الخميس 20 جمادى الأولى 1446 . 21 نوفمبر 2024

الحلقة (658) - سورة الذاريات 20-30

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}[الذاريات:15] {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ}[الذاريات:16] {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات:17] {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات:18] {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[الذاريات:19] {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ}[الذاريات:20] {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:21] {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}[الذاريات:22] {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}[الذاريات:23] {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}[الذاريات:24] {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ}[الذاريات:25] {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ}[الذاريات:26] {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ}[الذاريات:27] {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ}[الذاريات:28] {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ}[الذاريات:29] {قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}[الذاريات:30]، يخبر –سبحانه وتعالى- في هذه السورة؛ سورة الذاريات، بما أعدَّه الله -تبارك وتعالى- لعباده المتقين، قال {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}[الذاريات:15] {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ}[الذاريات:16]، ذِكر الله -تبارك وتعالى- للمتقين جاء في إثر ذِكره -سبحانه وتعالى- للمجرمين؛ المُكذِّبين بيوم القيامة، الذين قال -تبارك وتعالى- فيهم {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}[الذاريات:10] {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ}[الذاريات:11] {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ}[الذاريات:12]، قال -جل وعلا- {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}[الذاريات:13]، يُفتَنون؛ يُحرَقون في النار، ثم يُقال لهم بعد ذلك {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}[الذاريات:14].

ثم ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك عباده المؤمنين المتقين فقال {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}[الذاريات:15]، جنات؛ بساتين، وعيون؛ مياه جارية لا تتغير، {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ}، كل ما آتاهم إنهم راضون به، آخذونه يعني مستمتعون به إلى حد الاستمتاع، {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ}[الذاريات:16] {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات:17] {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات:18] {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[الذاريات:19]، وصَفَهم الله -تبارك وتعالى- بهذه الصفات العظيمة وهذه الأعمال العليا اللي هي أشرف الأعمال؛ الصلاة بالليل، والاستغفار وخوف الله -تبارك وتعالى- بالأسحار، يعني أنهم صلوا الليل واستغفروا في الأسحار، ثم إن أموالهم فيها حق للسائل والمحروم؛ الحق الذي أحقه الله -تبارك وتعالى-، وكذلك في المال حق سوى الزكاة كما أخبر النبي -صلوات الله والسلام عليه-، هذه هي القِسمة وهذه هي النهاية؛ فريق الجنة وفريق السعير، أهل التقوى وأهل الفجور، أهل الفجور وأهل التكذيب يوم القيامة هذا مصيرهم، وأهل التقوى لله -تبارك وتعالى- هذا مصيرهم.

قال -جل وعلا- {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ}[الذاريات:20]، هنا يوجِّه الله -تبارك وتعالى- نظر عباده -سبحانه وتعالى- أن يستدلوا بهذا الكتاب المنظور على ما يخبرهم الله -تبارك وتعالى- به، فقال -جل وعلا- {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ}[الذاريات:20]، في الأرض التي نعيش عليها آيات كثيرة؛ جبالها، سهولها، أنهارها، بحارها، محيطاتها، ما بث الله -تبارك وتعالى- فيها من دابة، نباتها، كل جزء من جزئيات الأرض آية من آيات الله -تبارك وتعالى- وإن دق، فورقة الشجة آية؛ مصنع كامل يصنع ويعمل، كل جزئية من جزئيات هذه الأرض آيات تدل على هذا الخلْق العظيم، وكيف بهذه الآية المجموعة؛ الأرض؟ وقد رأى الناس الآن أن هذه  الأرض في دورانها حول نفسها وفي دورانها حول الشمس كيف يجمعها الله -تبارك وتعالى-، هذا كان الأول قديمًا معروف بالبرهان العقلي، أصبح الآن معروف بالدليل النظري؛ بالحس والمشاهدة، ولكن الكافر لا يسأل نفسه؛ كيف يكون هذا؟ كيف تكون هذه الأرض وهي تدور على هذا النحو؟ معلوم أن الدوران فيه طرد مركزي؛ نظرية الطرد المركز، الشيء يطرد ما في المركز إلى الأطراف، لِما لا تطرد الأرض وهي في دورانها الأشياء من عليها لتتناثر في الفضاء وهي بهذه السرعة وبهذا الدوران؟ ما هذه القوة الجاذبة التي تجمع ما على الأرض وتُثبِّته هذا التثبيت؟ لماذا لا تتناثر محيطات الأرض؛ وجبالها، وعماراتها، تتناثر في الفضاء في حال هذا الدوران؟ لا يسأل الناس هذا، الأرض بكل ما فيها آيات، يخبر الله -تبارك وتعالى- آيات كما قال -تبارك وتعالى- {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[البقرة:163] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[البقرة:164].

وهنا يقول الله -تبارك وتعالى- {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ ........}[الذاريات:20]، لكن للموقنين؛ لأهل اليقين، لِمَن يستفيد بهذا الدليل والبرهان فيُفيده العِلم اليقيني، العلِم اليقيني يؤدي أولًا إلى أن هذا الكون والأرض جزء من هذا الكون لها إله عظيم؛ خالق خلقها على هذا النحو، ثبَّتها على هذا النحو، ولابد أن يكون قادرًا ولابد أن يكون عليمًا في منتهى العِلم، لابد أن يكون مُتصِف بصفات القوة؛ كيف يُمسِكها هذا الإمساك في مدارها وفي مسارها على هذا النحو؟ عِلمه بأن كل صغير وكبير سائر في نظام دقيق؛ مَن الذي يُنظِّم لها هذا النظام؟ إذن ربها، إذن هذا الرب لو عُلِمَ بأدلة الربوبية إن لابد أن له مقصِد حكيم، لأن الذي يفعل هذا الفعل لابد أن يكون إلهًا حكيمًا، ثم رحيمًا؛ فإن كل الخلْق قائم على الرحمة، انظر الطير مع فراخه؛ والفرس مع أولادها، كل أمر إنما يقوم على الرحمة، انظر رحمة الله -تبارك وتعالى- بهذا الإنسان؛ كيف يرحمه بهذا المناخ المتغير المتجدد على الأرض؟ بهذا المطر النازل؟ بهذا الزرع الصاعد؟ بهذا الرزق القائم؟ لابد أن يكون فاعل هذا رب رحمن -سبحانه وتعالى-؛ فهو الله الرحمن، لا يمكن أن يكون قد خلَّى خلْقَه سُدىً وعبثًا، مَن يخلُق هذا الخلْق لا يمكن أن يكون عابثًا ولاعبًا؛ إذن هو له طريق ومنهج، انظر فهو -سبحانه وتعالى- قد أرسل الرُسُل من عنده -سبحانه وتعالى- بالكتب المُنزَّلة من عنده بالهداية؛ بالدعوة إليه، بتبصير العباد بمبتدأهم؛ ومنتهاهم، وميعادهم، وما يُراد منهم، فالاستدلال بهذه الآيات المنظورة على ما دعت إليه الرُسُل من التعريف والتعليم بالله -تبارك وتعالى-، لكنه إنما يكون هذا لأهل اليقين؛ هذه الآيات إنما تُفيد أهل اليقين، أما أهل الشك والكفر ينظرون إلى هذه الآيات ولا فكر ولا نظر، {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}[يوسف:105]، وانطماس بصيرة بعد ذلك فيقيم هذا الإنسان لنفسه إله من دون الله -تبارك وتعالى-، إله تافه لا ينفع نفسه فضلًا عن أن ينفع عابده، كيف يكون الصنم إله؟ وكيف يكون ما تصنعه بيدك إله؟ وكيف يكون شيء مُسخَّر كالأرض وفي السماء مثل الشمس وغيرها تكون إله يُعبَد من دون الله -تبارك وتعالى-؟ فينتكس الإنسان ويعبد ما لا يُفيده، فهؤلاء أهل العمى عند ذلك لا يُفيدهم النظر في هذه الآيات، {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ ........}[الذاريات:20]، لكن للموقنين.

