فرض عليكم عزل ماله وعدم الخلطة في هذا المال وقد يكون في هذا مشقة عليكم،  وإنما الله –سبحانه وتعالى- جعل لكم  الخيار في هذا للنظر فيما هو الأصلح والأرفق  بكم وباليتيم: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ }غالب لا يغلبه أحد  فيشرع ما شاء الله –سبحانه وتعالى- وله أن يشرع ما شاء؛  لأنه  حكيم –سبحانه وتعالى- يضع الأمور   في نصابها –سبحانه وتعالى- .

هذا في إخبار الله –تبارك وتعالى- عن سؤالهم عن اليتامى ثم قال-جل وعلا-:  {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[البقرة:221] هذا نهي منه –سبحانه وتعالى- أن يتزوج المؤمنون بالمشركات قال: { وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ}تَنكِحُوا أي الزواج: { الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} الْمُشْرِكَاتِ: جمع مشركة وهي التى يعني تعبد غير الله –سبحانه وتعالى- هذا يدخل فيه كل صنوف الشرك سواء كان الشرك الذى عند العرب فإنهنّ مشركات  أو الشرك الذى عند النصارى فكذلك نساؤهم مشركات لأن النصرانية   تعبد عيسى –عليه السلام-  تقول عيسى ابن الله هذا أعظم أنواع الشرك وكذلك الشرك الذي عند اليهود فإن اليهود كذلك يشركون بالله –تبارك وتعالى-  ويزعمون ويقولون: إن عزير ابن الله فهذا يدخل فيه كل أنواع المشركات من  اليهوديات والنصرانيات اللاتي هنّ الكتابيات, وكذلك مشركات العرب قال -جل وعل-: {  حَتَّى يُؤْمِنَّ }إلا إذا آمنَّ بالله –سبحانه وتعالى- ثم قال –جل وعلا-: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ........} [البقرة:221].

أدركنا الوقت ونقف عند هذا ونكمل هذه الآية في الحلقة الآتية إن شاء الله أقول قولي هذا وأستغفر الله ليك ولكم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد .