الأحد 20 شوّال 1445 . 28 أبريل 2024

الحلقة (65) - سورة البقرة 226-230

إن  الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

أما بعد  فإن خير الكلام كلام الله –تبارك وتعالى- وخير الهدى هدى محمد -صلى الله وعليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار,  وبعد أيها  الإخوة الكرام,

  يقول الله -تبارك وتعالى- {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:226] {وإن  عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:227]، بعد أن بين لله –تبارك وتعالى- أحكام الأيمان  وأنه من حلف على يمينه خيرا فإنه لا يجعل اليمين معترضًا بينه وبين فعل الخير فليكفر عن يمينه ويأتي بالذي هو خير،  وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خير منها إلا كفرت عن يمينه وأتيته الذى هو خير»، وكذلك بيان الله –تبارك وتعالى- وسماحه لعباده المؤمنين أنه لا يؤاخذاهم على الأيمان التي تخرج منهم لا يعقدونها بقلوبهم ولا يقصدونها وإنما  تجرى على ألسنتهم قال: -جل وعلا- {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}[البقرة:225].

 ثم قال: -جل وعلا-لِلَّذِينَ {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ: يُؤْلُونَ} يحلفون, والألية هو الحلف {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِم} بمعنى أنه  يحلف ألا  يدخل على امرأته   فهذا الذي يحلف لله –تبارك وتعالى-ألا  يعاشر امرأته  لا يدخل عليها قد أباح الله –تبارك وتعالى-له أن يكون هذا بالحد الأدنى أربعة أشهر، { قال: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرالتربص: الانتظار هذا آخر حد يمكن أن يترك الرجل معاشرة أهله وزوجه.

  قال: -جل وعلا- {فَإِنْ فَاءُوا} ومعنى فاءوا رجعوا إلى المعاشرة لأزواجهم وطبعا المعاشرة بالمعروف قال: -جل وعلا-   {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:226] مسامح –سبحانه وتعالى- كريم، فالمغفرة هي المسامحة وستر العيب ومحو الذنب فمن رحمة الله–سبحانه وتعالى- بعباده أنه أباح لهم ذلك لما في هذا قد يكون المصلحة لتقويم المرأة،  فقد تُقَوم المرأة بهجرانها فترة لعله ينصلح حالها إذا كان ثَم أمر يستدعي ذلك وقد ألا  النبي -صلى الله عليه وسلم- من نسائه شهرًا ثم دخل عليهن بعد الشهر.

قال: -جل وعلا- {وإن  عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:227] – أي إنه بعد انتهاء هذه المدة الذي حلف ألا  يدخل على زوجته فله أربعة أشهر انتظارها سماحًا له,  وبعد ذلك لابد أن يحدد مصير العلاقة بينه وبين الزوجة {فإن فاءوا} ورجعوا {فإن الله غفور رحيم وإن  عَزَمُوا الطَّلاقَ} بعد ذلك  {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، وقول الله -تبارك وتعالى-: {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }هذا أيضا فيه تحذير وتخويف منه -سبحانه وتعالى- أنه سامع كلام كل عباده مطلع  –سبحانه وتعالى- عليم بأحوالهم, أي فليتقِ العبد ربه ولا يتجاوز الحد الذى حده  الله -تبارك وتعالى- ولا يعتدي ولا يظلم .

ثم قال: -جل وعلا- {والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، {والْمُطَلَّقَاتُ }جمع مطلقة وهي المرأة التي - يفارقها زوجها,  أخبر –سبحانه وتعالى-: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}، والتربص: الانتظار يجب أن تتربص بنفسها فلا تخرج عن عصمة هذا الزوج وتتزوج بغيره وإنما  تبقى معلقةً أيضا بالعقد والزوج ثلاثة قروء.

 والقُرء : هو دورة شهرية كاملة أي هو مجموع الحيض والطهر.  المرأة  الحائض البالغ التي لم تبلغ سن اليأس يعتريها  حيض وطهر ثم  حيض وطهر ثم  حيض وطهر،  فمجموع هذه الفترة حيض وطهر والتي تكون غالبًا عند عامة النساء في شهر عربي أي  مقدار شهر عربي يقل أو  يكثر هذه الدورة قرء.

{ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ والتربص }- ثلاث دورات شهرية تبدأ بطهر وتنتهي ببداية الطهر الرابع،  هذه هي الفترة العدة تعتد بها المطلقة وتكون هي في هذه الحالة مازالت مُعَلقة بالعقد إذا جاوزت هذه ثلاثة قروء بانت من زوجها وخرجت منه وأما في أثنائها فإن للزوج أن يراجعها {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}.

 قال: -جل وعلا- {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة:228] {لا يَحِلُّ لَهُنَّ } أي للنساء أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، وما يخلق الله في الرحم إما الولد وإما الحيض،  إذ قد يكون قد خلق الله -تبارك وتعالى- في رحمها ولدًا عندما أوقع زوجها الطلاق،  أو أنها تأتيها دورتها المعتادة،  فلا يحل لها أن تكتم هذا حتى تطيل فترة العدة أو تقصر من فترة العدة حتى تخرج،  بل يجب أن تلتزم حد الله -تبارك وتعالى- ولا تكتم ما خلق الله في رحمها إما بالولد وإما بالحيض.

 {إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر} [البقرة:228] - إن كانت حقًا مؤمنة بالله واليوم الآخر فإنه لا يجوز لها أن تكتم ما خلق -تبارك وتعالى-  عندها؛ وذلك  لأنه  يترتب على هذا الكتمان مفاسد عظيمة طبعًا إذا كان الكتمان للولد فهذا أعظم المفاسد قد تتزوج بعد انتهاء العدة ويكون هذا الولد الذي من الزوج الأول ينسب  بعد ذلك للزوج الآخر فيكون هذا جريمة كبرى، وقد أدخلت على رجل آخر ما ليس من أولاده.

   وأما  إذا كان بتقصير العدة وتطويلها فهذا كذلك فيه ظلم لذلك قال: -جل وعلا- {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر} [البقرة:228] فإن كانت مؤمنة حقًا تتقي الله -تبارك وتعالى- فلا يجوز لها الكتمان.

 ثم قال -جل وعلا-: {وَبُعُولَتُهُنَّ َأحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا}} [البقرة:228] {بُعُولَتُهُنَّ} أزواجهن البعل الزوج َ{أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} أي إلى عصمتهن وإلى عقد النكاح في ذلك - في هذه مدة القروء الثلاثة{ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} إن أراد أن يصلح ما بينه وبين زوجه ويعود مرة ثانية للعشرة بالمعروف والاستمرار في عقد الزواج.

 وجعل الله -تبارك وتعالى-هذا الأمر إصلاح لأن بقاء العقد لا شك أنه خير من قطيعته فبقاء النكاح إصلاح وأما  القطع فهو نوع من الفساد؛  لأنه فرقة وشتات {إن أَرَادُوا إِصْلاحًا}.

  قال: -جل وعلا- {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] ولهن للنساء{ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف} لهن من الحقوق  مثل الذى عليهن من الواجبات،  كلٌ بالمعروف،  فقد وزع الله -تبارك وتعالى- الحقوق والواجبات بين الزوج وزوجه بين الراجل والمرأة بعدله –سبحانه وتعالى- وإحسانه وحكمته بين عباده -سبحانه وتعالى-.

 ثم قال: -جل وعلا-{ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ }[البقرة:228] جعل الله -تبارك وتعالى- درجةً على المرأة،  قال: أهل العلم إن  هذه الدرجة هي القوامة، وهي أن يكون عقد النكاح بيده فهذه درجة جعلها الله –تبارك وتعالى- للرجل أن يكون هو القائم على البيت كما قال: -تبارك وتعالى- {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}[النساء:34]،  وكذلك من هذه الدرجة أن يكون عقدة النكاح بيده فهو الذي ممكن أن يحل هذه العقدة بإرادته المستقلة،  فلا يشترط أن تجتمع إرادته مع إرادة الزوجة على الطلاق بل بإرادة مستقلة يمكن أن يفصم هذه العقدة فهذه الدرجة كذلك أن عقدة النكاح هي درجة.

 {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:228] الله عزيز غالب -سبحانه وتعالى- لا يغلبه أحد وقد شرع لعباده ما شرع من كونه العزيز الحكيم الذي يضع الأمور في نصابها –سبحانه وتعالى- فهو الغالب الذي لا يغلبه أحد وهو الحكيم الذي يضع كل في نصابه وهذه التشريعات من مقتضى عزته وحكمته –سبحانه وتعالى-

ثم قال: -جل وعلا-{الطَّلاقُ مَرَّتَان}  الطلاق هذا هو الشرع الذي شرعه الله –تبارك وتعالى-، كما هو بين في الآية السابقة أنه يوقع الطلاق تتربص المطلقة بنفسها ثلاثة قروء للرجل حق أن يعيدها إليها قبل انتهاء هذه المدة،  فهذا الطلاق الذي يسميه أهل العلم:  الطلاق الرجعي مرتان -،  يطلق ثم في أثناء العدة يردها مرة ثانية ثم له بعد ذلك أن يطلق ثم  أن يردها إلى عصمته قبل انقضاء العدة،  فالطلاق الذي يحل للرجل فيه أن يعيد امرأته  إلى  عقد النكاح مرة ثانية مرتان.