{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:21]، في نفسك أنت أيها الإنسان أنت بِنية؛ مبني هذا البناء في غاية الإحكام، انظر هذا الإحكام الذي أُحكِمت به؛ هذه العظام المنصوبة نصب عظيم، الإنسان فيه 360 عظمة كلها مرتبط بعضها ببعض بأربطة؛ وبنظام عصبي يُدير هذه البِنية، وبدورة دموية توزِّع، وبنظام للعمل والهضم، وبأنظمة هائلة جدًا لا يمكن أن يُحصيها عد ولا كتاب؛ كلها تقوم منتظمة، بل بكل ذرَّة من كيان الإنسان، الخلية الواحدة الحية؛ الإنسان في ستين مليار خلية، كل خلية إنما تقوم بعمل منتظم؛ مصنع كامل منتظم، أولًا تحمل الصفات الوراثية للإنسان؛ الصفات الخاصة به، إسمه فيها هذا، إسمه؛ شفرته الخاصة في كل خلية من خلاياه، خلايا عظامه، خلايا مخه، خلايا دمه، خلايا لحمه، خلايا جلده، أي خلية من هذه الخلايا تحمل نفس الصفات التي لهذا الإنسان؛ ولا يمكن أن تتشابه مع مخلوق أخر من كل هذه المخلوقات، مع إنسان أخر؛ لا مع أبيه، ولا مع أمه، ينتمي انتماء فقط لكن أن يتطابق لا، فهذا الإنسان بهذه الأجهزة الكاملة؛ وبهذا النظام، وبهذا الإحكام، وبهذا البناء، {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ........}[الإنسان:28]، {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ}[البلد:8] {وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ}[البلد:9]، يقول الله -تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار:6] {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}[الانفطار:7] {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار:8]، فهذا الإنسان ألا ينظر في خلْقِه؟ ينظر في هذه القدرة العظيمة؛ قدرة الرب الإله -سبحانه وتعالى-، الذي سوَّاه هذه التسوية وهو لا يستطيع أن يخلُق ذرَّة منه ولا يُقيم شيء؛ شعرة من شعراته لا يستطيع أن يُقيمها على الوجه الذي يُريد، وإنما إقامتها؛ خلْقُها، ونماؤها، وفعلها، وتغذيتها إلى الله -تبارك وتعالى-، فالله يقول -جل وعلا- {وَفِي أَنفُسِكُمْ ........}[الذاريات:21]، أي آيات، {........ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:21]، يعني هلَّا أبصرتم هذا، أفلا تُبصِرون؛ تنظرون نظر البصر لهذه الآيات التي جعلها الله -تبارك وتعالى- في أنفسكم.

