الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (637) - سورة محمد 20-29

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيد الأولين والآخرين؛ محمد ابن عبد الله –صلوات الله والسلام عليه-، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ}[محمد:20] {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}[محمد:21] {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}[محمد:22] {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}[محمد:23] {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24] {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}[محمد:25] {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ}[محمد:26] {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}[محمد:27]، قول الله -تبارك وتعالى- {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ}، أي في القتال، يعني هلَّا أنزل الله -تبارك وتعالى- سورة يأمرنا -سبحانه وتعالى- فيها بالقتال؛ ويكتب القتال، وقد كان المؤمنين يتحرقون ويشتاقون إلى القتال وخاصة في مكة؛ في ظل اضطهاد وتعذيب وأذى المشركين لهم، قال -جل وعلا- {فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ}، عند أُنزِلَت سورة مُحكَمَة والقرآن كله مُحكَم لا شك، {........ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[هود:1]، وذِكر الإحكام هنا بخصوصه في سورة يُنزِّل الله -تبارك وتعالى- فيها القتال؛ فيكون أنه لا شُبهة في أمر الله -تبارك وتعالى- بالقتال ولا اشتباه في الأمر، كما أنزل الله -تبارك وتعالى- أول آيات القتال واضحة، {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج:39] {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}، فيكون أمر واضح بيِّن، وكما جائت هذه السورة؛ سورة محمد أو سورة القتال، فإن ذِكر القتال فيها ذِكر مُحكَم لا يحتمل إلا هذا المعنى الذي ذُكِرَ به؛ والمعلوم، كقول الله -تبارك وتعالى- بعد أن ذكَرَ صِنفي الناس؛ أهل الإيمان وأهل الكفران، وبدأ بالكفار فقال {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}[محمد:1] {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ}[محمد:2]، ثم بيَّن لِما كان هذا ولِما كان هذا.

ثم قال {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}[محمد:4]، الآيات، فهذا أمر واضح مُحكَم وهو أن على أهل الإيمان أن يقاتلوا الذين كفروا؛ وإلى أن تضع الحرب أوزارها بينهم وبين عدوهم، العدو المخصوص كالعرب؛ فإنه لا توضع الحرب معهم إلا إذا وضعت الحرب أوزارها وأثقالها، ولم تضع الحرب أثقالها إلا بأن دخلوا في دين الله -تبارك وتعالى- كلهم، ثم في الشعوب الأخرى قاتلهم المسلمون حتى وضعت الحرب أوزارها في مَن دخل الإسلام؛ واستكان لأمة الإسلام، وتبقى لا تضع الحرب أوزارها معهم في مَن يستمر في القتال، وقد جاء أن الروم بخصوصهم أنه لا تضع الحرب أوزارها معهم إلى بنزول المسيح عيسى ابن مريم؛ حيث يقاتلهم مع المسلمين، فهذا أمر واضح في القتال، فنزلت هذه السورة بأمر واضح في القتال وهو أنه على أهل الإسلام أن يقاتلوا أهل الكفر، {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}، لقيتوهم في الجهاد، {حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ}، أي أكثرتم فيهم الجراحة والقتل، {........ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}[محمد:4].

فإذا نزلت سورة مُحكَمَة تُبيِّن القتال وأنه فرض؛ فريضة مُحكَمة إلى يوم القيامة، قال -جل وعلا- {رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}، من هؤلاء المنافقين الذين قال بعضهم هذا القول عن عجلة، وبعضهم يقول هذا تظاهرًا وتحرقًا للقتال؛ وليس من أهله، قال {رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}، لمَّا حلَّ الأمر وطُلِبَ القتال فإذا بهؤلاء يظهر جُبنهم وخوفهم؛ ويصبحوا ينظروا إلى الرسول نظر المغشي عليه من الموت، والمغشي عليه من الموت تكون عيناه زائغتين؛ ما يقدر يشوف عدَل، ينظر إلى مَن ينظر إليه ولا يكاد يوصفه، قال -جل وعلا- {فَأَوْلَى لَهُمْ} {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ}، الأَولى لهؤلاء طاعة؛ أن يقولون سمعنا وأطعنا، {وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ}، قول معروف في الدين بأن يسمعوا لأمر الله -تبارك وتعالى- ويستجيبوا له، ولا يكون اشتياق للقتال وتحرُّق له قبل أن يقع، فإذا وقع مالوا وحادوا وجَبَنوا... لا، بل يجب أن يكون قولهم في الدين قول معروف، طاعة لله -تبارك وتعالى- وقول معروف، قول صدق يقولونه ويفوا ما عاهدوا الله -تبارك وتعالى- عليه، قال -جل وعلا- {........ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}[محمد:21]، فإذا عزم الأمر؛ جَدَّ الجِد ووقع القتال بالفعل يتقبَّلوا القتال، فإذا وقع الأمر والتقى هم والكفار واصبح القتال لا مفر منه فلو صدقوا الله؛ أي في ما عاهدوا عليه، وأنهم يقاتلون في سبيله لكان خيرًا لهم من كل الوجوه؛ يكون هذا خير لهم، فلو قُتِلوا في سبيل الله واستشهدوا نالوا الدرجات العُلا، وإن انتصروا رجعوا بعِز الدنيا؛ والأجر، والغنيمة، فالمقاتل في سبيل الله رابح على كل الأوضاع؛ إن هُزِم فهو رابح، وإن انتصر فهو رابح، ولا خسارة في شأن المجاهد أبدًا، {........ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}[محمد:21]، إذا صدقوا الله -تبارك وتعالى- وجَدَّ الجِد، ودخلوا المعركة وتحمَّلوا ما تحمَّلوا في سبيل الله -تبارك وتعالى- فهم رابحون على كل حال.

ثم قال -جل وعلا- {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}[محمد:22]، يعني ماذا ينتظر الراجع عن هذا الدين؟ مَن يرجع عن هذا الدين بعد أن يدخل فيه، إن تولَّيتم يعني عن الحق بعد أن دخلتم فيه؛ دخلتم الإسلام، {........ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}[محمد:22]، هذا الذي كانت عليه الجاهلية، يعني ماذا كان في شأن الجاهلية؟ إفساد في الأرض وقطيعة للأرحام، شقوة في الدنيا وشقوة في اللآخرة، فالإفساد في الأرض واقع بالشرك بالله -تبارك وتعالى-؛ والكفر، والقول على الله بغير عِلم، وفعل المنكرات والفواحش؛ وأد البنات، وكذلك تقطيع الأرحام فقد كانت العرب أمة متغاورة؛ كلٌ يُغير على الأخر، ويسلبوا الأخر، وأحيانًا كانوا يُغيرون على إخوانهم، بل كان أعظم قتال العرب إنما هو في أبناء العمومة؛ فكان القتال دائمًا بينهم، فالأَوس والخزرج ماذا كانوا؟ الأَوس والخزرج أبناء رجل واحد في النهاية، وهم أبناء عمومة وكانوا يقتتلون، وظلت الحرب معهم مائة سنة وهم يُقاتل بعضهم بعضًا؛ وكذلك سائر القبائل، وكان شاعرهم يقول ((وأحيانًا على بكر أخينا إذا لم نجد إلا أخانا))، فكان هذا حالهم؛ تقطيع لأرحامهم وإفساد في الأرض، فماذا ينتظر المُرتَد عن هذا الدين بعد أن دخل فيه وأن يعود؟ هذا شأن الجاهلية، {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}[محمد:22].

{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}[محمد:23]، {أُوْلَئِكَ}، المُشار إليهم هؤلاء الذين ارتدوا عن الدين ورجعوا إلى الجاهلية الأولى، هم الذين لعنهم الله -تبارك وتعالى-؛ طردهم من رحمته، {فَأَصَمَّهُمْ}، أصمَّ آذانهم عن سماع الحق، {وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}، أن يروا نور الحق، فهؤلاء يقع فيهم هذا، فالرِدَّة عن الدين أمر عظيم، هذا {إِنْ تَوَلَّيْتُمْ}، فُسِّر بالرِدَّة عن الدين، فُسِّرت كذلك هذه الآية {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}[محمد:22] {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}[محمد:23]، {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ}، يعني تولَّيتم شأن الناس، تولَّيتم أمور الناس أن تسيروا فيهم بالباطل، {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ ........}[محمد:22]، بالحُكم بالباطل؛ تُحكِّموا غير شريعة الله -تبارك وتعالى-، {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، كذلك بتنافسكم في هذه الدنيا وحرب بعضكم لبعض فإنه قد يقع بها تقطيع الأرحام، فإن التكالب على المُلك كثير من المُتكالبين على المُلك كان يقتل بعضهم بعضًا؛ ويقتل الأخ أخاه، ويقتل الإنسان ابنه لحيازة المُلك، فيكون هذا شأن التولِّي بتكالب المُتكالبين عليه يُقطِّع أرحامهم؛ ويسفكوا دماء آبائهم وإخوانهم، {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}[محمد:22] {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}[محمد:23]، عن الحق، هذا كان معنى تولَّيتم أي تولَّيتم شئون الناس، أو تولَّيتم يعني أعرضتم وابتعدتم عن الدين ورجعتم إلى الجاهلية، فلم يكن شأن الجاهلية إلا إفساد في الأرض وقطيعة للأرحام.

أما قطع الأرحام فهو في الإسلام كبيرة من الكبائر، قطع الأرحام عن أن يقطع الإنسان صلته عن أرحامه؛ فلا يصلهم وإن قطعوه، فهذا أمر كبيرة من الكبائر، وقد جاء في الحديث أن «الله -تبارك وتعالى- لمَّا خلَقَ الرحم قامت فاستعاذت به، وقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة»، الرحم اللي هي منبت الولد، والله -تبارك وتعالى- سمى كل مَن يلتقون عند رحم واحدة أنهم أرحام، سمى الله -تبارك وتعالى- هذا العضو من المرأة الذي هو منبت الولد سمَّاه بالرحم، قال الرب -سبحانه وتعالى- «أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من إسمي»، فالله هو الرحمن وهذي رحم، «فمَن وصلها وصلته ومَن قطعها قطعته»، مَن وصل الرحم وهم كل الذين يلتقون في رحم واحدة، فأول شيء الأم هي أرحم الرحم لأن ابنها من هذا الرحم، فأقرب الرحم الأم ثم الأب يلتقون في هذا الرحم، فبذرته هي التي أنشأت هذا الإبن في هذا الرحم، ثم الإخوة يتراحمون لأنهم يرجعون إلى رحم واحدة، وهكذا في النهاية كل مَن يرجعون إلى رحم واحدة يجب أن يتراحموا؛ أمر الله -تبارك وتعالى- أن يتراحموا، والله -تبارك وتعالى- يخبر أنه لمَّا خلَقَ الرحم استعاذت به وقالت أنا أعوذ بك من القطيعة، فقال له الرب -تبارك وتعالى- ألا يسرُّكي ...، أو كما قال الرب -سبحانه وتعالى- مَن وصلكي وصلته ومَن قطعكي قطعته، «أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من أسمي، فمَن وصلها وصلته ومَن قطعها قطعته»، وقد جاء في الحديث عندما يعبر المسلمون على الصراط، والصراط جسر على جهنم، من الموقف على هذا الجسر إلى الناحية الثانية من جهنم وفيها الجنة بعد ذلك، الجنة وراء جهنم، وفي الموقف هنا لابد للمسلمين عن ذهابهم إلى الجنة أن يعبروا على الصراط، وقد وصف النبي الصراط بأنه ضحد ومذلة؛ تذل عليه الأقدام، وأنه حاد كالسيف، وأنه دقيق كالشعرة، وأن عليه كلاليب وخطاطيف تخطف الناس بأعمالهم، وأخبر النبي بأنه عند العبور على الصراط لا يتكلم أحد؛ خلاص الكل يمتنع عن الكلام، لا يتكلم إلا الرُسُل في هذا الوقت العصيب، لأنها أمر عصيب؛ كيف سأعبر هنا والنار تحتي؟ والنار سبعين خريف؛ سوداء مضلمة، مَن وقع فيها خلاص، {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}[القارعة:9] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ}[القارعة:10] {نَارٌ حَامِيَةٌ}[القارعة:11]، فعند ذلك لا يتكلم أحد إلا الرُسُل، وكلامهم يومئذ يا رب سلِّم سلِّم؛ يا رب سلِّم سلِّم.

عند بداية الرحم يخبر النبي بأنه تقوم الأمانة على جانب والرحم على جانب، الأمانة قضية معنوية؛ إسم معنوي، لكن الله -تبارك وتعالى- يجعله أمر حسي مُشاهَد، وأيضًا الرحم هو هذا العضو والصلة هي أمر معنوي لكنه يقوم الآن، فنظر العابر هذه الأمانة وهذا الرحم، تذكير بأن مَن خان الأمانة ستخونه كذلك قدماه على الصراط، ومَن قطع الرحم سينقطع عن الصراط؛ مش هيوصل، لن يصل مَن قطع الرحم، فهذا تذكير أن هذه هي الأمانة هنا وهذا هو الرحم هنا، يقول النبي «تقوم الأمانة على جنب الصراط والرحم على جنب الصراط، فأما مَن أدى الأمانة ووصل الرحم سيعبر، وأما مَن كان قد خان الأمانة وقطع الرحم لن يعبر»، لن يُتِم مشواره، والعابرون على الصراط كل المؤمنين، ما في مؤمن إلا لابد أن يعبر على الصراط، والناس يختلفون عند ذلك كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- «فيمر الناس فمنهم مَن يمر كالطرف؛ لمحة بصر يكون قد عبر، وكالبرق، وكأجاويد الخيل والرِكاب»، الخيل الجيدة في الركض، والرِكاب الجيدة اللي هي الإبل الجيدة، يقول النبي -صل الله عليه وسلم- «ومنهم مَن يحبوا حبوًا، ومنهم مَن يسير خطوة ويقع خطوة عن الصراط»، وبعد ذلك يبدأ الخُطاف يخطف الناس؛ كلاليب، يقول النبي «على الصراط أشواك وكلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فناجٍ مُسلَّم ينجوا ولا يخدشه كُلَّاب، ومخدوش ناجٍ، ومكدوس على رأسه في جهنم»، يخطفه الكُلَّاب ويُلقيه في النار -عياذًا بالله-، الشاهد هنا أن الرحم يقف على جنب الصراط، والله -تبارك وتعالى- يُحذِّر من قطع الرحم، ويُبيِّن أن العودة إلى الجاهلية عودة إلى هذا؛ هذا كان جزء أساسي من حياتهم قطع أرحامهم، وكذلك تحذير مَن يتولَّى شئون الناس ويفعل هذا الفساد في الأرض وقطع الأرحام، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}[محمد:23]، أي الذين يفعلوا هذا، {فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}.

ثم قال -جل وعلا- {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24]، أ؛ همزة الاستفهام، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}، حث من الله -تبارك وتعالى- على تدبُّر القرآن، أفلا يتدبَّر هؤلاء القرآن؟ الذين يُخفون هذه الرِدَّة عن هذا الدين أو الذين يصنعون هذا الأمر، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}، والتدبُّر معناه النظر في عواقب الأمور، في نظر في الأمر ونظر في ما سيئول إليه الأمر، فتدبُّر القرآن يعني النظر في عاقبة ما يئول إليه الأمر، فالله عندما يُحدِّثنا أن بعد هذه الحياة سيكون كذا؛ وسيكون كذا، وسيكون كذا ...، هذه هي عاقبة هذا الأمر يجب النظر فيه، فتدبَّر القرآن الذي يُحذِّرك ويُنذِرك بأن الحياة هذه سيكون بعدها نقلة، بعد هذه النقلة في جنة؛ في نار، فيه الرب سيحاسب عباده -سبحانه وتعالى-، تدبَّر القرآن بمعنى افهمه؛ افقه، انظر الأحداث والأمور التي يتكلم عنها القرآن في ما بعد ذلك؛ تأويل القرآن، آخر الأمر، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24]، أم هذه التي يسمونها اللي هي تشمل بل؛ إضراب وهمزة الاستفهام، {عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}، على قلوب وقلوب جائت مُنكَّرة هنا؛ قلوب المنافقين، أقفالها؛ أقفال القفل، وأقفالها؛ القفل معروف هذا الذي يُسكِّر الأمر، وقفل القلوب هذا صناعة الرب -سبحانه وتعالى-، يقفل بها قلب مَن لا ينشرح صدره لهذا الدين؛ فالله يُعاقِبه -سبحانه وتعالى-، {........ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24]، فهذا قلب مُقفَل ما يدخله هُدى القرآن، أي بل على قلوب أقفالها، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24].

ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}[محمد:25]، وهذه الآية فيها شهادة للمعنى الأول في التفسير في تفسير تولَّيتم؛ بمعنى أعرضتم ورجعتم إلى الكفر والجاهلية، قال -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ}، بعد ما دخلوا إلى هذا الدين رجعوا مرة ثانية إلى الكفر والجاهلية، {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى}، بنزول هذا الدين وبعثة النبي -صل الله عليه وسلم- وشرحه لهذه الرسالة، {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ}، وسُموا على أدبارهم لأن رجع؛ القهقرة، {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ}، سوَّلَ لهم بمعنى أن سهَّلَ لهم أمر الكفر، والتسويل أصله بمعنى التسهيل، يعني سهَّلَ لهم وجعل لهم هذا الأمر أنه أمر سهل أن يكفروا وأن يرجعوا، {سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}، الإملاء والإملال هو إطالة الأمَد والأمل، فأملى لهم؛ أعطاهم الآمال الكاذبة التي تعللوا بها وتمسكوا بها، وسوَّلَ لهم؛ سهَّلَ لهم شأن الكفر، فهنا الله -تبارك وتعالى- يُبيِّن السبب في رجوع هؤلاء عن الدين؛ وأنه من فعل الشيطان الذي سهَّلَ لهم ما يصنعونه من الكفر العظيم، وهو أمر كبير وعظيم الرجوع عن الدين، وكذلك غرَّرهم بالأماني الكاذبة التي اتبعوها، {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}.

ثم قال -جل وعلا- {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ}[محمد:26]، هذا من رِدَّتهم عن الدين، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ ........}[محمد:26]، يعني أن هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم مرض قال للذين كرهوا ما نزَّل الله؛ والذين كرهوا ما نزَّل الله هم الكفار، فهم كرهوا ما نزَّل الله -تبارك وتعالى-، فجاء هؤلاء المنافقون وقالوا لهؤلاء الكفار {سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ}، وليس في كل الأمر، وإذا أطاعوهم في بعض الأمر وهم هؤلاء كفار؛ كارهون لِما أنزَل الله -تبارك وتعالى-، إذن وافقوهم على مخالفة أمر الله -تبارك وتعالى-، فوافقوا الكفار على مخالفة أمر الله -تبارك وتعالى-، {سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ}، قال -جل وعلا- {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ}، والله -سبحانه وتعالى- يعلم إسرارهم؛ إسرارهم بهذه الخبيئة الخبيثة، وهي موافقتهم للكفار وإعلانهم للكفار بينهم وبينهم أنهم سيوافقونهم على بعض الأمور التي يكونوا عليها، سواء كان هذا الأمر من نقلهم أسرار النبي -صل الله عليه وسلم- و أسرار المسلمين، أو أنهم يُعارِضوه في حُكمِه في مسألة ما؛ أي قضية من القضايا، فلا شك أن مَن وافق الكفار -طبعًا الآية عامة- كل مَن وافق الكفار في ما يُعارِضون به أمر الله -تبارك وتعالى- فهو كافر مُرتَد؛ لأنه قد حارب الله -تبارك وتعالى- بموافقته أهل عداوته، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ ........}[محمد:26]، قال -جل وعلا- {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ}.

{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}[محمد:27]، كيف يكون حال هؤلاء؟ هذا تهديد من الله -تبارك وتعالى- وبيان ما يتوعدهم الله -تبارك وتعالى- به، يعني فكيف تكون أمورهم وكيف يكون حالهم إذا توفتهم الملائكة؟ عند الوفاة بالموت وهو أخذ أرواحهم، {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}، هذي البداية؛ هذه من البداية، يبدأون العذاب من البداية وهو أنه عند الموت تضربهم الملائكة على هذا النحو، {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}، وكذلك توفَّته الملائكة في المعارك؛ في معارك أهل الإسلام، {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ........}[الأنفال:50]، كانت الملائكة تضرب مع المسلمين وجوه الكفار وأدبارهم، فالضرب في وجهه والضرب كذلك في أدباره من خلف ظهره، {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}[محمد:27]، يعني كيف يكون حالهم؟ هذا هو المصير الذي ينتظرهم، هذا وعظ عظيم جدًا للناكلين والمُرتدين عن دين الله -تبارك وتعالى-.

قال -جل وعلا- {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ ........}[محمد:28]، ذلك؛ الإشارة هنا إلى هذه العقوبة، العقوبة من أن الله -تبارك وتعالى- يُسلِّط عليهم الملائكة فيفعلوا بهم هذا، {بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ}، واتِّباعهم ما أسخط الله من الكفر وموالاتهم أعدائه؛ وقولهم لهم {سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ}، وهذا الذي يُسخِط الله، يُسخِطه؛ يُغضِبه، السخَط؛ الغضب وإنزال عقوبته -سبحان وتعالى- في مَن يُبغِضه ويكرهه، {اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ}، كرهوا هؤلاء رضوان الله، ورضوان الله -تبارك وتعالى- على عبده لا حدَّ له، والرضا صفة من صفاته -سبحانه وتعالى-، وكلها صفات قائمة بذات الرب -سبحانه وتعالى-، وللسُخط والغضب آثاره في الخلْق، فالله -تبارك وتعالى- يسخط ويرضى وسخطه –سبحانه وتعالى- أن يُنزِل عقوبته بمَن يسخط عليه -سبحانه وتعالى-، والله يرضى -سبحانه وتعالى- عن العبد، ومن رضوانه -سبحانه وتعالى- الله لا حدَّ لرضوانه؛ في عطائه، وفضله، وإنعامه، وإحسانه، الجنة من رضوان الله -تبارك وتعالى- والنار من سخطه وعذابه، فنعوذ بالله -تبارك وتعالى- من سخطه وعقوبته، ونسأله -سبحانه وتعالى- رضوانه وجنته، ذلك يعني ضرب الملائكة لوجوه الكفار والمنافقين عند الموت؛ ضرب وجوههم وأدبارهم، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[محمد:28]، كذلك أحبطها؛ جعلها حابطة، حابطة؛ هالكة، ذاهبة، لا تنفعهم، الحَبَط هو الهلاك، والحَبَط في لغة العرب داء يُصيب الإبل يجعلها تنتفخ بطونها؛ وتظهر كأنها سليمة سمينة، ثم فجأة تنهار وتسقط، فهؤلاء أحبط الله -تبارك وتعالى- أعمالهم على هذا النحو، تظهر أعمالهم أمام أعينهم أنها جيدة ونافعة ثم يرون أنها ذاهبة؛ لا نفع لها، ولا قيمة لها، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[محمد:28].

ثم قال -جل وعلا- {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}[محمد:29]، {أَمْ حَسِبَ}، الحُسبان هو الظن، {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ........}[محمد:29]، هؤلاء المنافقين، الذين في قلوبهم مرض؛ هذا الشك، مرض الخوف من القتال في سبيل الله، ومرض الميل إلى أعداء الله -تبارك وتعالى-؛ وموافقتهم، ومُصانعتهم، {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}[محمد:29]، يظنون أن الله لا يخرج أضغانهم، أضغانهم؛ الضِغن هو الحقد، حقدهم للإسلام وبُغضهم له، يقول هذه الإضغان التي في قلوبهم من بُغضهم للدين؛ وكراهيتهم له، وكراهيتهم للرسول، يعني هل يظن هؤلاء ألا يُخرج الله -تبارك وتعالى- هذا فيجعله ظاهرًا؟ هم مُخبِّئون لهذا، هم مُخفون لهذا البُغض للدين؛ والغضن عليه، والحقد عليه، لكن الله يقول يظنون هؤلاء أن الله لن يخرج هذا ويظهر علنًا؛ ويُطلِع عليه رسوله والمؤمنين، {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}[محمد:29]، قال -جل وعلا- {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}[محمد:30].

وسنعود إلى هذه الآيات -إن شاء الله- في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.