 {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوف} إما أن يمسك بالمعروف،  والمعروف: هو المشروع الذي شرعه الله  لأن الله لم يشرع إلا بالعُرف وما تعرفه القلوب الطيبة وما هو الحق –سبحانه وتعالى-،  فما  عرفنا  الله –تبارك وتعالى- به هو المعروف،  وكذلك هو موافق الفطرة  السليمة وما تعرفه وما تنكره القلوب الطيبة،  فكل ما يدخل في ما شرعه الله –تبارك وتعالى- ومما  يعرفه وما لا ينكره أهل الفطر السليمة والقلوب الطيبة هذا داخل في هذا،  {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} - بدون سبً وبدون تشهير وبدون قهر ودون فرض شروط لم يأذن بها الله –تبارك وتعالى- وبالمعاشرة الواجبة بأن  ينفق النفقة الواجبة بـأن  يتسامح كل منهما فإنهما زوجان كل هذا داخل في معنى المعروف،{  فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} - أن الرجل يمسكها في عقد النكاح أي المرأة التي طلقها وأرجعها بالمعروف.

 {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} تسريح الطلاق من السراح – الإطلاق، { بِإِحْسَانٍ} دون سب ودون شتم ودون قطيعة ودون تقبيح ودون ظلم،  فليكن الرجل محسنًا عندما يسرح زوجته ينبغي أن يكون هذا بإحسان بأن يوفيها حقها الذي أعطاها ماله عنده لا يظلمها بشيء لا يقبح لا يكون هناك سباب ولا شتائم ولا تخاصم،  بل هذا أمر عقد زواج ميثاق غليظ اجتمع في طاعة الله ومراد الله إذا افترقا يفترقان كذلك بطاعة الله ومراد الله –تبارك وتعالى- ما دام أنهما  لم يستطيعا أن يواصلا المسيرة أ{َوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}

قال -جل وعلا- : {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة:229] لا يحل لكم أيها الرجال أن تأخذوا مما آتَيْتُمُوهُنَّ أي النساء شيئا,  وشيئا نكرة أي شيء ولو كان شيئا قليلًا، {مما  آتَيْتُمُوهُنَّ} سواء كان بالمهر الذي هو بعقده النكاح أو بالهبة أو بالفرض،  فإذا فرض لها شيئًا افترض لها شيئًا وهبها شيئًا، فهذا كله ما أعطاها كل ما ملكها إياه فإنه لا يجوز للرجل أن يسترد منه شيئا.

قال: -جل وعلا-{ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] إ{ِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} أن يكون طلب الطلاق من جهة المرأة وأنه لا بأس ولا مشكلة عند الرجل في بقاء الزواج، ولكن المرأة لا تريد استمرار هذه العلاقة،  ففي هذه الحالة أخبر –سبحانه وتعالى- أنه  لا جُناح على الرجل أن يسترد مما أعطاها أو ما أعطاها ما دام أنها لم تقم معه حدود الله، وأن  تقيم معه حدود الله من الطاعة والإنابة والمعاشرة بالمعروف كرهته لسبب أو لآخر في غير ما بأس،   إذا كرهته أقلته في بأس لأنه لا ينفق عليها ولا يعطيها ما أوجب الله -تبارك وتعالى- عليها أهانها فإذا كان ثمة بأس هنا الأمر يختلف،  فهنا يكون تطليق للضرر أما إذا كان رجل لا بأس في عشرته وهو ينفق والمرأة لا تحتمله لسبب أو لآخر مما ليس بأسًا في الشرع إ{ِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّه} فهي تقول: لا أستطيع أن أعيش معك كزوج،  وهو لا يرى أن بهذه الصورة يمكن أن تبقى زوجة له ما دام أنها قلته وتريد فراقه فأباح الله –تبارك وتعالى- عند ذلك

 قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ }يقيم كل من الزوج والزوجة حدود الله التي حدها الله –تبارك وتعالى- الواجب الذي  أوجبه الله على الرجل والواجبات التي أوجبها على المرأة  كل نحو الآخر.

 قال: -جل وعلا- {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ }[البقرة:229] (عليهما) على الرجل والمرأة {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} خروجًا من عقد النكاح.

