الخميس 20 جمادى الأولى 1446 . 21 نوفمبر 2024

الحلقة (630) - سورة الأحقاف 33-35

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- في ختام سورة الأحقاف {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الأحقاف:33] {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}[الأحقاف:34] {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}[الأحقاف:35]، في ختام هذه السورة؛ سورة الأحقاف، ناقش الله -تبارك وتعالى- وخاطَب الكفار المُكذِّبين للبعث بهذا الدليل الواضح البيِّن؛ البرهان القائم، قال -جل وعلا- {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ........}[الأحقاف:33]، أولم يروا؛ أولم يعلموا، هذه قضية عقلية؛ برهان عقلي، لابد أن يستجيب له وأن يفهمه كل ذي بصر وكل ذي عقل، {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ}، وهم يُقِرون بهذا يُقِرون ويعلمون ولا ينكرون وجود الرب -تبارك وتعالى-؛ وأنه خالق السماوات والأرض -سبحانه وتعالى-، ولا شك أنه عند كل نظر أن خلْق السماوات والأرض أكبر من خلْق الإنسان، فإذا كان الله -تبارك وتعالى- هو خالق هذه السماوات والأرض ولم يعيَ بخلْقِهِن؛ يعني لم يعجز عن ذلك، ولم يُتعِبه هذا، ولم يُثقِله أن نقول عيَّ الإنسان بهذا الأمر بمعنى أنه ضلَّ فيه؛ وتحيَّر فيه، ولم يهتدي إليه، والله -سبحانه وتعالى- ينفي عن نفسه أن يكون له أي عجز أن يخلُق هذا الخلْق العظيم، {وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}، فإذا كان قد خلَقَ العظيم أو الأعظم فهو قادر على خلْق الأقل، فهذا برهان عقلي لكل ذي لُب أن مَن قَدَرَ على الأعظم فيستطيع أن يقدر على ما هو أقل منه، {بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}، قال -جل وعلا- {بَلَى}، مُجيب لهذا، بلى؛ إثبات، يعني أن الله -تبارك وتعالى- مدام أنه خلَقَ السماوات والأرض كما تُقِرون وكما تعتقدون؛ فإذن ينبغي أن تُقِروا بأنه يستطيع ويقدر على إعادتكم إلى الخلْق مرة ثانية، {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، لا يُعجِزه شيء -سبحانه وتعالى-.

قلنا أن مشكلة العرب الأساسية في الاعتقاد هي إحالتهم على الله -تبارك وتعالى- أن يُعيدهم إلى الحياة مرة ثانية، وكانت هذه حاجب وساتر أن يؤمنوا بما وراء هذا، ومن أجل هذا ضرب الله -تبارك وتعالى- لهم الأمثال تلوا الأمثال في هذه القضية بالذات؛ في قضية أنه -سبحانه وتعالى- قادر على أن يُعيدهم مرة ثانية، من هذا هذا البرهان الذي هنا في هذه الآية، أنه ما دمتم تعتقدون بأنه -سبحانه وتعالى- هو خالق السماوات والأرض؛ والسماوات والأرض أكبر من خلْق الناس، إذن فآمنوا بذلك كما قال –جل وعلا- {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[غافر:57]، من هذا كذلك بيَّن الله -تبارك وتعالى- لهم أن هذه الأرض يرونها صورة من صور الحياة؛ وهي كإحياء الأبدان، الأرض يرونها جافة؛ جلدة، يُنزِل الله -تبارك وتعالى- فإذا بهذه الأرض تحيا؛ تحيا في نفسها، وتحيا بنباتها، كما قال -جل وعلا- {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[فصلت:39]، فالذي أحيا هذه الأرض بعد موتها على هذا النحو قادر على أن يُحيي الموتى؛ لأن هذه حياة وهذه حياة، فهذه حياة الأجساد بعد أن يموتوا وهذه حياة الأرض وهي ميتة؛ وهذا أمر يرونه أمام أعينهم، كذلك الحياة والموت عمل متجدد؛ في كل لحظة يرونه أمامهم، فالله -سبحانه وتعالى- يُحيي ويُميت وهم يرون أن هذه الحياة أمر متجدد؛ دائم، من حياة إلى موت ومن موت إلى حياة، أيضًا من هذه الأدلة التي ضربها الله -تبارك وتعالى- لهم أن مَن بدأ الخلْق قادر على إعادته، مَن الذي بدأ خلْقَكم ولم تكونوا شيئًا؟ أليس الله، تُقِرون بأن الله -تبارك وتعالى- هو الذي بدأ خلْقَكم؛ فإذن لماذا تُحيلون عليه أن يُعيدكم مرة ثانية؟ كما قال -جل وعلا- {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[يس:78]، أخذ هذا الكافر أُميَّة ابن خلف عظمًا باليًا؛ فتَّه في يده، وأتى به ونفخه في وجه النبي -صل الله عليه وسلم-، وقال له أتزعم أن الله -تبارك وتعالى- أن يُعيدنا وقد صِرنا مثل هذه؛ أن هذا أمر مُعجِز، فقال له نعم؛ يُعيدك ثم يُدخِلك النار، قال له يُميتك، ثم يُحييك، ثم يُدخِلك النار، وهذا من علامات نبوة النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، فإن هذا الكافر لم يؤمن ومات كافرًا.

قال -جل وعلا- {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ}، عندما ضرب هذا المثَل نسي أن الله -تبارك وتعالى- قد خلقَه قبل أن يكون عظامًا أصلًا؛ من لا شيء، {........ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[يس:78]، فجاء البرهان {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ........}[يس:79]، فالذي أنشأ هذه العظام أول مرة أنشأها ولم تكن عظامًا؛ ما كانت موجودة، إذن هو قادر على أن يُعيدها -سبحانه وتعالى-، فهذا أمر بدهي أن الذي أنشأ الأمر من العدم قادر على أن يُعيده بعد أن يكون الآن ليس عدمًا، هذه عظام موجودة وذرَّاتها موجودة؛ قادر على أن يُعيدها مرة ثانية، {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[يس:78] {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[يس:79]، كذلك إخراج الشيء من الضد؛ إخراج الضد من الضد، كما قال -تبارك وتعالى- {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ}[يس:80] {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}[يس:81]، فإخراج الشيء من الضد؛ الشجر الأخضر حياة، يُخرِج الله -تبارك وتعالى- منه النار المشتعلة، والنار تُخلِّف مادة الكربون، وهذا الكربون يُعاد مرة ثانية فيدخل في صناعة الحياة، فالله -تبارك وتعالى- يُخرِج الشيء من ضده ويُعيده إلى ضده -سبحانه وتعالى-؛ وهذا من آياته -سبحانه وتعالى-، فالذي أخرج من الشجر الأخضر -الذي كله رطوبه وماء- نار تشتعل، ثم أخرج من هذه النار بعد ما تُخلِّف هذا الرماد؛ اللي هو الكربون، يرجع ثانيًا ويُنشئ الخُضرة من جديد، فيُخرِج الشيء من ضده -سبحانه وتعالى-؛ فهو القادر على كل شيء.

كذلك من الأمثال التي ضربها الله -تبارك وتعالى- أنه لو لم يكن بعث لكان هذا الخلْق لا معنى له؛ ويكون هذا الخلْق عبث وسُدى، فلو كان عندما يموت البشر يموتون ولا حياة مرة ثانية؛ ما معنى الحياة إذن؟ كيف يكون لهذه الحياة معنى؟ يكون لا معنى، يكون هذا الكون كله؛ السماوات، والأرض، والشموس، والأقمار، وكذا، وكذا ...، مخلوقة ومُسخَّرة لهذا الإنسان والأرض مُسخَّرة له، ثم بعد ذلك يكون الناس قد عاشوا في هذه الحياة؛ فعلوا ما فعلوا، اصطرعوا ما اصطرعوا، كفروا ما كفروا، آمنوا منا آمنوا، منهم اللي آمن، ومنهم اللي كفر، ومنهم اللي اختلفوا، ثم يموت الجميع لا يُجازى أحد على عمله، فلا المُحسِن نال جزاء إحسانه؛ وأخذ الجائزة على هذا، ولا المُسيئ نال جزاء إسائته، فإنه قد يكون هذا المُسيئ أساء؛ قتل مَن قتل، وظلم مَن ظلم، وسفك مَن سفك، ومات في أحسن أحواله؛ وهو مُمكَّن قائم، ثم لا يأخذ المُسيئ عقابه ولا المؤمن ثوابه؛ يكون هذا عبث، الله يقول {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}[القلم:35] {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[القلم:36]، كيف لا يكون؟ لابد أن يكون هناك بعث ونشور لأن الله -تبارك وتعالى- لا يمكن أن يكون قد خلَقَ خلْقَه على هذا النحو، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:115] {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[المؤمنون:116]، لا يمكن أن يكون الله -تبارك وتعالى- قد خلَقَ خلْقَه على هذا النحو؛ وخلَّاهم يعملوا ما يعملوا، ثم لا يكون بعث ولا نشور، فإذن البعث والنشور ضرورة عقائدية لابد أن يؤمن بها كل ذي عقل وكل ذي لُب، أن الذي خلَقَ السماوات والأرض لا يمكن أن يترك خلْقَه هكذا سُدىً وعبثًا، بل لابد أن يُعيدهم.

ثم كذلك إخبار الله -تبارك وتعالى- لهم بأنه الرب الإله -سبحانه وتعالى-؛ الذي لا يُعجِزه شيء، ولا يفوته شيء، وهو القائم على كل نفس -سبحانه وتعالى-، وكل هذا بيان منه -سبحانه وتعالى- بضرب هذه الأمثال؛ وضرب هذه الحُجج العقلية لعلهم يعودوا، ثم كذلك من هذه الأدلة بيان أنه -سبحانه وتعالى- أعاد إلى الحياة أُناس بعد أن ماتوا، {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ........}[لقمان:28]، هذه مثيل لها وقد رأوا كيف أحيا الله -تبارك وتعالى- بعض هذه الأنفس؛ وأعادها إلى الحياة مرة ثانية، فإذن الذي أعادها سواء كان هذا أعاده الله -تبارك وتعالى- على يد عيسى ابن مريم -عليه السلام-؛ أو أعاده على ما ذكَرَه عن السابقين، هذا دليل لهم على أن الله -تبارك وتعالى- يُحيي هذه، إخبار الله -تبارك وتعالى- بإحياء هذه الموات على يد بعض الرُسُل كطيور إبراهيم، فإن إبراهيم قال {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى}، قال -تبارك وتعالى- له {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ}، اجمعهم وشوفهم؛ تأكد منهم، ثم قطِّعهُنَّ ودُقَّهُنَّ وأخلط عظامهُنَّ بلحومهِنَّ بريشهِنَ، وخذ من هذا الخليط وضع كمية على أربعة جبال؛ فوضعها على أربعة جبال، {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا}، في التو واللحظة، يعني نادي هذه الطيور مرة ثانية؛ تأتيك في التو واللحظة عندك، واعلم أن الله على كل شيء قدير، فهذا مثَل كذلك ضربه الله -تبارك وتعالى- وأخبر به؛ وأراه، وأطلع عليه رسول من رُسُله وهو إبراهيم -عليه السلام-.

كل هذا طبعًا أدلة يسوقها الله -تبارك وتعالى- لبيان أن الله -جل وعلا- قادر على أن يُعيد هذه الأجساد مرة ثانية، ومن هذا كذلك قول الله -تبارك وتعالى- {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}[القيامة:4]، {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}[القيامة:1] {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}[القيامة:2] {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ}[القيامة:3] {بَلَى}، الإنسان الكافر {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ}[القيامة:3]، قال {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}[القيامة:4]، وأن نُسوِّيَ بنانه؛ تسوية البنان هذه هي وضع الإصبع مرة ثانية في وضع سُلَّامياته والأعصاب التي تشده، ثم الجلد الذي عليه والذي جعل الله -تبارك وتعالى- خطوط هذا الجلد؛ وهي ما يُسميه الناس بالبصمات مختلف، لا يمكن أن تلتقي البصمة ببصمة أخرى، هذه خطوط الجلد لا يمكن أن تلتقي في إثنين خلَقَهم الله -تبارك وتعالى- قط؛ أبدًا، بل لكل إنسان بصمته الخاصة، وهذه خطوط جلده الخاصة في أصابع اليد التي لا يمكن أن تلتقي مع إنسان أخر قط، فالله يقول {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}[القيامة:4]، لكن قال -جل وعلا- {بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ}[القيامة:5] {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ}[القيامة:6]، فلأن هذه كانت عقبة والسد الذي أمام كفار العرب في أنه يُحيلوه هذه المسألة؛ القضية هذه كانت عندهم من الكبائر ومن العظائم، أن يعتقدوا بأن أجسادهم ستعود إلى الحياة مرة ثانية ويحيلونها على الله -تبارك وتعالى-، من أجل ذلك فالله -تبارك وتعالى- ضرب لهم الأمثال تلوا الأمثال، وأتاهم بالأدلة وناقشهم بهذه الأدلة العقلية وبهذه الأخبار البرهانية، ولكن القوم كثيرٌ منهم ظل في هذا العمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الأحقاف:33].