ثم قال -جل وعلا- {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}[الذاريات:22]، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ........}[الذاريات:22]، الرزق اللي هو كل ما ينتفع به الإنسان من طعامه؛ وشرابه، ولباسه، ومسكنه، وغيره، فأولًا رزق العباد في السماء هو ماء المطر الذي يُنزِله الله -تبارك وتعالى-؛ هذا الذي هو أساس الحياة كلها، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}، فهذه دورته في السماء ويُنزِله الله -تبارك وتعالى- إلى هذه الأرض؛ يكون به النبات، يكون به الحيوان، تكون به حياة الإنسان، لا تستمر دورة الحياة إلا بهذا، ثم إن خزائن الرزق كلها هي عند الله -تبارك وتعالى- كما قال -جل وعلا- {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}[الحجر:21]، كل خزائن الرزق عند الله -تبارك وتعالى-؛ المال، الأولاد، الأرزاق، ما توعَدون كله بيد الله -تبارك وتعالى-، فالله هو مالِك المُلك ومقاليد السماوات والأرض -سبحانه وتعالى- بيده، فأقدار العباد عنده -سبحانه وتعالى-، وأرزاق العباد بيده -سبحانه وتعالى-، فهو الذي عنده كل الأمر -سبحانه وتعالى-، ففي السماء رزقكم والله -تبارك وتعالى- في السماء؛ فوق سبع سماواته، فوق عرشه -سبحانه وتعالى-، وهو الذي يُنزِّل لعباده -سبحانه وتعالى- ما يشاء من الأرزاق، يقول النبي «يد الله ملئى سحَّاء الليل والنهار، ألم تروا ما أنفق منذ خلَقَ السماوات والأرض؟ فإنها لم تُغِض ما في يمينه»، فالله هو الذي خلْق كل شيء؛ مقادير كل شيء، رزق العباد كلهم -سبحانه وتعالى-، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[هود:6]، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}[الذاريات:22]، والذي توعَدونه كذلك عند الله -تبارك وتعالى-، توعَدونه من اليوم الآخر؛ الجنة التي وعَدَها الله المتقين، النار، كل هذا بيده وعنده -سبحانه وتعالى-، فالأمر كله عند الله -تبارك وتعالى-، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}[الذاريات:22].

{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ........}[الذاريات:23]، يُقسِم الله -سبحانه وتعالى- بنفسه؛ واصفًا نفسه -سبحانه وتعالى- بأنه رب السماوات والأرض، ربها خلْقًا؛ مالكها، المُتصرِّف فيها، فهو الرب على الحقيقة، الرب بمعنى المالك، والرب بمعنى الخالق، والرب بمعنى المُربِّي، فالله -تباك وتعالى- هو رب السماوات والأرض؛ هو سيد السماوات والأرض، هو مالكها، هو الذي أنشأها من العدم، وهو الذي بناها -سبحانه وتعالى-، وهو المُتصرِّف فيها كل تصرُّف، الشمس والقمر لا يتصرَّفا تصرُّف؛ لا يسير في مداره وفي فلَكِه إلا بالأمر الإلهي، {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}[الرحمن:5]، كل شيء، وكل مخلوق لا حركة له ولا سكون إلى بأمر الله -عز وجل-، {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى}[النجم:42] {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}[النجم:43] {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}[النجم:44] {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}[النجم:45] {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}[النجم:46] {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى}[النجم:47] {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}[النجم:48]، كله بيده؛ فالإحياء، والإماتة، والسرور، والغم، والبكاء، والضحك، والهُدى، والضلال، والمرض، والصحة، كل التصريف لله -تبارك وتعالى-، لا يملك مخلوق لنفسه نفعًا ولا ضرًا إلى ما شاء الله -تبارك وتعالى-؛ الله المُتصرِّف، {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:62]، هو المتوكِّل بكل شيء -سبحانه وتعالى-، يعني كل شئون مخلوقاته الله -سبحانه وتعالى- هو الموكَّل بها -سبحانه وتعالى-، ولله -تبارك وتعالى- أسلم مَن في السماوات ومَن في الأرض، {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ........}[الذاريات:23]، إن الذي توعَدونه من أن هناك يوم قيامة وأنكم تقفون بين يدي الله ويُحاسبكم الله -تبارك وتعالى- حق؛ هذا ثابت، {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}، هل تشكون في نطقكم؟ هل يشك الإنسان في أنه موجود ينطق؟ فمثل ما أنت تنطق ولا تشك في هذا؛ ولا يدخلك ريب في هذا، فاعلم أن يوم القيامة هكذا؛ يوم القيامة حق ثابت على هذا النحو.

{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}، يُقسِم الله -سبحانه وتعالى- بنفسه، إنه؛ الذي توعَدونه أيها الناس، حق؛ ثابت، {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}، هذا الحديث بهذه الأدلة وبهذه البراهين وبهذا الإخبار؛ والله تبارك وتعالى- يُقسِم -سبحانه وتعالى- على ما يخبر به، وقولنا مرارًا بأن الله غني عن القسَم -سبحانه وتعالى-؛ أن يُقسِم لعباده ليُصدِّقوا، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}، ولكن الله -تبارك وتعالى- لم يترك لعباده عندما يُخاطِبهم أي دليل وأي برهان مما يجعلهم يُصدِّقون ما يخبر به الله -تبارك وتعالى- إلا ونزل في هذا القرآن، لأن الله -تبارك وتعالى- جعله خطاب رحمة؛ وخطاب عِظة، وخطاب موعظة، وخطاب نِذارة؛ هذا نِذارة للعالمين حتى يُقطَع كل عُذر بعد ذلك، فعندما يُعلَم هنا أن الله قد أخبر وأقسَم له -سبحانه وتعالى- على هذه الأمور أنها حق؛ وأنها لابد أن تكون، عند ذلك يبقى الذي كذَّب الله -تبارك وتعالى- في الدنيا مجرم، يوم القيامة ما يكون له أي عُذر عند ربه وعند خالقه، قد أخبرتك، قد أنذرتك، قد أقسمت لك، الله -تبارك وتعالى- قد أقسم له بأن هذا حق، ثم أن الكافر لمَّا رفض هذا ولم يرضَ بهذا يبقى انظر صورة الإجرام، أكبر إجرام هنا أنه رفض كلام الله -تبارك وتعالى- والله يُقسِم له؛ وهو لم يرضَ حتى بقسَم الله -تبارك وتعالى-، {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}[الذاريات:23].

ثم بيَّن الله -تبارك وتعالى- هنا مثَل؛ قصة هنا لعباده، يُبيِّن فيها هذه الحقائق، أول شيء عناية الله -تبارك وتعالى- بعباده المؤمنين مهما كانوا؛ ولو كانوا قِلَّة، ثم عقوبة الله -تبارك وتعالى- للمجرمين مهما كانوا، وهذا أمر قد جرى في الدنيا؛ وهذا قبل الآخرة، وهذا ليُستدل بعمل الله -تبارك وتعالى- وسُنَّة الله -تبارك وتعالى- في عباده في الدنيا؛ يعني هذه سُنَّته في عباده الصالحين المؤمنين، وهذا فعله -سبحانه وتعالى- وسُنَّته في المجرمين، فإذن يُستدَل بهذا الذي في الدنيا على ما سيكون في الآخرة، قال -جل وعلا- {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}[الذاريات:24]، إخبار هنا وأن هذا يخبره الله -تبارك وتعالى-؛ يخبر الله -تبارك وتعالى- رسوله، وجاء الإخبار هنا بصورة السؤال لتنشيط الذهن وللتوجيه إلى سماع حديث الرب -سبحانه وتعالى-، {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}، الضيف هو الزائر الذي يأتي ليزور ويسير؛ ليس مُقيمًا، إبراهيم؛ خليل الرحمن -عليه السلام-، {الْمُكْرَمِينَ}، يعني هم مُكرَمون عند الله -تبارك وتعالى- لأنهم  ملائكة من ملائكة الله -تبارك وتعالى-، والملائكة عباد مُكرَمون عند الله -تبارك وتعالى- كما قال الله -تبارك وتعالى- فيهم {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}[الأنبياء:26] {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء:27]، فهم مُكرَمون من الله؛ الله كرَّمهم -سبحانه وتعالى-، كرَّمهم في صفاتهم؛ وفي أخلاقهم، وفي خلْقِهم تكريم عظيم جدًا، فجعل خلْقَهم خلْق عالي؛ فخلقهم من نور، وعلى هيئات عظيمة وصور بديعة، كما قال -تبارك وتعالى- {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[فاطر:1]، ثم إكرامهم بأنهم لا يعصون الله -تبارك وتعالى-؛ في طاعة الله، في تسبيحه، في تحميده، {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ}[الأنبياء:20]، فهم رُسُل الله -تبارك وتعالى- المُكرَمون؛ ليسوا شياطين، ليسوا عُصاة، وإنما هم عباد مُكرَمون عند الله -تبارك وتعالى-، وكذلك أيضًا أن إبراهيم -عليه السلام- لمَّا نزلوا به أكرمهم، فإنه قد كان رجلًا مؤمنًا؛ صالحًا، نبي الله -تبارك وتعالى-، رسول الله، ومن صفته أنه كان مُكرِمًا لأضيافه -عليه السلام-، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}[الذاريات:24].

{إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا ........}[الذاريات:25]، دخلوا على إبراهيم؛ نزلوا عليه كأنهم أضياف أغراب، نزلوا وكانوا ثلاثة قيل أنهم جبريل -عليه السلام-؛ وميكائيل، وإسرافيل، فقالوا سلامًا؛ سلموا عليه، يعني نُسلِّم عليك سلامًا، {قَالَ سَلامٌ}، يعني سلام عليكم، {قَوْمٌ مُنكَرُونَ}، يبدوا أنه والله -تعالى- أعلم أنه لم يقلها هنا سلام قوم مُنكَرون، وإنما إنكاره لهم إنما جاء بعد ذلك عندما قدَّم لهم الطعام ووجد أنهم لا يأكلونه، كما في قول الله -تبارك وتعالى- {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ........}[هود:70]، يعني كان إنكاره لهم عندما وجد أنهم امتنعوا عن أكل طعامه؛ وأنهم يتظاهرون بالأكل وهم لا يأكلون، يعني يُقدِّمون أيديهم إلى الطعام ولكنهم لا يضعونه في أفواههم وإنما يردونه مرة ثانية، قال -جل وعلا-  {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ}، أي إلى الطعام، {نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ}، وعند ذلك أخبروه بصفتهم، أما في أول الأمر فإنه رحَّب بهم؛ وأدخلهم، وفعل لهم ما يستحقون من الضيافة وما هو جدير به من إكرام ضيفه.

قال -جل وعلا- {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ}[الذاريات:26]، راغ يعني انسل وخرج دون أن يُشعِرهم، ما قال لهم انتظروا هنا وأنا ذاهب سآتيكم بطعام ونحو ذلك... لا، وإنما قدَّم ضيافة سريعة ثم انسل دون أن يشعروا به، وفي الحال أمر خُدَّامه وغِلمانه أن يصنعوا لهم طعامًا، وصنع لهم طعام من أشهى ما يُقدَّم وأغنى وأبهى ما يُقدَّم؛ وذلك أنه جاء بعِجل سمين، والعجل ذكر من البقر وسمين وقرَّبه إليهم، وكان أيضًا في الآية الأخرى {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، حنيذ؛ مشوي على الرُضف، الرُضف اللي هي الحجارة المُحمَّاة، وهذه أفضل وأشهى طريقة في شواء اللحم على أحسن الصور، وأتى بعجل كامل، قال {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ}[الذاريات:26]، وفي الآية الأخرى قال {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، يعني أنه لم يغب عليهم ولم يؤخِّرهم وقتًا طويلًا؛ وإنما في التو والحال، في وقت قليل كان قد أعد لهم ضيافتهم، ثم قال -جل وعلا- {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ}[الذاريات:27]، يعني أنه نقله إلى أماكنهم ولم يُكلِّفهم أن يخرجوا من المكان إلى مكان أخر بعيد، وتقريبهم إليهم أيضًا هذا وجه من وجوه الإكرام في الضيافة، ثم قال لهم ألا تأكلون بالعرض؛ وكأنه يعرض عليهم، وأنهم فليتفضَّلوا هم عليه بأن يأكلوا من طعامه، كل هذا قد اجتمع فيه كرم الضيافة من إبراهيم -عليه السلام-، أول شيء هو خروجه دون إشعار منهم ودون إخبار لهم لأن يُجهِّز لهم ضيافتهم؛ وأن ينتقي عجل سمين، وأن يُنضِجه على هذا النحو ثم يُقرِّبه إليهم، ثم يعرض عليهم الأمر عرضًا.

قال -جل وعلا- {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}، وذلك عندما رأى أنهم لا يأكلون، كما في قول الله -تبارك وتعالى- السابق {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ........}[هود:70]، وهذا لأن الضيف إذا لم يأكل من طعام ضيفه يبقى هذا فيه أمر من الأمور؛ فخاف منهم  أنهم لِما لا يأكلون طعامه؟ {قَالُوا لا تَخَفْ}، عند ذلك أخبروه بأنفسهم وبوجهتهم، أولًا أنهم ملائكة وليسوا بشر وإنما جائوا في هذه الصورة على هذا النحو، وأخبروه بعد ذلك بوجهتهم بعد أن قال لهم {........ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ}[الذاريات:31]، {........ قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ}[الذاريات:28]، قالوا نحن جئنا نُبشِّرك بأن الله -تبارك وتعالى- سيرزقك ولد من زوجتك هذه التي عندك الآن؛ سارة، وكانت زيارتهم له في مدينة الخليل في فلسطين، وأنه سيأتيه غلام؛ ذكر، عليم؛ من أهل العِلم، فأخبروه أن هذه وجهتهم في زيارته أنهم أتوا من الرب -تبارك وتعالى-؛ وأنهم أرادوا أن يُبشِّروه هذه البُشرى.

قال -جل وعلا- {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ}[الذاريات:29]، امرأته كانت خلف الحجاب وسمعت كلام هؤلاء الأضياف؛ أنهم يُبشِّرونه بولد، كان إبراهيم في هذا الوقت سنة في المائة من عمره، وامرأته امرأة عجوز؛ في نحو الثمانين، فعند ذلك لمَّا سمعت هذا ضربت على رأسها من هَول المفاجأة؛ وأن الأمر هذا فاجأها، {قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}[هود:72]، فهي عجوز الآن، ثم أنها هنا قالت {عَجُوزٌ عَقِيمٌ}، أنها عند فتوتها وعندما كانت في وقت الإنجاب كانت عقيم؛ لا تلِد، فهي عقيم في الأساس؛ لا تلِد، ثم اجتمع لها الآن مع العقم كِبَر السن وأنها أصبحت عجوز، ثم إن زوجها الآن أصبح شيخ كبير، فكيف مع اجتماع هذا كله يكون لها ولد؟ {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ}، صَرَّة؛ صوت، يعني صوت كعادة النساء عندما تسمع شيء غريب، {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا}، صكَّت ليست يعني صكَّت الحزن وكذا وإنما الدهشة والمفاجأة لهذا الخبر العظيم، {وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ}، أنها عجوز وهي عقيم كذلك، عند ذلك {قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}[الذاريات:30]، كذلك؛ كهذا الأمر الذي نقول قال ربك، وإذا قال الله -تبارك وتعالى- انتهى الأمر وقُضي خلاص، قال ربك يعني خالقك، {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ}، الذي يضع الأمر في نِصابه، كون يجيء الولد وفي هذا الوقت وفي هذه السن هذا من حكمته -سبحانه وتعالى-، عليم بكل أمر -سبحانه وتعالى-، فهذا من عِلمه ومن حكمته -سبحانه وتعالى- أن يرزق إبراهيم وهو في هذه السن، وفي هذا آية من آياته -سبحانه وتعالى-، ويكون هذا هو الوقت المناسب وهو الأمر المناسب، {قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}[الذاريات:30]، فهذه البُشرى هي أول مهمة من المهمتين اللتين جاء هؤلاء الرُسُل بهما، فهذا كان أول شيء؛ أخبروه أن الله -تبارك وتعالى- قد أرسلهم إليه ليخبروه هذا الخبر.

سنعود -إن شاء الله- إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.