 ثم قال: -جل وعلا-{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} تلك التي بينها الله –تبارك وتعالى- على هذا النحو من أن الطلاق مرتان،  الطلاق الذي يجوز فيه الرجعة،  وأن المرأة إذا أرادت فراق زوجها فإن له أن يسترد إما شيئا  مما أعطاها وإما  كل ما أعطاها كما حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك للصحابية فاطمة بنت أبى  سلول،   التى جائت وقالت: يا رسول  الله «والله لا أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفران في الإسلام» أكره أن أكفر ببقائي معه، لا أطيقه بوده قالت وأبغضه بغضًا شديدًا،  وكان سبب بغضه أنها كرهت شكله قالت: أطلعت فرأيته قادمًا مع رفقة له فإذا هو أقمؤهم وأدممهم خلقًا قالت: الرجل لا خُلُقه ولا دينه هو ذو خلقً طيب ومعاشرةً طيبة  ولكني أبغضته،  فقال لها النبي أتردين عليه حديقته - التي أصدقك قالت: وزيادة فقال لها النبي: " أما الزيادة فلا"  ثم قال لزوجها خذ الحديقة وطلقها استعد منها  مهرك الذي دفعته وطلقها تطليقًة.

فقول: الله –تبارك وتعالى-{ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ}[البقرة:229]، فهذه هي الحدود التي أحدها الله –تبارك وتعالى- لكم في هذا الأمر{ فَلا تَعْتَدُوهَا} الاعتداء هو التجاوز لا تتجاوزوا به الحدود سواء في المواقيت فيما يأخذ فيما يدع فكما شرع الله –تبارك وتعالى- هذا الأمر فيجب الالتزام به.

 قال:-جل وعلا- {ومن يتعدى حدود الله} يتجاوز هذه الحدود {فأولئك هم الظالمون} أولئك المتعدون لحدود الله أولئك هم الظالمون،  والظلم هو وضع الشيء في غير محله وذلك لأنه وضع بدلا من أن  يضع عند أمر الله الطاعة وضع عند أمر الله –تبارك وتعالى- المعصية فهو ظالمً بذلك .

ثم قال:-جل وعلا-{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة:230] فإن طلقها – أي  بعد المرتين مرة طلقها واستردها في العدة، وطلقها المرة الثانية واستردها  في العدة،  ثم إذا طلقها الثالثة هنا فإن طلقها أي – الثالثة.

 {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}  إذا وقع الطلاق الثالث فقد بانت منه فهذا ما يسميه أهل العلم بالبينونة الكبرى بانت منه البينونة الكبرى، فلا يستطيع أن يستردها وأن يرجع إليها مرة ثانية إلا بأن تنتهي عدتها تتزوج برجل آخر زواجًا اختياريا وليس لحيلة الرجوع ويطلقها هذا الآخر ثم إذا أراد الزوج الأول أن يتزوجها فله ذلك.

  وقلنا إنه  لابد أن تنكح زوجا غيره نكاحًا صحيحا شرعيًا بإرادتين  متفقتين لا على التحليل، وإنما على   النكاح المؤبد الذي يُراد له الاستمرار لأجل النكاح ليس أن يحلها - للزوج الآخر،  فإن هذا النوع من النكاح هو ما يسميه العلم نكاح التحليل نكاح فاحش ومحرم،  وقد لعن النبي فاعله قال -صلى الله عليه وسلم- «لعن الله المحلِل والمحلَل له»  وفي الحديث "ألا أدلكم على التيس المستعار قالوا: من يا رسول الله قال: المحلل والمحلل له"،   فالمحلل : هو ذلك الذي يتزوج امرأة ثم يطلقها حتى يحلها لزوجها الأول،  والمحلل له : هو الزوج الأول الذي أراد أن يرجع الذي زوجته مرة ثانية بعد أن طلقها ثلاث فيجعل الآخر بتزوجها ثم يطلقها حتى - في ظنه أنها تحل له،  والحال أنها لا تحل له لأن هذا الزواج باطل وما يبنى  عليه فهو باطل فهذا الزواج باطل وبالتالي يكون رجوع المرأة إلى زوجها الأول باطلا كذلك؛ لأنه  بُني على باطل،  فقول الله –جل وعلا- {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] نكاحًا صحيحًا.

 {فَإِنْ طَلَّقَهَا}- هذا الآخر الذي تزوجها بعد أن طلقها الأول ثلاث مرات طلقها كذلك اختيارًا وليس طلقها ليحلها قال: –جل وعلا- { فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة:230] {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}على كل من هذا الزوج والزوجة أن يتراجعا مرة ثانية والتراجع هنا إنما هو بعقد جديد ومهر جديد وليس كإرجاع المطلقة في العدة.