ثم قال -جل وعلا- {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}[الأحقاف:34]، ينقلنا الله -سبحانه وتعالى- على طول نقلة إلى يوم القيامة حيث يوجد هؤلاء المُكذِّبين المُعاندين؛ الذين يقولون لا بعث ولا نشور، ولكنهم الآن أمام النار، {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ}، يؤتى بهم ويُعرضون على النار؛ يقول لهم هذه النار، {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ}، نار الآخرة، عقوبة الرب -تبارك وتعالى- التي ادخرها للمُكذِّبين، ثم يُقال لهم {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ}، يعني الذي أنتم فيه الآن؛ بعثكم، نشوركم، وقوفكم أمام النار التي حُذِّرتم بها، أليس هذا الذي تشُاهدونه أمامكم بالحق الثابت الواضح الآن؛ البيِّن، {قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا}، بلى؛ نفي النفي تأكيد، لأنه هنا سؤال مقترن بالنفي {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا}، يعني إن هذا حق، أقسموا بالله أن هذا حق لأنه خلاص أصبح لا شُبهة فيه، هذه النار أمامهم وهم موجودون؛ يعني قائمون بكل جوارحهم وبكل حواسهم، بل هم الآن كلهم سمع وكلهم بصر كما قال -جل وعلا- {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا}، يعني ما أسمعهم وأبصرهم، {........ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق:22]، فاليوم هم حادوا البصر ويرون الأمر على صورته تمامًا يوم القيامة، {........ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}[الأحقاف:34]، ذوقوا العذاب؛ ادخلوا النار، ذوقوه بكل أنواع الذوق، ليس ذوقًا باللسان وإنما ذوق بكل الكيان؛ كل كيانهم، فجلودهم تصطلي، وعظامهم تُحرَق، والنار تطَّلع على الأفئدة، العذاب يأتيهم من كل مكان وكل ذرَّة في كيانهم تذوق العذاب، يذوقوا العذاب بكل ذرَّة في كيانهم -عياذًا بالله-، قال {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}، يعني بسبب كفركم وعنادكم، وذلك أن التكذيب الذي كذَّبوه في الدنيا كان تكذيب عناد ومُكابرة؛ كفر، يعني عرفوا أدلة الحق ولكنهم ستروها؛ وجحدوها، وكابروا فيها، فقال {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}،وبالطبع لا مجال للعودة مرة ثانية؛ ولا للإعتذار، ولا لقبول الإقالة، ولا لإعادة الاختبار من جديد، خلاص انتهت الفرصة ولا مجال لأن يُصححوا خطأهم، ما نقول الخطأ التاريخي الخطأ  خلاص؛ الذي لا تصحيح له، ولا يمكن الإقالة منه، ولا العفو منه، ولا الخروج من النار خلاص، قال {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.

