الأحد 23 جمادى الأولى 1446 . 24 نوفمبر 2024

الحلقة (655) - سورة ق 30-36

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ}[ق:19] {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ}[ق:20] {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}[ق:21] {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق:22] {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}[ق:23] {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}[ق:24] {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ}[ق:25] {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ}[ق:26] {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}[ق:27] {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ}[ق:28] {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[ق:29] {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}[ق:30] {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}[ق:31] {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}[ق:32] {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}[ق:33] {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ}[ق:34] {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[ق:35]، يخبر -سبحانه وتعالى- عن حال الإنسان الكافر عند الموت بعد الموت؛ ما الذي سيكون له؟ قال -جل وعلا- {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ}، سكرة الموت؛ أخذه، غشيته، عندما يبدأ ملَك الموت يأتيه وينزع الروح منه، تأتي بالحق لأن الكافر يُعاين الحق الذي كان يُنكِره ويجحده قبل ذلك؛ يُعاين ملَك الموت، يُعاين ملائكة العذاب، يرى موقعه من النار قبل أن تُنزَع روحه، فتأتيه بالحق؛ هذا هو الحق الثابت الذي كان يكون عنه أنه باطل ويُنكِره، فهذه السكرة؛ هذه الغشية، غشية الموت هي التي أتته بالحق الذي كان ينصرف عنه ويحيد منه، قال -جل وعلا- {........ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ}[ق:19]، ذلك؛ هذا الحق، هو الذي كنت منه تحيد؛ يعني أنك تميل عنه ولا تريد سماعه.

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ........}[ق:20]، هذا يوم القيامة، هذا حاله عند الموت، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ........}[ق:20]، يوم القيامة، {........ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ}[ق:20]، اليوم الذي تهدد الله -تبارك وتعالى- فيه الكافرين وتوعَّدهم فيه بالعذاب؛ وأن عذابه كائن في هذا اليوم لا محالة، {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}[ق:21]، كل نفس من هؤلاء الكفار، بل كل نفس للبشر تأتي معها سائق؛ يسوقها، وشهيد؛ يشهد عليها، الملائكة الذين كانو يُدوِّنون على هذا الإنسان كل أمر من أموره، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق:16] {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}[ق:17] {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18]، فهذا كان في الدنيا ويوم القيامة يأتي الملَكان؛ هذا يسوقه، وهذا يشهد عليه، {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا}، للكافر، أيها الكافر كنت في غفلة من هذا؛ عن هذا المصير، وعن هذا الأخذ، وعن سوقك على هذا النحو إلى النار، {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ}، بالموت، كأنه كان مُغطَّى؛ على عينه غشاوة، وقلبه كان مُظلم؛ مُقفَل، لمَّا كُشِفَ الغطاء وكُشِفَ الغطاء بالموت ومعاينة الآخرة، {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}، حاد البصر لا يضيع عنك شيء، بل ترى الأمور على حقائقها، هذه الأمور التي كانت كأن غطاء مُسدَل بينك وبينها، كما قال -جل وعلا- في الكفار {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[مريم:38]، أسمع بهم وأبصر؛ ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة، كل شيء خلاص؛ أمام السمع والبصر الآن، يُعاين الحقائق كما هي، لكن في الدنيا كانوا في سد وفي غفلة عن هذا، {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق:22].

{وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}[ق:23]، {وَقَالَ قَرِينُهُ}، القرين الأول هذا هو الملَك المُقارن له؛ الذي جاء به، {........ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}[ق:23]، حاضر، يعني ما كلَّفتني به يا رب هذا هو حاضر؛ قد سوقته وأتيت به، فيُقال لهم {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}[ق:24]، أمر من الله -تبارك وتعالى- بأن يُلقى في جهنم كل كفَّار؛ شديد الكفر، عنيد، {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ}[ق:25]، صفات الكفر، هذا الكفر الأكبر وهو الجحود والتكذيب بيوم القيامة وفروعه؛ فروع الكفر، فإن من فروع الكفر منع الخير؛ والاعتداء، والريب، والشك، كلها من فروع كفره، {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ........}[ق:26]، هذا ذنبه الأعظم وهو أنه قد أشرك بالله؛ جعل مع الله -تبارك وتعالى- إله أخر يُعبَد من دونه، وكل كافر له إله غير الله -تبارك وتعالى-؛ فإنه في كل الأحوال عابد لهواه، {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}[الفرقان:43]، قد سار في هذه الدنيا يعبد هذا الهوى ويسير فيه حيث سار؛ وهذا هو مبتغاه ومراده، فكل كافر وكل مشرك له إله غير الله -تبارك وتعالى-، {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ}[ق:26]، عذاب النار -عياذًا بالله-، {قَالَ قَرِينُهُ}، أي الذي أضله؛ القرين هنا الذي أضله، {........ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}[ق:27]، يُريد أن يعتذر وأنه لم يكن إضلاله له، كل مُضِل يتبرَّأ ممَن أضلهم بدءًا بالشيطان الأكبر؛ إبليس، ونهاية بكل مَن دعى إلى ضلالة يتبرَّأ ممَن أضلهم؛ ويتبرَّأ من فعله هذا، {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}[ق:27].