قال: -جل وعلا- {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}[البقرة:230] -{ إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} مرة ثانية  فلا بأس،  وقول الله هنا {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}، وهذا لأن هذا الزوج وتلك الزوجة قد مضى لهما عشرة وقد طلقها هذا الرجل ثلاث طلقات،  طلقها وردها طلقها وردها وتزوجت غيره فإن بعد ذلك طلقها وردها وطلقها وردها ثم طلقها هذه الطلقة الثالثة ثم تزوجت زوجًا غيره،  فهذا له تجربة طويلة فلا ينبغي له أن يعود لتلك الزوجة التى سلف منه أنه  طلقها ثلاثة إلا  أن ظنا أن يقيما حدود الله،  والظن هنا غلبة  - رجحان فإذا بالفعل ترجح عنده أنه سيقيم حدود الله مع هذه المرأة وهي كذلك ظنت أن تقيم معه حدود الله - حياة الأزواج بالمعروف،  وكلٌ يقيم حدود الله مع الآخر فلا بأس أن يتراجعا {فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيم حدود الله}

 قال -جل وعلا-:{ وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون} تلك هذه الحدود  حدود الله –عز وجل- والله -تبارك وتعالى- يبينها لقوم يعلمون القوم الذين يعلمون أن هذا من الله،  هؤلاء هم الذين يستفيدون إذا علموا أن هذا كلام الله تبارك وتعالى وأن تلك هي حدوده فامتثلوا لهذا فهؤلاء الذين يستفيدون بهذا, أما إذا  لم  يكونوا من أهل العلم والفقه فإنهم  مهما بينت لهم هذه الحدود فإنهم لا يلتزمون، { وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون} فـخـص الذين  يعلمون لأن من يعلم هو الذي يمتثل أمر الله تبارك وتعالى.

 ثم قال جل وعلا{وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} {وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} هذا أي تطليق{ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} بلغت الأجل الذي هو قال الله -تبارك وتعالى-{ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ }وهو نهاية الثلاثة قروء هذا بالنسبة للمرأة التي تحيض أومن شأنها أن تحيض.

 أما المرأة الحامل{ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ} جاء في سورة الطلاق {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}فهذه أجلها  بوضع الحمل.

 وأما المرأة الصغيرة التي لم تحض بعد أو الآيسة التي انقطع عنها الحيض فإن هذه أجلها ثلاثة أشهر كما قال -تبارك وتعالى- {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} فهذان نوعان من النساء أجل العدة ثلاثة أشهر.

 إذن عندنا ثلاثة أنواع من العدة أو الأجل المرأة التي تحيض فهذه ثلاثة قروء، والحامل أجلها وضع الحمل،  والآيسة والصغيرة التي لم تحض بعد فهذه أجلها ثلاثة أشهر،  فقول الله -تبارك وتعالى-{ وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وبلوغ الأجل هنا - قبل - البلوغ لابد أن يكون هذا قبل بلوغ، { فبلغن أجلهن} أي وصلن قرب نهاية الحد لأنه إذا بلغ الأجل ولم يحصل الإمساك بمعروف فإنه قد تكون بانت منه.

 {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }هذا إذا أراد أن يعيد زوجته مرة ثانية إلى عصمته ويستمر عقد النكاح أو{ سَرِّحُوهُنَّ بمعروف}والسراح بالمعروف - إن طلقها بعد ذلك بمعروف فإنه وقع منه الطلاق فإذا جاوزت الحد هذا الذي حده الله وهو الأجل فقد سُرحت وقول الله -تبارك وتعالى- بالمعروف وقد بينّا أن هذا ليس معه سب ولا شتم ولا تقبيح ولا منع لحقوقها.

 ثم قال جل وعلا {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة:231] لا تمسك المرأة مضارا لها، بأن  يقارب الأجل ينتهي فيقول راجعتك،  ولا يكون قصده أن يراجعها وإنما قصده أن يضاررها وأن يرجعها مرة ثانية لعقد النكاح ثم يظلمها وتبقى ثم إذا حان وقت يطلقها من جديد ثم إذا قارب خروجها من العدة أرجعها مرة ثانية،  فيمسكها من أجل الإضرار ولا يمسكها من أجل أن يعيشا  كزوجين، { وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا }

قال جل وعلا{ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } - فالذي يمسك زوجته قبل انتهاء العدة بقصد الإضرار فهذا ظالم لنفسه وهو ظالم لزوجه, لكن  هذا الظلم يعود إليه ويعود عليه لأنه اكتسب إثما والذي اكتسب إثما فيكسبه على نفسه  فقد ظلم نفسه.

أدركنا الوقت في هذه الأيام مزيد تفصيل نرجعه إن شاء الله الحلقة الآتية أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد