الخميس 20 جمادى الأولى 1446 . 21 نوفمبر 2024

الحلقة (649) - سورة الحجرات 1-7

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الحجرات:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}[الحجرات:2] {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}[الحجرات:3] {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}[الحجرات:4] {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الحجرات:5]، هذه السورة سورة الحجرات هي سورة الآداب، قد ضمت مجموعة عظيمة من الآداب التي يجب على المسلمين أن يتأدَّبوا بها نحو ربهم -سبحانه وتعالى-؛ ونحو نبيهم -صل الله عليه وسلم-، ومع بعضهم بعضًا، ومع العالم؛ مع الناس كلهم، بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بقوله -جل وعلا- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الحجرات:1]، بدأت هذه السورة بهذا النداء الإلهي لعباده المؤمنين، وكأن الموجَّه لهم الخطاب الآن هم عباد الله المؤمنين، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، وعندما يقول الله -تبارك وتعالى- يا أيها الذين آمنوا فإنما يُنادي عباده الذين آمنوا بهذا الوصف العظيم الجميل؛ وصف الإيمان الذي هو أعظم الأوصاف، وهذا فيه حض وتهييج على الامتثال، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، عندما يُناديهم الله -تبارك وتعالى- بأفضل الأسماء وأحسنها فإنما حض منه -سبحانه وتعالى- على الامتثال لأمر الله –تبارك وتعالى-، كما يُقال يا ابن الأكرمين افعل كذا وكذا، وكذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، تذكير لهم بهذا الوصف؛ وصف الإيمان، وأنه من مُقتضى أن يكونوا مؤمنين أن يمتثلوا أمر الله -تبارك وتعالى-، فهذا كذلك فيه إلزام بالمُسارعة إلى التزام أمر الله -تبارك وتعالى-.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ........}[الحجرات:1]، تُقدِّموا بين يدي الله ورسوله يعني لا تقولوا حتى يقول؛ لا تُفتوا حتى يُفتي، فقبل أن يأتيكم حُكم الله وحُكم رسوله لا تقولوا من عند أنفسكم، فتقولوا القول قبل أن تعلموا قول الله -تبارك وتعالى- وقول رسوله، أو تُفتوا قبل أن تعلموا حُكم الله وحُكم رسوله، فإنه {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ}، فالفتوى من الله -تبارك وتعالى- لأن الحُكم كله لله، الله -تبارك وتعالى- له الحُكم الشرعي الديني كما له الحُكم الكوني القدري، فهو الحاكم في كل الكون بقضائه وقدره -سبحانه وتعالى- وهو الحاكم في الشرع، فهو الذي يشرَع لعباده ما يشاء؛ يُحِل لهم ما يشاء، ويحرِّم عليهم ما يشاء، ويحُد لهم -سبحانه وتعالى- من الحدود ما يشاء، فالأمر كله له -سبحانه وتعالى-، فلا يحِل أن يتكلم إنسان من عند نفسه بأي أمر من الأمور حتى يعلم حُكم الله -تبارك وتعالى- في هذا الأمر، {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، بين يدي حُكم الله وكلام الله ورسوله، وجعل ورسوله وذلك أن الرسول -صلوات الله والسلام عليه- هو حاكم بأمر الله -تبارك وتعالى-؛ كذلك لا يقول إلا بما يوحيه الله -تبارك تعالى- إليه، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[النجم:3] {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:4]، فأمره أمر الله -تبارك وتعالى- ونهيه نهي الله، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، لا تقولوا حتى يقول ولا تُفتوا حتى يُفتي، إذا وقع أمر فانتظروا أولًا ما يحكُم به الله -تبارك وتعالى- وما يحكُم به رسوله فقولوا بذلك.