لمَّا كان الأمر على هذا النحو وأن هذا مصير هؤلاء المُكذِّبين قال الله لرسوله -صل الله عليه وسلم- {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}، إذا كان الأمر على هذا النحو وإذا كان مَن يُكذِّب بالبعث هذا مآله وهذه نهايته إذن فاصبر؛ يعني على أذاهم، وعلى كفرهم، وعلى تكذيبهم، {كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}، إخوانك الذين مضوا، أولوا العزم يعني الجِد؛ والهِمَّة، والنشاط، والصبر على الأذى، من الرُسُل؛ من قد تكون بيانية، وقد تكون بعضية؛ بعض الرُسُل، فكان الرُسُل الذين أرسلهم الله -تبارك وتعالى- أهل عزيمة وأهل قوة، فهذا نوح -عليه السلام-؛ أول رسول إلى أهل الأرض، فإنه أُوذي بالأذى العظيم؛ الطويل، وحصل له الكرب الشديد، يُقال أنه كان يُضرَب حتى يُغشى عليه، ومكث على هذا تسعمائة وخمسين سنة، كما قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}[العنكبوت:14]، يعني في نهاية، فانظر هذه العزيمة التي لا تفتر ولا تلين، وكان في كل وقته داعيًا إلى الله -تبارك وتعالى- في كل الأوقات، {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا}[نوح:5] {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا}[نوح:6] {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}[نوح:7] {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا}[نوح:8] {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}[نوح:9]، فقد دعى قومه في كل الأوقات؛ في الليل والنهار، وعلى كل الأحوال؛ جماعة بالجهر يلتقي بهم، وبالسر لقاء فردي مع واحد أو إثنين يُناجيهم ويدعوهم، فقد فعل معهم أو قام معهم بكل أساليب الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، وكذلك تحمُّلهم والصبر على أذاهم؛ من احتقارهم له، من تهديدهم له، فإنهم {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}[الشعراء:116]، استهزائوا به كلما استهزاء وقالوا {........ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}[هود:27]، فكان من شأن قوم نوح التكذيب؛ والعناد، والإصرار على ما هم فيه من المعصية؛ وتهديد نوح بالرجم، ومع هذا صبر على هذا حتى أتاه نصر الله -تبارك وتعالى-، وحتى قال في النهاية {........ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[القمر:10] {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}[القمر:11] {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا}، فأتاه إنجاء الله –تبارك وتعالى- لكنه صبر على قومه هذا الصبر الطويل.

وكذلك هذا هود الذي ذكَرَه الله -تبارك وتعالى- هنا في هذه السورة، انظر صبره وتحمُّله أذى قومه وتهديدهم له، وقالوا ما نراك إلا {إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ}، وعقوبتهم له على دعوتهم إلى الله -تبارك وتعالى-؛ ومع ذلك صبر على هذا، ولمَّا خوَّفهم من عذاب الله -تبارك وتعالى- استهانوا بهذا وقالوا {........ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الأحقاف:22] {قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ ........}[الأحقاف:23]، وكذلك صالح -عليه السلام- فإنه كذلك صبر على قومه أيَّما صبر، وهذا موسى -عليه السلام- صبر على قومه أيَّما صبر؛ وتحمَّل من قوم فرعون ما تحمَّل، ثم تحمَّل من قومه كذلك من بني إسرائيل ما تحمَّل، وآذوه أذى عظيم وصبر على ذلك، وكذلك كان من شأن عيسى -عليه السلام- الصبر على هذا، هؤلاء هم الرُسُل وهؤلاء أولوا العزم وكذلك كان هناك من الأنبياء مَن صبروا صبرًا عظيمًا؛ وتحمَّلوا ما تحمَّلوا من أذى أقوامهم، حتى إن منهم مَن قُتِلَ في سبيل الله كزكريا؛ ويحيى، فإن بني إسرائيل قتلوهم وقتلوا كثير من الأنبياء، وكذلك ما ابتُليَ به بعض هؤلاء الأنبياء كأيوب -عليه السلام-، الذي اشتد به البلاء سنين طويلة حتى قلاه قومه وتركوه، فدعوة من الله –تبارك وتعالى- لرسوله أن يصبر على أذى قومه؛ على أذى قريش، كما صبر الذين سبقوه من أولي العزم من الرُسُل، وإن كانت هنا من للتبعيض فيكون هنا بعض الرُسُل الذين لم يصبرو على هذا، كما قال الله -تبارك وتعالى- في آدم {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}[طه:115]، يعني على أمر الله -تبارك وتعالى-، وكما جاء في شأن ذا النون قال -جل وعلا- {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا}، أي قومه، {........ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:87]، وقد قال -تبارك وتعالى- لرسوله {........ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}[القلم:48] {لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ}[القلم:49] {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}[القلم:50].