قال -جل وعلا- {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ}[ق:28]، لا تختصموا يعني هذا الضال ومَن أضله، {........ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ}[ق:28]، لكليكما؛ فإن الله -تبارك وتعالى- قد أنذر الجميع، {........ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ}[ق:28] {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ........}[ق:29]، حُكم الله -تبارك وتعالى- في أن عذابه واقع بالكفار؛ وأن مَن أتاه مجرمًا فإن له النار، هذا لا يتبدَّل؛ هذا حُكم إلهي ولا يتبدَّل، {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[ق:29]، عندما يأمر الله -تبارك وتعالى- بإلقاء هؤلاء في النار وإبقائهم فيها فإنه ليس بظُلم لهم، فإن الله -تبارك وتعالى- لم يُحمِّلهم ذنبًا لم يفعلوه؛ ولا يُحمِّلهم ذنوب غيرهم، ولا يأخذون الجزاء إلا الموافق للذنب، {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:26]، ثم قال -جل وعلا- {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}[ق:30]، هذا حال النار، جهنم هي هذا البئر العميق؛ ذو الاتساع الهائل، والتي تلتهم كل ما يأتيها من الأفواج، {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ}[الشعراء:94] {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ}[الشعراء:95]، فيُرمى فيها من أهلها فوج إثر فوج؛ إثر فوج، إثر فوج ...، وهي تسع هؤلاء؛ لا تمتلئ بهم، {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ ........}[ق:30]، أي بعد كل فوج، {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}، يعني إذا كان ثَمَّ مزيد، هل من مزيد؛ طلب للزيادة، وقد جاء في الحديث «الجنة والنار احتجتا إلى الله -تبارك وتعالى-، فقالت أُثِرتُ بالكبراء؛ والعظماء، وأشراف الناس، وملوكهم، وقالت الجنة مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم؟»، فالنار تقول أنا أُثِرت بكبراء الناس؛ أشرافهم، وملوكهم، والجنة تقول لماذا لا يدخلني إلا ضعفاء الناس؟ «فحكم الله -تبارك وتعالى- بينهم فقال للجنة أنتي رحمتي؛ أصيب بكي مَن أشاء، وقال للنار أنتي عذابي؛ أصيب بكي مَن أشاء، ولكل منكما ملئها»، كل واحدة ستملأ؛ الجنة يملأها الله -تبارك وتعالى- بالصالحين، والنار يملأها بالجبابرة والمتكبرين، «ولكل منكما ملئها»، ثم قال «فأما النار فإنه كلما أُلقي فيها فوج تقول هل من مزيد؟ حتى يضع رب العِزَّة قدمه فيها فيدخل بعضها إلى بعض وتقول قطِن قطِن؛ أو قَطني قَطني»، يعني يكفيني يكفيني، فلا تكتفي وهي تطلب المزيد إلا بأن يضع رب العِزَّة -سبحانه وتعالى- قدمه فيها فتقول قطِن قطِن، {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}[ق:30]، أي طلب للزيادة.

ثم قال -جل وعلا- {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}[ق:31]، زمانًا ومكانًا، أُزلِفَت؛ قُرِبَت، أُزلِفَت الجنة؛ قُرِبَت الجنة لأصحابها، {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ........}[ق:31]، ها دول أصحاب الجنة، أصحاب الجنة المتقين؛ الذي خافوا الله -تبارك وتعالى-، الذين اتقوا الله -تبارك وتعالى-؛ خافوا عقابه في الدنيا، {........ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}[ق:31]، مكانًا؛ تُقرَّب لهم، وكذلك زمانًا؛ فإن كل آتٍ قريب، مادام هو آتٍ لابد أن يكون قريبًا، والجنة آتية لا محالة لأهلها، {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ}، أمَن وَعَدناه وعدًا حسنًا؛ هذا المؤمن الذي وَعَدَه الله وعدًا حسنًا بالجنة، فهو لاقيه ولابد؛ لأن وعْد الله -تبارك وتعالى- لابد أن يتحقق، {........ فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}[القصص:61]، لا يكون هذا مثل هذا؛ مُحضَرين العذاب، فهذه الجنة آتية آتية، فهي قريبة لأنها آتية، مادام أنها آتية وحتمًا آتية فهي قريبة، وكذلك تُقرَّب لهم الجنة وهم في الموقف، {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}[ق:31]، وقول الله -تبارك وتعالى- هنا {غَيْرَ بَعِيدٍ}، بُشرى لعباده المؤمنين أنها قريبة؛ ستصلوها.

{هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}[ق:32]، هذا؛ الإشارة إلى الجنة التي أصبحت قريبة وأمام العين، {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}[ق:32]، والجنة تُقرَّب للمؤمن أولًا قُرب اعتقادي؛ فإنه يعتقد بأنها قريبة منه، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك»، وتُقرَّب له فيراها عند الموت؛ قبل الموت يرى مكانه في الجنة، يُقال له هذا مكانك، وفي القبر بعد فتنة القبر وسؤال القبر يُقال له هذا مكانك يوم يبعثك الله، فيقول ربي أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي، فيُقال نم نومة العروس التي لا يوقظها إلا أحب أهلها إليها، ينام الليلة هذه كمَن ينام أسعد ليلة في حياته، يُقال له نم؛ ستقوم وتدخل الجنة، {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}[ق:31] {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ ........}[ق:32]، رجَّاع إلى الله -سبحانه وتعالى-، الأَوب؛ الرجوع، كثير الرجوع إلى الله -تبارك وتعالى-، والمؤمن هكذا رجَّاع؛ دائم الاستغفار، والرجوع إلى الله -تبارك وتعالى-، والخروج من الذنب، «كل ابن آدم خطَّاء وخير الخطَّائين التوابين»، والمؤمن مطلوب منه العودة دائمًا إلى الله -تبارك وتعالى-، في كل وقت يعود إلى الله بالاستغفار؛ والتوبة، والإنابة، وكان رسول الله؛ سيد البشر -صل الله عليه وسلم-، إمام المتقين؛ الذي لا أتقى منه، لم تعرف الأرض أتقى منه؛ وأخوف لله -تبارك وتعالى- منه، وأعلم بالله منه، كان دائم الاستغفار، يقول عبد الله ابن عمر كُنَّا نعُد لرسول الله في المجلس الواحد أكثر من مائة استغفار، مائة استغفار يستغفرها في المجلس الواحد -صلوات الله والسلام عليه-، والنبي يقول «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب إلى الله في اليوم أكثر من سبعين مرة، أو كما قال -صلوات الله والسلام عليه-»، دائم الاستغفار، الاستغفار هو عمل دائب لأهل الإيمان كما قال -تبارك وتعالى- {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات:18]، عن أهل الإيمان؛ ينتظرون وقت السحر الذي هو أفضل وقت لاستغفار الرب -تبارك وتعالى-، {........ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}[ق:32]، حفيظ يعني محافظ على أمر الله -تبارك وتعالى- وعلى حدود الله -تبارك وتعالى-؛ الصلاة محافظ عليها، الصوم محافظ عليها، يعني كل ما فرض الله -تبارك وتعالى- محافظ عليه، فهذا الأَوَّاب؛ الرجَّاع إلى الله -تبارك وتعالى- بالتوبة خوفًا من التقصير، خوف من التقصير في أنه قصَّر في أن لم يفعل واجبًا أو فعل مُحرَّمًا؛ فدائم وكثير التوبة إلى الله -تبارك وتعالى-، ثم المحافظة يعني كان محافظًا توَّابًا؛ هذا أمر عظيم جدًا، فهذه صفة للمؤمن في كل حياته، {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}[ق:32].

{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}[ق:33]، فهذا الأوَّاب الحفيظ اللي هو المؤمن، {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ ........}[ق:33]، خاف الرحمن بالغيب؛ حال أن الله -تبارك وتعالى- غيب للمؤمن، الله غيب بالنسبة للمؤمن لأنه لا يراه، الله لا يُرى؛ فهو مُحتجِب بعظمته وكبريائه -سبحانه وتعالى-، فالله غيب، والملائكة غيب، ويوم القيامة غيب، هذه كلها غيب ونحن نؤمن بالغيب، أُمِرنا أن نؤمن بالغيب، نؤمن بالغيب؛ فكل مسائل الإيمان غيب، فالله في الغيب؛ ليس أمامه الله -تبارك وتعالى-، الله في الغيب بالنسبة للعبد المؤمن ولكنه يخافه؛ هو يخاف الله -تبارك وتعالى-، يعلم أن الله -تبارك وتعالى- مُطلِع عليه؛ يعلم سره، يعلم جهره، مؤمن به، مؤمن ليس فقط بأن الله -تبارك وتعالى- موجود، بل بأن الله -تبارك وتعالى- هو الرب الإله الذي أحاط بكل شيء عِلمًا؛ رب السماوات والأرض، المستوي على عرشه -سبحانه وتعالى-، الذي يُعذِّب أشد العذاب، ويُنعِم؛ ليس لنعمته حد -سبحانه وتعالى-، فهو الغفور الرحيم {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الحجر:49] {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ}[الحجر:50]، فهذا المؤمن كان يخاف ربه بالغيب، {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}[ق:33]، جاء يوم القيامة بقلب مُنيب؛ قلب راجع إلى الله -تبارك وتعالى-، قلب راجع إلى الله -تبارك وتعالى- يعني هارب من ذنوبه ومعاصيه وكل عودته إلى الله؛ يعني فار إلى الله -تبارك وتعالى-، {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}.

{ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ}، أمر الله -تبارك وتعالى- {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ}، هذا بالنسبة لأهل الجنة في مقابل قيل لأهل النار {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}[ق:24]، فالأمر الإلهي للمجرمين {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}[ق:24] {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ}[ق:25] {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ}[ق:26]، والأمر الإلهي لأهل الإيمان {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ}[ق:34]، ادخلوها أيها المؤمنون وهذه الجنة؛ الجنة التي أُزلِفَت، {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}[ق:31] {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}[ق:32] {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}[ق:33] {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ}[ق:34]، دخول الجنة هذا يدل على أن لها أبواب، وقد جاء أن الجنة لها ثماني أبواب؛ وكل باب من أبوابها قد سُمي بطاعة، عرَّفه الله -تبارك وتعالى- وسمَّاه الله -تبارك وتعالى- بطاعة من الطاعات؛ فباب الصلاة، باب الصوم، باب الريَّان، وباب للزكاة، وباب الوالد أعظم الأبواب، الوالد أوسط أبواب الجنة؛ يعني بر الوالدين، يعني مَن كان يبَر والديه، وباب الجهاد، فكل طاعة من هذه الطاعات لها باب يؤمَرون بدخوله، {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ}، بسلام؛ بسلامة، سلامة من كل الآفات، سلَّمهم الله -تبارك وتعالى-، كل الآفات وكل المصائب وكل المِحَن السابقة خلاص؛ يُسلَّمون منها تسليمًا، فقد سُلِّموا؛ سلَّمهم الله -تبارك وتعالى-، وكذلك بسلام؛ بأمن، وطمأنينة، وراحة، ورضا، فالسلام يشمل السلامة من كل آفة وكذلك سلام الأمن؛ والطمأنينة، والراحة، بسلام؛ والسلام من الله -تبارك وتعالى-، والله هو السلام والذي منه السلام -سبحانه وتعالى-، {........ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ}[ق:34]، ذلك؛ اليوم هذا الذي تدخلوا فيه الجنة، هو يوم الخلود؛ البقاء بقاءً لا ينقطع، أصل الخلود في لغة العرب هو المُكث الطويل، وهذا المُكث في الجنة أخبر الله -تبارك وتعالى- من أنه ليس نهاية ينتهي عندها؛ ما له حد يُقطَع فيه، يعني ليس زمانًا متطاولًا ثم له حد يُقطَع فيه... لا، بل أخبر -سبحانه وتعالى- أنه حبل ممدود أبدًا؛ لا ينقطع، {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}، عطاء لا ينقطع، ما يُقال لهم بعد مليون سنة؛ اثنين مليون، ألف مليون سنة، قد انتهى جزاؤكم وقُفِلَت الجنة؛ وانتهى الأمر، وأخذتم جزائكم، وكونوا ترابًا... لا، وإنما يبقون فيها بقاءً لا ينقطع، {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ}[ق:34]، البقاء الذي لا نهاية له ينتهي عندها.

ثم قال -جل وعلا- {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا ........}[ق:35]، هذا التعبير الإلهي يشمل كل شيء دون تعداد ما فيها، وإنما يخبر -سبحانه وتعالى- أن كل ما ما يشائون فيها، يشائون؛ يُريدون ويشتهون، كل الذي يُريدونه ويشتهونه ويتمنونه ويدَّعونه يجدونه لهم، وقول الله لهم؛ تمليك، أنه يُعطيهم هذا -سبحانه وتعالى-، {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[ق:35]، لدينا؛ عند الله -تبارك وتعالى-، مزيد؛ من هذا الذي يشتهونه، ومما لا يعلمونه؛ ولا يتخيلونه، ولا يتوهمونه، عند الله -تبارك وتعالى- مزيد، وقد جاء في الحديث «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت؛ ولا أُذُن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»، ما يخطر على قلب بشر من النعيم موجود، {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}، وقد جاء في الحديث أيضًا أن كل أسبوع يُزاد أهل الجنة، يُزادون في كل شيء؛ في بهائهم، وصورهم، وجمالهم، وما لهم، وكل ما يؤتَون، هذا يوم يُسمى يوم المزيد؛ اليوم الذي يُزادون فيه من فضل الله وإنعامه وإكرامه لهم في الجنة، يوم الجمعة، هذا يوم الجمة يجتمع فيه أهل الجنة في سوق الجمعة؛ سوق لا بيع فيه، وإنما كل أمر مشتهى مبذول، اجتماع ليجتمع أهل الجنة من أماكنهم فيه؛ يخاطبهم الرب -تبارك وتعالى-، ويتودد إليهم -سبحانه وتعالى-، هل تُريدون شيئًا أزيدكم؟ يقول يا ربي وماذا نُريد وقد بيَّضت وجوهنا؛ وأدخلتنا الجنة، وأعطيتنا ما لا عين رأت؛ ولا أُذُن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فعند ذلك الله -تبارك وتعالى- يكشف الحجاب عنه وجهه فيرون الله -تبارك وتعالى-، يرون أنهم لم يُعطوا شيء أعظم من رؤيتهم لربهم -سبحانه وتعالى-، ثم يزدادون بهاءً؛ وجمالًا، وعطاءً، إذا رجعوا إلى أهلهم قالوا لهم لقد ازدتم من بعدنا بهاءً وجمالًا، فيقولون والله وأنتم كذلك، فهذا يوم المزيد؛ اليوم الذي يُزادون فيه، {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[ق:35].

هنا الله -تبارك وتعالى- قد وضع أمام العباد في هذه السورة الصورتين متقابلتين، ما المصير الذي ينتظر الكفار؟ وما المصير الذي ينتظر أهل الإيمان؟ فأولئك أن يُقال لهم {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}[ق:24] {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ}[ق:25] {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ}[ق:26]، عذاب النار؛ يُلقى فيها، ويبدأ الصراع والسباب والشتام بين كل ضال ومَن أضله، {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}[ق:27] {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ}[ق:28] {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[ق:29] {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}[ق:30]، هذه صفحة هؤلاء المجرمين وكأن الله يقول انظروا هذه الصفحة؛ والله هو الذي يُحدِّث بها -سبحانه وتعالى-، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}، الصفحة الأخرى صفحة أهل الإيمان؛ يُحدِّث الله -تبارك وتعالى-بها، يقول ] {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}[ق:31] {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}[ق:32]، مَن الذي يتكلم بهذا الكلام؟ هذا كلام الله -تبارك وتعالى-، فعندما يقول الله وأُزلِفَت الجنة؛ قُرِبَت، الله هو الذي يتكلم -سبحانه وتعالى- وهو الذي يُصوِّر هذا لعباده، {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}[ق:31]، قريبة تراها، {هَذَا مَا تُوعَدُونَ ........}[ق:32]، أيها العباد، {........ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}[ق:32]، كُن هكذا؛ كُن رجَّاع إلى الله -تبارك وتعالى- حفيظ، رجَّاع من ذنوبك، التقصير؛ قصَّرت في ذنب ارجع، فعلت شيئًا مما نهاك الله -عز وجل- ارجع عنه، قصَّرت في واجب ارجع عن هذا واكمل الطاعة، {........ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}[ق:32]، محافظ على حدود الله -تبارك وتعالى- وأوامره، {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}[ق:33] {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ}[ق:34] {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[ق:35].

ثم قال -سبحانه وتعالى- بعد ذلك مبيِّن عبرة من العِبَر الماثلة في هذه الدنيا؛ هذا حديث عن الآخرة التي ستكون، حديث عن الواقع في هذه الدنيا، قال {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ}[ق:36]، وكم؛ كثيرًا، {أَهْلَكْنَا}، الله -سبحانه وتعالى- هو الذي أهلك إهلاك استئصال وإبادة، قبلهم؛ قبل هؤلاء المُكذِّبين من العرب ومن غير ممَن بُعِث فيهم النبي، من قرن؛ قرون، أمم عاشت مقترنة في وقت واحد كقوم نوح؛ وهود، وثمود، وعاد، وفرعون، {هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا}، هم يعني هؤلاء الذين أهلكهم الله -تبارك وتعالى-، أشد منهم؛ أشد من المُكذِّبين بالنبي محمد كالعرب وقريش، بطشًا؛ قوة وعقوبة لِمَن يُنزِلون بهم عقوبتهم في الحرب وفي غيرها، فأشد منهم بطش يعني أنهم كانوا ذوي قوة هائلة؛ وإذا بطشوا بعدوٍ بطشوا به، وأنزلوا العقوبة الشديدة به، كما قال هود لقومه {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ}[الشعراء:130]، بطش الجبارين العُتاة في أعدائهم، فالله يخبر بأنه قد كان أمم لها من القوة والمنَعَة ما لم يكن لقريش وللعرب وأهلكهم الله -تبارك وتعالى-؛ أزالهم عن وجه هذه الأرض وأهلكهم، {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ}، فنقَّبوا في البلاد يعني هذه الأمم نقبوا أرضها واستخرجوا معادنها؛ وبنوا البنايات العظيمة، وزرعوا، ودخلوا في مناقب الأرض، سافروا هنا، وسافروا هنا، واخترقوا جبالها وسهولها ممَن كان لهم هذه القوة، {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ}، هل وجودوا حيصة؟ يعني طريق للهروب عندما أنزل الله -تبارك وتعالى- فيهم عقوبته، لم تجد أمة من هذه الأمم ذوات البطش والقوة عندما نزلت بهم عقوبة الله -تبارك وتعالى-؛ لم يجدوا مكانًا يحيصون فيها عن العذاب ويهربون منه، فالغرق؛ قد جمع كل قوم نوح وأغرقهم كلهم، والغرق؛ قد جمع الله -تبارك وتعالى- قوم فرعون كلهم ووضعهم في البحر وأغرقهم جميعًا، والريح أزال الله -تبارك وتعالى- بها عاد، وثمود استأصلهم الله -تبارك وتعالى- بصيحة، وقرى لوط أفكها الله -تبارك وتعالى- على رؤوس أصحابها، ما وجد هؤلاء؟ هذه الأمم التي أهلكها الله -تبارك وتعالى- لم تجد طريقًا لتحيص فيه وتخرج فيه عن العذاب، بل أنزل الله -تبارك وتعالى- عقوبته يوم أنزلها عليهم؛ واستأصلهم الله -تبارك وتعالى-، {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ}[ق:36].

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق:37]، {إِنَّ فِي ذَلِكَ}، في إهلاك القرى السابقة، لذِكرى؛ أمر يُتذكَّر به، يُتعَظ ويُعرَف به الحق بس لكن لِمَن كان له قلب؛ اللي عنده قلب يفهم ويعقل، {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}، ألقى السمع يعني إلى هذا الكلام؛ كلام الله -تبارك وتعالى-، وهو شهيد؛ وهو حاضر، أما أن يُلقي السمع وقلبه غير موجود؛ فمن الناس مَن يسمع لكن قلبه شارد، قلبه شارد فيبقى كأنه لا يسمع، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق:37].

نقف هنا -إن شاء الله- ونكمِل -إن شاء الله- السورة في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.