{وَاتَّقُوا اللَّهَ}، خافوه، تقوى الله -تبارك وتعالى-؛ مخافته، يعني اجعلوا وقاية وحماية بينكم وبين عقوبة الله؛ عذاب الله -تبارك وتعالى-، ولا يكون هذا إلا بالإيمان به وطاعته -سبحانه وتعالى-، فعل ما أمركم به والانتهاء عن ما نهاكم عنه وكل هذا تفعلونه وأنتم تُريدون وجهه -سبحانه وتعالى-، هذه حقيقة التقوى كما وصَفَها به بعض السلف قال "التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله وأنت ترجوا ثواب الله، وأن تنتهي عما نهاك الله -تبارك وتعالى- عنه على نور من الله تخاف عقوبة الله"، فهذا المتقي؛ الخائف من الله -تبارك وتعالى-، العامل بطاعته، المؤمن به، {وَاتَّقُوا اللَّهَ}، في كل أحوالكم، {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، سميع لكل الأصوات -سبحانه وتعالى-، لا يخفى عليه شيء -سبحانه وتعالى- من كلام ومن أصوات مخلوقاته، {........ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[المجادلة:7]، فالله سميع لكل خلْقِه -سبحانه وتعالى-؛ عليم بكل مخلوقاته، لا يخفى عليه من مخلوقاته ذرَّة صغيرة من كل الخلْق في السماوات ولا في الأرض، {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[النمل:75]، فالله هو الذي لا يعزب عنه مثقال ذرَّة في السماوات ولا في الأرض؛ يعني لا يغيب عنه مثقال ذرَّة، ومن تعاليم لقمان {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}[لقمان:16]، فالله عليم -سبحانه وتعالى- لا يخفى عليه في كل الأوقات؛ وفي كل الأزمنة، وفي كل الأمكان، لا يخفى عليه شيء من خلْقِه -جل وعلا-، فإذا علمتم هذا؛ أن الله سميع لكل الأصوات، عليم بكل الموجودات، عند ذلك هذا الرب يُخاف؛ ويُرهَب، ويُتقى -سبحانه وتعالى-، وهو أهل لأن يُتقى لعِلمه؛ وسمعه، وبصره، وقدرته على الخلْق، وعقوبته التي لا عقوبة مثلها، {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ}[الفجر:25] {وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر:26]، {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}، هذا نداء بعد نداء؛ أمر بعد أمر، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}، رفع النبرة والصوت فوق صوت النبي، بل خاطبوه بأصوات خفيضة؛ هذه واحدة، وكذلك لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي يعني أن تقولوا خلاف قوله، فكأن الذي يقول خلاف قول النبي -صل الله عليه وسلم- يبقى رفع صوته فوق صوت النبي، كأن النبي يقول شيئًا وهو يقول شيئًا أخر، فاجعلوا أصواتكم خفيضة ولا ترفع صوتك فوق صوت النبي -صلوات الله والسلام عليه-، وإنما خاطبه فقط بما يوصل له السمع ولا ترفع صوتك عليه، {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ}، الجهر له بالقول {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}، فإن الناس عندما يتكلم بعضهم لبعض قد يرفع صوته عليه ويقول له ما هذا؟ ما الذي تقول؟ كيف قولت ذلك؟ ونحو ذلك ما يرفع صوته عليه هذا بالنسبة للأخوة والناس بعضهم مع بعض، أما لا؛ حق النبي -صلوات الله والسلام عليه- لأنه رسول الله غير هذا، يجب امتثال كامل الأدب معه؛ فلا يُرفَع الصوت بحضرته -صل الله عليه وسلم-، ولا يُجهَر له بالقول كما يجهر الإنسان لصاحبه وصديقه ويُعلي صوته عليه... لا، إنما يكلم النبي بصوت خفيض يسمعه، إذا أوصل صوته لأُذُن النبي -صلوات الله والسلام عليه- وسمعه فهذا هو الواجب مع النبي -صل الله عليه وسلم-، {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}، كما يجهر بعضكم لبعض، {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ}، مَن رفع صوته على النبي ومَن خاطبه كما يُخاطب صديقه أو غيره فإنه ربما أحبط الله -تبارك وتعالى- عمله، ومعنى أن تحبَطَ أعمالكم؛ أن تذهب وتضمحل، يُبطِل الله عملكم في الدين؛ من صلاة، من صيام، من زكاة، من حج، من إيمان، يُحبِطها الله -تبارك وتعالى- بإساءة أدبكم مع النبي -صل الله عليه وسلم-، {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}، يعني وأنتم لا تشعرون أن هذه الخطيئة التي ارتكبتموها كانت كفيلة بإحباط عملكم، فإنه ربما ظن الظان بأنه ربما يُغلِظ القول أن يرفع القول للنبي -صل الله عليه وسلم-؛ ويخاطبه كما يخاطب غيره، وأن هذا لا يُحبِط عمله، والحال أن هذه إساءة وأن الله -تبارك وتعالى- يُحاسِب على هذا؛ فقد يُحبِط عمله كله ويرده عليه، {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}.

ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ........}[الحجرات:3]، {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ}، يغضُّون؛ يُنقِصون، يجعل صوته خفيض بحيث يُسمِع النبي -صل الله عليه وسلم-، {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ}، بحضرته -صل الله عليه وسلم-؛ عندما يكونوا حاضرين عنده -صل الله عليه وسلم- ويخاطبونه، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}، امتحن الله قلوبهم؛ اختبر الله -تبارك وتعالى- قلوبهم، القلب هو مصدر القرار، يعني لمَّا أُمِروا بأن يتأدَّبوا مع النبي -صل الله عليه وسلم- هذا أمر إلهي فاستجابوا لأمر الله -تبارك وتعالى-، فاختبرهم الله بهذا وطبَّقوا هذا فهؤلاء حصلت منهم التقوى التي هي غاية الدين؛ ونهايته، وصلاح نفس الإنسان أنهم هم الأتقياء الذين امتُحِنوا بالطاعة ونجحوا في الاختبار، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}، فأصبحوا أتقياء أوفياء كما أمرهم الله -تبارك وتعالى-؛ وخاطبوا النبي بالخطاب الذي يليق به -صل الله عليه وسلم-، {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}[الحجرات:3]، المغفرة لذنوبهم لِما سبق، وأجر عظيم عند الله -تبارك وتعالى-، وقد جاء أن قيس ابن شِماس الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- خطيب رسول الله، وكان صوته جهوريًا قويًا، ولمَّا نزلت هذه الآية صوته هو بالطبيعة قوي فعند ذلك خشي؛ وظل يبكي، واعتزل، وبقي مدة لا يأتي النبي -صلوات الله عليه وسلم-، وهو يبكي في بيته ويقول قد حَبِطَ عملي، افتقده النبي -صل الله عليه وسلم- وسأل عنه، فقيل له يا رسول الله إنه يبكي ويقول أنه من أهل النار، إن قيس من أهل النار لأنه كان يرفع صوته بحضرة النبي ليس لأنه عن إساءة أدب، هذا صوته وكان يرفع صوته على هذا النحو، لا بل ادعوه؛ إنه من أهل الجنة، فانظر استجابة الصحابة لأمر الله، وكان بعد ذلك إذا كلَّم النبي كان النبي يحُثَّه المرة تلوا المرة أن يرفع صوته حتى يسمع عنه النبي -صلوات الله والسلام عليه-، {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ}، فيجعلونها أصوات خفيضة يخاطبون بها النبي -صل الله عليه وسلم-، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}، هؤلاء الأتقياء الذين استجابت قلوبهم لأمر الله -تبارك وتعالى-، لهم مغفرة لذنوبهم سواءً كانت في هذا الباب إن كان قد ظهر منهم هذا؛ أو مغفرة لكل ذنوبهم، وأجر عظيم عند الله -تبارك وتعالى- باستجابتهم لأمر الله -جل وعلا-.

ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}[الحجرات:4] {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الحجرات:5]، هذه صورة كذلك من إساءة الأدب ومن رفع الصوت على النبي -صلوات الله والسلام عليه-؛ وإن كان من وراء الحجرات، وقد قيل بأنه جاء بعض الوفود من هؤلاء الأعراب للنبي -صل الله عليه وسلم- ولم ينتظروا خروج النبي، وفد قادم ما انتظر أن يخرج النبي -صل الله عليه وسلم- ولم يطرقوا بابه بأدب، وإنما نادوه من خلف حجراته؛ يا محمد اخرج لنا قد أتيناك نُفاخرك، معنا شاعرنا ومعنا خطيبنا فاخرج إلينا، بهذه الصورة التي تدل على الجهالة وإساءة الأدب مع النبي -صل الله عليه وسلم-؛ ومناداته من خارج الحجرات على هذا النحو، وليس طرق بابه بأدب والإنتظار أو السلام والاستئذان... لا، إنما جاء وفد من الخارج فيقوم يتصيَّحوا من خلف الحجرات؛ أخرج لنا، فقال -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ}، والنداء برفع أصوات، {مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ}، والنبي -صل الله عليه وسلم- في بيته، من وراء الحجرات؛ من وراء الجدران ينادونه، {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}، أكثر هؤلاء لا عقل لهم، فإن هذه ليست صورة من صور الأدب والأخلاق مع النبي -صلوات الله والسلام عليه-؛ وليس هذا أمرًا حسنًا، {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ........}[الحجرات:5]، لو أنهم صبروا فلم يرفعوا أصواتهم على هذا النحو، ولم يُزعجوا النبي وينادوه بهذا النداء من خلف الجدران على هذا النحو، {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}، هذا خيرًا لهم أنهم تخلَّقوا بالأخلاق والأدب الصحيح وانتظار أن يخرج النبي -صلوات الله والسلام عليه-، فربما كان في بعض حاجته؛ ربما ليتهيأ لاستقبال هذا الوفد، فينتظروا حتى يخرج لهم النبي -صلوات الله والسلام عليه-، قال -جل وعلا- {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، ختام هذه الآية أن الله -تبارك وتعالى- غفور رحيم، لأن هؤلاء الذين صدر منهم مثل هذا إنما صدر عن جهالة؛ وعن أخلاق التعرُّب والبادية، فلم يتأدَّبوا بالأدب اللائق ففتح الله -تبارك وتعالى- لهم باب التوبة والمغفرة، قال والله غفور؛ مُسامح -سبحانه وتعالى-، رحيم بعباده -جل وعلا- أنه لم يؤاخذهم بهذا؛ فيقفل عليهم الباب ويُعاقِبهم.

ثم قال -جل وعلا- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:6] {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}[الحجرات:7]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، خطاب بعد خطاب؛ بعد خطاب ...، يُنادي الله -تبارك وتعالى- عباده المؤمنين، ويأتيهم الله -تبارك وتعالى- بهذا الأدب -أدبًا بعد أدب- ليتأدَّبوا له، قال {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، الفاسق هو الخارج عن طاعة الله -تبارك وتعالى-، والفسق قد يكون بالأمر الصغير؛ فإن سِباب المؤمن فسوق، وجاء هنا في باب استعجال بالحُكم على شيء قبل التأكُّد منه، وقد يكبر الفسق حتى يصبح كفرًا وخروجًا عن طاعة الله -تبارك وتعالى-؛ فالفسق درجات، {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، بنبأ؛ النبأ هو الخبر العظيم، فتبيَّنوا يعني تبيَّنوا هذا الأمر؛ الخبر الذي جائكم به هذا الفاسق، ومعنى تبيَّنوه يعني تثبَّتوا منه وتحققوا هل هذا الخبر صحيح أم ليس بصحيح، {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ}، فربما هذا الفاسق نقل قولًا لم يتأكَّد منه ولم يتثبَّت منه فتُصيبوا قومًا بجهالة، فتعملوا بمُقتضى خبره الذي لم يتثبَّت منه فتقعوا في خطيئة، {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ}، بأن تحكموا عليهم بحُكم مبني على الجهل في هذا الخبر المنقول لكم، {فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، بعد ذلك إذا تكشَّف الأمر وعلمتم أنكم قد عملتم بخبر