فأمر الله -تبارك وتعالى- عبده ورسوله محمد -صل الله عليه وسلم- أن يصبر، قال {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}، يعني لا تستعجل لهم العذاب، لا تستعجل لقريش وللعرب -هؤلاء المُكذِّبين- العذاب، وتقول يعني اللهم أهلكهم مُستعجِلًا عذابهم، ثم قال -جل وعلا- {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ}، هؤلاء المُكذِّبين المعاندي الآن عندما يروا عذاب الله -تبارك وتعالى-؛ ويحيق بهم، يعتقدوا إنهم ما مكثوا إلى ساعة من النهار، هذا حالهم {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ}، في يوم القيامة، {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ}، كأنهم عاشوا في هذه الدنيا ساعة واحدة من النهار، وهذا شأن كل الكفار؛ فإنهم يوم القيامة إذا نظروا إلى ما فاتهم من أعمالهم في هذه الدنيا ظنوه أنه وقت قليل، كما قال -جل وعلا- {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ........}[الروم:55]، يعني يحلفوا بالله أنهم ما لبثوا في الدنيا إلا ساعة واحدة، وكذلك قال -تبارك وتعالى- {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا} {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا}[طه:100] {خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا}[طه:101] {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا}[طه:102] {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا}[طه:103]، قال -جل وعلا- {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا}[طه:104]، وكذلك جاء أن الله -تبارك وتعالى- يُناديهم ويقول لهم؛ يقول لهؤلاء الكفار يوم القيامة {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ}[المؤمنون:112] {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ}[المؤمنون:113] {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[المؤمنون:114].

فهؤلاء الله -تبارك وتعالى- يقول {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ}، كأنهم ما عاشوا في هذه الدنيا إلا ساعة، وهذا الأمر وإن كان سيكون يوم القيامة إلا أنه له في الدنيا شبيه، فإنه ما من أحد يأتيه ساعة الموت إلا وينظر خلفه إلى عُمره الذي مضى ويراه أنه كسحابة صيف؛ انتهى سريعًا، وكأنه كان أيام سريعة فاتت وانتهت، عِلمًا أنه قد عاش ستين سنة؛ سبعين سنة، ثمانين سنة، لكنه ينظر إلى ما سبق كأنه لا شيء، فكيف يوم القيامة عندما يُعاين العذاب -عياذًا بالله- فكأنه لم يلبث في هذه الدنيا إلى وقت قليل؛ إلا ساعة، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ}، ثم قال -جل وعلا- {بَلاغٌ}، هذا بلاغ، هذا؛ هذه السورة، هذا الكلام من الله -تبارك وتعالى- المُنزَل بلاغ، يعني أنه تبليغ لكم بهذه العقوبة التي تنتظركم؛ وما يكون يوم القيامة، وهو بلاغ مُفصَّل قد أبان الله -تبارك وتعالى- فيه آياته -سبحانه وتعالى-، وأنه بداية من هذه السورة قال {مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ........}[الأحقاف:3]، لكن {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}، ثم ناقشهم الله -تبارك وتعالى- في عقائدهم عقيدة عقيدة، مناقشة لإبطال كل ما انتحلوه وتمسكوا به من الباطل؛ وإظهار الحق، فلم يبق لمُعتذِر عُذر؛ ما بقي لأحد عُذر، وما بقي لمُتمحِّل أي شيء يتمسك به في مِحاله، قال بلاغ؛ هذا بلاغ، ثم قال -جل وعلا- {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}، سؤال للتقرير، مَن الذي سيُهلَك؟ القوم الفاسقون، القوم الخارجون عن طاعة الله -تبارك وتعالى- هم الذين سيُهلَكوا، وهؤلاء لأنهم فسقوا وخرجوا عن طاعة الله فلينتظروا الهلاك، {بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}، والجواب نعم؛ لا يُهلَك إلا القوم الفاسقون، أسأل الله -تبارك وتعالى- ألا يجعلنا منهم؛ وأن يجعلنا من عباده المؤمنين، الموقنين، المُصدِّقين.

استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.