لم يُتبيَّن منه ولم يصِح فتندموا على ما فعلتم، قيل أنها نزلت في أن النبي -صل الله عليه وسلم- أرسل أحد أصحابه ليأتيه بزكاة قوم؛ أرسله لبني المُستلَق ليأتي بزكاتهم، فلمَّا ذهب إليهم وعلموا بقدومه استعدوا له واستقبلوه؛ استقبلوه في عُدَّتهم وخيلهم، فنظر من بعيد ووجدهم على هذا النحو فظن أنهم إنما يستعدون لقتاله؛ وأنهم سيقتلوه أو يأخذوه، فرجع دون أن يتبيَّن الأمر، ثم حَكَمَ وأخبر النبي بالظن الذي ظنه في القوم، وأنهم منعوا صدقة أموالهم؛ واستعدوا لقتله، وأرادوا أن يبطشوا به، فالنبي لمَّا سمع بذلك طبعًا لابد أن يأخذ الأُوهبة والعُدَّة التي يُعاقَب بها هؤلاء، فلمَّا استعد النبي لذلك عند ذلك الله -تبارك وتعالى- أخبر النبي بحقيقة الأمر -صلوات الله والسلام عليه-، وفي إخبار في الأمر أن النبي لو أرسل جيشًا لمُعاقبة هؤلاء ونفَّذ فيهم الأمر بمُقتضى هذا الخبر لوقع من هذا شر عظيم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ........}[الحجرات:6]، أخذ أهل العلم من هذا أن خبر الصادق الأمين؛ المؤمن، الذي ليس على فسق، وصاحب العقل، فإنه يؤخّذ خبره ويُقبَل خبره، وهذا الذي سار عليه نقلة الحديث عن النبي -صلوات الله والسلام عليه-، فإن مَن عُرِفَ بالصدق وعُرِفَ بالأمانة يعني العدل الضابط فإنه يؤخّذ خبره عن النبي -صل الله عليه وسلم-، أما الفاسق الذي خرج إذا كان فِسقه لم يُخرِجه من الدين فإنه يُتبيَّن فيه، ولذلك قُبِلَ أهل الحديث خبر بعض أهل البدع مع أن هذه البدعة نوع من الفسق، أما البدعة التي لا تخرج بهم إلى الكفر مادام أنهم صادقين؛ إذا عرفوا أنهم من أهل الصدق فإنهم كانوا يخبرون أخبارهم، كما روى البخاري عن أكثر من سبعين ممَن رُموا ببدعة، فاليبيُّن إنما يكون في خبر الفاسق وهذا معناه أن يُقبَل خبره مع التثبُّت؛ هل صدق في خبره أم لا؟ ولا يُرَد مطلقًا؛ يعني خبر الفاسق لا يُرَد مطلقًا وإنما يُتبيَّن فيه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ........}[الحجرات:6]، تثبَّتوا من هذا، {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ}، اتِّباعًا لهذا الخبر الذي لم يتبيَّن فيه صاحبه، {فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، عندما يتبيَّن لكم أنكم اتَّبعتم أمر لم يكن على الحق والبينة تندموا على هذا.

قال -جل وعلا- {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}[الحجرات:7]، {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ}، قدِّروا هذا وعظِّموه أن فيكم رسول الله -صل الله عليه وسلم-، وكون أن الرسول فيهم -صل الله عليه وسلم- فهو شاهد على أفعالهم، ثم إنه له مكانته -صلوات الله عليه وسلم- وله منزِلَته، وأن كل أمر يفعله النبي -صلوات الله والسلام عليه- فهذا أمره يكون تشريع، فكل أمر يفعله وكل أمر يتركه هذا تشريع وذلك أنه يعمل بأمر الله -تبارك وتعالى-، هو قدوة للمسلمين وهو فعله؛ فإذن قدِّروا هذا، فنقل خبر غير صحيح إلى النبي -صل الله عليه وسلم- ليكون من بعد أمر يُبنى عليه غير صحيح يكون هذا شر وضرر عظيم جدًا للمسلمين؛ لأن فعل النبي تشريع، ولذلك لمَّا نُقِلَ للنبي -صل الله عليه وسلم- خبرًا غير صحيح من بني أُبيرِق الذين سرق منهم سارق، ثم جائوا فنقلوا إلى النبي جادلوا عن صاحبهم وألقوا التهمة على غيره، والنبي -صل الله عليه وسلم- أراد أن يُعاقِب هذا الغير، الله -تبارك وتعالى- أنزل الأمر الذي يُبيِّن حقيقة الأمر وقال لرسوله -صلوات الله والسلام عليه- {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}[النساء:113]، فقول الله {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ}، ومعنى أن يُضِلوا النبي -صل الله عليه وسلم- أن اتهموا غير المتهم الحقيقي؛ ودفعوا التهمة عن المتهم الحقيقي، وهذا إدلاء بأمر خطر؛ فإذا النبي -صل الله عليه وسلم- حكَم وعاقب هذا فيكون هذا أمر فيه خطورة جدًا لأن هذا رسول الله -صلوات الله والسلام عليه-.

هنا الله -تبارك وتعالى- يقول للمؤمنين {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ}، إياكم أن يُدلي أحد عنده بخبر غير الصدق، وأن يقع بعد هذا أمر من النبي -صل الله عليه وسلم- فيكون فيه ضرر عظيم ليس على مَن مع النبي فقط؛ بل على مَن بعده كذلك، فقدِّروا وجود النبي -صل الله عليه وسلم- فيكم وكذلك نزول الوحي؛ أن الوحي ينزل عليه -صلوات الله والسلام عليه-، فإن الوحي إذا نزل كذلك يدمغ مَن تعجَّل في أمر أو مَن كذَبَ فيه فيكون أيضًا هذا ضرر عظيم عليه، {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ}، لو يُطيعكم النبي في كثير من الأمر؛ في أمور كثيرة، لعنتم؛ حصل لكم عنَت شديد ووقع بهذا شدة عليكم، وقد كان النبي -صل الله عليه وسلم- في هذا يقول «ذروني ما تركتكم، إنما كان مَن أهلك قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم»، فكان كثير من الأمور يُترَك المسلمين ألا يسألوا عنها حين يُنزَّل القرآن وأنه يجب أن يُترَك هذا لأمر النبي -صلوات الله والسلام عليه-؛ أمر التشريع، الأمر هذا يُترَك حتى يُنزِل الله -تبارك وتعالى- فيه ما يُنزِل، كما قال النبي لِمَن قال لمَّا قال النبي «أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحُجوا، فقالوا أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال النبي لو قلت نعم لوجبت ولَمَا استطعتم، ذروني ما تركتكم»، ذروني ما تركتكم؛ اتركوا الذي أتركه ولم يأتي فيه فاتركوه، «ذروني ما تركتكم، إنما كان مَن أهلك قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم»، فكثرة المسائل هذه تؤدي إلى ضرر؛ فقد يأتي فيها تشريع، «إن أعظم المسلمين جُرمًا مَن سأل عن شيء لم يُحرَّم فحرِّم من أجل مسألته»، كذلك مَن ينقل إلى النبي خبر غير مُتأكَّد منه فيه ضرر، فإن النبي قد يتحرَّق قلبه نحو هذا الذي نُقِلَ فيه هذا الخبر، فإذا كان هذا الخبر غير صحيح يكون قد أوقع النبي في أمر عظيم؛ ووقع بهذا بلاء على المسلمين، يعني كأن الله -تبارك وتعالى- يقول لهم إياكم ثم إياكم أن تنقولوا للنبي إلا ما تأكدتم منه وما تثبَّتم منه، وأنه لا يجوز أن يُنقَل للنبي خبر فيه ظن وفيه شك.

{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ ........}[الحجرات:7]، جعل الإيمان حبيب إلى قلوبكم تحبونه، ومن الإيمان طاعة الله؛ وطاعة رسوله، والانتظار بما يحكم -صلوات الله والسلام عليه-، وانتظار أمره والاستجابة له، وعدم إيصال أي خبر إليه إلا الخبر المُتأكَّد منه؛ الموثوق منه تمامًا، وكان النبي لا يحب أن يُنقَل إليه خبر من أحد إلا أن يكون سليم الصدر نحو أصحابه -صلوات الله والسلام عليه-، {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}، زيَّنه؛ جمَّله، جمَّل الإيمان في قلوبكم، ومن الإيمان طاعة الله -تبارك وتعالى-؛ وطاعة رسوله، ومحبة الله، ومحبة رسوله، والإزعان لذلك، {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}، جعل الكفر والفسوق والعصيان؛ كل درجات معاصي الله -تبارك وتعالى-، والتي أعلاها الكفر؛ والفسوق دونه، والعصيان مجرد معصية ولو في الأمر الإلهي؛ الأمر النبوي، يأمر بأمر ولو صغير هذا أصبح عندهم عظيم في قلوبهم، يعني المؤمنون المخلصون يعظُم في قلوبهم أن يُخالفوا أمر الله -تبارك وتعالى- وأمر رسوله في الصغير والكبير، {أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}، الذين اتصفوا بهذه الصفة هم الراشدون؛ الذين رشدوا، والرُشد ضد الغي، والذين رشدوا يعني هداهم الله -تبارك وتعالى- إلى طريق الحق وبلغوا درجة الرشد، والرشد هو النضج الذي يجعل الإنسان راشد؛ يستطيع أن يُميِّز بين الصواب والخطأ، بين الحق والباطل، بين الهُدى والضلال، بين فائدة اتِّباع الحق وبين ضرر الخروج عنه، فهؤلاء هم الراشدون الذين أعطاهم الله -تبارك وتعالى- هذه الصفات، {........ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}[الحجرات:7]، نسأل الله –تبارك وتعالى- أن يجعلنا من هؤلاء.

نقف هنا، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.